العميد
عضو رائد
المشاركات: 934
الانضمام: Jul 2003
|
بحث في إثبات أنّ كاتب إنجيل مرقس مجهول
كاتب إنجيل مرقس مجهول
الإخوة والزملاء الأعزاء
يدّعي النصارى أنّ القديس مرقس كتب "إنجيل مرقس " مسوقاً بالروح القدس ، ويؤمنون أنّ هذا الإنجيل هو كلمة الله ..
فهل دعواهم صحيحة ؟؟
طبعاً النصارى هم من يدّعي ، لذلك عليهم إقامة الدليل والبرهان على كلامهم ، و إلا فكلامهم مردود ساقط بيقين ، وكل دعوى بلا برهان فهي ساقطة مردودة على صاحبها ، وحتى أنّ العجوز التي تعيش وحيدة في جبل تستطيع أن تدعي ما تشاء وكيفما تشاء ، ولا أحد يعجز عن الدعوى ، لذلك وجب أن تكون البيّنة على من ادعى .
وحتى نعرف أنّ الكتاب الفلاني موحى به من عند الله ، يجب علينا أولاً معرفة الكاتب ، ثمّ يجب أن يصرح الكاتب نفسه بأنّ هذا الكتاب وحيٌ من عند الله ، ثم عليه أن يثبت دعواه بالأدلة والبراهين .
ثم يجب أنْ نتأكد من كيفية وصول الخبر إلينا ، بمعنى أنْ لا نكتفي فقط بتصريح فلان أنَّ مرقس كتب إنجيلاً ، بل علينا أنْ نسأل من أين عرف فلان أنّ مرقس هو الكاتب ؟
هل رأى بنفسه مرقس يكتبه ؟؟؟
أو هل أخبره مرقس بذلك ؟؟؟
أ- إنْ كان الجواب نعم ، فعلينا أنْ نعرف صدق من أخبر ، هل هو تقي ورع ، فإن كان غير ذلك لم نأمن منه الكذب مما يجعلنا نفقد الثقة فيما يخبر ، ويضاف إلى هذا أن لا يكون معروفاً بضعف الحفظ ، وإلى دفعنا هذا للشك فيما يخبر .
ب- أمّا إنْ كان الجواب لا ، لم يرَ مرقس يكتبه و لم يخبره هو بذلك ، وجب علينا أنْ نسأل : إذا كان لم يرَ مرقس ولا أخبره هو، فكيف عرف ذلك ؟؟
1- إنْ كان بواسطة ( كأن يكون هناك شخص أخبره ) ، وجب علينا أن نعرف هذه الواسطة ، ثم نطبّق نفس الشروط التي اشترطناها سابقاً ، وهي أنْ نسأل هل رأى بنفسه مرقس يكتبه أو أخبره بذلك؟؟؟ .... الخ .
2 - وإنْ لم نعرف الواسطة فخبره مردود لا يُقبل ، ولا يمكننا أن نقول بالظن في مثل هذه الأمور ، كأن نقول لعل فلان أخبره أو الأغلب أنه عرفه من فلان ، رجماً بالغيب ، فهذه عقيدة ، والعقيدة لا يمكن أنْ تُبنى على الظنون ، بل على القطعي الثابت .
وما شرحناه هو ما يعرف بالسند المتصل ، وبالإضافة إلى السند المتصل هناك شيء آخر وهو إثبات أن إنجيل مرقس الذي بين أيدينا هو نفسه ما ينقله التلاميذ دون زيادة أو نقصان ، أيّ أنه لم يطرء عليه أيّ تغيير أو تحريف ، كأن ينقلوه مشافهة من أول كلمة إلى آخر كلمة فيه ، أو يكتبوه كاملاً ثم يقولون هذا إنجيل مرقس ، ، هذا إذا أضفنا شرط التواتر الذي يصل معه الكتاب المقدس إلى المستحيل .
ودراستنا هنا هي لفحص دعوى النصارى القائلة أن مرقس هو كاتب إنجيل مرقس .
