عيون وآذان (ثمة شيء عربي في الأزمة المالية)
الجمعة, 23 يوليو 2010
جهاد الخازن
السير هوارد ديفيس الذي لم أكن سمعت به قبل أسبوع مع أنه كان المسؤول المالي الحكومي الأول في مدينة لندن، انتهى من تأليف كتاب عن الأزمة المالية العالمية لن أقرأه يعطي 38 سبباً مختلفاً لانفجار الأزمة.
كنت أقرأ عن السير هوارد وكتابه بعد أن أصبحت أقرأ الأخبار الاقتصادية كما أقرأ أخبار السياسة، وكأنه لا يكفي الواحد مثلي أن يصاب بقرحة مزدوجة وهو يتابع «القضية» التي ضيعها أهلها والعرب والمسلمون، فيجد نفسه يتابع أزمة ليس له في انطلاقها ناقة ولا جمل، أو حتى تيس ماعز، ومع ذلك تلاحقه آثارها بعد أن أصبح العالم كله قرية كبيرة، ونحن نعامل فيها كأننا مهاجرون غير شرعيين لا نعرف متى سنطرد.
ثمة شيء عربي في الأزمة المالية، فكما أننا لا نعالج مشكلة، إلا ونخلق لأنفسنا مشكلة أكبر، فإنني أجد أن كل الحلول المالية التي عُرضت، وتلك التي أُقِرت وبُدئ تنفيذها، لم تحل الأزمة، فالحديث في الولايات المتحدة اليوم هو عن أزمة مالية أكبر مقبلة بالتأكيد.
أترك الأميركيين يقلّعون شوكهم بأيديهم، فقد بدأت الأزمة عندهم، وأنظر الى أوروبا حيث أقيم، وأخشى أن تواجه دول الاتحاد الأوروبي أزمة من نوع آخر هي اضطرابات شعبية في دول يفترض أن تكون ثرية وديموقراطية.
موازنة الاتحاد لسنة 2010 تظهر أن ألمانيا تساهم فيها بنسبة 19.6 في المئة، وفرنسا 18 في المئة، وإيطاليا 13.9 في المئة، وبريطانيا 10.4 في المئة، وإسبانيا 9.6 في المئة. هذا يعني أن ثلاثاً من الدول الأعضاء الخمس والعشرين تسهم بأكثر من نصف الموازنة، وأن خمساً تساهم بأكثر من الثلثين.
في ألمانيا هناك حديث الآن عن مدى استعداد الشعب لتمويل تجاوزات دول أخرى من أعضاء الاتحاد، أي أن يعمل الألماني بجد واجتهاد ليمول كسل اليوناني، وهو من حوض البحر الأبيض المتوسط مثلنا وينام بعد الظهر مثلنا أيضاً.
في فرنسا المشكلة تأخذ شكلاً آخر، فالبلاد اشتراكية جداً والشعب يعتمد كثيراً على ما توفره له حكومته في حياته اليومية. ولا أتصور أن تقبل النقابات الفرنسية بالتنازل عن مكتسباتها وحقوقها طوعاً.
هل تتحول الإضرابات العمالية الى اضطرابات؟ لا أجزم بشيء لأنني بقدر ما أدرس الموضوع وما أحاول أن أفهم غوامضه بقدر ما أزداد جهلاً به. وما كنت لأكتب اليوم لولا أنني في مناسبة اجتماعية في فرنسا وجدت نفسي الى جانب رئيس بنك غربي، وبدل أن أتركه يستمتع بالطعام والشراب والموسيقى وضعته في زاوية وحاولت أن أسمع منه ما يسد الفراغات في معلوماتي.
هو رفض رأيي أن السبب الأول والأخير للأزمة المالية أن إدارة بوش خاضت حروباً لا تملك نفقاتها واستدانت من الصين لتحارب في أفغانستان والعراق، بل حول العالم كله في تلك الحرب الفاشلة على الإرهاب.
وهو قال إن هذا سبب إلا أنه ليس الأهم، بل ليس الثاني أو الثالث. وعندما بدوت مصراً على رأيي اقترح عليّ أن أنتظر كتاب السير هوارد الذي ذكرته له لأنه واثق من أن إدارة بوش ليست أول سبب كما أريد.
هو قال إن الأسباب الأهم أن البنوك سمحت لنفسها بأن يستدين الفقراء الأميركيون منها أموالاً ليست عندها أو عندهم. الفقير استدان، والبنك استدان، وكذلك الشركات الكبرى والحكومات، وكل منها يعتقد أن قيمته سترتفع بما يكفي لتسديد ما عليه من دين، بدءاً بالفقير الذي اشترى بيتاً لا يملك ثمنه، وإنما يأمل أن يزيد سعره فيبيعه ويربح، ويشتري بيتاً أكبر بدين أكبر، وانتهاء بالحكومة التي تعتقد أن ازدهار الاقتصاد سيستمر، وأنها تستطيع بالتالي أن تنفق مالاً لا تملكه لأنه سيأتي عبر ازدياد الدخل القومي.
سألته هل تنتهي الأزمة في ستة أشهر، أو في سنتين، أو اننا سنشهد تلك الأزمة الأكبر سريعاً، أو في المدى المتوسط.
قال إن كل هذا وغيره مطروح، ولا أحد يعرف، وهو اختار أن يقول لي إن الأميركيين فضّلوا معالجة الأزمة بالإنفاق عليها لتنشيط الاقتصاد، وإن الأوروبيين اختاروا علاج شد الأحزمة، لذلك هناك حديث عن اضطرابات مقبلة في المدن الأوروبية. وقد أصدرت الإدارة الأميركية خطة إصلاح مالي أثارت مزيداً من الأسئلة، ولا يزال الأوروبيون ينتظرون صدور خطة الإصلاح المالي الأوروبي. وهو أصر على أن من العبث إصدار حكم الآن.
كل ما اتفقت عليه مع رئيس البنك الغربي هو أن رخاء 2006 و2007 لن يعود في أيامنا، أو حتى في أيام أبنائنا، ما يعني عربياً أننا لم نحل «القضية» السياسية، وأننا أورثنا الأبناء قضية مالية، وكنا في هذه وتلك متفرجين، وكان اللاعبون غيرنا.
http://international.daralhayat.com/inte...cle/165368