أمس كنت قد دخلت في الصباح و كتبت رداً مطولاً على مداخلة الزميل ليبرالي_مصري ، و لكن للأسف عندما فكرت بعمل حفظ على الوورد لما أكتب تشنج الجهاز و أبى إلا أن يضيّع كل ما كتبت .
و رغم الإحباط الشديد الذي نواجهه نتيجة مواقف مشابهة قد يكون قد مر بها الجميع ، سأحاول أن أكتب أفكاري مرة أخرى حول هذه النقطة .
كتب الزميل ليبرالي_مصري في مداخلته رقم 63 يقول :
اقتباس:متي ياتي اليوم الذي ينهار فية الخطاب الديني لصالح الخطاب الأنساني ؟
اقصد 20 عاما 50 عاما 70 100 ؟؟؟
أعتقد أن هذا اليوم لا يمكن التنبؤ بقدومه وقتياً ، لكن يمكن على سبيل استشراف المستقبل ، فالدين كما هو معروف يقوم على انتشاره في الأوساط الفقيرة و العامة من الناس ، فالفقر و الجهل يشكلان العصب الرئيسي لسيطرة الدين على عقول الناس خصوصاً في بلاد العالم الثالث ، و الجهل يولد الوهم لذا تجد أن الكثير من الخلط بين الدين و العرف و أحياناً الشعوذة و الدجل تنتشر بقوة في الثقافات البسيطة لدى شعوب العالم الثالث ، بينما تجد البلاد الصناعية المتقدمة أكثر علمانية و تسامحاً ، بحيث تعطيك الحق بنقد الدين و السلوك الديني على حدٍّ سواء دون أن تجرّم بتهمة الردة التي تفتح الباب على مصراعيه ليحتز رقبتك أي طائش متحمس يحركه الجهل و التعصب الديني .
في الدول المتقدمة صناعياً و اجتماعياً يكفل الدستور حرية المعتقد و الدين و نقد الدين و المقدس ، و لكن في مجتمعاتنا لا تزال هذه الأمور من المحرمات المتفق عليها ، و لكن هناك عامل تاريخي مهم جداً يقوم حالياً بعمل حفريات في أساسات هذا البناء الفكري التقليدي لدينا ، و هو عامل خطير جداً سيؤدي حتماً إلى تغيير مسيرة التاريخ ، ألا و هو عامل الإنترنت .
قد يتساءل المرء و يقول ما الذي يميز الانترنت عن باقي وسائل الاتصال حتى نعطيها هذا الدور الخطير ؟
أعتقد أن الانترنت هي الوسيلة الأولى التي أتاحت للناس النتعبير عن أفكارهم بل و نشرها على نطاقات واسعة و التفاعل مع الجمهور دون سيطرة عقدة الخوف على صاحب الفكرة ، لأنه يكتب من وراء حجاب إسمه nickname (الاسم المستعار) .
هذا الأمر الذي حققته الانترنت و الذي جاء كناتج جانبي لتطورها السريع في العقد الماضي ، هو الذي يساهم في خلخلة الثوابت الموروثة لدى الكثير من الناس ، فتجعلهم يفكرون بنقد الدين ، أو على الأقل يعتادون على الأصوات التي تقوم بنقد الدين بعيداً عن التشنج و العنترية التي يوفرها المجتمع لأي شخص كي يمارسها في الشارع محتمياً بالكرت الأخضر الذي يمنحه إياه العقد العام بين الناس المسمى (الدين) .
في رمضان مثلاً ، يتورم الإحساس الديني في قولب و عقول الناس ، فتجد مبالغة في تطبيق السلوك الديني ، و تجد المساج عامرة بالناس ، و أغلب من يعمر هذه المساجد هم العوام الذين ورثوا الدين و التعصب له كما ورثوا لون بشرتهم و شعرهم من أبويهم ، و عندما تغرّد خارج السرب كأن تشعل سيجارة في سيارتك ، تنطلق نحوك نظرات التحقير في أحسن الأحوال و التدخل اللفظي في أغلبها و أحياناً التطاول إلى درجة تغيير المنكر باليد من قبل هذه الجموع الغفيرة من المصابين بحمى التديّن الرمضانية .
ينسى هؤلاء الناس أنهم قبل هذا الرمضان لم يكن يعرفون أوقات الصلاة ، و لا يقرؤون كتابهم المقدس ، و قد يفشل الكثير منهم في متابعة الحمى الرمضانية قبل انتهاء الشهر الفضيل فيفطر في منتصفه أو أواخره ، لكن قبل ذلك ، فهو يمارس عليك الوصاية الأخلاقية و السلوكية لأنه مدعوم سلفاً من قبل المجتمع ، سواء قيل له ذلك أم لا ، فهو يدرك ذلك بغريزته الجمعية .
