أعتذر عن طول الغياب
اليوم وجدت نفسي نشيط عالصبح ، قلت خليني أكتب رد قبل الذهاب للعيادة :)
نأتي لمداخلة الزميل Praad رقم
60 حيث كتب يقول :
اقتباس:1- سؤالي الأول شخصي ولك الحرية أن تجيب أو تبقي الأمر شخصيا. هل أنت متزوج وعندك أولاد؟ إن كانت إجابتك نعم، هل فلسفتك وعلمك في الحياة أثر في زوجتك وأولادك وهم الآن بنفس فكرك الإلحادي؟ هل تعتبر الزواج ضرورة طبيعية وأن المرأة تكمل الرجل والرجل يكمل المرأة؟ إن كانت إجابتك لا، لماذا لم تتزوج؟ هل عدم زواجك هو لسبب فلسفي ما؟
سؤال يتضمن عدة أسئلة .
أولاً هل أنا متزوج ؟؟؟؟
نعم متزوج ، و لا يوجد عندي أولاد و لا بنات ، مشيئة الله يا إبني :)
بالنسبة لتربية الأبناء ، فأعتقد أن أفكار الآباء و الأمهات يؤثر بشكل كبير في طريقة تفكيرهم ، و بالنسبة لي أنا و زوجتي فنحن نحمل الفكر اللاديني ، و لكن هذا لا يعني أننا يمكن أن نفرض هذا الفكر على الأبناء لأنهم أبناءنا ، بل نمنحهم مساحة أكبر في التفكير ، و أي شخص تمنحه مساحة للتفكير يمكن أن يتوصل إلى نقاط ضعف الأديان بسهولة و يكوّن أفكاره اللادينية الخاصة .
و لكن في بداية نشأة الأطفال ، فأعتقد أن من واجب الأب و الأم أن لا يربّوا فيه عقدة الشذوذ أو الاختلاف ، بمعنى ، لو كان الأب و الأم مسلمين ، و لو بالإسم ، فيجب عليهم أن يراعوا الجو الذي يحيط بابنهم خلال سنيّ الدراسة الأولى ، يعني إلى أن يصل الطفل سن 12 أو 13 (فترة ما قبل البلوغ بقليل) يجب أن يبقى منسجماً مع محيطه في المدرسة ، أي أن يبقى منسجماً مع ما تقوله له المعلمة عن الدين و قصصه و ما إلى ذلك ، مع إعطاء إشارات خفيفة له ، حتى لا يجد نفسه الطفل الوحيد الشاذ الذي يعلمه أبوه أنه لا يوجد جنة و لا نار و لا قيامة إلخ .
و في هذه المرحلة يمكن أن يستفيد الآباء من فكرة الردع الديني ليجعلوا من الطفل إنساناً منسجماً مع المحيط الإجتماعي ، فيتعلم أن الكذب ذنب و عقوق الوالدين ذنب إلخ ، لأنه لا يستطيع أن يفهم البعد الأخلاقي للمسألة بشكلها المجرد بعيداً عن دائرة الثواب و العقاب ، فعندما يقوم الطفل بعمل شيء جيد نكافئه بشيء كقطعة حلوى ، و عندما يقوم بعمل سيء نوبخه و أحياناً هناك من يجد ضرورة لضربه ، و هذا ما يجعل الطفل يقيس الأمور بالثواب و العقاب ، مما يجعل مسألة الحرام و الحلال و العقاب الإلهي و الكائنات الماورائية أكثر قبولاً لديه و أنجع من الشرح الفلسفي لمضار الكذب و الغش في اللعب و الغدر بأصدقائه و ما إلى ذلك .
و هذا يشبه قولنا للطفل في الليل "لا تطلع من البيت في الليل في عو" هذا إن كان عمره سنتين - أربع سنوات
ثم نطوّر المسألة فتصبح "لا تطلع من البيت في الليل بيخطفك الحرامي" ، إن كان أقل بين 4 و 6سنوات .
ثم تصبح بعد ذلك "لا تطلع من البيت في الليل لأنه في شرطي بيزعل " إن كان بين 6 سنوات و ثمانية سنوات إلخ .
و هناك الكثير من أساليب الردع التي تحقق المطلوب و هو منع الطفل ذاتياً من فعل شيء ما خوفاً من تبعات نرسمها وهماً في عقله ، و هذا كله يمكن أن يستمر إلى فترة ما قبل النقلة النوعية الكبرى في حياة الإنسان ، و هي مرحلة ما قبل المراهقة .
و أعتقد أن مرحلة ما قبل المراهقة أهم بكثير من مرحلة المراهقة نفسها ، لأنها هي التي تؤسس و تهيء الأرضية التي سيسير عليها هذا الفتى أو تلك الفتاة أثناء المراهقة و من ثم الخروج منها بشخصية أكثر نضوجاً و أكثر وضوحاً .
