الاندماج الاجتماعي للجاليات المسلمة في هولندا
حميد الهاشمي
GMT 17:00:00 2010 الأربعاء 26 مايو
أضواء على مسألة الاندماج الاجتماعي للجاليات المسلمة في هولندا من خلال بعض الدراسات الهولندية 1-4
مقدمة:
في ظل تصاعد قضية حظر النقاب في بعض بلدان أوربا الغربية، وتكرر إثارة بعض المسائل الحساسة مثل "الرسوم الكارتونية المسيئة لنبي الإسلام" وغيرها، فإن مسألة الاندماج الاجتماعي للجاليات المسلمة في هذه البلدان باتت قضية مستمرة الإثارة. ويبالغ البعض فيها إلى درجة اعتبار أن مستقبل الإسلام والمسلمين قد وضع على المحك في هذه البلدان، وهي وجهة نظر أحادية ومبالغ فيها. ولكي تكون أحكامنا أكثر علمية لا بد لنا من عدم النظر إلى الآخر ككل وان لا نعمم أحكامنا، لا بد من مراجعة مصادر المعلومة ودوائر صنع القرار والمراكز العلمية والبحثية وما يصدر عنها، ناهيك عن الاستطلاعات التي تمثل رأي الشارع بصورة عامة. وتقييم ذلك في ضوء الثقافة العامة والتقاليد الاجتماعية والرسمية والشعبية، حتى نكون نظرة إجمالية غير منفعلة.
وفي هذا السياق سنتطرق هنا في هذه السلسلة إلى إلقاء الضوء على مسألة الاندماج الاجتماعي للجاليات المسلمة في هولندا من خلال بعض الدراسات العلمية الهولندية.
سؤال الإسلام في الغرب:
بعد انهيار الإتحاد السوفيتي خاصة والمنظومة الشيوعية عامة في بداية عقد التسعينات من القرن العشرين، ظهرت أطروحتان مهمتان في الفكر السياسي وهما "نهاية التاريخ The End of History" لفرانسيس فوكوياما، وأطروحة "صراع الحضارات Clash of Civilization" لصاموئيل هنتنغتن (Samuel Phillips Huntington) (1). وهما مفكران أميركيان. وقد كان الإسلام طرفا في الأطروحة الثانية لهنتنغتون خاصة. وما عزز وضع الإسلام في بؤرة هذه الأطروحة والترويج لها هو الخطاب والنهج العدائيين للغرب والثقافة الغربية من قبل الجماعات الاسلاموية المتطرفة. والأفعال التي استهدفت المدنيين في الغرب وخاصة اعتداءات 11 سبتمبر 2001، التي كانت بمثابة زال هز العالم، والاعتداءات الأخرى في كل من لندن ومدريد وغيرها. وقد تبنت تلك الجماعات تلك الأفعال. وكان لابد للعديد من بلدان أوربا الغربية أن تكون لها مواقفا وحسابات آنية ومستقبلية. ومن هذه الحسابات والموقف إزاء هجرة المسلمين إلى الغرب. وكان لا بد أن تكون بعض هذه المواقف مبنية على أساس دراسات علمية.
وباعتبار هولندا أحد دول أوربا الغربية التي لها مواقفا مساندة للولايات المتحدة التي تعد العدو الأول للجماعات المتطرفة، وكونها بلدا يحتضن جالية إسلامية يقترب تعدادها من المليون نسمة، لابد أن تكون أيضا جزءا˝ من الموضوع هذا. وعليه فإننا نستعرض هنا بعض الدراسات الهولندية التي أنجزتها جهات علمية أكاديمية، معظمها بتكليف أو تمويل من الجهات الحكومية الهولندية. وسنحاول قراءة مدى واقعية وعلمية تلك الدراسات، والتوصيات التي خرجت بها.