استعراض أدلة النصارى
والآن نعود لدعوى النصارى أنّ القديس مرقس كتب "إنجيل مرقس" لكي نفحص صحتها ، لذلك سوف أستعرض ما استدلوا به من خلال "دائرة المعارف الكتابية " حيث راجعت العديد مما كتب في هذا الصدد فوجدت أنّ دائرة المعارف هي أوسع من تكلم في هذا الشأن .
لقد قسمت دائرة المعارف الدليل إلى خارجي وداخلي ، والخارجي هو ما يشهد للكاتب من خارج الكتاب المقدس ( كالمخطوطات وكتابات القدماء ) ، والداخلي هو ما يشهد للكاتب من داخل إنجيل مرقس ومن خلال فحص نصوصه .
الدليل الخارجي
وتبدأ دائرة المعارف بالدليل الخارجي فتقول :
( إن الدليل الخارجى على كاتب هذا الإنجيل، هو ما جاء فى كتابات الآباء ، وفى المخطوطات القديمة ) .
ثم يستعرضون مقتطفات من كتابات الآباء ( بايياس ، يوستينوس الشهيد ، إيريناوس ، أكليمندس الإسكندرى ، ترتليان ، يوساييوس ، القيصرى ، أيفانيوس و جيروم ) التي تخص لكاتب .
وسوف أعالج بعون الله قول كل كاتب على حدة كما تذكره دائرة المعارف :
أ - بايياس
في أسيا الصغرى في حوالي 125م - (كما يقتبس ذلك يوساييوس): "وهذا ما قاله الشيخ أيضاً: إذ أصبح مرقس مترجماً لبطرس ، كتب بتدقيق كل ما تذكره (أو سجله) عن ما قاله أو ما عمله المسيح، ولكن بغير ترتيب، لأنه لم يسمع الرب قط، ولم يرافقه، ولكنه التصق فيما بعد - كما قلت- ببطرس الذي اعتاد أن يصوغ تعليمه حسب الحاجة (حاجة سامعيه) ، ولكن ليس من قبيل وضع رواية مرتبة لأحاديث الرب ، ولذلك فأن مرقس لم يخطئ في كتابته بعض الأمور كما تذكرها، لأنه اهتم بأمر واحد وهو ألا يحذف شيئاً من الأمور التي سمعها وألا يزيف شيئاً فيها".
الرد
ما ذكروه عن بابياس لا يصلح للاحتجاج وذلك من عدة وجوه :
1- الذي نقل شهادة بابياس هو المؤرخ الكنسي يوسيبيوس القيصري (1) ، ويوسيبيوس توفي في القرن الرابع ( 339 م ) ، وبابياس توفي في النصف الأول من القرن الثاني ( 130 م ) ، فبين هذا وذلك حوالي 200 سنة ، فهذا النقل منقطع ، وما كان كذلك فهو مردود ساقط الإحتجاج به.
2 - بابياس يقول عنه يوسيبيوس إن فهمه محدود (2) ، وفي الموسوعة الكاثوليكية أنّ يوسيبيوس قال عن بابياس ( عقله صغير ) ، ومن كان كذلك فشهادته مجروحة ، فسقط الاستشهاد به من جميع الجوانب .
والذي دعى يوسيبيوس إلى هذا الكلام هو ما قاله بابياس بخصوص الألفية ( الألف سنة ) التي تكون بعد قيامة الأموات ، يقول يوسيبيوس :
( نفس الكاتب , يقدم أشياء أخرى وصلته من التقاليد غير المكتوبة, ومن ضمنها بعض الأمثال الغريبة وتعاليم المخلص, وبعض الأشياء الأخرى الخرافية ..
ومن ضمن هذه الأشياء حسب إفادته أنّه بعد قيامة الأموات ستكون ألفية ( ألف سنة ) , حيث يؤسس فيها المسيح ملكه بشكل مادي على هذه الأرض ) (3) .
ثمّ يضيف يوسيبيوس قائلاً :
( أظن أنه حصل على هذه الأفكار من خلال سوء فهم لما قاله الرسل ، وهو غير فاهم أنّ الأشياء التي قالوها كانت محكية بصورة غامضة .
لأجل ذلك يبدو أنّ فهمه محدود ) .. (4) .