و الحديث بهذه الأمور يطول و يتشعب ، لكني أتمنى أن أكون قد أجبت و لو بشيء من الاختصار و وضحت وجهة نظري في مسألة تنشئة الأطفال .
اقتباس:2- تقول في إحدى مداخلاتك هنا ردا على السؤال:
اقتباس:
--------------------------------------------------------------------------------
هل أثرت دراستك للطب في إلحادك وتركك للدين وانكارك لوجود الله؟
--------------------------------------------------------------------------------
تقول:
اقتباس:
--------------------------------------------------------------------------------
لا أبداً، فكانت دراستي لعلم التشريح وعلم تكوين الجنين بالذات من أكبر المحفزات لعودتي إلى حظيرة الإيمان، ما دفعني إلى الإلحاد هو تجربتي الدينية، والتي جعلتني أفكر في أسئلة لم تكن تخطر على بال.
--------------------------------------------------------------------------------
حظيرة الإيمان التي عدت لها بعد دراستك لعلم التشريح وعلم تكوين الجنين هو الإسلام على ما أعتقد، أرجو أن تصححني إن كنت مخطئ. هل تقصد أنك عدت لحظيرة الإيمان كمؤمن بسبب دراساتك العلمية، أم عدت لتبحث وتتأكد إن كان الإسلام صحيح أم لا. هل تركك للإيمان بعد ذلك ولجوءك للإلحاد سبب لك اضطهادا وتعنيفا من عائلتك أو محيطك أو بلدك؟ أم أنك تعيش في بلد حر يسمح لك الإشهار بأنك ملحد؟
نعم هي الإسلام لأن خلفيتي الدينية التي نشأت عليها هي الإسلام .
و عندما درست علم الأجنة كمادة مقررة في الجامعة ، عدت إلى حظيرة الإيمان ، و لكن ليس بعد انسلاخ سابق عنها ، فأنا لم أكن قد وصلت إلى اللادينية بعد ، بل كنت مسلماً يقر بالكثير إن لم نقل بأغلب ما جاء به نبي الإسلام ، لكني كنت مقصراً في أداء الواجبات و العبادات ، لا صلاة و لا صوم ، و من ثم دراستي لعلم الأجنة هيأت الأرضية في عقلي للدهشة من عجيب قدرة الخالق ، ثم جاء مصطفى محمود بكتابه الشهير (حوار مع صديقي الملحد) ليقلب الدنيا في رأسي و يملؤني شعوراً بالتقصير تجاه الخالق الذي يعجز هذا الملحد الذي يصوره لنا مصطفى محمود عن إنكار وجوده بشكل مفضوح جداً .
و عندها و انطلاقاً من الإحساس بالذنب و التقصير و خوفاً بل هلعاً من الموت و من ثم الخلود في جهنم قررت الالتزام بالواجبات الدينية فصليت الجمعة و من ثم اندفعت نحو الدين أغذّي به عقلي و جسدي ، إلى أن اصطادني أخي و كنت مهيأً جداً لقبول ما يقول ، فانضممت إلى جماعة الأحباش و بدأت أتعصب لها ضد أي تيار ديني آخر كالسلفية (العدو الأكبر) و الإخوان المسلمين و سيد قطب و الشيعة و غيرهم .
كنت أرى (كما صوّروا لي الأحباش) أنهم هم الغرباء الذين قال عنهم نبي الإسلام و أنهم القلة القليلة القابضة على الجمر . و قد فصلت هذا الحديث في موضوع نشرته في النادي و ربما في خواطري عن قصة تحوّلي عن الإسلام .
طبعاً بعد سنتين تقريباً مررت بمرحلة من الشك و الصراع ، و لم أجد خياراً ثالثاً بين الإسلام أو الإلحاد .
ففي بداية مسألة الشك الديني لا يقوى المرء على وضع احتمالات أخرى مثل (الإسلام أم المسيحية أم الهندوسية أم اللادينية أم الإلحاد الكامل ) ؟؟؟؟
فالمسألة تكون غاية في التعقيد و الإرهاق العصبي ، على الأقل بالنسبة لتجربتي الخاصة ، فإما أن ينتصر الدين (و الذي لا يمكن أن يكون غير الإسلام في نظري تلك الأيام) أو ينتصر الإلحاد (بإنكار الله و أنبيائه و كل الماورائيات جملة و تفصيلاً .
طبعاً انتهت تلك المرحلة بتحولي إلى الإلحاد ، و بعد فترة طويلة من البحث في مسألة الدين و القراءة و مشاركة الإخوة هنا في النادي أفكارهم و انتقاداتهم تبلورت فكرة الإله الغائب ، و التي قمت بالتنظير لها في مواضيع متفرقة هنا و هناك خلال السنتين الماضيتين و لم أجمعها ضمن موضوع محدد بعد ، ربما لأن الفكرة لا تزال في طور التكوين لا أدري .
