بعد أزمة الرسوم الدنيماركية المغضبة للمسلمين، تبادر عدد من الليبراليون الجدد من العرب- الذين يصفون توجهاتهم بالإلحادية- ببدء حملة سنوية لرسم رسومات تصف رموز الإسلام بالإرهاب. و كانت أسس تبريرهم لهذا المشروع يكمن بأن هذا تدريب على تقبّل الحريّة لدى المسلمين، من منطلق أن موقف المسلمين متطرف أساسا. و يُناقش نفر آخرين منهم بأن المسلمين حساسين زيادة عن المعدّل (دون أن ندري وفق أي معيار) و أن باقي الشعوب الغربية لا تردّ بهذا الأسلوب بحال تم رسم رمز ديني لها. إذن، نحن أمام إشكالية الحُرية و علاقتها بالرسومات، و إشكالية المقارنة بالشعوب الغربية بمواقف مشابهة. هذي المقالة ستستعرض كلاالإشكالين، مع تسليط الضوء على رفض الموقف الليبرالي~الإلحادي من المسألة.

هذه الرسوم هي إساءة لمعنى الحُرية لدى شعوب المنطقة، فما تقدمه هو مثال سيء لما للحرية أن تكونه و هذا يؤكد بقوة نظرية الأستاذ إدوارد سعيد و مفهوم "النموذج الإستعماري (Colonialism Paradigm) الذي يناقش عدة حيثيات تترجم الواقع العربي أو واقع الدول النامية ككل، و من ضمن هذا النموذج هو سبب تأخر تلك الشعوب بتقبلها للمباديء الحديثة. يناقش الدكتور إدوارد سعيد بأن سبب ردة الفعل الحضارية العنيفة ضد المباديء الغربية - كالديمقراطية و المؤسساتية - يعود للصلة التي يضعها العالم العربي بين هذي المباديء و بين التجربة الإستعمارية، و التي تفسّر إنتشار التيارات اليسارية بحقبة مهمة من تأريخنا و كذلك تفسر البحث الدائم عن بديل محلي للقيم الغربيّة. و يكمل الأستاذ سعيد مأكدا أن العناصر المحلية (كالتيارات الرأسمالية و البرجوازية و الأرستقراطية المرتبطة بالملكية) التي تمثل هذه القيم الغربية في المجتمع العربي قد أسائت لتلك القيم بشدة عبر سياسة الإجبار و التحدي، مما ولد تجربة سيا~إجتماعية قائمة على النفور و طلب البديل المحلي حتى و إن كان تطرفا دينيا أو سياسيا.

بكلمة أخرى، إن ما يفعله الليبراليون باسم الحرية هو أكبر إساءة للحرية، خصوصا إذا ما تذكرنا أن مجتمعاتنا قائمة على مفهوم الإزدواجية المؤسساتية للمجتمع و الدولة. أي أن هناك وجهان أو درجتان أحدهما داخلية و الثانية خارجية، و الداخلية تقرر الخارجية. أي حينما يُساء إستخدام الحُرية و حينما يتراجع مفهومها الإجتماعي، فإنه ليس من المنطقي أن تنتج حكومة متسامحة كما يتصور الليبراليون اليمينيون بسذاجتهم السياسية، و إنما ستنتج حكومة و تيارات متشددة على نحو أو آخر و إن لم تمثّل رغبة الأغلبية بتلك الدولة. أيضا، الرسومات بحد ذاتها تصور غبي و تعميم أغبى و ضعيف و مسيء للمسلمين. الإساءة تكمن (لجانب الإساءة لمقدسات الغير) بالتهجم على المسلمين بوصفهم بالإرهابيين لأن نبيهم إرهابي، و بالتالي هم تابعين لأرهابي و بالنهاية هم مثله إذن. هذه الرسومات تشبه رسومات أعداء السامية حينما يصورون اليهود كلهم على هيئة التاجر اليهودي الطماع المخادع، و حينما يحذر المثقفين يجيب أولئك بأنها الحرية أولا و بأنه نقد لظاهرة ثانيا. و النهاية كانت أن هذا كله كان تحشيدا عنصريا لأوروبا ضد اليهود ككل، و أظن أن الكل يعرف البقيّة. لم تكتمل سبعة عقود على تلك الممارسات و أوروبا اليوم تعاود هذه الممارسات ضد المسلمين و ذلك بتعميم الإرهاب عليهم عبر تعميمه على رموزهم المقدسة، لا لشيء إلا لوجود جماعات متشددة تسيء لهم و لنا قبلهم. و هذا التعميم يشكل خطرا كبيرا على سلامة المسلمين في الدول الغربية، لأنه محرض ضدهم و لأنه يصورهم على أنهم إرهابيون معادون للمجتمع الغربي لا لشيء إلا لكونهم مسلمي الديانة. هذه الإتهامات الخطيرة أدت لمقتل السيدة مروة الشربيني بألمانيا، حيث طعنها متعصب ألماني حتى الموت أمام طفلها و زوجها، موديا بحياتها و حياة جنينها. أيضا، في كندا يتم طعن امرأة مسلمة لأنها رفضت خلع الحجاب بمصعد عمارة فارغة و أمام تهديد رجل مقنّع.