هولندا وهجرة المسلمين: (2)
إلى فترة قريبة، كانت هولندا حالها حال بلدان الشمال الأوربي، تتسم بالتجانس الثقافي، ولم تكن تعد من بلدان المغايرة الثقافية، سوى المغايرة المذهبية، التي ينقسم لها الدين المسيحي بصورة عامة في البلدان الغربية إلى كاثوليك وبروتستانت. رغم أن الوجود الإسلامي في الغرب ليس وليد الهجرات الأخيرة التي انطلقت قبل 50 سنة من العالم الإسلامي إلى الغرب بل هو قديم يعود إلى وصول المسلمين إلى فرنسا سنة 716 ميلادية عندما فتحوا مدينة ناريون، ثم مدينة تولوز سنة 721 ميلادية ومدينة ليون سنة 726 ميلادية ومدينة بورد سنة 731 ميلادية، وإبان الاحتلال الفرنسي لأفريقيا الذي بدأ في القرن السادس عشر فقد استقدم جيش الاحتلال الفرنسي آلاف الأفارقة المسلمين للعمل في المناجم والمصانع الفرنسية تماماً كما استقدم القراصنة الأميركان آلاف الأفارقة المسلمين إلى أميركا لبيعهم لاحقاً في أسواق النخاسة والرق وكان الكثير منهم يجهر بإسلامه وكتب عن تجربة العبودية الجديدة في أميركا. أما هجرة الهنود والباكستانيين المسلمين إلى بريطانيا فقد كانت متزامنة مع الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية، وفي مرحلة الاحتلال البريطاني للهند تدفق عشرات الآلاف من الهند وباكستان وبعض دول آسيا إلى بريطانيا وهم يشكلون الرعيل الأول من المسلمين في المملكة المتحدة. (3)
ولم تكن لتعرف الهجرة حتى بداية الستينات حينما بدا الانتعاش الاقتصادي يسودها وبدأت حاجتها إلى العمالة وهكذا بدأت باستقطاب أفواج من العمالة سواء من بلدان مستعمراتها السابقة (إندونيسيا, سورينام، جزر الانتيل الهولندية)، هذا إضافة إلى العمالة القادمة من تركيا والمغرب.
ولحد تاريخ 01-01-2001، فإنه يعيش في هولندا ما مجموعه 2.870.224 أجنبي، وذلك من مجموع شعب تعداده 16 مليون شخص وبنسبة 18 % من مجموع السكان، وواحد من ستة من السكان الهولنديين هو من أصل أجنبي. وينقسم هؤلاء الأجانب إلى 1.480.196 من أصول غير غربية، و 1.387.028 من أصول غربية. (4)
وقد أعلن مكتب الإحصاء الوطني الهولندي(CBS) أن عدد المسلمين في هولندا، وصل مع بداية عام (2004)، إلى 945 ألف شخص، 70 في المائة منهم من الجاليات المغربية والتركية. وأضاف أن العدد قد تضاعف خلال السنوات العشر الأخيرة. وتشير أرقام مكتب الإحصاء إلى أن المسلمين يمثلون 5.8% من إجمالي عدد سكان هولندا الذين يتعدون الـ 16 مليون نسمة. وتوقع مكتب الإحصاء أن يتجاوز عدد المسلمين المليون مع مطلع عام 2006. (5)
الجدول رقم -1- أعداد ونسب المسلمين إلى السكان في هولندا.
% إلى السكان أعداد المسلمين بالآلاف السنوات
0,4 54 1971
0,8 114 1975
1,7 236 1980
2,3 337 1985
3,1 458 1990
3,3 498 1991
3,5 534 1992
3,7 566 1993
3,9 602 1994
4,1 625 1995
4,2 654 1996
4,4 687 1997
4,6 724 1998
4,9 765 1999
5,1 801 2000
5,3 844 2001
5,5 886 2002
5,7 919 2003
5,8 944 2004
Reference: CBS,
http://www.cbs.nl/nl-NL/default.htm, 1-3-2007.
ويظهر هذا الجدول تزايد أعداد المسلمين خلال الثلاثة عقود والنصف الأخيرة. حيث كان عددهم في عام 1971 54 ألفا فقط، وبنسبة (0.4%)، نجد العدد قد ارتفع إلى الضعف خلال فترة أربع سنوات فقط أي في عام 1975، ولعل ذلك راجع إلى التساهل في إجراءات لم الشمل العائلي لأعداد العمال الذين استقدموا من كل من تركيا والمغرب خاصة بالإضافة إلى التزايد الطبيعي لأعداد المسلمين من خلال الإنجاب حيث بنوا أسرا لهم في المهجر الهولندي. كما تضاعف خلال الخمس سنوات القادمة الأخرى، أي إلى عام 1980، ولنفس الأسباب بالإضافة إلى توافد إعداد من المهاجرين لإغراض الدراسة والعمل. وفي سنوات التسعينات من القرن الماضي، بدأت الزيادات في إعداد المسلمين بالإنتعاش نسبيا، نتيجة توافد أعداد من العراقيين بسبب ظروف حرب الخليج الثانية (1991)، وما تبعها من حصار اقتصادي فرض على البلد. وفي ظروف مشابهة تقريبا قدمت أعداد من الصوماليين، نتيجة للحرب الأهلية. وقد شكلت هذه الظروف زيادات غير طبيعية في أعداد المسلمين في هولندا، وهو ما نجم عنه تخوف وحذر من قبل العديد من القوى السياسية الهولندية خاصة اليمينية منها، (6) والتي تدعو إلى عدم التساهل في هجرة المسلمين، ومحاولة الحد منها. وذلك نتيجة للمتغيرات الدولية التي نجمت عن أحداث 11 سبتمر 2001 المعروفة. وبروز حركات التطرف الإسلامية في أوربا في السنوات التي تلتها والتي هددت السلم الأهلي في أوربا الغربية وأميركا خاصة.
