(1)

دائما مايبدأ كتّاب القصص الرومانسي بالقول " لا أعرف من أين أبدأ..هل أبدأ من كذا؟..أم من كذا وكذا؟..أم من كذا؟" ثم إذا به يبدأ من مكان يعرفه جيدا وخطط له مسبقا بخبث ليسرح بقارئه في الخيال، وهو ما فعله بنا مثلا عبد الحليم في تجل واضح لهذه الظاهرة عندما غرّد نشيده " لو حكينا يا حبيبي نبتدي منين الحكاية؟" فلا يفيق من ينصت له بعدها إلا و"الحكاية" قد انتهت بعد تذوق لذيذ لمجرياتها المحكمة.

ولكنني عزيزتي القارئة وعزيزي القاريء..لن أفعل بكما هذا المقلب المشين، لأنني فوق احترامي لكما ، أحترم أبطال القصة ، ولأنني لن أسطر لكما قصة رومانسية خيالية ، بل سأسطر- بعد صمت دام طويلا - قصة حقيقية عشت مع بطليها لحظة بلحظة ، بل وحتى هذه المبالغة سألغيها وأقول يوما بيوم ، وأحيانا أسبوعا بأسبوع، على حسب ما كانت الظروف تسمح بمعرفة آخر الأخبار ، وعلى حسب ما كان القلب يجتر تلك الأخبار فيفرح قليلا لينوح كثيرا.

وسوف أضع لا دينيتي أيضا جانبا ومعها اعتقادي بأن كل فكرة الإله وظهوراته هلوسات وسخافة ما بعدها سخافة. وذلك احتراما لإيمان الغير ولعقله ، وقبل هذا وذاك احتراما للقلب وما يشتهي ويحب. وسأخلع عدم إيماني كما يخلع الجنتلمان قبعته أمام سيدة جميلة وحفاظا على سير وتسلسل القصة دون تطفل مني.

وقد شاب صمتي فترددت في كسر شيبته ، وقلت أتركه يكمل طريقه حتى يتلاشى مع القصة ويدفن مع بطليها في لحودالعدم..وحتى لا يكسر أحد قدسية هذه القصة بكلمة جوفاء أو تعليق ماكر. ولكنني بلا سبب أكتبها. لعلني أريد من ينزف معي إرضاء لسادية نهمة في كياني. أو بحثا عن عاطفة لن تجدي لمساتها معي الآن.

كفى ثرثرة! وكفى تنميقات أدبية! فالقصة خطيرة، والقاريء ملول بطبعه.

[quote] Albert Camus كتب/كتبت
(1)

بحثا عن عاطفة لن تجدي لمساتها معي الآن.

كفى ثرثرة! وكفى تنميقات أدبية! فالقصة خطيرة، والقاريء ملول بطبعه


ليس أمام مثل هذه البداية.. في انتظار ماسترويه لنا بلغتك الرائعة هذه..


(f)

(2)

هي : فتاة في التاسعة عشرة من عمرها ، تعيش في إحدى البلدان العربية ، في منطقة تمتلك ما يكفي من مطبات الشوارع والحجارة والجماعات الإسلامية ليحيلها إلى منطقة بائسة.
وهو : شاب في دولة عربية أخرى في منتصف العشرينات ، وتمتلك ما يكفي من الفاسدين ليشغل قوات الشرطة بملاحقتهم والمحاكم بإدانتهم ، ولكن لحكمة ما أبت تلك القوات إلا أن تتجاهل كل هؤلاء وتلاحقه هو.

الفتاة مسلمة ، حاولت الانتحار يأسا في إحدى المرات وقامت أيد مشئومة بإنقاذها لتتركها إلى مصيرها المنتظر.بدأت تحاول التقرب إلى الله بعد التجربة ، وبدأت تقرأ ، فوقع في يديها بعض المواد التبشيرية المسيحية ، ورأت أن الله " عندهم " أجمل من الله " عندنا " ( هكذا كانت تقول دائما عندما تحكي قصتها ) ، وفي غمرة يأسها رأيت المسيح يظهر لها في نوره السرمدي فآمنت وتغيّرت ، وفرحت بكتابها المقدس الجديد وبنظام الصلاة البسيطة العميقة وبالتراتيل الملائكية التي لم تكن تستطيع سماعها من قبل ، وبتجسد الإله وبساطته ، وكانت لا تفقه في اللاهوت ولا يعنيها الجدل العقلي في شيء. ولكنه القلب وما يشتهي ويحب وكفى.