فإذا كان بابياس ذا فهم محدود وعقل صغير ، وأنّه لا يفهم ما يُقال له ، فهذا يضطرنا إلى فقدان الثقة كلياً فيما يقوله ، وبالتالي فإفادته ( شهادته ) حول إنجيل مرقس ساقطة وباطلة مردودة بيقين .
3 - بابياس ينقل هنا عن الشيخ ، ولكن من هو هذا الشيخ فهذا ما لا يمكن معرفته ، وجاء على هامش تاريخ يوسيبيوس (5) : ( ولا يمكننا في غياب السياق القول بثبات أن الشيخ هنا يشير إلى "يوحنا الشيخ" الذي تكلم عنه بابياس كثيراً والذي ذكر في الفقرة السابقة ، إلا أنه إلى حد بعيد محتمل ) .
أنظر كيف يقولون محتمل ، فهم في شك .
وبابياس يذكر شخصين باسم يوحنا فيقول " فإذا صاحب أي شخص احد الكبار فإني اسأله بدقة بعد ان (ينهون) كلامهم , ماذا قال آندرو أو بطرس , أو ما الذي قاله فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى أو أي شخص آخر من تلاميذ الرب ، ما هي الأشياء التي قالها أريستون و الشيخ يوحنا تلاميذ الرب " ( 6) .
ولقد جلب هذا الفكر الحرج لغالبية الدارسين المسيحيين الذين يرفضون وجود شخصين باسم يوحنا ، ويرفضون التفريق بين يوحنا الشيخ ويوحنا البشير اللذين ذكرهما بابياس ، تقول الموسوعة الكاثوليكية ( 7 ) : ( هذا التفريق على كل حال ليس له أساس تاريخي ) ، مع أنّ أساسه التاريخي هو بابياس ويوسيبيوس القيصري ، إلا إذا كانوا لا يعتبرونهما مصدراً تاريخياً موثوقاً به ، فعندها لا يحق لهم أن يستشهدوا بهما في معرفة كتبة الأناجيل .
والذين رفضوا وجود شخصين باسم يوحنا وجعلوه شخصاً واحداًُ يصطدم بقول بابياس الصريح في الدلالة على وجود شخصين بهذا الاسم ، ولقد وافقه على ذلك يوسيبيوس القيصري (8) وأكد وجود شخصين باسم يوحنا ، مما دفعه للاعتقاد أن سفر الرؤيا هو ليوحنا الشيخ وليس ليوحنا البشير، تقول الموسوعة الكاثوليكية (9) في معرض الكلام عن موافقة يوسيبيوس لبابياس في وجود شخصين باسم يوحنا:
( رأي يوسيبيوس تكرر مراراً بواسطة كتاب حديثين ، خصوصاً لتأييد إنكار الأصل الرسولي للإنجيل الرابع ، إلا أن هذا التفريق ليس له أساس تاريخي ، أولاً شهادة يوسيبيوس في هذه القضية ليست ذات شأن في العقيدة ، فهو يناقض نفسه كما في تاريخه حيث يدعو بوضوح الرسول يوحنا بأنه معلم بابياس ) .
وفي الهامش على تاريخ يوسيبيوس (10) بعد ذكر النتيجة التي توصل إليها يوسيبيوس في وجود شخصين باسم يوحنا جاء ما يلي :
( في الواقع لا يمكن التوصل إلى نتيجة أخرى إلا إذا اتهمنا أنّ طريقة بابياس في الكتابة هي من أشد الطرق حماقة ولا منطقية ، وبالتأكيد إذا عرف يوحنا واحداً فليس هناك عذر لذكره مرتين في فقرة واحدة ، وفي المقابل إذا تقبلنا رؤية يوسيبيوس فإننا سنواجه صعوبات بالغة ، حيث أننا في الواقع ملزمين أن نفترض أنّ هناك رجلاً يسمّيه بابياس كصاحب سلطة هائلة عاش في آسيا الصغرى قديماً في القرن الثاني ، ولكنه لم يذكر بواسطة أباء آخرين ، والذي هو في الواقع شخصية مجهولة تماماً ) .
