من وحي الناس
المثقفون ومنطق التزوير
ليس العيب ان يستخدم العاقل عقله في الاتجاهات كلها, ولكن العيب ان يتوارى المثقفون خلف الكلمات, ووراء الحبر, والورق, والقنوات الفضائية لتوظيف زبدة عقولهم وافكارهم في تضليل الناس عن الحق, والصواب, وترسيخ الظلم, والتباري للدفاع عن الانظمة الدكتاتورية المخيفة, والقبيحة, وخدمة القضايا الجائرة التي يرتكبها هؤلاء الطغاة في حق اوطانهم وشعوبهم, وامتهم.. خصوصا حينما يتعلق الامر بماˆزق سياسية, وحضارية كالذي اوقعنا فيها دكتاتور العراق المتأله, والتي لا نورث فيها لاجيالنا الا الهزائم, والنكبات. فهذا الدكتاتور القبيح الذي تعصف بعقله شهوة السلطة, والقمع, والقهر, والاستبداد, واوهام القوة, وما جلبته حماقاته, وغروره الاجوف على شعب العراق المنكوب من ويلات, وكوارث وماˆسي, والالام من تلك المعارك العبثية الخاسرة, والعدمية, وهو يلبس لها مسوحا مختلفة, ومبرقعة بأزهى الالوان تحت شعارات حارس البوابة الشرقية في حربه الدامية مع ايران, وتمزيقه اتفاقية الجزائر التي وقعها نظامه هو »وبلا اسباب مقنعة اللهم الا شذوذ خياله المشوه, وغروره, وحمقه لتدور رحى حرب بطواحينها على مدى ثماني سنوات ثم خطيئته الكبرى في غزوه الكويت, واستباحته كل القيم, والخلق, والمواثيق العربية والدولية تحت مزاعم سرابية خادعة, والتي مازلنا نحصد مراراتها, ونتائجها المدمرة.. خطيئة دراماتيكية تتعاقب اثارها على مدى اثنى عشر عاما, وما زالت تقهفه بالانكسار, والعجز والارباك, وتنذر بمزيد من الدماء, والهوان, والفرقة, والتشرذم, وبمحاولات درء الاسوأ القادم.
فهذا الوضع الكارثي لم يحاول الدكتاتور الابله ان يستخلص منه العبر, والدروس ويعيد توازن عقله الموهوم بالفتوحات, والانتصارات المعكوسة بالهزائم عليه والنظر الى الحقائق بالوعي المتعقل لمصالح شعبه, وامته العليا بل على العكس من ذلك تمادى في الاتجاه الخطأ والعقيم وركب امواج الغرور, والاستخفاف بكل ما هو حقيقي, وناصع, ومشمس, وبقي اسير اوهامه مستسيغا لعنة الدمار والخراب, والتهديد, والتحدي.. وعدم مواجهة الحقائق والاخطار, والمتغيرات الدولية المتسارعة, والعدو الصهيوني يدك الضفة الغربية وفلسطين كلها فتصبح فلسطين غالية الروح هي الضحية لوصمة العار, والمذلة تغتسل بالدم, والارجوان, وكل يوم تودع شهداءها من صدر المقاومة الاسطورية.. تغوص بالدم, والرصاص, والدبابات واˆلة الحرب الصهيونية.. يفترسها ذئب الحلم التوراتي السفاح »شارون« وقد شكل حكومته اليمينية الصهيونية المتطرفة على هذا الاساس في فسحة الحرب على الطاغية, وانشغال العالم, والعرب بترميم اثار الخراب, والدمار الذي جرته مغامراته الصبيانية, وتصرفاته العدمية بتكديس اسلحة الدمار الشامل وسمومه من الانثراكس و v.. ثم يطلع علينا بعض المثقفين بتحليلاتهم التي لا تجرؤ على الاشارة الى الاسباب الحقيقية لحدوث هذه الفاجعة التي حلت بالامة العربية, والمأزق الخطير الذي كسر الصواري, والعزائم , وشل فيض الحياة, والارادة, وما ادخلنا فيه هذا الجلاد المعتوه من ضباب دموي, وحيرة للخلاص من اجرامه فهم يتجاهلون ابسط ابجديات الفكر السياسي الحر والتحيز للحقيقة مهما كانت مرارتها, ويحددوا اهدافهم بعيدا عن كهوف