الخلاصة حتى ما نزعّل الدينيين أكثر من ذلك :)
أعتقد أن الانترنت فتحت المجال لإزالة الكثير من الصدأ عن العقول ، و نفضها و هزّ الثوابت الراسخة ، مقال هنا و مداخلة هناك تؤثر في عقول الأجيال الجديدة ، و تعوّدهم على الأقل على أن هناك أناس لا ينتمون إلى هذا المجموع ، و أنهم بشر مثلهم و مثقفون و ليسوا أشرار بأنياب طويلة و قرون شيطانية ، مما يهيء الأرضية لتفاعل أعمق بين التيارات الدينية و اللادينية تؤدي إلى فتح القنوات بينهم فيتم التبادل بكل حرية ، فهذا يتحول من الدينية إلى اللادينية و ذاك من اللادينية إلى الدينية .
و هذا يؤدي في النهاية -يقيناً كما أؤمن- إلى علمانية الدولة ، فيدرك المرء أن الدين فشل فشلاً ذريعاً حين دس أنفه في العلم و الاقتصاد و الاجتماع و القانون و الأخلاق ، فيدرك أن المسألة مسألة روحية بينه و بين القوى التي يتعبد إليها ، فيسقط هذا الخطاب الديني التقليدي المتعالي ، و يرتفع مكانه الصوت الحر الذي يضمن للمتدين و غير المتدين اعتلاء المنبر و نشر أفكاره .
المتدين تعلّم التعصب و ورثه بالجينات ، تعلم أن من حقه كمسلم مثلاً أن يعلو المنبر كل جمعة منظّر من جماعته و ينشر أفكاره كما يريد بل و يشتم المخالفين و يسخر منهم و يحتقرهم ، بينما عندما يقوم لاديني بنشر أفكاره في مجلة ثقافية متواضعة الانتشار تجدهم يأتون إلى المجلة و يقيموا الدنيا و يقعدوها و يأخذون باستغلال قانون الدولة المتخلف لينكّلوا بصاحب المقال بشتى الوسائل و يطالبوا بالتفريق بينه و بين زوجته و الحجر على أمواله .
هذا الأمر سيسقط يقيناً ، ربما خلال الخمسين سنة القادمة ، لأن اللادينيين الآن في ازدياد ، و صوتهم في ارتفاع ، و سواء شاء الدينيون ذلك أم أبوا ، فقد وجدوا المنابر العديدة من خلال الانترنت دون أي خوف ، و كل لاديني يكتب فكرة أو مقالة يساهم في وضع طوبة في بناء العلمانية في دول العالم الثالث ، و شيئاً فشيئاً سيرتفع هذا الصرح ليوازي بشموخه صروح الله المتاخمة للسماء ، في عقول الآخرين .
في المداخلة السابقة للزميل abowalad قام بإظهار كلمة "الله" بالأحمر في قولي "مشيئة الله"
أولاً أقول لك يا زميلي و بدون زعل أنك صعبان عليّ .
فإذا كنت تعتقد أن قولي "مشيئة الله" هي من فلتات اللسان التي يتوارى فيها الحق فهذا أمر محزن للغاية و تكلّف لا أخالك تؤمن فيه بقرارة نفسك .
كثيراً ما نقول جمل تحمل دلالات لغوية تتجاوز المعنى الحرفي للمفردات تعوّدنا عليها في لغتنا مثل :
- بالله عليك ؟ كنوع من الاستغراب دون أن نعي أننا نستخدم لفظ الجلالة المقدس
- ما شا الله ! كتعبير عن الدهشة
- الحمد لله ، كرد تلقائي لا واعي عند السؤال "كيف الحال ؟ "
- صلي عالنبي . عندما تريد أن تقاطع شخص مسترسل في كلام لا تؤيده .
و كثيراً ما نلاحظ أشياء طريفة ، فعندما يكون س في حالة عصبية حادة يقول له أحد الموجودين :
"صلّ عالنبي يا رجل " بمعنى هديء من عصبيتك
فيجيب الرجل العصبي دون وعي و هو يتنهد :
"لا حول و لا قوة إلا بالله " كتعبير عن عدم الرضا عما يحدث و محاولة للهدوء و العودة إلى المنطق و إلجام الغضب .
كل هذه التعابير و إن استخدمت مفردات لها علاقة بالدين ، إلا أنها تستخدم لدلالات لغوية تتجاوز بل و تتجاهل المعنى الديني لها في أغلب الأحيان .
فعندما يرى المسيحي أمراً عجيباً أو مؤلما يستنكره تجده يقول :
Jesus Chrisis
أو
Oh God
دون أن يقصد بالذات المعنى الحرفي للجملة بقدر ما يقوم و بشكل لا واعي كردة فعل سريعة للتعبير عن الاستنكار أو الدهشة و التعجب .
لذلك يا عزيزي ابو ولد ، صلّ عالنبي و هديء من روعك :duh:
كتب الزميل alho :
اقتباس:مرحبا ياستاذ ختيار
مع تحياتي
و أنا بدوري أشكرك على دخولك لهذا اللقاء و أرحب بك صديقاً جديداً ينضم إلى هذه العائلة الكبيرة التي نسميها نادي الفكر ، و التي هي جزء من عالم رقمي ضخم إسمه العالم السبراني .
نتوقف عند مداخلة الزميل محمد الدرة رقم
65
تحياتي للجميع