كذلك، هناك إشكالية المقارنة بين رسوم ساخرة من المسيحية و تلك المضادة للإسلام،حيث يناقش متبنيي الرأي هذا من أن المجتمعات المسيحية لا تمتعض من الرسومات الموجهة لرموزهم، مما يعني أن العلة بالموقف الإسلامي. هذا خطأ لسببين، فالأول أن أغلب الرسومات تلك لا تصور الرموز الدينية المسيحية أو اليهودية على أنهم قتلة و إرهابيون، و إنما تصورهم بنوع فكاهي لا يعدو روح النُكتة بأغلب الأحيان. أما السبب الثاني فيعود إلى دور المسيحية في المجتمع الغربي و دور الإسلام بالمجتمعات الإسلامية. الملاحظ للفرق سيجد أن الإسلام لم يفقد أهميته الإجتماعية لدى المجتمعات المسلمة، و هو جزء مهم من تشكيل هوياتهم، و هذا على نقيض المسيحية التي تعاني من ضعف سببه تجاربها السابقة و المنحى التأريخي الأوربي و علاقته بالمسيحية. و رغم هذا، تعاود المسيحية اليوم أهميتها لدى الشعوب الغربية، و يُلاحظ هذا بتصاعد التيارات السياسية المحافظة في أوروبا و الولايات المتحدة، و هي تيارات على صلة وثيقة بالمسيحية إن لم تكن مدعومة مباشرة منها. الخُلاصة أن المسيحية أيضا لن تقبل هذه الإهانات بحق رموزها و كذلك القوانين المتبناة.

و مما تُليَ أعلاه، نلاحظ بأن تبني هذه المبادرات المسيئة للمسلمين هي مسوغات مهمة لمزيد من التطرف الإسلامي، و هذا مما لا عجب فيه لأن هذه الرسوم المسيئة هي تطرف متساوي لذاك التطرف الأصولي، إذ يتميز كلاهما برفض الآخر و الرغبة بتشويهه و تعميم السلبيات عليه.

التطرف لايحتاج الى مسوغات، فهو موجود ومسوغاته التي يربي الاجيال عليها كافية لاطلاق الرصاص على الاخر لقرون.
ان الرسومات كمبرر هي تحصيل حاصل لااكثر، خصوصا وان الرسومات انطلقت اساسا كردة فعل على التطرف المنطلق وليست هي التي اطلقته.
على العكس "التطرف " وشقيقه " الحد من الحريات والابتزاز الفكري" يقدمان المزيد من العزم لمنع الابتزازيين من الانتصار.. وهذا مانراه عندما اصبح عدد الرسامين 18 الف، فهل سيقتلهم المتطرفون جميعا؟؟
عجز الطالب واتباعه، ولكنهم اطلقوا شعلة سيصعب اطفائها ولوثوا سمعتهم وسمعة دينهم على السواء وخرقوا آية قرآنية تطالبهم بعدم القيام بأفعال تؤدي بالاخرين الى شتم الله وبرهنوا انهم لايستحقون تمثيل الاسلام الذي صادروه

حتى لو كانت معادلتك صحيحة و هي [(إرهاب --> ردة فعل مضادة) ∴ (إرهاب2 + ردة فعل2) ---> ∴ ∞] فإنها كما ترى لا تتجه إلا لمضاعفة القيمة حتى نقطة غير معروفة. عندها دعني اسالك: هل تظن أن ثمن هذا الصراع الهمجي بين الإسلام الأصولي و الأصولية المسيحية يستحق أن يخسر آلاف البشر حياتهم بسببه؟ لأن الحقيقة أن هذه الرسوم لا تؤدي إلا لزيادة العداء ضد المسلمين و العرب بشكل عام، و غالبا ما يدفع الثمن أولئك الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالصراع. أتمنى أن تدرك المشكلة التي تواجهنا حقا. أما بخصوص الإرهاب فيمكن محاربته بشتى الطرق و لكن ليس بتجييش جموع غاضبة لصالحهم. إلا إذا - طبعا - كان هناك طرف ما يريد أن يصعد الموقف و هي الأصولية المسيحية.