بدأت تنخرط في جماعات صلاة في محيطها بسرية وتعرفت على المؤمنين المخلصين ، وعلى قسيس الكنيسة "الرائع الطيب" ، وبدأت تتعلم وتسأل وتعيش حياتها الأفضل وطبيعتها الجديدة.

رأت شابا في المجموعة ذات يوم وكانت براءة المسيح تقطر من وجهه ، وعلمت أنه كان مسلما أيضا ، فتقربت منه بحكم تقارب الخبرات التي لا يستطيع أن يدركها المسيحيون بالمولد كما يدركها من هو مثل هؤلاء الذين مروا من ذات الباب الضيّق. ولكن ذلك الشاب راجع نفسه يوما، ووجد أنه سيذهب إلى جهنم التي قال عنها نبي الإسلام، وارتعب وخاف ، خاصة أن من معه من الجماعات الإسلامية من الشيوخ كانوا يعتمدون سياسة الترهيب ويرونها تحقق نتائج أكبر تفوق تلك التي تحققها سياسة الترغيب. غير أن الأخيرة لا شك كان لها دور دفع الشاب إلى الذهاب إلى أهل الفتاة والاجتماع بأبيها وإخباره بالموضوع كله من طقطق لسلامو عليكم. وأبى يهوذا إلا أن يأخذها معه إلى الجحيم ، ولم يكن وحده ، بل كان معه لفيف من الشيوخ المستعدين للموت أو النصر. وكما حصل مع ربها من قبل..طرحت الفتاة أرضا وانهال عليها أبوها ضربا ولطما أمام الجميع ، وكانت تلك مجرد مقدمة تمثيلية أداها الأب بمهارة أمام الشيوخ حتى يتراجعوا عن حكمهم بقتلها للردة.

بقيت بعدها الفتاة شهرين كاملين مهانة في البيت ، مبصوقا عليها خارجه ، مصفوعة براحة اليد داخله ، مضروبة بظهرها خارجه. وتراجع يهوذا وندم، ولكنه لم يشنق نفسه مثل نسخته الأصلية فقد كان يخشى الموت، بل ذهب واعتذر وشق ثيابه أمام جماعة المؤمنين ، ولكن هيهات، فلم تكن حكمة يهوذا الإبن تضاهي حكمة أبيه الذي علم أن أحدا لن يثق فيه بعد لو أنه فعل ذلك، وعلم أنه سيبقى معلقا بين السماء والأرض ، لا يطال إلها ولا إبليسا.وهو ما حصل مع يهوذا الإبن مما أكد صحة تصرف سلفه بقتل نفسه وشجاعته النادرة في الاختيار المر.

حاول المؤمنون المخلصون مساعدة الفتاة وحاولوا تعميدها ، لكن القسيس "الرائع الطيب" رفض ذلك بشدة لخوفه من الإسلاميين الذين وصلت تهديداتهم له بالفعل.فاستخرجوا لها جواز سفر ، وفي إحدى الليالي كان القرار القاتل..

الفتاة تقرر ترك كل شيء لاتباع يسوع، وكانت الرحلة نحو بلد عربي آخر لا يقل قمعا عن سابقه، غير أنه كان الخيار الوحيد المطروح لأسباب لا أهمية لذكرها.الفتاة ستترك أباها وامها وتبغض أهلها الذين أبغضوها أولا من أجل المسيح، وتتحرك في أنصاف الليالي لتودعهم دون وداع إلى الأبد.بعد أسابيع من الضرب والركل والبذاءات وانتفاخ الخدود والعيون من شدة اللطم وخلافه. خرجت الفتاة في رحلة صعبة مرهقة طويلة وحيدة.

وأخيرا وصلت إلى المحطة التالية..

