تحياتي من جديد رفيق ..
سأعيد بعد ما قلته على عجالة بالأمس لأبدأ منه ثانية :
اقتباس:كيف ترى الأيام القادمة في سوريا وهل من أمل بديمقراطية حقيقة في سوريا..من هو الحامل الإجتماعي لمشروع التغيير في سوريا المعري؟
اقتباس:سأحلم – مع بعض دعاة التغيير - وأنا أغط في نومي أن يكون هذا الحامل الإجتماعي الشارع ذاته !!
معضلة .. ومن هو الشارع أساسا ؟!
أربعة عقود من القهر والإستبداد نسفت البنية التحتية لكافة القوالب الفكرية والإقتصادية والمجتمعية والثقافية التي تصلح لأن تكون حاملا إجتماعيا للتغيير الديموقراطي المرتقب ..
أذهلني أنه و بعد كل هذه التجارب القاسية لا يزال هناك من يراهن على (( الشعب )) كحامل (( إجتماعي )) للمشروع النهضوي .. لا بل والديموقراطي أيضا ..
أنا – يا تروت – واحد من هؤلاء ..
لا تستغرب .. لا يزال في سوريا بعض دعاة التغيير والمدافعون عن حقوق الإنسان يعتقدون – كمثلي - أن عصا موسى لا تزال حية ترزق !!
في حرب حزيران أعطوا جنود الإحتياط قليلا من السلاح وكثيرا من الأحلام والشعارات الأفيونية وأطلقوهم كالغنم السائبة في أرض المعركة ليحملوا المشروع التحرري الذي سيرمي إسرائيل في البحر ..
إسرائيل عادت من البحر دون أن يبتل لها طرف ، ورمتنا في يباس الصحراء وتحت شمسها الحارقة .
يقيني ويقين غيري أنه حتى هذا النزر اليسير من آليات المعركة كان قادرا على حسمها لو توفر لها سلاح واحد .. (( القرار )) .. ذلك الذي ما كان موجودا أبدا في أرض المعركة .
بواقعية مؤلمة وبعيدا عن حلم ليلة صيف :
لم يعد في سوريا – ولا الوطن العربي كله – من هو قادر فعلا على حمل لواء التغيير أو أن يطرح ذاته حاملا إجتماعيا (( إجتماعيا ؟؟!! )) لمشروع التغيير ..
ليس لأن الأمهات توقفن عن الإنجاب ، بل لأن ظروف المرحلة خلقت مجتمعا جديدا بالكامل ، مجتمع يعتاش على النظامين الريعي والأمني للدولة .. وصار النظام يستمد مشروعيته وديمومته من هذا الربط العضال بين وجوده وتوفيره الحد الأدنى من الإستقرار ، أو غيابه وفتح أبواب الإحتمالات على مصراعيها .
ومن " مصراعي " الإحتمالات أن تعود ذات الطبقات الإجتماعية حاملا إجتماعيا (( إجتماعيا ؟؟!! أحدنا يتفاءل بشطط !! )) للتغيير لنعود إلى ما ورائيات المرحلة ..
بعد رحيل الفرنساوي ودخول المجتمع الناشئ عن مرحلة الإنتقال من الظلامية العثمانية إلى العالم الأرحب في مخاض ديموقراطي عسير نتج عنه حروب صغيرة – كبيرة بين هذه (( الحوامل )) ، انتهت الأمور بأن طبقة الكادحين والعمال والفلاحين ( حبايبك :) ) هي من كانت الحامل الإجتماعي لمشروع التغيير الجديد .
النتيجة المأساوية كانت كالتالي :
لا الفلاح عرف يعمل زعيم مرحلة .. ولا ابنه عرف كيف يفلح الأرض .. والعامل ، والكادح .. الخ الخ .
ربما لصوص الثورات ؟؟!!
ربما ..
سوريا الحالية تعيش خارج مدار المرحلة تماما ، فالعقود الماضية سببت هجرة جماعية للفعاليات الإقتصادية والثقافية والفكرية والعلمية والإجتماعية .. ، أو بتحييد من بقي منها وربطها – قسرا – بالنظام ذاته وخلق مجتمعا جديدا بالكامل اجترحته المرحلة على أنقاض من ذهبوا.
ربما ما عاد ممكنا أن نراهن على (( الشارع )) بطيفه الواسع وباختلاف واختلال وتنافر شرائحه معرفيا وثقافيا وحضاريا واقتصاديا .. الخ بفوضوية وشعاراتيه وسديمية دون تأطير منهجي ولو بحدوده الدنيا .
إنما – وعودة لحلم موغل في الحلم– يمكن أن يصنع دعاة التغيير في الداخل والذين خرجوا من حطام هذا الشارع ، أن يصنعوا نواة " مجتمعية " جديدة بالكامل قادرة على أن تكون هذا الحامل من خلال إعادة تأهيل " المتاح " من بقايا النخب الإجتماعية وإعدادها للمرحلة المقبلة .
هو تفاؤل هلامي غاية الهلامية .. إلا أنه لا خيار آخر .. فأي خيار آخر سيكون فعل انتحار أو مراهنة مع المجهول .
يبقى " كيف ترى الأيام القادمة في سوريا وهل من أمل بديمقراطية حقيقة في سوريا " ؟!
أراها كما بسطتها أعلاه ..
نعم ، هناك أمل ( مشروط ) .. هذا الشرط مناط بأن تتغاضى خيول الله التي عبرت المحيط ولو لبرهة وأن تترك " ما للشعب للشعب " .. وأن يبدأ الحراك المجتمعي الآن بما هو متاح من إمكانيات ..
غير ذلك .. فالرأس السوري على المقصلة هو الآخر .
أرجو صادقا أنني استطعت – ولو جزئيا – أن أوفي تساؤلك حقه ..
إنما سألتمس منك عذرا هو متاح لي .. أو هكذا أراه :
من المستحيل الحديث عن كائن غير موجود ..
فسؤالك – تروت – أكبر من أن أستطيع أن أجيب عليه .. صدقا وبكل انهزامية .
شكرا لهذه الشوكة التي انتزعتها من تحت ابطي باكرا جدا ..
وأكرر رجائي بأنني أجبت ..
أو حاولت .
(f) ... وردة حمراء تليق بسؤالك الأحمر :)