*
ولاية الفقيه: دين أم سياسة؟
علي العبد الله
أثار قول السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، في خطابه أمام الماكينة الانتخابية لهذا الحزب (17-6-2009) :"أن موضوع (ولاية الفقيه) وموضوع (الإمامة)، وهذا النوع من المسائل بالنسبة لنا هو جزء من معتقدنا الديني، والإساءة إليه هو إساءة إلى هذا المعتقد الديني"، علامات استفهام كثيرة تبدأ من مدى دقة كلامه حول "ولاية الفقيه" واعتباره لها جزءا من العقيدة الدينية للشيعة، واعتباره بالتالي نقدها إساءة إلى هذه العقيدة الدينية، ما يعني وضعها خارج النقد والتقييم في ضوء تحريم الدستور اللبناني المس بعقائد الطوائف ال18 المعترف بها دستوريا.
"ولاية الفقيه" نظرية في الحكم اقتُرحت من قبل بعض فقهاء الشيعة كتطوير لنظرية الإمامة لدى الشيعة الإمامية على خلفية قضية الغيبة (غيبة الإمام المهدي وانتظار ظهوره) وحاجة الشيعة لمن يسوسهم في فترة الغيبة بوضع الفقيه في السلطة السياسية، بعد أن كان إلى حين ظهور هذا الاجتهاد في السلطة الاجتماعية وتحويل الفقيه من مرشد ديني إلى حاكم سياسي. غير أن ولاية الفقيه، لم تصبح جزءا من العقيدة الدينية للشيعة حيث بقي دور الفقيه في المجتمع هو الأصل والأعم، وإلا ما كان رفض كبار آيات الله نظرية "ولاية الفقيه" وتحفظوا على تطبيقها في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، من أمثال الطالقائي، شريعة مداري، منتظري، أبو القاسم الخوئي، السيستاني، محمد حسين فضل الله...الخ ناهيك عن شيوخ كبار كمحمد جواد مغنية، محمد مهدي شمس الدين، وآلاف المثقفين الشيعة.
و"ولاية الفقيه" كنظرية ونظام حكم، لا تدين بظهورها المعاصر للعقيدة الدينية بل للسياسة. إنها بنت السياسة بامتياز. فقد خرجت من رحم الصراع السياسي على السلطة في إيران حيث أتاح النصر الذي حققته الثورة الإسلامية على نظام الشاه والتي قادها آية الله الخميني، أحد دعاة "ولاية الفقيه" أتاح فرضها على الشعب الإيراني الذي التحم بالثورة على نظام الشاه كي يتخلص من نظام استبدادي قمعي فاسد لكنه أخذ على حين غرة وفرض عليه وهو في نشوة خلاصه من نظام الشاه، نظام استبدادي قمعي باسم "ولاية الفقيه"، والذي كشف مع الوقت عما ينطوي عليه من سلبيات كبيرة وخطيرة تمس حياة المواطنين وحرياتهم العامة والخاصة وتقيد مستقبلهم السياسي والاجتماعي. وقد اتسعت مع مرور الوقت، دائرة رفضه من قبل المواطنين الإيرانيين وخاصة الشباب والنساء وهم أغلبية المجتمع الإيراني والطبقة الوسطى الدينية والتي عبر عنها التصويت المكثف للمرشح الإصلاحي محمد خاتمي خلال دورتي انتخابات متتالية ناهيك عن احتجاجات الطلاب وتظاهراتهم وتشهيرهم بالدكتاتورية، ما عكس رغبة عميقة بالتخلص من نظام "ولاية الفقيه" وتصحيح الوضع بإعادة الفقيه إلى دوره التقليدي: موجه في المجتمع.
كما أن ربط السيد نصر الله بين نظرية "ولاية الفقيه" وعقيدة الشيعة الدينية سياسي هو الآخر. فهو لا يقدم مبررات دينية لنصرة النظرية ولكنه يضع حجمه السياسي في نصرتها. إنه يسعى عبر إخراج النظرية من دائرة المراجعة والنقد في الساحة اللبنانية إلى خدمة القوة التي ترعاه وحزبه في طهران من جهة، وإلى إبقاء النظرية على الطاولة وفرضها، عندما يسنح الظرف، على المجتمع اللبناني من جهة أخرى.
