طيب يا سيف انت حُر
مش عاوز تتكلم أنت وصاحبك هتترحلوا لسجن طُرة
وابقى دور على حد يسأل فيك
نطق الضابط هذه الكلمات بصوت مُرعِب للشاب الواقف أمامه الذى أعياه الضرب والإرهاق ولكنه تحامل وقال:
يا أفندم انا مش عارف برضو حضرتك بتسألنى على أيه
أزعجتوا أهلى وأخدتوا الكمبيوتر بتاعى وحبستونى وضربتونى...كل ده ليه يعنى عملت أيه؟!!
قام الضابط بركل سيف فى بطنه بعُنف وقال:ثُم ترك الضابط العنيف ..سيف فى غُرفة التحقيق فى المكان الكئيب من المٌديرية وذهب لغُرفة أُخرى بها شاب مُعصب العينين مقيداً من الخلف فى منظر مُثير للشفقة ...كان الشاب يفرد ويثنى قدميه فى ملل
الضابط :
الشاب:
تحرك الضابط فى الغُرفة ووقف أمام صندوق متوسط الحجم أخرج منه كتاباًً
أخذ يُقلب فى صفحاته...كان عنوان الكتاب: كيف تكون مليونيراً بالحسنات!
همممم
همممممممممممممم
إلى الأخ الفاضل ..
قرأ الضابط هذه الكلمات التى وقعت عليها عينيه متكوبة باليد على جلدة الكتاب الخلفية
أخرج الضابط كتاباً آخر وتصفحه بسُرعة ثُم وصل لآخر صفحة فى الكتاب ثُم وهو يضعه فى الصندوق قرأ على الجلدة الخلفية فى نفس الموضع: إلى الاخ الفاضل...
وأخرج كتاباً ثالثاً ورابعاً فوجد نفس الإهداء!
...
مين الاخ الفاضل ده؟!
قالها الضابط بصوت غاضب فقد أزعجه الأمر بشدة وشعر كأنها مؤامرة خفية! :nocomment:
وكُلها كُتب ثقافية متنوعة استولى عليها هذا الضابط الملعون من بيت الشاب الغلبان بعد أن أعتقلوه من بيته فى منتصف الليل.
قام الضابط وجذب الشاب من شعره فى عُنف وقال:
الشاب فى تضرُع:
جذبه الضابط من شعره بصورة أعنف وقال بصوت يخرُم الآذان
نطقها بنرجسية بشعة حتى تظن أنه يوشك على أن يختنق من الإنفعال
الشاب فى ألم: أى أى طاب سيب شعرى بس يا باشا سيبه لو سمحت بيوجعنى أوى L
تركه الضابط فى عُنف وجلس على كُرسى وقال : اتكلم يا حيوان!
أزدرد الشاب لُعابه وقال بهدوء
شعر الشاب برأسه يطير من على رقبته من فرط قوة الصعفة التى صفعه إياها الضابط بعُنف شديد
هو يقول
:اتكلم وبطل مراوغة يا حيوان مين الأخ الفاضل ده ده؟؟؟؟؟
أعاد الشاب رأسه للجهة الأخرى فى بطئ وبساطة بدون أدنى قدر من الغضب للمعاملة المُهينة التى يُعامله أياها هذا الكلب الحقير
قال الشاب فى جدية:
أحنا كُنا تلتاشر واحد راكبين ميكروباص.....كًل شوية ينزل واحد فى محطة ..كُل شوية واحد يمشى لغاية ما فى الآخر بقى اتنين بس راكبين
أنا وواحد صاحبى....
.....
قام الشاب وقتها بفرد رجله والتبسط فى الجلوس أكثر وأكمل:
نزل صاحبى وبقيت انا (قالها بلهجة تمثيلية) ..ثُم أشار لصدره مُبتسماً.....:بقيت أنا الاخ الفاضل يا أفندم...