(3)

وصلت. في مجتمع غريب عليها لأول مرة تتعامل مع أفراده،

استقبلها أحد أولئك الأفراد وكان من المؤمنين المخلصين أيضا، عثر عليها بعد عناء ولكن الأمور صارت سلسة فيما بعد. كانت الفتاة دهشة لا تعرف الآن أتبكي أم تضحك أم تصرخ أم تسمح للإغماءة الوليدة في كيانها بالنمو إلى عقلها المنهك فتحكمه بعضا من الزمن وتريحها من حكم ذاك المتمرد دوما؟

وأما " هو " فكان قد وصل إلى نفس البلد تحت نفس القهر ، لكنه سبقها بوقت كان كافيا له أن ينخرط في مجتمع المؤمنين ويعرف شوارع البلد ويكون صداقات ويكسب احتراما وتعاطفا، وكان يعمل كخادم للكنيسة عندما عرّفوه عليها وقالوا لهما أن كلا منهما له نفس "الخلفيّة" المسلمة، وبدأت دراسة الكتاب المقدس.

كانت الفتاة سعيدة وحزينة، تحاول أن تتلمس مكان أبيها الجديد يسوع وتتعرف على شخصيته، وتحاول أن تدرك ما حصل لأبيها في الجسد عندما استيقظ في الصباح؟، وأمها؟ ، وإخوتها؟ ، خاصة أختها التي كانت تحبها جدا ، حتى أنها خرقت حظر الكلام الذي فرضه عليهم الأهل ، وكانت تتسلل إلى غرفتها ليلا لتسألها عن حالها ، وعن هذا الإله الذي يستدعي كل هذا العناد منها والغضب من أهلها، ولتسألها إن كانت تريد قطعة من الكعكة التي أعتدها أمهما نهار اليوم، وتهمس لها بأنها قادرة على التسلل إلى المطبخ لتحضر لها شطيرة، وأحيانا كانت الفتاة تأبى ، وأحيانا تطلب بنهم وإشفاق على مصير أختها إذا تم اكتشاف أمرها.

كانت قطعة منها تريد أن تنفر من كل هذه الإيمانيات والعقائد والعصبيات والاضطهادات وتخترق المكان والزمان كإله أسطوري لتنفذ إلى بيتها وتشاهد بعين الروح ما حلّ بأهل ذلك البيت عند شروق الشمس. أولئك الذين أمضت معهم كل حياتها وذكرياتها ، وحملتها إحداهم في بطنها تسعة أشهر ، وكان آخر سببا في وجودها، وكان الباقون قطافا من نفس الشجرة. لكن كل شيء قد حسم. ولا مجال للتراجع ، خاصة وانها لا تريد أن تكسر قلب الرب ، وأن الفتى الذي يشاركها آلامها لا شك أنه قد مر ولا زال بنفس الآلام ، تلك هي آلام المحبة التي قرأت عنها في الإنجيل، وذاك الفتى هو تعزيتها..،بدأت تدرك أن كلام الكتاب المقدس كلام حي، أي أنه يتحقق ، بدليل تحققه فيها الآن، الآلام والتعزية والمحبة تحولت من مجرد مفاهيم وكلمات قرأتها وتأثرت بها إلى أحداث تأخذ مجراها في واقعها، وخاصة المحبة، المحبة التي غمرها بها يسوع، والتي شعرت بها، والمحبة التي أسبغها عليها المؤمنون، وكانت تشعر بها أكثر كل يوم، والمحبة التي يلفها بها الفتى والتي نبض قلبها لها، وانتفض كيانها على أنغامها.

وصارت تبادلهم جميعا محبة بمحبة، يسوع والمؤمنين...والفتى.

وصارت تنمو في المحبة، والحب ينمو فيها أيضا، وقد صارحت يسوع بمحبتها واثبتت له ولنفسها إخلاصها بتركها من تحبهم، وصارحت المؤمنين بمحبتها وأثبتت لهم وتثبت كل يوم بسلوكها الرقيق..، وبقي أن تصارح الفتى بحبها، ولكنه فعل ذلك أولا وأجابته بالمثل. وبعد فترة قصيرة كان كل منهما متأكدا أن الرب اختار كلا منهما لشريكه. فصارحا مجتمع المؤمنين المقربين إليهما ، فابتهجوا لهما وباركوهما ، وتعمدت الفتاة بماء الكنيسة ونار الحب، وتحولت لعنة البؤس إلى بركة زواج على يد قسيس الكنيسة، زواج سري بالطبع لأنهما لا زالا في دولة عربية تمنع تحول المسلم إلى المسيحية ، وتلاحق سلطاتها من يفعلون ذلك أو يساهمون فيه بيد من حديد.