إن نظرية ولاية الفقيه لم تصبح بعد جزءا من العقيدة الدينية للشيعة، بل هي رأي بعض الشيعة، بعض قليل من الشيعة. وهي فوق ذلك تتعارض جوهريا مع قاعدة الشورى الإسلامية بتأسيسها نظام حكم الرجل الواحد: المرشد الأعلى، وبإسباغ القداسة على قرارات السلطة السياسية بعامة والمرشد الأعلى بخاصة (سلطات المرشد الأعلى في الدستور الإيراني سلطات حاكم مطلق، وهي أكبر من سلطات خلفاء الجور الذين عرفهم التاريخ الإسلامي) بإعطائها بعدا شرعيا ما يجعل نقدها والخروج عليها محرما في ضوء معصومية الإمام لدى الشيعة الإمامية. قال عنها آية الله منتظري مؤخرا: إنها إشراك بالله، وتؤسس لقيام دولة دينية لم يدعو الإسلام لقيامها أو يقبل بها.
إن رأي السيد نصر الله لا يمكن أن يلغي النقاش حول هذه النظرية أو يخرجها- بتسويرها بهالة دينية- من دائرة النقد والمراجعة: لإقرارها وتحويلها إلى نظرية الشيعة في الحكم، أو لرفضها تمهيدا لإقامة الحياة السياسية في المجال الشيعي على قواعد مدنية خاضعة للمراجعة والتطوير وفق مستدعيات الحياة الوطنية والتطور الإنساني، وما يحصل الآن في إيران (التظاهرات، والرفض الفكري والسياسي لطبيعة النظام) لدليل قاطع على عدم صحة موقف السيد نصرالله، حيث تحاول الحركة الإصلاحية الإيرانية بقيادة مير حسين موسوي إصلاح النظام السياسي الإيراني بتخليصه من عناصر مكونة مرتبطة بنظرية ولاية الفقيه وإقامة نظام سياسي بديل على أسس ديمقراطية حقيقية.
• كاتب سوري معتقل – سجن دمشق المركزي في عدرا.
في 15 آب/أغسطس 2007، تساءلنا في هذا الموقع، ونحن ننشر مقاله الأخير: "هذا الرجل، علي العبدالله، من أين يأتي بالصبر والشجاعة والأمل لكي يظل، هكذا، مثابراً، متابعاً، لا يملك إلا أن يقول "كَلِمَتَه" حتى من داخل "زنزانة"؟ وكانت المناسبة مقال علي العبدالله الذي وردنا من السجن، وفيه يردّ "المقاوم" علي العبدالله على أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، و"وولاية الفقيه" الإيرانية. لكن يبدو أن شجاعة هذا الرجل، أو "عناده"، لفتت أيضاً أنظار سجّانيه الذين هالهم أن يتصدّى "السجين" لـ"حلفاء" النظام السوري في بيروت قبل طهران. وهكذا قرّرت السلطات السورية إعادة إعتقال علي العبدالله يوم انتهاء مدّة محكوميّته وإعادة محاكمته بتهمة نشر مقال ردّاً على خطاب السيّد حسن نصرالله!
فكما تقول منظمة "هيومن رايتس ووتش": "في سوريا اليوم،
أنت لست ممنوع فقط من انتقاد النظام السوري، بل أنت ممنوع أيضاً من انتقاد حلفاء سوريا."!! أي أنه ممنوع أن يقول علي العبدالله من داخل سجنه: "ما يحصل الآن في إيران (التظاهرات، والرفض الفكري والسياسي لطبيعة النظام) لدليل قاطع على عدم صحة موقف السيد نصرالله، حيث تحاول الحركة الإصلاحية الإيرانية بقيادة مير حسين موسوي إصلاح النظام السياسي الإيراني بتخليصه من عناصر مكونة مرتبطة بنظرية ولاية الفقيه وإقامة نظام سياسي بديل على أسس ديمقراطية حقيقية"!
يعيد "الشفّاف" نشر مقال علي العبدالله اليوم ردّاً على محاولات ضرب حرية التعبير، وردّاً على محاولات فرض حظر على نقاش "ولاية الفقيه"، سواءً في سوريا أو في لبنان، أو في طهران!
http://www.metransparent.com/spip.php?article10197&lang=ar&id_forum=12531