لم يُكذب الضابط توقعاتنا جميعاً وقام من فوره وأخذ يُكيل الضربات للشاب فى كُل أنحاء جسده والوحش ثابت ثبات الجبال لا يتفوه بآهة ألم واحدة
حتى اُغشى على الشاب من شدة الضرب
فقام الضابط الدموى البشع وحرج من الغُرفة وهو ينهج فى تعب وقال للحارس الشبيه بالخرتيت الواقف بالخارج
وذهب الضابط الدوبرمان لمكتبه الفخم وجلس يُراجع أوراق الشابين الذين قام باعتقالهما أمس على أثر تحرياته الأمنية عن العناصر البشرية التى أخرجت مُظاهرات الجامعة منذ أسبوع للإحتجاج على المُمارسات الإسرائيلية فى انتهاك حُرمة المسجد الأقصى
دقائق ودخل عليه ضابط آخر ألقى على صاحبه تحية سريعة وقال له:
أيه يبنى ألى أنت عملته ده؟؟؟؟ حاسس أنك فرحان كدة يعنى؟؟
الضابط الدموى البشع:
الضابط الآخر (ضاحكاً):
شوكت بيه أصدر أمر بترحيلهم سجن طُرة
(كأن الرحمة تنتظر فى سجن طُرة!
)
ضرب الضابط كفيه فى غِل وقال فى ثورة
قال الضابط الآخر فى عدم اهتمام وهو يُغادر الغُرفة
وخرج الضابط بعد أن أغلق الباب خلفه فى هدوء وذهب إلى الحارس الذى يُشبه الخرتيت الواقف خارج غُرف الحجز وقال له: العيال عاملين أيه؟
قال الخرتيت بصوت لا يُخرجه إلا خرتيت أصيل: لسة ماحدش اتكلم يا باشا بس لو تحب نخلع حنجرتهم ونخليها تتكلم لوحدها أؤمرنى يا باشا
(ما أروع التشبيهات
)
نظر الضابط لهذا الكائن نظرة غير ذات معنى ودخل الغُرفة الثانية التى فيها الشاب الذى أُغشى عليه من شدة التعذيبب وضربه على خده فى رفق حتى أفاق الشاب وقال له بصوت خفيض: ما أنت لو كنت اتكلمت مكانش ده حصلك
أخذ الشاب نفساً عميقاً وقال بثبات:
الضابط: طيب قوم تعالى عشان خلاص هتترحلوا
تمتم الشاب فى خفوت..
إنا لله وإنا إليه راجعون..أللهم أجرنى فى مُصيبتى واخلفنى خيراً منها
هز الضابط رأسه فى ألم وأخذ الشاب فى يده وخرج...ثُم أمر الخرتيت الواقف بالخارج أن يأتى بالشاب الآخر:سيف
جاء الخرتيت يجُر سيف بعُنف فنهره الضابط وأمره أن يتعامل معهما جيداً....ثُم ترك الشاب الآخر وقال للخرتيت الحارس: جيبهُم وتعالى ورايا
وسار الضابط وخلفه الشابين معصوبى العيون مُقيدى الأيدى يقودهما الحارس الخرتيت (معذرة ولكن الصفة لها أهمية خاصة مع هذا الخر..أقصد الحارس) حتى وقفا أمام غُرفة سبق أن زُرناها معاً....
غُرفة اللواء شوكت
طرق الضابط الباب فاُذن له بالدخول فدخل
كان شوكت بيه يقرأ فى ملف كبير أمامه فى اهتمام شديد وقال للضابط بدون أن يرفع عينيه عن التقرير: أيوة يا فوزى عاوز أيه؟
قال فوزى فى ضيق
تظر له شوكت فى اهتمام وقال: عربية الترحيلات وصلت؟
قال الضابط فوزى: أيوة يا أفندم موجودة تحت... ثُم أخرج من جيبه ورقة وطلب إمضاء اللواء شوكت عليها للموافقة على ترحيل أيمن وسيف
ولكن وفوزى وهو يُخرج الورقة من جيبه سقطت على الأرض ورقة مطوية فتناولها فى سُرعة ...وبدا كأنه تذكر شيئاً فنظر للواء شوكت
وقال له وهو يُناوله الورقة:
معلهش يا أفندم الولد الى كان موجود مع حضرتك...شحرور ده.....طلب منى قبل ما يمشى أوصلّك الورقة دى!!
