إلى اللادينيين
الزميل العزيز كمبيوترجي , تحية لك (f)
تفضلتَ بالقول :
----------
1) ما هو السبب الرئيسي لعدم اقتناعك عزيزي اللاديني بكل من الديانات التالية:
الإسلام
المسيحية
و لربما اليهودية
الرجاء التبرير
---------
ليس من السهولة يا زميلي العزيز اختصار تجربة إنسانية تراكمية عقلية استمرت لسنوات من البحث في مجالات عدة و مختلفة في مداخلة أو مداخلتين هنا و هناك و لا حتى في موضوع كامل . و قناعاتي اللا دينية الراسخة لم تأتي نتيجة هوى في نفسي أو نزوة , بل نتيجة رحلة عقلية للبحث عن الحقيقة عبر ربط علمي و منطقي بالقراءات الكثيفة الدينية و الميثولوجية و التاريخية و العلمية و الفلسفية , حتى وصلتُ إلى قناعة شخصية بأن جميع الديانات ليست أكثر من خرافات و أساطير و حكايات و قصص و فلكلوريات من الذاكرة الجماعية مُقتبسة و منقولة في أغلبها عن الثقافات و الديانات القديمة و التراث الإنساني في الحضارات البابلية و السومرية و الإغريقية و الفرعونية و الصينية و الهندية و الإفريقية و الأسترالية القديمة . و أساس هذه الديانات هي إعتقادات لا يمكن إثباتها علمياً و لا عقلياً و لا منطقياً , لكن المتدين يؤمن بها كمُسَلّمات نهائية , و ليس فقط التي لا يمكن إثباتها بل حتى ما يتعارض منها مع العلم و العقل و المنطق و التجربة . و لو قام أي شخص بنزع جميع الميثولوجيات و الغيبيات من أي ديانة دون استثناء , فسيشاهد بنفسه أنه لن يتبقى منها شيئ ! و ستتحول من ديانة إلى نظام إجتماعي على أكثر تقدير . و أنا أعني جميع ما تحتويه من خرافات و أساطير , لا أن يختار الشخص من هنا و هناك بشكل إنتقائي . لقد أعربتُ سابقاً عن موقفي من الديانات التي أعتبرها جزءاً من عملية تطور العقل البشري كونها نتاج إنساني حاول بقدر الإمكان ( و بالإمكانات القليلة المتوفرة لديه وقتها ) أن يملأ فراغات فلسفية مُلِحة بالنسبة له كمعضلة الوجود , و معنى الحياة , و معنى الموت , و الأسرار الكونية التي لم يستوعبها , و الظواهر الطبيعية التي لم يفهمها , و أصبحت الديانة هي الكتاب الذي يزعم إمتلاكه الأجوبة لهذه الأسئلة و بشكل قاطع . و عدم وجود آلهة ديانات بالنسبة لي يجعلني لا أرى فائدة من النقاش حولها لأنه سيصل بنا إلى طريق مسدود و جدالات بيزنطية لا أميل إليها و لا أجد وقتاً لها , خصوصاً أن الديانة مسألة حسّاسة جداً للكثير من البشر , و أنت لا تؤمن سوى بآلهتك و ترفض مئات و آلاف الآلهة الأخرى و غيرك يقوم بنفس الأمر , مع أن عامل المصادفة كان بإمكانه أن يجعلك مكان غيرك و يجعل غيرك مكانك ( و هذا لا يعني عدم وجود متدينين وصلوا لإيمانهم بالقناعة العقلية ) , لكن الفرق بيني و بينك أنني لا أؤمن بوجود جميع الآلهة الأخرى ( التي لا تؤمن بها أنت ) لكنني أضيف إليها آلهتك أيضاً لأنها لا تختلف بالنسبة لي عن غيرها , و أعني هنا آلهة الديانات جميعها . لذلك أتمنى أن يكون هذا التبرير المختصر جداً لعدم إقتناعي بآلهة الديانات كافياً , و لا أنتظر منك أن تقتنع به , لكن نكون قد حققنا على الأقل من الحوار التعرف على وجهة نظر الآخر .
و يبدو واضحاً هنا أنك و زميلنا لوجيكال قد وصلتم إلى طريق مسدود أيضاً !
