(07-08-2010, 08:56 PM)ابن نجد كتب: ..........
الزميل بهجت لديه اسلوب معروف وهو وضع المخالف بسجنه الشخصي واطلاق الاحكام عليه ومن ثم مطالبته بالخروج من سجنه حسب شروطه الشخصية ، وهي لعبة اكثر منها حوار ، وعلى اعتبار ان كل المخالفين يقعون تحت حكم واحد لاثاني له " اصولي " غير مقتنعا بان هناك آراء وتيارات بين التيارات نفسها ، فهو لايعترف بوجود اسلامي منفتح او جيل اسلامي ينزع للعلمانية المحافظة او ليبرالي سياسي ولكنه محافظ اجتماعيا ، فاما تكون ملحد ليبرالي تماما او تكون اصولي متشدد نصي راديكالي بنظره .
وهذه ليست مشكلة بهجت فقط - وكلنا نحمل مشاكل لاشك - ولكنها مشكلة كثيرا من الكتاب والمثقفين في دول العالم الثالث ، فقراءتهم لمشهد الجمهور الفكري والثقافي وافراده مازالت احادية وبصرامة غير مفهومة ، واعتقد شخصيا ان هذه المشكلة هي الوجه الآخر لعملة التشدد الديني الذي يبحث عن مبررات قطعية وحقائق مطلقة كي يستريح ويشعر بوضوح الهدف ويجند جهوده لهذا الهدف بكل أمان وثقة.
وبذلك يكون المثقفين جزء اصيل من مشاكلنا الفكرية والحضارية وان لم يشعروا بذلك ، وهنا يجب ان نردد بكل حياد وحب : " مثقفُ ُ أخوك لابطل " .
الزملاء الكرام .

الأخ ابن نجد .

رغم الطابع العدواني في مداخلتك فإني أشكرك عليها ، لأنها تتيح لي إيضاح قضية النماذج القياسية .
مداخلتك تتكون من شقين .
شق ذاتي subjective أو شخصي استغرق معظم مداخلتك و هو لا يخص أحدا سوى بهجت ،و شق موضوعي objective و هو ما يهمنا هنا .
عن الشق الذاتي هناك قاعدة أتبعها هي تجاهل المداخلات المشخصنة ، فهي لا تفيد أحدآ ولا تستحق أن أتوقف عندها و أبدد وقتي ووقت الزملاء ، فمن يتابع هذا الشريط يتوقع حوارا جادا و ليس اتهامات و شخصنة بلا طعم ولا مصداقية . إني أقتنص وقتا للشبكة اقتناصا كي أمارس متعة الحوار الراقي و نشر الفكر التنويري ، الذي أجده -بلغة الفقهاء-واجب عين على كل إنسان مستنير ، و لكني باختصار لا أبحث عن تسلية ولا مؤانسة و لا مهاترات ، فلدي حياة عملية و إجتماعية كاملة و مزدحمة بالفعل .
ما تفضلت به عن بهجت - كأي تشخيص آخر - لا يعكس الواقع ، فلا أعتقد أنك محلل نفسي أو مختص في التحليل الثقافي ، و لكنه يفصح عن تحيزاتك الشخصية و مشاعرك السلبية تجاه بهجت ، وهذا شيء لا يدهشني ، فكلانا ينتمي إلى عالم مختلف كلية ،بل أجد أن مجرد تحاورنا هو تجربة مدهشة في حد ذاتها تقترب من المعجزة .
إنك مخطأ كلية لو اعتقدت أني أضع أحدا في إطار ما ، لا يضع الزميل نفسه فيه بمواقفه و أرائه التي يعرضها بحماس احيانا يقترب لحد التعصب .
أكثر من هذا ربما كنت أحد القلائل الذين يفصلون بين علاقة الزمالة و الخلاف الفكري ، وربما تكون أنت أحد الزملاء الذين كان من المفترض أن يدركوا هذه الحقيقة لو مارست شيئا من الموضوعية ، و أحسنت قراءة النادي و فهم خريطته و طبيعة أعضائه . أزعم أني أعامل كل الزملاء بأريحية و شهامة حتى من يخطأ في حقي مرة و مرتين ، بعد ذلك أتوقف عن اعتباره زميلآ . في أكثر من شريط عاتبت زملاء لي من التيار العلماني على ملاحظات أو تعبيرات عنيفة وجهت لك أنت تحديدا ، أكثر من ذلك بلغت عن بعضها رغم أنها لا تخصني ،و ضد زملاء و أصدقاء لي ،لم أفعل هذا معك وحدك بل تكرر كثيرا ، كما حدث عندما أبلغت عن القذرات التي وجهت لزميل شيعي أختلف معه و أقدره في نفس الوقت، هذا الموقف نادر الحدوث كما ربما تعرف . فأنا أعطي للزمالة حقها ، و أكره العنف اللفظي و المعنوي ، و لكن هذا لا يعني بالطبع المهادنة مع الفكر الأصولي المعادي للحضارة الإنسانية ، إني لا أبحث عن الصراع و لكني لا أتحاشاه أيضا ، فأنا أشعر بالفخر و القوة لإنتمائي إلى الجانب المضيء من حضارة الإنسان المعاصر .
ربما أكون قد اطلت ،و لكني أحببت وضع بعض النقاط على الحروف التائهة في ضبابية نادي الفكر و سيولته هذه الأيام .