فضّ شوكت بيه الورقة فى سُرعة وأنفعال ...ثُم بدا أثر صدمة على وجهه كأنه سمع خبراً مُفزعاً ..وظل دقيقة كاملة ينظُر للكلام المكتوب وقد سرح بعينه كأنما يغوص فى أعماق الكلام
قطع هذا السكون صوت فوزى وهو يقول: فى حاجة يا أفندم؟
رفع شوكت بيه عينه لفوزى وقال كأنما استيقظ من النوم : نعم يا فوزى؟؟؟
فوزى (فى دهشة): حضرتك كنت طلبت الولاد بتوع المظاهرت قبل ما يترحلوا...
نظر شوكت بيه للورقة التى لا تزال امامه على المكتب ثُم نظر لفوزى وقال
فوزى (بدهشة) :
أعاد شوكت بيه فتح التقرير الهام الذى كان يقرأ فيه وقال لفوزى بدون أن ينظر له: امشى يلّا بلاش دوشة وأعمل الى بقولك عليه
قال فوزى بدهشة أكبر
وخرج وهو يلوم نفسه بشدة لعدم اهتمامه بقراءة ما فى الورقة...فقد أثار الموقف فضوله لأقصى درجة ولكن لم يكُن أمامه سوى تنفيذ الأمر المُكلف به....كان ً سعيداً بالفعل بالإفراج عن الشابين لأنه يعلمهما جيداً ويعلم أخلاقهما وتدينهما الشديد
ولكن أشد ما أثار حُنقه هو كيف أعطى شوكت بيه ورقة بدون أن يقرأ ما فيها...ففى موقف مُشابه كان من المُمكن أن يكون فوزى فى موقف صعب وهو يُعطى رئيسه فى العمل ورقة مجهولة!
أغلق فوزى باب المكتب خلفه وأعطى أمراً سريعاً للحارس بفك قيود صاحبينا ولكن ظلت عيونهم معصوبة وانطلقوا جميعاً حتى وصلوا للمصعد ومنه للطابق الأرضى...وأمام بوابة المُديرية قام فوزى بإزالة حاجز الظلام عن عيون أيمن وسيف
كل هذا والبطلين لا يتحدثان فقط تتحرك شفاهُما فى سكينة كانما يُسبحان بحمد الله
وبعد أن حررهما فوزى سأل سيف: في أيه يا أفندم؟؟؟؟
انتوا بتلعبوا بأعصابنا ولا أيه؟
فوزى: لا يا عم خلاص براءة ومعايا أمر مٌباشر أنى أوصلكم بيوتكم بعربيتى !
نظر أيمن لسيف فى تعجب فهذه ليست أول مرة يتم أعتقالهما فيها ولكنها أول مرة يحدث لهم هذا الموقف!
ولكنهما اكتفيا بابتسامة سريعة ثُم نظر سيف للضابط فوزى وقال له فى سعادة:
فوزى :
أيمن (ضاحكا):
سلامو عليكم يا أفندم
وفى لحظات كانا قد اختفيا من أمام فوزى بعد أن صافحهما بحرارة وعاد فوزى للمُديرية مرةً أُخرى وهو لا يزال يأكله الفضول عن السر فى تغير حال اللواء شوكت بعد قراءة الورقة رغم أنه كان هو نفسه من أصدر الأمر بالإعتقال والأمر بترحيل أيمن وسيف!
ولكن من داخل نفسه شعر بسعادة بالغة لأنه كان يُشفق عليهما بشدة..
صعد فوزى لمكتبه وأخذ يتذكر الأيام الأولى لدخوله أكاديمية الشُرطة والحماس الذى كان يسرى فى أوصاله للعمل لخدمة الوطن وحفظ الأمن والنظام والتضحية فى سبيل أشرف معانى النُبل والبطولة فإذا بمجال يُلقى به فى ما لم يخطر بباله فى أفظع كوابيسه رُعباً!
لم يملُك غير ان يتنهد تنهيدة عميقة ثُم قام ليُكمل عمله!
.......
نعود بالزمن قليلاً فى مكتب اللواء شوكت وبعد أن أغلق فوزى الباب خلفهه..تناول شوكت بيه الورقة التى أمامه مرة أخرى وأعاد النظر فيها مراراً.....ثُم تناول متعلقاته وانصرف...
ظلت الورقة على المكتب...فبدت الكلمات بخط واضح جلية عميقة...
{[SIZE=4]
وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281
........