----------
2) لقد جاء الأنبياء و الرسل ببراهين على رسالاتهم لا زال الكثير منها ماثلا حتى الآن (مثال: الرسول الكريم محمد صلى الله عليه و سلم حدث في كثير من الأحاديث عن وقائع حدثت بعد زمانه بكثير و تحقق كلامه و هناك بعضها لم يتحقق بعد و لكن قياسا مع ما تحقق لا بد للبقية الباقية أن تأتي) فلماذا لم تقتنع بالإسلام على الأقل بسبب الوقائع الظاهرة لا الإدعاءات؟
----------
مع إحترامي الكامل لقناعاتك الخاصة و لكن لم يأتي أي شخص حتى الآن بأي براهين " علمية " مقبولة على وجود إتصالات بينه و بين قوى عليا لا نعرفها أو آلهة متفوقة سواء كان هذا الإتصال تحت عنوان " النبوة " أو أي عناوين أخرى , كما أنني لا أعتقد بمُعجزات و لا أي أمور خارقة للقوانين الطبيعية التي يحترمها العلم المُجرد . و عندما يجد العلم نفسه في موقف يدفعه إلى الحيرة و التساؤل فهو لا يذهب تلقائياً للبحث عن أجوبة في الحكايات الشعبية و النصوص الدينية القديمة , بل يبذل المزيد من الجهد لمحاولة إيجاد التفسير العلمي المسؤول الذي تقبله العقول . و عدم إعتقادي بصحة الديانات يعني بالتأكيد عدم إعتقادي برجال الديانات ( أو الأنبياء و الرسل ) , و لكنني أحترمهم و أعتبرهم رجال مصلحين قاموا بثورات إجتماعية هامة و صالحة لأزمنتهم الغابرة فقط . و لا شك في أنهم استغلوا ضعف الإنسان و جهله أمام الكثير من الأمور , كما حملوا لأتباعهم الكثير من الوعود و الآمال البرّاقة التي كانوا بحاجة إليها , إلا أنه في كل الأحوال لا يصح محاكمتهم ( بحسناتهم و سيئاتهم ) خارج عصورهم و أزمنتهم . لكنني لم أفهم لماذا تقترح علي أن أؤمن بالإسلام تحديداً بالرغم أنه لا فرق لدي بينه و بين أي ديانة أخرى ؟
-----------
3) ما مقدار حريتك كديني يعيش في بلاد معظمها يتبع ديانة معينة و ينتهج بنهجها؟ و هل تحاول نشر ثقافتك بأي وسيلة أم أنك مقيد بمقيدات معينة تمنعك؟
-----------
بالنسبة لي فأنا مقيمة في أوروبا ( الدانمارك ) منذ أكثر من عشر سنوات , و كما تعرف فهي دولة علمانية ذات أغلبية مسيحية . و لا جدال في أن وضع الحريات و حقوق الإنسان فيها من أفضل الأوضاع في العالم . لم أشعر على أرض الواقع ( من معايشتي و مشاهداتي الشخصية ) بمظاهر حقيقة لهذه الديانة ( أتحدث عن المسيحية كونها ديانة الأغلبية ) فهي تكاد تصبح فلكلوراً أو مجرد " هوية " حتى بالنسبة للفئة التي لا زالت تؤمن بها , و روّاد الكنائس يتناقصون بشكل مريع بإعتراف و شكاوي رجال الدين أنفسهم . لن يسألك أحد هنا عن ديانتك , و لن يهتم لها أحد سواء عبدتَ آلهة أو إنساناً أو حيواناً أو حجراً , كما أن تغيير الديانة ليس بالأمر غير المألوف , و قد لا يتم التطرق إلى هذا النوع من المواضيع إلا بين بعض الأصدقاء المقربين . و إجابة على سؤالك الثاني : كلا , لم أحاول نشر قناعاتي اللا دينية فأنا لا أعتبر نفسي مُبَشّرة لا دينية , و لكن المقربين من أصدقائي و صديقاتي يعلمون قناعاتي الشخصية و لا أجد مبرراً لإخفاءها لمن يود أن يعلمها . و أقوم بعرض وجهة نظري في النصوص الدينية عندما يُطلب مني ذلك ( ليس من باب الجدال و لكن من باب عرض وجهة النظر الأخرى ) . و في كل الأحوال ليس هناك ما يمنعني من أكون مُبَشّرة لا دينية في حال أردتُ ذلك , و لن أخشى على رقبتي من حبال المشانق و لا نصول السيوف :)
----------
4) هل تظن أن كل الناس عليهم أن يتخلوا عن الأديان و يلتزموا فقط بالخالق؟
----------
