طلال سلمان: الإصلاح ليس بـ زوار الفجر
من أجل الشعب السوري
الكاتب: احمد الجار الله المصدر: السياسة الكويتية
الدول تتصارع لتتفاهم, وتختلف لتتفق, وأيام الحرب الباردة لو كان الاتحاد السوفياتي يتصارع مع الغرب, وبالذات الغرب الاميركي, من أجل غير هذه الاهداف لتدمر الكوكب, ولانقرضت البشرية وانتهت الحياة.
حتى الآن لم يستطع النظام السوري أن يفهم هذه المعادلة, أو ينتهج السلوك السوي للدول. يفهم فقط, كما كان يفهم نظام صدام حسين السابق في العراق, أنه يتعرض للضغوطات الاميركية, وللهجومات الاميركية, وعليه بالتالي أن يرد الصاع صاعين وبحسبانه أن صراخ الحناجر يساوي ثقلا في موازين القوى.
استمعنا الى سفير النظام السوري في واشنطن عماد مصطفى حين صرح على الملأ الدولي بأن بلاده, التي لاتزال تحت الضغط الاميركي من دون مبرر, قد قررت أن ترد, وأن تعلن عدم التعاون مع الجيش الاميركي, ومع جهاز المخابرات المركزية الاميركي (C.I.A),وفي حسبانه ان هذا القرار سيهز الولايات المتحدة, وسيحيلها الى قوة عمياء في العراق لا هادي لها ولا نصير.
مثل هذا القرار يذكرنا بصدام حين قرر الانتقام من أميركا, فجمع حوله مستشاريه طالبا الرأي, فاهتدى معهم الى الاعلان أنه سيبيع النفط العراقي باليورو الاوروبي لا بالدولار الاميركي, وفرح يومها لهذه الخطوة لانها ستدمر الاقتصاد الاميركي (هكذا..), ولم يدرك أنه بها قد دمر نفسه.
أليس قرار النظام السوري عدم التعاون مماثلا للقرار الصدامي, ومثيرا للشفقة والرثاء?! أميركا أصلا أوقفت تعاونها مع هذا النظام, ومع رئيس النظام, الذي وضعته في عزلة تشابه عزلة المرحوم ياسر عرفات, وقالت أن عليه ألا يأمل بأن يلتقي على طاولة واحدة مع الرئيس الاميركي. وهذه حقيقة يعرفها السفير السوري, الذي من المفترض أن يكون على جوار بناء مع الحقائق الدولية, لكنه, على مايبدو, تصرف بناء على تعليمات جاءته من أناس مغيبين, لايدرون شيئا عما يجري في العالم, ولا يستشعرون عاصفة التغيير والاصلاح التي تهب على الشرق الاوسط الكبير, وبالذات على العالم العربي الذي يغلي الآن بالافكار الجديدة, وبالمواقف المضادة لكل من يريدون تضليل شعوبهم من الحكام.
وفي كل الاحوال فان الاميركيين يواصلون ضغوطهم, والعمليات الامنية الجارية في العراق ضد الارهابيين, لا تنفصل عن هذه الضغوط, وأعلنوا إلقاء القبض على 1100 متسلل من الحدود السورية جاؤوا للتخريب في البلد, وقرروا إقامة منطقة عازلة على هذه الحدود, ورفعوا من مستوى العقوبات الاقتصادية التي لاتبعد الا أمتار قليلة عن خيار الضربة العسكرية.. فماذا في استطاعة النظام السوري أن يفعل? ونحن نشاهده الآن عاجزا حتى عن ردات الفعل, اللهم الا في اتجاه استدعاء الاجراءات الاميركية لتكون اكثر قسوة وأكثر شدة.
الأجدى بالنظام السوري أن يتفهم الاوضاع الدولية, وأن يدرك بأن عليه استحقاقات دولية واجبة الاداء, واستحقاقات مطلوبة لشعبه واجبة الالتزام, وأن لعبة الصراع مع الدول مرهونة بالتفاهم لا بالاختلاف, والا كان الصراع مفضيا الى الانتحار المجاني, وأن يمتنع عن ممارسة لعبة القط والفأر, التي مارسها صدام حسين وانتهى بها الى السقوط.
العالم العربي الآن لا يقف مع سياسات النظام السوري, ولا أحد في هذا العالم سيؤيده او يدافع عنه عندما تقع الفأس الدولية في رأسه, وخصوصا حين يتمادى في تحدي الاستحقاقات الدولية.. صدام حسين انتهى وحيدا, ولم يقف معه أحد, وحتى أصدقاؤه نراهم الآن سعداء وهم يرونه يغسل ملابسه في السجن, وضحكوا على صوره المنشورة ملء أشداقهم.
حان الوقت كي يدرك النظام السوري أنه بلا إمكانات, وأنه أسير شعارات بائدة, وأن عليه أن يخرج من أجواء الشعوذة السياسية الى التعاطي الواقعي مع الحقائق العالمية, وإلا ستقع الكارثة التي لا يتمناها أحد, لانها ستشمل الشعب السوري البريء, بل والضحية لكل ارتكابات نظامه الحاكم, ولكل السياسات الخطأ لهذا النظام.
السياسة/ الافتتاحية/28/5/2005
|