الكاتب: سكوت ويلسون
انتخابات المجالس البلدية في الشرقية قد تعطي الأقلية المضطهدة مقدارا ضئيلا من السلطة
القطيف، المملكة العربية السعودية:
بينما كان الآلاف من العراقيين يواجهون بشجاعة تهديدات الهجمات الإرهابية كي يستطيعوا التصويت في الانتخابات الشهر الماضي, كان أكثر من عشرين رجلا مجتمعون في المجلس الكبير لمحمد محفوظ هنا في القطيف, حيث يعتبر هذا المجلس ملتقى زعماء المجتمع الشيعي الذي تعرض لتجاهل الحكومة السعودية والاضطهاد الديني والتمييز الوظيفي.
يقول محمد محفوظ إن الحي كان صاخبا تلك الليلة احتفالا بعودة العديد من الناس من الحج. ولكن الحدث الأبرز كان الانتخابات العراقية المعروضة على شاشة التلفاز، والذي ظل يعمل طول الليل. محفوظ، البالغ من العمر 38عاما والمحرر لمجلة ثقافية تسمى (الكلمة)، والتي توزع هنا خفية، يقول: «إن هناك شيئا في العراق يشدنا, هم يناضلون هناك لبناء دولة جديدة بحقوق متساوية للجميع, بينما المتطرفون يحاولون منعهم. ونفس الفكرة والصراع يحدث لدينا هنا».
ويبدوا أن هذا الصراع على وشك أن يؤدي إلى نتائج ملموسة. فلأول مرة منذ سبعين عاما يستعد شيعة المنطقة الشرقية في السعودية (الجزء الوحيد من المملكة الذي يشكلون فيه أغلبية) للحصول على مقدار ضئيل من السلطة السياسية.
ويقول قادة الشيعة هنا في القطيف، والمتأثرين بنجاح الشيعة في انتخابات العراق، أنهم ينوون اكتساح انتخابات المجلس البلدي يوم الخميس القادم ويبدؤون في استخدام سلطتهم في الدوائر الحكومية للمطالبة بحقوق متساوية. ومن المتوقع كذلك أن تؤدي نتائج هذه الانتخابات إلى إعطاء الشيعة تمثيلا في المجلسين النيابيين القادمين.
ولكن الزيادة المتوقعة في مكاسب الشيعة السياسية نبهت قادة المسلمين السنة في الشرق الأوسط إلى أن مثل هذا الانفراج في المجتمعات الشيعية المضطهدة سيؤدي إلى حصولهم على دور اكبر في المنطقة، وخاصة في السعودية ذات صناعات النفط الحيوية. وكان رؤساء الدول السنية قد حذروا إدارة بوش من أن الإصلاحات الديموقراطية التي يطالب بها في العراق والسعودية قد تؤدي إلى ظهور هلال موحد من السلطة السياسية الشيعية تمتد من السعودية إلى إيران، مرورا بلبنان والعراق.
ويمثل الشيعة حوالي 15% من سكان السعودية البالغ عددهم 25 مليون نسمة، الغالبية العظمى منهم من السنة الذين لا يعتبرون الشيعة كمسلمين حقيقيين. وفي مملكة أسست على واحد من اشد المذاهب السنية تشددا، امتد التمييز الديني في إلى السياسة الرسمية. وذلك ما أعطى المجتمع الشيعي هنا حافزا قويا للمشاركة في الانتخابات بعد سنوات من المطالبة بالحقوق(والتي لجأت للعنف في بعض الأحيان).
يسجل حوالي 40% من الناخبين المؤهلين للانتخاب في القطيف خلال الأسابيع الماضية. وهي ضعف نسبة المشاركة في الرياض العاصمة، التي شهدت المرحلة الأولى من انتخابات المجالس البلدية في العاشر من فبراير الحالي.