عاش الزوجان معا، وكان شعورا غامرا بالسعادة لكليهما..وشعورا فائقا بالانتصار في يسوع، ذاك الانتصار الذي تحول أيضا من مجرد نص مكتوب إلى حقيقة معاشة كما يقول المبشرون دائما..وكما قرأت في نصوص الكتاب الحي.

انتشى الحبيبان على فراش الزوجية، وانتشيا في غمرة الانتصار على الآلام القاهرة، وأخذتهما حماسة النبوءات التي تتحقق، وواقعية الكلمة الحية، وحقيقتها المعاشة، فسكرا بالحب وفي المحبة ، ولم يستطيعا كتمان سعادتهما، وإخفاء تجربتهما، وأرادا لكل مسلم أن يعيش هذه التجربة ذاتها ويتذوق اللذة عينها، فأخذا بدون روية ولا تحفظ يشاركان قصتهما..،وبسذاجة الإيمان ونقاء السرج المضيئة يحكيان انتصارهما لكل فتى مسلم وفتاة مسلمة يقابلانهما، ويحكيان القصة وسط التعجب تارة، والتهكم تارة ، وهزات رؤوس لها مغزاها الخاص تارة أخرى.

وذات ليل بارد كبرودة ليلة السفر الكئيبة، دق جرس الباب، وفتح الزوج الباب، وبدون كثير كلام..سمعت همهمات خافتة وأقدام متسارعة، واصطكاك أصفاد من المعدن تطبق أسنانها على معاصم الأيدي بلا رحمة، ثم أغلق الباب سريعا، واقتيد الحبيبان إلى المقاعد الخلفية لسيارة سوداء سرعان ما أخذت طريقها نحو بلعوم ليل كلونها، ورحم ظلمة كتلك التي جاءت منها.

(4)

كانت هذه آخر أخبار وصلتني : أن تم القبض عليهما بسبب ثرثرتهما، وأنهما الآن محتجزين لدى قوات الأمن، وأن هناك من يحاول يائسا آملا الإفراج عنهما.

جلست أتخيل ما قد يواجهانه من عبارات وأسئلة، ناهيك عن ركلات وشتائم، خاصة أن كلا منهما غريب في بلد تغرب فيها أهلها من قبله وغرّبوا.

"أنت زانية ومرتدة؟، وتأتين لتمارسي العهر هنا؟ أتحسبين أن البلد ماخور لدعارة أهلك ياابنة ال.."

" وأنت يا ابن ال..، هل استمتعت بها جيّدا ونلت كفايتك؟ أم تحب أن نفرد لكما غرفة هنا إن كان هناك من الأوضاع ما لم تجرّباه بعد؟"

ثم ضرب وركل وشتائم ، وربما عري واغتصاب. أو لعلي أكون كئيبا متشائما بينا التحقيق قد جرى بكل احترام وقانونية وإنسانية؟، لا أعتقد أبدا بالأخيرة.

ولكن الأيام كانت طويلة، وأنا أتشوف أن أعرف النهاية، هل يمكن أن يتصلوا بأهليهما ويسلماهما لهما؟ ، كان ذلك هو منتهى التصور السوداوي الذي وصل إليه خيالي خاصة فيما يتعلق بالفتاة ذات العشرين ربيعا. أن تفصل عن زوجها وتعود إلى أهلها الذين ربما أقاموا عليها مأتما وتقبلوا فيها العزاء، وأن تعود إلى جوار الجماعات الإسلامية وتفقد مكانها بجوار ربها ومؤمنيها وكنيستها، وكيف سيكون الوضع إذا حصل هذا؟ ، هل ستغتصب أم ستحرق حية أم تزوج إكراها أم تنتهك حتى الموت؟..،أم على العكس يتم التعامل معها بهدوء وسلاسة وربما تلقى العناية الطبية النفسية؟ ، وكما استبعدت أن تكون قد عوملت برقة في دهاليز خفافيش الأمن ، استبعدت ذلك أيضا في بيت أهلها. ومضيت أتساءل : هل ترى لو حصل ذلك ورأت الفتاة البركة تتحول إلى لعنة ، والوعود كلها تنهار وسقوطها يكون عظيما، والكلمة الحية تموت مخنوقة بصرخاتها المحتبسة داخل جدران القهر ، والناموس يسقط فلا يبقى فيه حجر على حجر..،أترى تلحد الفتاة؟ أم تعود إلى الإسلام دين الحق؟ أم تبقى على إصرارها بمواصلة مشوار المحبة والمضي في طريق الحب؟ أتستسلم أم تحاول مرة أخرى الهرب والبحث عن زوجها الذي بدوره رحّل إلى بلده قسرا وإلى أهله إكراها؟، ولو فعلت المجنونة ذلك - والحب ضرب من الجنون - فكيف بربها قد تعثر عليه؟ ، والفتى كيف يكون بعد أن يفقد شريكة حياته؟ يتزوج من أخرى أم ينتحر أم يتقدم إلى الوراء نحو "خلفيته " الإسلامية ويطأطيء جروحة تحت أضرحة أحد الأولياء ، وينسى؟