بالنسبة للشق الأخير من سؤالك الثاني :
اقتباس:هل تركك للإيمان بعد ذلك ولجوءك للإلحاد سبب لك اضطهادا وتعنيفا من عائلتك أو محيطك أو بلدك؟ أم أنك تعيش في بلد حر يسمح لك الإشهار بأنك ملحد؟
طبعاً لا حاجة لي أن أوضح أن مسألة إشهار الإلحاد أو ما يحب أن يسميه الناس "الردة" في بلادنا العربية يقابل بأسوأ أنواع التنكيل ، فأولاً هناك احتقار العوام ، و يشكل الأميون و قليلي الثقافة المجموع الأكبر لاحتقار من شاع عنه ارتداده عن الدين سواء على مستوى مدينته أو عمله أو بلده إن كانت المسألة كبيرة و الظنين موضوع الاتهام قد نشر أفكاره على الملأ .
ثم تأتي المؤسسة الدينية التي تعرف كيف تستفيد و بكل خبث من قوانين الدولة المهترئة و التي تمنع حرية نقد الدين فتلجأ إلى المحاكم تطالب بتكفيرك و التفريق بينك و بين زوجتك ، و هناك محامين في بعض الدول التي تمثّل على العالم لعبة الإسلام من هم متخصصون في رفع قضايا التفريق على الكتّاب و المفكرين خصوصاً الشعراء و الذين تتضمن أشعارهم تعبيرات تخرجهم من الملّة ، فيقوم هؤلاء المحامون و بخسة ما بعدها خسة بتقليب السطور و البحث فيما بينها عمّا يخرج من الملة في نظرهم ثم يرفعون قضية تفريق ضد الظنين صاحب التهمة تحت مسمى الاستهزاء بالدين و القرآن .
و أشهر تلك القضايا ما حدث مع الفنان الملتزم العالي السما دائماً و أبداً مارسيل خليفة حين غنى قصيدة محمود درويش "أنا يوسف يا أبي" و تم رفع قضية ضده لأنه استخدم آية من القرآن . كذلك قضية الشاعر الأردني موسى حوامدة .
حقيقة لا أدري ماذا أقول ، فالموضوع مؤسف و مقرف في نفس الوقت ، فها هو عمرو خالد ينظر من جهة عن التسامح الديني و الأخلاق و المحبة ، و ها هم الآخرون يكفّرون المفكرين و الفنانين من جهة أخرى . و كل جهة لا تعترف بسلوك الآخر ، و تجعل الناس في حالة من الضياع حول فهم الدين الإسلامي ، لكنهم في النهاية (الفريقين) يستفيدون من بعض و يكمّلون بعض ، فذاك لإغراء المؤمنين بضرورة تأدية الواجبات الدينية على أكمل وجه ، و الآخر لإرهاب من يفكرون في الخروج من حظيرة الإيمان .
أتمنى أن أكون قد أجبتك من خلال ردي السابق .
نأتي للسؤال الثالث :
اقتباس:3- عندما كنت في الثانوية،أتذكر أني قرأت التالي أو ربما سمعته من أحد الأساتذة: "كلمة الملحد والالحاد تأتي من اللحد، أي القبر... بمعنى آخر الملحد هو من يدفن ويطمر فكرة وجود الله لأنه لا يريد أن يؤمن بوجوده..."
هل توافق على هذا التحديد؟ وهل أنت ملحد بمعنى أنك تؤمن أن الله موجود لكنك ترفض الإيمان به، أم أنك ملحد بمعنى أنك لا تؤمن أن وراء كل هذا الكون خالق ما.
بالنسبة للمعنى اللغوي فالإلحاد كما تعرف هو العدول عن الطريق القويم (مال عنه) و إن كانت الصورة الأدبية الذي ذكرها أستاذك في المدرسة لا تخلو من بلاغة موفقة .
أما بالنسبة لي شخصياً فأنا كنت ملحداً بالمعنى المادي خلال الفترة الأولى من تركي للدين ، لكني و بعد الكثير من البحث و القراءة تحولت إلى اللاأدرية ، بمعنى أنني لا أستطيع أن أجزم حول مسألة الإله ، ثم طوّرت هذه الرؤية السلبية (اللاأدرية) فوصلت إلى مفهوم "الإله الغائب" و وضعته كحل نظري يمكن أن يؤمن به من لا يستقيم معه الوجود دون وجود بداية فوق مستوى العقل . و وضحت في كثير من مداخلاتي في هذا النادي مفهوم هذا الإله ، و أنه يقوم أساساً على لا ضرورة الإيمان به .
بمعنى أن هذا الإله غير مهتم بشرح نفسه لنا ، و أشياء أخرى بسطتها هنا و هناك ، سأحضر لك روابطها لاحقاً ، لكن اعذرني لأنني مضطر للذهاب إلى عملي .
تحياتي لك و للجميع
و قبل الذهاب أشكر الزميل الجميل awarfie على تحيته اللطيفة .
نتوقف عند مداخلة الزميل ليبرالي_مصري رقم
63
تحياتي