ما رأيك؟

عزيزي حفيد المتنبي
ان الحل بالبحث عن اسباب المشكلة (الموجودة في منظومتنا) والاعتراف بالمسؤولية والتعاطي مع جذورها كحل جذري وواقعي وليس بطرح حلول خيالية لاتعكس النفسية الانسانية من جهة في حين تعكس طريقة تفكيرنا الذي يسعى على الدوام الى تحميل الاخرين المسؤولية وتقليص حرية الضحية.

ان الصراع ليس بين الاسلام الاصولي والمسيحية الاصولية كما تحاول ان تعطي الانطباع. انه صراع بين الاصولية الاسلامية تحديدا وبين العالم بكل اطيافه. لهذا السبب نتحمل مسؤولية اضافية في التعاطي مع الاصولية الاسلامية لانها انتاج ثقافتنا. كما ان الرسوم ليست " تطرف مساوي لذلك التطرف الاصولي" ولاحتى في الاحلام. لايمكن مساواة جرائم جماعية وجنائية برسوم تعبر عن الرأي سلميا. هذه المساواة بذاتها هي جريمة غير مقبولة واستهتار وتعكس كيف ان مثقفينا غير مؤهلين حتى لرؤية ابعاد المشكلة، فكيف برؤية الحل والحق بإعطاء النصائح للاخرين؟

بالتأكيد ان المزيد من الرسوم قد تؤدي الى المزيد من الارهاب، بل وان الارهابيين الاسلاميين لايتمنون وقف الرسوم لانه يعطيهم المبررات لاستمرار حملة الابتزاز والاخضاع. من جهة اخرى فإن الانسان الحر لايملك وسيلة لمنع انتصار الهيمنة والاخضاع الا بالتضامن والاصرار، في حين ان مهمتنا نحن ان ننزع الارهاب الاسلامي والاصولية الاسلامية من جذورها.

ان نطالب الاخر بالتوقف عن النضال في سبيل حريته واعلان الهزيمة المبكرة ، في ذات الوقت الذي لانفعل نحن فيه شيئا ذو مصداقية لنزع الفكر الاصولي من منظومتنتا التعليمية والثقافية يعني عمليا اننا نتواطئ مع المجرم سرا، ولهذا السبب فإن تمنياتنا لن تلقى لها صدى في الخارج فهم يعلمون اننا نخدعهم لااكثر، عن وعي او غير وعي، في حين ان ممارساتنا هي اليد اليمنى للاصوليين.

ولذلك اسألك: هل الصراع من اجل الحرية وحق القرار والقضاء على همجية القرون الوسطى الزاحفة يستحق ان نموت من اجله، ام ننبطح امامه؟

يعني رد فعل شوي قوية يا طريف،

ألا ترى أن تسلط الغرب علينا، وتفكيك المنطقة لدويلات متناحرة، ثم زرع إسرائيل، وتسلط الحكام على الناس، وسجون ملأى بالمعذبين منذ زمن طويل، ألا ترى كل ذلك كافيا لإنبات التطرف؟

(07-17-2010, 11:26 AM)خالد كتب:  يعني رد فعل شوي قوية يا طريف،

ألا ترى أن تسلط الغرب علينا، وتفكيك المنطقة لدويلات متناحرة، ثم زرع إسرائيل، وتسلط الحكام على الناس، وسجون ملأى بالمعذبين منذ زمن طويل، ألا ترى كل ذلك كافيا لإنبات التطرف؟

ان تبريراتك لاتخرج عن اطار القاء الذنب على الاخرين والهروب من المسؤولية، وهو الاسلوب الكلاسيكي الشائع. الغرب ليس متسلطا، بل يقوم نشاطه في الجوهر على القواعد العامة والمعترف بها من الجميع.
وعدم قدرتنا على مجاراته تعود الى حد بعيد على فشل قياداتنا وانظمتنا ومجتمعاتنا وطريقة تفكيرنا والتعليم، وهي جرائم نرتكبها ضد انفسنا ولايحق للغرب التتدخل فيها اصلا.

واسرائيل، ايضا اصبحت مشجب نعلق عليه فشلنا الدائم والتام. وعلى الرغم صحة زرعها ، الا انه يبدو ان ذلك تطابق مع تمنيات العديدين الذين يحتاجون الى شماعة يعلقون عليها اسباب التقاعس والفشل البنيوي والابدي.