لكنني كنت دائما أتوقف لأقول بأن تفكيري سوداوي ، ولا بد ان شيئا ما سيحدث ، وحتى لو أرسلا إلى بلديهما فلن يتم إبلاغ أهلهما ، وسوف يدبران أمورهما بطريقتهما الخاصة ، وكنت أتوقف حينها عن التفكير لأن الاحتمالات لا نهاية لها.

مر ما يقرب من شهر وأنا على هذه الحال، لا أعرف ما حصل، حتى جاءني الرسول ذات يوم لم أكن فيه مستعدا لتلقي رسالته ، واغتصب أذني بكلماته دون أن تكونا مهيئتين لسماع رسالته :

أن الحبيبان حصلا على حريتهما.

وما كدت أعلن دهشتي وما كادت الفرحة تبدأ مشرقة داخلي . حتى أكمل الرسول ذروة رسالته :

ولكنهما أرسلا إلى أهليهما.

(5)

قصة حب مع من هي لا أدري؟، قصة حب مع وهم أم إله؟ ، مع إنسان أم مغامرة نحو الحرية؟ ، مع تضحية أم أنانية؟. لاأدري. كل ما أعرفه أنها انتهت حتى هذه اللحظة. ليست كنهايات القصص الرومانسية الدائمة التي لاتقبل مفاوضات أو تراجعا. ولا كنهايات القصص المفتوحة التي تترك خيال القاريء يكملها كما يهوى. بل نهاية مفتوحة للأيام بعبثيتها وحدها وبيدها القوية التي تجرح ثم تعصب وتجرح ثم تعصب لتجرح وتعصب إلى الأبد...،تتمتع بالبسمة على شفاه ضحاياها لتنتشي بعدها بسحقها على وجوههم ، كسادية إله لا متناه في محبته المؤلمة!

قد يقول قائل : أنت تكذب. أقول : أبايعك على كذبي ، فصلّ كي يطال بهتاني مرارة الأحداث ويبتعد عن حلوها.

قد يقول : مخدوع. أقول: ليتهم خدعوني ولم يخدعهم الجميع.

قد يقول : ضحكوا عليك. أقول: ليتهم كانوا يعرفون طعم الضحك، حتى وإن كنت أنا ضحيّة قهقهاتهم.

قد يقولون : شاعر..أقول : ليت شعري..

قد يقولون : نحن نبكي معك. أقول : لكن الدموع جفت تحت صفعات الدهشة والألم، فلم تعد تعرف طريقها إلى الخارج، فنبع أخدودها داخل العروق.

قد يقولون : لانأبه بهذه التفاهات. أقول : أعطوني قليلا من جلدكم ، أو دلّوني على من يبدل قلبا من لحم ودم بآخر من حجارة وأنا أول المشترين.

قد يقولون : خذ هذه الوردة (f) واصمت. أقول : ولكن وردتين اليوم قد مزّقتا، وثالثتك أمزّقها أيضا حدادا على رفيقتيها. وبعدها سأصمت.

روزا يا زهرة النادي، تغيبت ستة أشهر منذ آخر مرة تحاورنا فيها ، لكي أعود وأجد الوجوه تبدلت ، والجيل اختفى ليلحقه جيل آخر ، ومابقي ممن قرأت لهم آخر مرة أحد إلا قليلا..

ولكنني وجدتك راسخة كما وجودك.
شكرا لك على الزيارة (f)

أراكم بعد حين