وكان إستطلاع للرأي أجرته صحيفة «فولكس كرانت Volks Krant» الهولندية، قد أفاد بأن 14 في المائة فقط من الهولنديين ينظرون بصورة ايجابية للمسلمين، وأن 16% يخشون المسلمين ويشعرون بتهديد من العناصر الأصولية المتشددة. وأشار 67 % إلى أنهم يرتبطون بعلاقات مع مسلمين من خلال العمل أو الصداقة أو القرابة العائلية، وأنهم أقل شعوراً بالتهديد والخوف من المسلمين. وعبرت جمعيات حكومية وغير حكومية ناشطة في مجال العمل الاجتماعي والإدماج، حينها، عن انزعاجها من نتائج الاستطلاع. وينتشر في هولندا أكثر من 500 مسجد، والعديد من المدارس والمنظمات الإسلامية.
ونستعرض في التالي مجموعة من الدراسات الهولندية التي تتناول موضوع الوجود الإسلامي وإشكالية الاندماج الاجتماعي للجاليات المسلمة على الأراضي الهولندية، مع تحليل وتعقيب وتوضيح لبعض مفاهيمها.
مختص بعلم الاجتماع: hashimi98@yahoo.com
يتبع التكملة في المقالات اللاحقة
الهوامش والمراجع:
صاموئيل هنتنغتن ولد في 18 ايبرل 1927، أستاذ علوم سياسية إشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه في إنقلابات الدول، ثم أطروحته بأن اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن الحادي والعشرين سيكونوا الحضارات وليس الدول القومية. مؤخراً إستحوذ على الانتباه لتحليله للمخاطر على الولايات المتحدة التي تشكلها الهجرة المعاصرة. وهو أستاذ بجامعة هارفارد. برز اسم هنتنغتون أول مرة في الستينات بنشره بحث بعنوان "النظام السياسي في مجتمعات متغيرة"، وهو العمل الذي تحدى النظرة التقليدية لمنظري التحديث والتي كانت تقول بأن التقدم الاقتصادي و الاجتماعي سيؤدي إلى قيام ديمقراطيات مستقرة في المستعمرات حديثة الاستقلال. (ويكبيديا الموسوعة الحرة:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D8%A...9%88%D9%86 11-5-2007). أما عن أطروحة صراع الحضارات لصامويل هنتغتون، فكان في صيف عام 1993م أن نشرت له مجلةForeign Affairs" مقالاً بعنوان "صدام الحضارات" أثار جدلاً استمر ما يقرب من ثلاث سنوات حيث أنه لمس عصباً في أناس ينتمون إلى جميع حضارات العالم، وبعد هذا الاهتمام والجدل الذي دار حول المقال، طبع هنتنغتون كتابه بعنوان " صراع الحضارات" والذي تناول فيه عدة أمور هامة كمفهوم الحضارات، مسألة الحضارة الكونية العلاقات بين القوة والثقافة، ميزان القوى المتغيرة بين الحضارات، العودة إلى المحلية والتأصيل في المجتمعات غير الغربية، البنية السياسية للحضارات، الصراعات التي تولدها عالمية الغرب التوازن والاستجابات المنحازة للقوة الصينية، ومستقبل الغرب وحضارات العالم. (ويكبيديا الموسوعة الحرة:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D8%B...8%A7%D8%AA، 1105-2007).
2 للمزيد حول هولندا وصلاتها بالعرب وأحوال الجاليات العربية، ينظر كتاب الباحث د. حميد الهاشمي (العرب وهولندا: الأحوال الاجتماعية للمهاجرين العرب في هولندا، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008).