وتسلط الحكام على الناس هو اختراعنا المحلي ، وهو اختراع تعود اصوله الى قرون مضت، الى درجة ان الكثيرين يرفضون النضال ضد الاستبداد والتسلط على اساس ان " حق الاختيار بدعة".

وبالتالي فتبرير التطرف بما عملته ايدينا امر مثير للاعجاب. الا يعني ذلك ان من حق اليابانين ان يكونوا الاكثر تطرفا في العالم مثلا؟
غير ان التطرف ليس فقد ردة فعل، تخرج فجأة، وانما هو بناء ثقافي طويل المدى لزرع الحقد والكراهية والشعور بالاحباط وفقدان الحيلة والمهانة والدونية.. بعد ذلك فقط سيكون ظهور التطرف امرا طبيعيا وشاملا لاينتهي.. وهذا هو واقع حالنا. تجاوز كل ذلك ومحاولة تبرير " اسباب انطلاق التطرف" هو امر يسعى لاخفاء الاسباب الحقيقية التي تخصنا وحماية التطرف.

عزيزي طريف، شكرا للتعليق على التبرير..

نحن جماعة عرصات باختصار، وعاجبنا نكون هيك، وبدنا نشل عرض الغرب لأنا غيورين، ومسكين الغرب ما عمل علينا حروب مستمرة منذ البدء...

مسكين الغريب ما ابتدأ بعيد الثورة الفرنسية بغزو مصر، ثم استمر الحبل على الكرار حتى زرع الغرب قطعة منه عندنا، ثم عاد إلينا بقضه وقضيضه، ولا ننسى أنه قد ساهم بتنصيب الدكتاتورية حكما في بلادنا، والتطرف الذي نشأ في السجون وتحت التعذيب ليس إلا تعريص من الثقافة الإسلامية، فلو كان من يخضع للتعذيب بوذيا لامتص العذاب وارتقى للنيرفانا بدل أن يخرج ناقما على المجتمع..

العزيز طريف سردست:

لو كان الصراع بين القيم الغربية و الأصولية الإسلامية لما لجأ الغربيون لتعميم الإرهاب على المسلمين و رموزهم، لكون هذا التعميم هو إعلان حرب شاملة أشبه بالحرب على اليهود سابقا. لا أنكر أن نقطتك صحيحة حول تجذر المشكلة بالتجربة التأريخية للمنطقة و إنعكاسها على العلاقات مع الغرب، إلا أنك لا يمكن أن تنكر أننا كأمة لم نتمتع بحق تقرير المصير أو حتى التطور السياسي الطبيعي كباقي الشعوب. ليس هذا دفاعا عن الأصولية، بل تحديد للمشكلة ليس إلا. و المشكلة هذه قابلة للحل بتحييد نوع التطرف و محاربة أسس وجوده بالمجتمع، لا أن يعمم الإرهاب على الكل باسم الدفاع عن النفس أو حرية الكلمة. من يدفع الثمن هم الأبرياء و ليس الأصوليين من حيث أنهم يستفيدون للغاية من لغة التعميم و التعصب الديني~العِرقي الموجهة ضد العرب و المسلمين بشكل عام في الغرب.

أيضا، أنا أدرك المشكلة التي تواجه واقعنا تحت سقف العنف، إلا أنني أدرك أيضا بأن لغة التعميم لن تنتج حلا لأحد، بل مزيدا من المتاعب للمسلمين في الغرب. و أخيرا، للمسيحية الأصولية دور مهم بلفة التعميم، خصوصا و أنها تعاني من الإسلامو-فوبيا و كابوس تغلب عدد المسلمين على المسيح في أوروبا. لو كنتَ على إطلاع، ستجد أن التيار اليميني المدعوم مسيحيا في تصاعد سافر في أوروبا، كما أن الكنيسة تقوى بشكل ملفت بعد الحرب الباردة و بدأت تغير في صنع القرار و التعليم كما يحصل في الولايات المتحدة.

إقرأووا ما نقله الكلب حفيد المتنبي والذي يظهر نفسه كمثقف هنا



http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=38049&pid=432839#pid432839

العزيز حفيد المتنبي
انت تنكر التعميم عندما يخصنا في حين تعمم عندما يخص الامر الغرب.. كيف يمكن ذلك، الايمكن ان يكون هذا النوع من النرجسية جزء من مشكلتنا في تناول المشكلة؟