السلطات, ودكتاتوريتها, والطغاة, واستبدادهم .. مثقفون فقدوا بوصلة الضمير, وفقدت بفكرها المهزوم كل يقين, وقدرة على الصراحة, والموضوعية في التعبير, والحوار .. امثال الدكتور محمد المسفر, وعبدالباري عطوان اللذين يتباريان في مسح حذاء الطاغية, ويحتفلون بورود الكلام وعسل الخطاب شماتة في حق الكويت الذي ذبح اول اغسطس 1990 على يد هذا الدكتاتور الاحمق, واستغفال الناس وتخبئة عورات هذا النظام القمعي المتهالك, [SIZE=5]
ومن المؤسف حقا ان يلحق بهذه الابواق المعروفة والممجوجة نائب رئيس مجلس النواب اللبناني والقانوني المعروف النائب ايلي فرزلي في مداخلته في »برنامج اكثر من رأي« والذي بثته »الجزيرة« في 28/2/2003 ما حوته بحماسة خطابية مزعجة الى حدود البطر في دفاعه المستميت عن طاغية العراق الذي جاء مثل الطاعون اجتاح العراق وشعبه والمنطقة كلها او ممثلا بائسا سندت اليه ادوار تراجيدية في قيافته العسكرية فمثلها, واصبح الان جنديا هاربا من الجبهة, ومطلوبا للعدالة بينما يصوره السيد »ايلي فرزلي« بانه القائد التاريخي الذي وهب نفسه, وفنى عمره الفاني في النضال من اجل الامة العربية, وقضاياها فاي منطق لتزوير الواقع ادهى من هذا المنطق حين يختلط الصدق »بالتسريك« , ويصير الفكر يهتز كالراقصة الشرقية .. او يتجمد عند حدود الموجة لحظة الاعصار, وتأثير الرياح من غبار, وضباب لتحجب الرؤية في وسط هذا الجو العكر ليزيد المواطن العربي مزيدا من الغياب, ومزيدا من الفصل بين الناس, ووعيهم, والايغال في »الشيزوفرانية« التي تعمل على ابادة العقول.
فهؤلاء المدعون بالنخب الثقافية يتحولون الى اشباه عقول فاقدة انتماءها الى الاصل, والجوهر الذي يمكن الاشارة اليه, وهو ان سبب البلاء والمأزق المظلم الذي نحن فيه, والاشارة اليه, وتحميله مسؤولية دماره ودمار الامة التي يتبارز هؤلاء للتنطح بالدفاع عنها.. فالتناقض هنا مشمس بين ما يدعيه هؤلاء المثقفون من الدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية, وتوعية الناس بما يحل بهم من الكوارث على ايدي هؤلاء الطغاة الدكتاتوريين, وممارستهم الاستبداد على جميع المستويات وبين ما يقيؤونه من جرعات التبعية, والتمويه, والكذب على النفس, وعلى الاخرين تحت انماط الاغراء, والاستهواء الفكري.
ان مبدأ فساد الفكر الثقافي, وهوية المثقف العربي, والمحاولات الدائبة لافساد اكبر عدد ممكن من الناس, وتغييبها تحت ذرائع واهية عن سيادة العراق, وتحريم المساس بها نقول لهم وهل ترك النظام الدكتاتوري للعراق من سيادة ?! وهل حين يكون التدخل عربيا ينتقص من سيادة العراق.. اذن هل انتظار الكارثة من اجل دكتاتور بنظامه القمعي, وفلسطين بين حدي السيف ومقصلة الذئب الشاروني وقت اندلاع الحرائق.. فالعصافير مازالت تذبح, والينابيع تسفح والقلوب تنفجر, والبيوت تهدم على اهلها, وتعيش الحقيقة سر الخيانة في القافلة. وتنذر, وتصرخ بنكسات اشد وطأة واخطر دمارا على مستقبل هذه الامة وقضاياها العادلة, فلا عاش من يشنق الوردة والابتسامة فلماذا تباع الدماء ايها المثقفون المزورون!
يقول الشاعر العربي
لو لبس الحمار ثياب خز
لقال الناس ياله من حمار
http://www.alseyassah.com/alseyassah/opini...w.asp?msgid=253