يا عزيزي أنا لست مُبًشّرة لا دينية و لا وَصيّة و لا قيّمة على عقل أحدهم أو فكره , أنا مؤمنة بحق حرية الإعتقاد لكل إنسان ( وثنية , مسيحية , إسلام , بوذية , لا دينية , إلحاد , الخ ) و حرمانه من هذا الحق هو إنتهاك واضح لحقوقه الأساسية , لكن على هذا الإنسان بالمقابل ألا ينتهك حقوق غيره , و عليه أن يحترم فلسفات و معتقدات غيره ( مهما كانت ) و لا يفرض على أي شخص آخر قناعاته الدينية الخاصة به , و يكتفي هو بتطبيقها على نفسه , كما عليه ألاّ يستخدم لغة الإقصاء و الإرهاب و العنف في التعامل مع من يخالفه في المعتقد تحت أي مبرر أو حجة , لأننا جميعاً أشقاء في الإنسانية , و لو فهم كل متدين هذا الأمر و اقتنع به داخله قناعة " حقيقية " و مارسه على أرض الواقع فيمكن لجميع أتباع الديانات التعايش مع بعضهم . يستطيع المتدين أن يحتفظ بإيمانه في منزله الخاص أو المعبد أو الكنيس أو الكنيسة أو المسجد دون أن يفرضه على بقية البشر . و السبب الآخر الذي يجعلني أرفض إلزام الإنسان بالتخلي عن ديانته ( إضافة إلى كونه إنتهاك واضح لحقوقه ) , هو أن الديانة تمنح للكثير من البشر إرتياحاً داخلياً و توازناً نفسياً لا يمكن تعويضه إذا تم حرمانهم منها , و هناك الكثير ممن يهجرون دياناتهم لينتقلوا إلى ديانات أخرى غيرها حتى يجدون ما ترتاح اليه عقولهم و قلوبهم . لذلك لا يوجد لدي مشكلة مع الأديان على ألاّ تعلو على قيمة الإنسان , مشكلتي هي مع الظلاميون الذين يريدون فرض طوباويتهم الدينية أو الإجتماعية على البشر المتواجدين في بُقع معينة من الأرض .
-----------
5) هل يستحق هذا الخالق العبادة؟ و ما هي أنسب طريقة لعبادته كبديل لطرق العبادة في الإسلام و المسيحية و الهندوسية و غيرها؟
-----------
- الإله ( الطاقة العاقلة المتفوقة ) أطلق شرارة الوجود ...
- الإله يستحق العبادة ( إقامة الطقوس من أجله ) ...
أين الرابط العقلي و المنطقي بين الجملتين أعلاه ؟!!
و حتى لو افترضنا يا زميلي العزيز منطقية هذه الجملة ( بالرغم أنها ليست كذلك ) , فما هو " الطقس " الذي تقترحه لتمجيد هذا الإله ؟ و ما هي مراجعك التي عرفتَ منها بأن هذا الإله يطلب منا التمجيد ؟ و ما هي مراجعك التي عرفتَ منها " طريقة " آداء هذا التمجيد ؟ هل هي مراجع علمية أم تعاليم ديانات ؟ إذا كانت إجابتك بأنها تعاليم ديانات , عندها نكون قد وصلنا إلى نهاية طريق مسدود , لأننا نعلم بأن إقامة الطقوس من أجل الآلهة ( العبادة ) هو مفهوم ديني و لا وجود له خارج منظومة الديانات !! و أعتقد أن سبب هذا الخلط ناتج من إعتقاد بعض الدينيين بأنهم يتشاركون مع اللا دينيين الألوهيين الإعتقاد بنفس الإله , و هناك فرق كبير بين الديني اللا مبالي و بين اللا ديني الألوهي , و الجملتين أعلاه لن تكون مقبولة إلا عند الديني اللا مبالي الذي يؤمن بإله أديان و لكنه في نفس الوقت لا يقوم بالطقوس التي تفرضها عليه ديانته , أما اللا ديني الألوهي فلا يجد من الأساس ربطاً منطقياً بين إحدى الفرضيات العلمية التي تقول بوجود قوة أو طاقة عاقلة متفوقة أطلقت شرارة هذا الوجود و بين إقامة طقوس لهذه الطاقة أو الإله ! و إلاّ كان عليك أيضاً أن تطالب الزميل العزيز لوجيكال بإقامة طقوس للمجال الزمكاني الأزلي لإعتقاده بأنه السبب في الإنفجار الكبير ! أتمنى أنني تمكنت من شرح هذه النقطة بوضوح .
مع كامل الإحترام لمن يخالفني في الرأي , و تحياتي للجميع :97:
|