3
www.tahawolat.com/cms/article.php3?id_article=328
4 C.A. Tazelaar, Multicultureel Nederland in 70 Vragen, p. 28.
5 CBS (Centraal Bureau voor de Statistiek), 22.09.2004. مكتب الإحصاء المركزي الهولندي.
6 من هذه التيارات التي ظهرت في تلك الحقبة، هو تيار بم فوورتاين، وبم فوورتاين هذا هو سياسي هولندي من "مواليد 19-2-1948، واسمه الكامل (Wilhelmus Simon Petrus Fortuyn)، ولد في بيئة دينية – رومان كاثوليك- محافظة في مدينة (Velsen)، تكللت سيرته الدراسية بالنجاح، حيث أكمل دراسة الدكتوراه (PH.D) في العلوم الاجتماعية وذلك في العام 1980. انتمى لحزب (Lief Baar Nederland) وهو حزب يميني لكنه ليس متطرفا، بينما برز بم فورتاين بموقفه المتطرف تجاه هجرة الأجانب وتدفقهم إلى هولندا، تحت شعار " هولندا امتلأت Nederland is vol" والسياسة التي تتبعها الحكومة تجاههم. وطالب فورتاين بسياسة أكثر حزما تجاه تدفقهم واشترط اندماجهم في المجتمع وطالب بتحديد نشاط الثقافات الأخرى الدينية منها خاصة والتي اعتبرها تتقاطع مع ثقافة المجتمع الهولندي بل خطرا عليه، بل هاجم الإسلام ووصفه بمقولته التي اشتهرت "أجد الإسلام بأنه ثقافة متخلفة Ik vind de islam is een achterlijke cultuur". وفي عام 1997، ألف فوورتاين كتابا أعتبر معاديا للإسلام وهو (ضد اسلمة ثقافتنا 'Tegen de islamisering van onze cultuur').
ولعل نقطة التقاطع الكبيرة بين فوورتاين و(الاسلام) هي موقف الإسلام من الشاذين جنسيا، حيث يحرم الإسلام هذه الممارسات الجنسية بينما يعتبر فوورتاين نفسه شاذ جنسيا وقاد مع غيره التشريعات التي كانت هولندا سباقة بها في العالم حيث سمحت بزواج المثلية الجنسية (زواج رجل برجل وامرأة بإمرأة)، بينما هاجم كثير من أئمة ورجال دين المسلمين بداية هذه (البدعة) وزواج العلاقات الجنسية الشاذة واشتهر من بينهم رجل الدين المغربي (المؤمني) المقيم في روتردام، حيث تعرض إلى محاكمة وتهديد بالطرد في حالة تعرضه لهذا الموضوع بالتجريح أو إثارة العنصرية والتمييز ضد المثليين.
وقد طرد بم فورتاين من حزبه الأول هذا (lief baar nederland) نتيجة لأفكاره المتطرفة أيضا ليؤسس حزبا خاصا به بعد أن كون تيارا وأتباعا له خاصة في مدينة روتردام (المدينة الثانية في هولندا) وسمي حزبه الجديد باسم (لائحة بم فورتاين Lijst Pim Fortuyn)، وقد أسسه بعد أن أصبح بموقف قانوني حرج هو وأتباعه من ناحية الترشيح حيث لا يسمح للائحة بدون حزب الترشيح للانتخابات، ولهذا كان الحزب الجديد.
ونتيجة لتناغم طروحات فورتاين هذه مع نزعة اليمين التي تنامت في أوربا وخاصة في ألمانيا حيث (النازيون الجدد) الذين يعادون الأجانب، وفي النمسا والسويد والدنمارك وفرنسا حركات مماثلة، فان هولندا ليست بعيدة عن هذه التأثيرات اليمينية المتطرفة وعليه فقد حصد حزب فورتاين نسبة كبيرة وتحصل على المركز الثاني في أول حضور له على الساحة الانتخابية في الانتخابات البرلمانية لعام 2002 ومع أن زعيمه وزعيم هذا الاتجاه بم فرتاين قد اغتيل قبيل الانتخابات هذه بأسبوعين تقريبا على يد شاب هولندي من مدينة (هاردرفايك Harderwijk) بعد خروجه من مبنى الإذاعة والتلفزيون في مدينة هلفرسوم (Hilversom)، وكانت دوافع القتل هي طروحات فورتاين العدائية للأجانب.
وقد كان لحادث اغتيال فورتاين اثر كبير في نتيجة التصويت التي آلت إليها تلك الانتخابات، حيث كسب حزبه تعاطفا نسبيا نتيجة لذهول الشارع الهولندي وعدم اعتياده على العنف وخاصة في الأغراض السياسية والانتخابية. وقد اتضحت حقيقة هذه الفورة (التصويت لحزب فورتاين)، حيث خسروا خسارة فادحة في الانتخابات اللاحقة نتيجة لتهافت طروحاتهم من جانب ولخلافات قياديي الحزب فيما بينهم من جانب آخر. وهو بالنتيجة يخدم طروحات " مجتمع المغايرة الثقافية" كشعار ترفعه كثير من الأحزاب وتنادي به شرائح كبيرة من المجتمع الهولندي بل أصبح احد سمات المجتمع الهولندي الحديث.
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه