تعتبر مشكلة القتل إشفاقاً أو بدافع الشفقة مشكلة إنسانية وقانونية شغلت الفقه والقضاء على السواء ، سيما في الآونة الأخيرة..

وصلب المشكلة يكمن في أن العدوان الواقع في مثل هذا القتل لا ينبعث عن نفس إجرامية وإنما على العكس من ذلك عن نفس رحيمة..

ولكي توضع المشكلة وضعها الصحيح ينبغي أن نتعرف على الفارق بين القتل الذي يقع إشفاقاً وبين غيره من صور القتل العادية..

هذا الفارق هو أولاً (في الدافع إليه) أو الباعث على ارتكابه وهو أمر لا أهمية له في القانون الجنائي (ذلك أن القاعدة القانونية: ألا عبرة بالبواعث) الأمر الذي لا يقيم منه فارقاً له قيمة في (نموذج الجريمة) بحيث لا يبقى بعد ذلك من فارق سوى محل الجريمة وهو الإنسان محل القتل..

فهل يمكن قانوناً للطبيب أو لأي شخص آخر أن يقتل قصداً مريضاً لا يؤمل شفاؤه لمساعدته على إنهاء آلامه ، بعد أن يئس الطب من شفائه؟ ، أو طفلاً مشوهاً معاقاً رحمة به وشفقة عليه؟..

وتجسيداً لتلك المشكلة نستعرض بعض الوقائع التي أثيرت فيها تلك المشكلة أمام المحاكم والرأي العام..

1ـ ففي عام 1912م قتل أحد وكلاء النيابة الفرنسيين زوجته المصابة بشلل نصفي ناشئ عن إصابة دماغية ، وقرر أمام المحكمة أنه قام بواجبه تجاه زوجته التي كانت تعاني آلاماً لا تطاق..

2ـ وفي عام 1925م قتلت فتاة (يومنيسكا) خطيبها الذي كان مصاباً بالسرطان وأجريت له عملية جراحية ونقل دم ، ولكن الآلام التي ظل يعاني منها كانت آلاماً لا إنسانية ولا يمكن أن تحتمل ، فراح يتوسل إلى خطيبته بصورة ملحة لتنهي آلامه فضعفت إرادتها وحقنته بكمية كبيرة من المورفين ثم قتلته بمسدسها..

3ـ وفي سنة 1950م قتل طبيب أمريكي يدعى (ساندر) سيدة تدعى (بورتو) عمرها 59 عاماً بحقنها ثلاث مرات متتابعات بعشر سنتيمترات مكعبة من الهواء ففارقت الحياة بعد دقائق من الحقن ، وكانت تلك السيدة قد دخلت المستشفى التي يعمل بها الطبيب قبل موتها بخمسة عشر شهراً لإصابتها بالسرطان وأجريت لها عملية وأرسلت إلى بيتها ثم عادت إلى المستشفى بعد ان انتقل السرطان إلى الكبد والكليتين وغشاء المعدة والغدة الدرقية والليمفاوية ، وأظهر الكشف الطبي أنها سائرة قدماً نحو نهايتها المحتومة وكانت السيدة قد ذاب لحمها ولم يبق سوى العظم والجلد حيث انخفض وزنها من ستين كيلو جرام إلى 25 فقط ولم تعد قادرة على مضغ الطعام أو ابتلاع الماء فقرر الأطباء تغذيتها بصورة اصطناعية ، واشتدت آلامها وفقدت الأدوية المسكنة تأثيرها في تهدئة الآلام..

وحين واجهت النيابة ذلك الطبيب بالتهمة أجاب بأن زوج المريضة رجاه مراراً أن ينهي آلام زوجته ، وكان هو أيضاً يتألم لآلامها فأقدم على إنقاذها من تلك الآلام ، وأضاف بأنه عملياً ما كان ممكناً أن تعيش أكثر من أسبوع آخر وأن زوجها حين أعلمه بموتها قال: الحمد لله إني سعيد أنها استراحت..

4ـ وفي سنة 1961م قتل الطبيب البلجيكي (كاسترس) طفلة كانت مصابة بتشوه فظيع عند ولادتها سبب انهيار والدتها وصراخها حين رأت ابنتها على تلك الهيئة ، وتوسلاتها إليه بأن ينقذها من تلك المأساة الإنسانية..

تلك أمثلة لبعض الوقائع التي ثارت أمام القضاء وأثارت معها ضجيج الرأي العام ، قضت المحاكم في بعضها بالإدانة وبالبراءة في بعضها الآخر ، (ليس لأن القتل كان فيها بدافع الشفقة وإنما انسياقاً وراء ضغط المشاعر الإنسانية التي تنطق بها تلك الوقائع ، الأمر الذي جعل للمشكلة أهمية تستوجب البحث لها عن حلول..

صحيح أن مشكلة كتلك لم تعرض بعد على أي قضاء عربي ولكنها قابلة بين لحظة وأخرى لأن تثور الأمر الذي يستلزم بحثها..

وبادئ ذي بدء فالفقه الجنائي في شقه الأعظم يرى أن المشكلة (وهمية) لا تثير شبهة في التطبيق القانوني الصحيح ، إذ يعتبر هذا القتل جريمة مهما كانت حدة الدافع على ارتكابها ، لأنه لا عبرة في القانون بالبواعث..

ومع ذلك يبقى للمشكلة وجهها الإنساني الذي دفع بجانب ضخم من المفكرين إلى القول بتبرير هذا القتل ولذلك أسمو (الموت برحمه)..

والآن أنت ما رأيك بهذا النوع من القتل؟ وما هو تبريرك؟

أوافق عليه ضمن قانون يناقش مع جميع فئات المجتمع و بوضع نقاط عملية واضحة للحالات التي يمكن تفويض الطب بها للقيام بهذا العمل الإنساني في نهاية الأمر. و بمراقبة الدولة و القانون لطريقة إجرائه و التصديق عليه بعد دراسته بشكل موسع و تحري حقيقي حول اليأس التام من شفاء المريض و ملابسات الحالة و بعد موافقة المعني و أهله... الخ

للتذكير فإن هولندا لديها قانون يسمح بالقتل إشفاقاً..

تحياتي الخالصة.

الصديق العزيز ابن سوريا

تحية لك(f)

من وجهة نظري كنت موفقاً في طرح اقتراحك في التشريع القانوني (على الرغم من صعوبة تطبيقه) من عدة جوانب إلا أن التوفيق كان حليفك في اعتقادي..

الجدير بالذكر أن فقهاء القانون لا يعولون على تشريعات هولندا للشذوذ الكبير في القانون ، حيث أن تعاطي وحيازة المخدرات مشروعة في هولندا كما أن الدولة توفر الحقن مجانا للمدمنين خوفا من الامراض ، ولكن ذلك ليس مبرر لتشريعها من ناحية (كل ممنوع مرغوب) فالقانون لا يأخذ في تشريعه بالأمثال والأقوال الشعبية..

مع خالص محبتي لك(f)

(1)

(f)

وهذه لك لطرحك الموضوع


تحياتي

(f)(f)(f)

حقاً لا أدري


فقد حاولت إحتسابها إلا أنها شائكة التعقيد

من ناحية فهي عملية إنسانية حين تتم في مكانها المناسب


الخوف أنها قد تصبح وسيلة لإرتكاب الجريمة لتحقيق مأرب شخصي ما

وهذا أيضاً وارد

لي عودة بنقاش أكثر تفصيلاً

وشكراً للزميل كحيلان على الطرح الراقي

لو سألك شخص : هل يحق لي أن أستولي على ابنك ؟

فإنك لن تتردد في الرد بقول لا

وسبب ذلك أنك تعتقد أن ابنك هو ملك لك ولا يحق لأحد أن يأخذه منك

وينطبق هذا على الأرض وعلى جميع ممتلكاتنا

فمن باب أولى أن نعرف أن الله هو الذي منحنا الروح والحياة

فنحن ملك له وله وحده الحق في استردادها

الانتحار بأي وسيلة حرام وصاحبه من أهل النار

هممم ..

هنا بحث مفيد حول هذا الموضوع

http://www.islamonline.net/Arabic/contempo...rticle01d.shtml

يجب أن يكون هذا قرارا صادرا عن لجنة متخصصة مسئولة .. ربما يجب تخصيص هيئة قضائية-طبية تتولى هي إصدار مثل هذه الأحكام ..

وبحسب الكلام في البحث السابق .. فإن الفقهاء المعاصرين لا يجيزون عملية القتل (ألمقصودة) لكن أن يتم تيسير الموت برفع الأدوية واستخدام المسكنات فجائز!

يعني القاعدة أنه لا يجوز تعجيل الموت لكن يجوز تيسيره ..

في نظري المتواضع أنه لا فرق .. وربما أكون مخطئا!

إنني أوافق على هذا الموضوع 100 %.
وإنني في هذا انطلق من تخيلي للموضوع. فلو كنت مثلا مريضا بمرض قاتل وأعلم انني لن اعيش اكثر من اسبوع او حتى شهر وكنت كل يوم اعاني من الآلام التي لا تطاق فعندها بالطبع سوف أوافق على القتل الرحيم من اجل انهاء هذا العذاب بل حتى انني ساترجى اي شخص اراه امامي ان يساعدني على ذلك اذا لم استطع الانتحار بنفسي . لماذا على أن اتحمل هذه الالام المبرحة وانا اعلم انه لا امل لي ان احيا بعدها . لماذا على هذا الاله ان يفرغ نزعاته السادية في وعلي ان اتحملها بكل رحابة صدر ؟

إليكم أشهر من عمل في "القتل الرحيم"، د. كيفوركيان، والذي يستخدم حقنة سامة يستطيع المريض أخذها بنفسه، في إنهاء حياة من يطلب مساعدته..


http://www.pbs.org/wgbh/pages/frontline/kevorkian/

وبالنسبة لي، فأنا أؤيد القتل الرحيم بناء على طلب صاحبه بعد تأكيد استحالة شفائه، والمنطق بالنسبة لي هو أن هذا الشخص لو استطاع التصرف لأنهى حياته بنفسه، ولكن عجزه هو ما يمنعه. وقد توفي أحبة لي، كنت أتمنى لهم الموت في كل لحظة من أيام عذابهم الطويلة، إلا أن أحدهم لم يفكر في إنهاء حياته..

إذا هناك شرطان - استحالة الشفاء، وإرادة المريض - لو تحققا، فليكن..