حوالي 150مرشح، والذين قضى بعضهم سنوات في المنفى بسبب نشاطاتهم في الحقوق المدنية، يتنافسون للحصول على خمسة مقاعد من المقاعد العشرة المخصصة لمجلس بلدية القطيف. أما الخمسة مقاعد الأخرى فستعين من قبل الحكومة.
ومع أن هذه المجالس تتمتع بسلطة سياسية محدودة، إلا أنها توفر منبرا لمناقشة التمييز الوظيفي والقيود التي تفرضها الحكومة على بناء المدارس والمجالس الشيعية. وكذلك تعد فرصة لمناقشة الإصلاحات التي قد تعطي الشيعة حصة اكبر من التأثير السياسي.
ويذكر زعماء الشيعة أنهم سيواصلون التقدم بحذر خوفا من تخطي الحدود غير المرئية التي تضعها الحكومة، والمسموح بها في الخطابات في فترة الحملات الانتخابية، والتي قد تعطي العائلة الحاكمة سببا للتراجع عن الإصلاحات الديموقراطية المتواضعة التي حصلت في السنوات الأخيرة. ويصرح جعفر الشايب، احد نشطاء الحقوق المدنية الشيعة والذي عاد من المنفى بعد اثني عشر عاما قضاها في الولايات المتحدة والذي يسعى للحصول على مقعد في المجلس البلدي «إن الناس مستعدون للمشاركة حتى ولو كانت هذه الانتخابات لاتصل إلى مستوى تطلعاتهم. ولكننا ندرك أننا يجب أن نعمل من خلالها للحصول على مكاسب أكثر».
عندما قام المؤسس الأول للمملكة العربية السعودية, الملك عبد العزيز بن سعود، بضم هذه المنطقة إلى المملكة, وعد الشيعة بحرية العيش، والعبادة كما يشاءون. ولكن الحكومة نادراٌ ما أوفت بوعودها، كما يقول زعماء الشيعة هنا.
فمظاهر التمييز والاضطهاد ضد شيعة السعودية متعددة وجلية. ففي الأفق يلوح المسجد السني الكبير ذي المنارتين والمقام في مركز المدينة القديم في القطيف. وهذه الهبة الحكومية تقزم القلعة الطينية والمنازل الحجرية من حولها، ولكن قلة من المؤمنين يعبرون بابه المقوس لأداء الصلاة فيه. وفي ظل هذا المسجد الكبير يقع المسجد الشيعي، وهو بحجم دكان صغير مكون من خليط من الصفيح وألواح خشبية طويلة وجزء حجري مغطى بمنارة صغيرة. ويتعبد الشيعة بين أحجار جدرانه وجدران عشرات من المساجد القديمة في طول البلاد كشاهد على التفرقة بين مساجد السنة ومساجد الشيعة.
يقول زعماء الشيعة أن الحكومة المحلية، والمليئة بالسنة الذين أتوا من خارج المنطقة والذين يتولون أعلى المناصب, قد قامت بمنع بناء مساجد الشيعة لثلاثين عاما. ولكنها الآن تسمح ببنائها ولكن مع تحديد حجمها. وخوفا من غضب رجال الدين السنة, والذين ينتمون إلى عقيدة متشددة تعرف بالوهابية, فان الحكومة لا تشارك في مشاريع البناء، وكذلك لا تسمح بإدخال الكتب الشيعية إلى داخل البلاد. حيث أن معظمها يصل عن طريق التهريب.
ومع أن الآلاف من الشيعة يعملون في معامل تكرير النفط في المنطقة إلا أنهم لم يرتقوا أبدا فوق المراتب الدنيا في ارامكو السعودية، شركة النفط العملاقة الأولى في الدولة، والتي تقع مكاتبها الرئيسية في منطقة الظهران، على بعد أميال قليلة من القطيف.
