دائما ما أكرر في سريرتي وأقول أننا مجرد ذكريات في عقل هذا العالم والحياة قصيرة والموضوع الذي يشغل بالي على الدوام هو المجهول بالنسبة لي وهذا المجهول يتركز في سؤال واحد , من نحن وإلى أين النهاية وماذا بعدها .
والحياة الحقيقية غير موجودة ما دمنا لا نعرف حقيقة أنفسنا وحقيقة الإنسان .
أرى الحياة مجرد تبادل للأدوار , وبشر يأتون بعد بشر قد ماتوا , اتساءل عن اهميتنا في هذا العالم , ما هي قيمتنا , لماذا نأتي ومن ثم نموت وماذا بعد الموت , وهل حقا للكون إله أم أن الإله هو الكون .
أعيش في حياتي روتينا يعيشه أي إنسان , نوم - أكل - ذهاب - اياب وانتظار البقية المتبقية من حياتي .
تزوجت بالعبطة وفي شهر واحد خطبت وتزوجت قريبة بي لم التقي بها سوى مرتين أو ثلاثة , هل أنا سعيد معها , والجواب هو بأنني إنسان قنوع ورؤيتي للإنسان مغايرة لأغلب الرؤى البشرية الأخرى , فليس المهم أن أكون سعيدا معها المهم هو قبول بعضنا البعض ومن ثم سييسرها ربك وإن مع العسر يسرا .
في سن التاسعة تعرضت لحادث , فلقد انقلبت بي الطرطيرة ( والطرطيرة هي أسم من اسماء الدراجة الىلية ذات الثلاث اطارات ) فطحتني طحنا , كسرت يدي اليمين في مواضع ثلاثة وطحنت طحنا ويدي اليسار كرت وطحنت وكذلك رجلي اليمنى .
بعد أن تشقلبت بي الدراجة وطرتعلى الطريق قمت وركضت وأنا لا أحس بشيء , كنت أركض من أجل الركض , كنت اميل على رجلي المهشمة ولكن لا إحساس بها , لم أرى نفسي ولم اتذكر منظري حينها , وفي خضم هذا الركض كان ابن خالي يركض نحوي فحملني واوقف أول سيارة وانطلقت بنا , كنت في حالة ما بين الوعي واللاوعي , نزفت وملأت قميص ابن خالي بالدم .
تلك اللحظات كأنها حلم لا ألم ولا إحساس مجرد عيون مفتوحة ولا تعرف ما المصير .
وبعد تنقل من مستشفى إلى مستشفى استقبلتني إحدى المستشفيات وبعد مدة وبعد اجتماع لعدة اطباء لبحث حالتي اوصوا بقطع يدي اليمين وهذا ما كان والآن أعيش بيد اصطناعية لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تقدم لي سوى بعض الايحاء بأنني ما زلت أملك يدا .
قرروا أن يقطعوا يدي اليسار ايضا ولكن احدهم ممن نعرفهم اوصى ابي بالسفر إلى تركيا وهذا ما حصل , ذهبنا إلى مدينة طرسوس ( وليس طرطوس ) وإلى مستشفى الدكتور عمر سيار وهناك عالجو لي يدي اليسر ورجلي اليمني فلقد أخذة طبقة رقيقة من جلد ساقي ورقعوا بها اليد والرجل .
الآن وبعد مضي عشرين عاما ما زلت أسير في هذه الحياة , وما زالت نظرتي تفاؤلية رغم أنني أعاني من عقدة العمل , فلا أنا اكملت الدراسة ولا أجد من يشغلني عنده والسبب الأول هو يدي المبتورة .
صحيح أن أبي الذي توفي منذ سنة تقريبا كان له الدور في سد حاجتنا ولكن يبقى العمل الذاتي هو الذي يجعل من الإنسان يحس بقيمة نفسه .
ولدت في المانيا في بون عام 81 عشت هناك لعام وعاد بي أبي إلى هنا , ترى لو بقيت هناك هل كنت تعرضت لما تعرضت له ؟
اعتقد والله أعلم أن هناك اشياء في الحياة إما مقدرة أو حتمية ولا بد من تعرضنا للاشياء التي يجب أن نتعرض لها .
بطولات لا توجد وقد تكون البطولة الوحيدة هي هزيمة الموت يوم الحادث .
هذا ما عندي حاليا
من الحوادث التي اذكرها أنه مرة كدت اتعرض للاغتصاب من أحدهم ولكن سرعة تصرفي أنقذتني مما فعلته بيدي وكان هذا لما أن غضبت مرة من أهلي فذهبت إلى مركز المدينة وهناك تكلم معي احدهم واخذني إلى منطقة مقطوعة واصبح يلمح لي ولكن اخوكم فهم المقصد وأطلق رجليه للريح واصبح يقطع العشرة امتار في الخطوة الواحدة
من الذكريات التي لا أنساها هي ذكرى وفاة أبي , وفاة أحب مخلوق وأجمل إنسان ومن أكثرهم حنانا , بعد أن توفي أبي أصبحت اتمنى أن يعود يوما لأكون حذاءا يلبسه تعبيرا عن حبي له واعتذارا عن انانيتي اتجاهه , ابي الذي قضى 50 عاما من سنينه الستين في العمل , لم يرى في حياته سوى مكان عمله وبيته , فضحى بكل شيء من أجلنا ولم نضحي بأي شيء من أجله.