4- بابياس يذكر أن مرقس كتب ما قاله أو عمله المسيح ، ولكن لا يمكن الجزم أن المقصود هنا إنجيل مرقس ، فهو لم يقل ذلك صراحة ، فيحتمل أن ما كتبه مرقس أمراً آخراً ليس له علاقة بإنجيل مرقس الحالي ، وهيهات أن يثبت لنا النصارى عكس ذلك .
ويحتمل أنّ المقصود به إنجيل مرقس السري الذي ذكره اكلمندس الاسكندري في رسالته إلى تيودور التي اكتشفها "مورتون سميث" حيث يقول :
( بالنسبة للأشياء التي يقولونها باستمرار عن إنجيل مرقس الموحى به من الله ، بعضها مزيف ، والبعض الآخر حتى لو حوى بعض الحقيقة ، فهي على أية حال لم تقدم بالشكل الصحيح ، لأن الأمور الحقيقية خلطت مع المزيفة ، وأسيء تقديمها ، وهكذا كما يقول المثل حتى الملح فقد طعمه .
بالنسبة لمرقس ، فخلال إقامة بطرس في روما فقد كتب حول أعمال الرب ، وعلى أية حال ، ليس جميع اعماله ، ولا أشار للأشياء السرية ، لكنه اختار ما كان يعتقد أن له فائدة ليزيد من ايمان الذين كان يعلمهم ، لكن حين مات بطرس شهيدا ، جاء مرقس إلى الاسكندرية ، محضرا كتاباته وكتابات بطرس معه ، فنقل ( مرقس ) منها إلى كتبه الأشياء المناسبة التي تفيد في التقدم نحو المعرفة .
وهكذا ألف انجيلاً أكثر روحية ليستخدمه من يكون كاملاً ، لكنه على أية حال لم يكشف عن الأمور التي لا يجب إفشائها ، ولم يسجل التعاليم الخفية (11) للسيد ( الرب ) ، ولكن زاد على القصص التي كتبت من قبل . وبالإضافة الى ذلك ، كـ "مسيتاغوغ" (12) ( رجل ذو تعاليم غامضة ) جلب اقوالا محددة والتي يعرف ان تفسيرها سيقود السامعين الى سبر اغوار الحقيقة المخفية من وراء سبعة حجُب.
لذلك , ففي الخلاصة ، فقد اعد مسائل ، لا مُكرها ولا غير حذر ، في رأيي ، و حين شارف على الموت ، ترك مؤلفاته للكنيسة في الاسكندرية ، حيث تحرس بعناية كبيرة ، وتقرأ فقط لمن تعلموا الخفايا العظيمة ) .
5 - بابياس تمّ تكذيبه في أشياء عديدة ، فقد تمّ تكذيبه في موت يهوذا ، حيث يرويها هكذا :
( ولقد أصبح يهوذا مثالاً سيئاً على عدم التقوى في هذا العالم ، فلقد تضخّم جسده حتى أنّه لم يكن بمقدوره المرور حيث يمكن أن تمرّ عربة حنطور بسهولة ، ولقد دُهس بعربة حنطور حتّى انسكبت أحشاؤه خارجاً ) .
وهذا يناقض ما ورد في متىّ 27 : 5
( فطرح الفضة في الهيكل وانصرف.ثم مضى وخنق نفسه) .
وكذلك يوسيبيوس وصفه بأنه لا يحسن فهم ما يسمع كما مرّ معنا آنفاً في قضية الألف سنة لمملكة المسيح على الأرض بعد قيامة الأموات ، بل يصفه بقلة العقل والفهم (13) .
وكذلك رفضت الكنيسة الأرثوذكسية القبطية بشدة وعلى رأسها قداسة البابا شنودة الثالث ما قاله بابياس عن مرقس إذ يصفه بأنّه مترجم بطرس بينما ترفض الكنيسة هذا القول ، وكذلك قال عنه إنّه لم يسمع الرب ولم يرافقه ، والكنيسة تقول إنّه من الرسل السبعين الذين سمعوا الرب وعاينوه ، وكذلك قال عن إنجيل مرقس إنّه صياغة لما قاله بطرس من تعاليم ( أي مذكرات بطرس ) ، بينما تنفي الكنيسة الأرثوذكسية القبطية هذا الشيء .