نأتي إلى الشق الموضوعي ، هنا أحب أن أوضح لإبن نجد و للزملاء ظاهرة مسها مسا خفيفا و عابرا ، و لكنها تستحق وقفة لأنها توفر لنا أداة ذات قدرة تفسيرية عالية لظواهر ثقافية نعاصرها بالفعل ، هذه هي الأفكار النمطية stereotypical ideas ، وهي تعني الصور و المعتقدات التي نكونها و نتمسك بها عن الجماعات الإجتماعية ( و الفكرية ) الأخرى ، هذه السمات و الخصائص التي تميز الجماعات قد تكون سلبية أو إيجابية .
إن العالم معقد و متنوع للغاية لهذا فالعقل البشري غير قادر على التعامل معه في صورته الواقعية ، وهو بالتالي يعمد إلى إعادة بنائه في نماذج بسيطة قبل التعامل معها ، و هكذا تكون الأفكار النمطية مجرد آلية تبسيطية للتعامل مع العالم بهدف جعله طيعا قابلا للفهم ، طبقا لهذه الآلية فعندما يحصل الناس على معلومات محدودة عن الآخرين سرعان ما يتجهون إلى توسيعها و تكوين تعميمات كبيرة . هذه الأفكار النمطية لها فوائد عديدة ، فهي تمدنا بمجموعة من التوجهات و الإرشادات التي تقودنا عندما نتعامل مع كل ما يحيط بنا ، هذه الأفكار النمطية بالتالي تنظم العالم من حولنا و تبسطه رغم عموميتها الشديدة ، نعم هناك هذه الفوائد الجوهرية و لكن هناك أيضا مساوئ واضحة ، فهذه الأفكار النمطية تشوش إدراكنا للعالم و تضعه في أنماط محددة شديدة التعميم ، من أهم مساوئ الأفكار النمطية : المغالاة في تقدير الإختلافات بين الجماعات ، في المقابل الإستهانة بالتباينات داخل نفس الجماعة ، تشويه الواقع نتيجة الحكم المسبق على الفرد من واقع انتمائه لمجموعة ما ، و الأخطر هو تبرير الروح العدوانية و الإستبداد .
هذا بالضبط ما يحدث هنا ،وهو ما يحاول ابن نجد قوله و لكن من جانب واحد فقط ، هو جانب التيار الإسلامي ، و لكنه يغفل حقيقة واضحة لا يمكن اغفالها ، هي أن تياره الإسلامي هو الذي يلجأ إلى التنميط السلبي ، لأنه بطبيعته العقائدية النصية غير قادر على التحليل الثقافي ،و بالتالي لا يستطيع إدراك الإختلافات داخل التيار العلماني ، فهو يرى العلماني مجرد ملحد كاره للإسلام و نبيه ، في قلبه مرض لهذا فهو لا يرى الحق الذي يمثله المتأسلم ، وحقيقة أفكار المتأسلم و تصوراته تظهر بعد قليل جدا من التظاهر الأجوف بالموضوعية ، تماما كما يحدث في مواقف المتأسلمين في هذا الشريط و غيره ، فمع أول خلاف يبدأ السباب الأصولي الإيماني ، فهم ماشاء الله يحبون في الله ، و يكرهون في الله ، و يلعنون الدين في الله أيضا .. هذا هو منطق التأسلم !.
لا أزعم أن العلمانيين مبرأون من السقوط في فخ الصور النمطية ، و لكني أزعم أنهم أقدر على تصحيح تصوراتهم بشكل عام . نحن أقدر على فهم الظواهر الثقافية و تحليلها ، فهناك الكثير من الدراسات " العلمانية " حول الأفكار النمطية ، هل هي ثابتة أو ديناميكية متغيرة ، كيف تتكون و كيف تؤثر على العلاقة بين المجتمعات؟ . هناك اعتقاد كان شائعا بأن الأفكار النمطية جزء من الثقافة السائدة ، تنتقل إلى الأفراد خلال عملية التنشئة الإجتماعية ،و هناك من يرى أن تلك الأفكار ليست اعتباطية كلية ، فهناك غالبا جزءا أو نواة من الحقيقة حولها تتشكل إدراكات نمطية معينة ، هناك من ينظر للتنميط على أساس أنه نتيجة استجابة معرفية تجاه الآخر ، أي أن الأفكار النمطية ليست نتاجا سيكولوجيا للذات بل أنها نتاج للتبادل الذي يحدث بين الناس الذين ينتمون لنفس الهوية ،و تلك هي الرؤية المعرفية للتنميط ، هناك من يرى أن للأفكار النمطية وظيفة إجتماعية كالتبرير ، هذه الوظيفة لابد من أخذها في الإعتبار عند التحليل المتكامل للأفكار النمطية ، و كتطبيق لهذه الرؤية يمكن أن نلاحظ أن الأفكار النمطية عن العلماني في الإعلام الأصولي كملحد موالي للغرب معادي للأمة ، هي أفكار تؤدي وظيفة محددة ألا وهي تبرير rationalization إستخدام القوة المفرطة تجاه التنويريين كما حدث في مصر ، كما تؤدي الصورة النمطية لدعاة حقوق الإنسان في السعودية كإنتهازيين من الشيعة ، كما تفضل ابن نجد في قضية داعية حقوق الإنسان السعودية بريدة الشمري ، نفس الوظيفة لتبرير الإساءة اللفظية و الجسدية تجاهها .
هناك ترابط شديد إذا بين التعصب الإسلامي و الأفكار النمطية ،و كلا الجانبين يغذي الآخر على نحو ما ،إن التعصب السلبي تجاه جماعة ما يرتبط بشكل آلي بالأفكار النمطية السلبية تجاهها ، و العكس صحيح أيضا ، فعندما تظهر أسباب للتصادم مع جماعة خارجية تتغير أفكارنا عنها بمرور الوقت لتصبح سلبية ، في الخلاصة فالتعصب الديني هو نتيجة حتمية لعملية التنميط .