ولطالما تأثر عدم الاستقرار الاجتماعي هنا في الداخل بالأحداث الخارجية. وذلك ما جعل الانتخابات العراقية الأخيرة مصدر قلق للقادة السعوديين. والتي يقول المحللون السياسيون أنهم عارضوا الغزو الأمريكي للعراق خوفا من تأثيره المحتمل على هذه المنطقة. وفي عام 1979م، وبعد تسعة اشهر من انتصار الثورة في إيران والتي وضعت حكومة رجال الدين الشيعة في السلطة، قامت ثورة هنا في المنطقة أدت إلى مقتل 40 شخصا وظهور عدة مجموعات قتالية شيعية.ولكنها اختفت الآن. وكذلك أدت التفجيرات التي حصلت في منشآت ارامكوا في الثمانينات، والتي نسبت إلى الشيعة، أدت إلى سياسة تخفيض نسبة القوة العاملة من الشيعة في الشركة إلى النصف.
تيسير الخنيزي أستاذ المالية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران يقول: «إن الناس يتألمون عندما يرون أن النفط الذي يقبع تحت أرضهم يصل إلى المنطقة الوسطى والغربية ولكن لا يصل لهم منه إلا القليل».
ويعزوا المسئولون السعوديون تسجيل الناخبين الشيعة بأعداد اكبر من الناخبين المسجلين في الرياض إلى كون الشيعة لديهم أسباب خاصة تجعلهم أكثر حرصا على المشاركة. الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز حفيد مؤسس المملكة والمسئول عن تنظيم انتخابات المجالس البلدية, يقول: «في أي مجتمع تكون الأقلية أكثر تحفزا وحركة» «ولا أريد أن استخدم كلمتي أقلية وأغلبية»، يقول الأمير وأستاذ الإدارة العامة في جامعة الملك سعود:«ولكن اعتقد أن الأقليات تحاول أكثر من غيرها إثبات وجهة نظرهم عن طريق الانتخاب».
معظم الأحياء في هذه المدينة، البالغ تعدادها 700 ألف نسمة، ضيقة وفي حالة سيئة وتقطعها طرق قذرة. وتقام المدارس في مباني سكنية نتيجة لمنع الحكومة بناء المدارس في أحياء الشيعة. ويقوم المجتمع بتقديم المال لصالح مستشفياته الخاصة والتي تقام جدرانها في أماكن محاطة بأكوام من الأنقاض. حتى أن جزءٌ من سوق الخضار في المدينة يتشارك مع جزء من محطة وقود للسيارات.
بينما يوجد خارج المدينة، حيث المنازل الحجرية تعطي فسحةٌ لاشجار النخيل المتدلية والذابلة، خطوط أنابيب تسير مثل سكة الحديد عبر الصحراء. ويقع مصنع تكرير راس تنورة عند الأفق حيث تبدو خزانات تخزين النفط مثل الحجارة البيضاء. وقد جفت آبار المياه تقريبا في المنطقة، حيث ضخت المياه لسنوات في حقول النفط المستنفرة من اجل الحفاظ على توازنها.
يحدق محمد حسن، الذي يعمل على راس فريق بناء لصالح شركة الاتصالات السعودية، في بئر حيث عدد من الرجال يحاولون تشغيل إحدى المضخات. يقول حسن أن رئيسه سني، مثل كل الرؤساء الذين رأسوه من قبل، وهو يريد أن توفر له الانتخابات فرصة للارتقاء في الشركة أو لتامين وظيفة أخرى وكذلك لتقديم خدمات مدنية افضل.
يقول حسن، 40 سنة: «ليس لدينا حتى سوق حقيقي للخضار, أريد أن يصل صوتي إلى الحكومة».
• الخدمات الخارجية للواشنطن بوست - الاثنين / 28 فبراير/ 2005 م
http://64.246.59.124/artc.php?id=5307
http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/artic...-2005Feb27.html
بحث
قائمة الأعضاء
التقويم
وثائق المساعدة
/
الواشنطن بوست: مخرج لشيعة السعودية