ولقد قدم البابا شنودة الثالث دراسة عن "القديس مرقس الرسول" ، وخطأ فيها قول بابياس ومن نقل عنه في نسبة إنجيل مرقس إلى بطرس ، يقول القمص تادرس ملطي :
(( حاول بعض الدارسين أن ينسبوا إنجيل مرقس إلى بطرس الرسول، متطلعين إلى القديس مرقس ككاتب أو مترجم للقديس بطرس قريبه، وأن هذا الإنجيل ليس إلاَّ مذكرات للرسول بطرس أو عظات سمعها مار مرقس عنه أثناء إقامته معه في روما، سجلها بعد استشهاد القديسين بطرس وبولس.
هذا الرأي ترفضه الكنيسة القبطيّة تمامًا، وقد قام قداسة البابا شنودة الثالث بتفنيده في دراسته التي قدمها عن "القديس مرقس الرسول" بمناسبة مرور 16 قرنًا على استشهاده، لذلك رأيت هنا الاكتفاء بإبراز العناصر الرئيسيّة تاركًا للقارئ أن يرجع لكتاب قداسة البابا :
أولاً: اعتمد هذا الرأي على قول للقديس بابياس عن القديس مرقس وقد ذكر عنه أنه لم يسمع الرب ولا عاينه، إنما تبع الرسول بطرس الذي آمن على يديه. وإن كان قد نقل بعض الآباء هذا الفكر عن بابياس، لكنه رأي خاطئ ، فقد شهد كثير من الآباء كما أكّد دارسو التاريخ الكنسي أن مار مرقس عاين الرب وتبعه.
ثانيًا: لم يكن مار مرقس كاتبًا ولا مترجمًا لبطرس الرسول في خدمته في روما كما ادَّعَى البعض، بل إن بطرس الرسول لم يكرز في روما وإنما بولس الرسول هو الذي كرز بها كما يظهر من رسالته إلى روما معلنًا اشتياقه للعمل بينهم (رو 1: 10-11) وفي نفس الرسالة يؤكد أنه لا يبني حيث وضع آخر أساسًا (رو 15: 20)... وكأن بولس وهو كارز للأمم - بينما بطرس كارز لأهل الختان - أراد أن يكون له هذا العمل في روما.
ثالثًا: لو أن مار مرقس سجّل مذكرات بطرس أو عظاته بعد استشهاده لما كان هناك دافع لإخفاء هذه الحقيقة، وكان يجب أن يشير القديس مرقس إلى ذلك، على الأقل من قبيل أمانته وتواضعه.
رابعًا: علل البعض أنها مذكرات بطرس بحجة أنها تحوي ضعفات بطرس وتغفل ما يمجده ، وأن بطرس الرسول فعل هذا من قبيل تواضعه. ويُرد ذلك بالآتي:
1. أن كاتبي الأسفار فوق المستوى الشخصي عند كتابتهم للأسفار، لذلك نجد موسى النبي يسجل بيده: "وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). وقد ذكر في أسفاره المعجزات التي صنعها الله على يديه، وظهور الله له، وأحاديثه معه، وقبول الله شفاعته، ومديح الله له، ولم يمنعه تواضعه من ذكر هذه الأمور. وفي نفس الوقت ذكر أيضًا ضعفاته كيف كان ثقيل الفم واللسان (خر 4: 10)، وذكر خطيّته ومنع الله له من دخول أرض الموعد... إنهم كتبوا "مسوقين من الروح القدس" (2 بط 1: 21).
وفي العهد الجديد نجد القديس يوحنا الحبيب لم يغفل وقوفه عند الصليب، ومخاطبة الرب له، وتسليمه أمه له (يو 19: 25-27)، ملقبًا نفسه "التلميذ الذي يسوع يحبه"، والذي "يتكئ في حضن يسوع" (يو 13: 3، 25).
2. لم يغفل مار مرقس الرسول مديحه لبطرس الرسول، فذكر دعوة الرب له كأول دعوة (1: 16-20)، ووضع اسمه في مقدمة أسماء الرسل (3: 16)، وذكر أن الرب دخل بيته وشفي حماته كأول معجزة ذكرها مار مرقس للرب (1: 29-31)... وذكر قول بطرس الرسول: "ها قد تركنا كل شيء وتبعناك" (10: 28)، وذكره في مناسبات كثيرة مع يعقوب ويوحنا (5: 37، 9: 2-8، 14: 32).
خامسًا: علل بعض الدارسين أنها مذكرات بطرس لما حملته من شواهد داخليّة أن الكاتب شاهد عيان لكثير من الأحداث، فإن عرفنا القديس مار مرقس أحد السبعين رسولاً الذين اختارهم الرب ومركز والدته بين تابعي المسيح لأدركنا أن كثيرًا من الأحداث عرفها الرسول بنفسه أو خلال التلاميذ والرسل أو والدته أو من كانوا محيطين بالسيد )) ...(14)
فأنظر عزيزي القارئ ، إن هذه الخمسة نقاط ساقها القمص تادرس ليثبت أنّ شهادة بابياس خطأ ، فماذا بقي بعد ذلك من هذه الشهادة ؟؟؟
أفيؤمنون ببعض أقواله ويكفرون ببعض ؟
فإذا كان ما وصلنا من كتابات لبابياس لا يعدو عن أسطر معدودات وفيه هذا الكم من الأخطاء والأوهام وسوء الفهم ، فأي مصداقية تبقى بعد ذلك لهذا الشخص ؟
ب- يوستينوس الشهيد :
فى فلسطين والغرب فى حوالى 150م- (فى حواره مع تريفو اليهودى): " وعندما يقال أنه (المسيح) قد أطلق على واحد من الرسل اسم بطرس، وعندما يسجل هذا فى "ذكرياته" مع هذه الحقيقة الأخرى، وهى أنه قد أطلق على ابنى زبدى لقب "بوأنرجس" أى أبنى الرعد…إلخ" .. (15) .
الرد
نقول :
ليس في كلام يوستينوس أيّ إشارة إلى مرقس ككاتب للإنجيل ، وما يتحدث عنه هو مذكرات لبطرس ، ويقول إنّ بطرس بنفسه سجلها ، فهذا يشهد عليهم لا لهم .
فإن قيل إنّ يوستينوس يقصد بـ "ذكرياته" إنجيل مرقس الذي كتبه مرقس ، نقول ، ومن أين علمتم أنّه يقصد ذلك ؟ هل إطلعتم على الغيب ؟
هذا القول هو ضرب من الظنون ، والظن لا يغني من الحق شيئاً .
فإن قالوا ، ولكن الوحيد الذي ذكر عبارة بوأنرجس هو مرقس ( 3 : 17 ) ، فبالتالي الذكريات المقصودة هي إنجيل مرقس ، نقول وبالله تعالى التوفيق :
1 - لا يوجد دليل صريح أنّ الذكريات هي إنجيل مرقس ، ووجود هذه العبارة فيه لا تعني أنّها منه ، فلعل هذه العبارة كانت منتشرة على ألسن الناس ومعروفة لديهم ، فأخذها من كتب إنجيل مرقس وأثبتها في كتابه .
2 - أقصى ما يستفاد من عبارة يوستينوس هو أنّه اقتبس من إنجيل مرقس ، ولكنّه لم يقل إنّ مرقس هو كاتب هذا الإنجيل ، وبالتالي نعود معهم إلى السؤال من كتب إنجيل مرقس ؟
هذا ونلاحظ ( لو سلمنا جدلاً أنّ المقصود بالذكريات هو إنجيل مرقس ) أنّ هذا الإنجيل لم يكن معروفاً باسمه ، بل باسم " ذكريات بطرس " ، كما نلاحظ أنّ الكاتب هو بطرس .
و هذا الكلام ترفضه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، لأنّه لو صحّ أن المقصود بـ " ذكريات بطرس " هو ما سجله مرقس ، فهذا يعني أن إنجيل مرقس هو مذكرات لبطرس ، وهذا مرفوض عندهم لما مرّ معنا في النقطة الخامسة في الرد على شهادة بابياس ، فكيف ويوستيونوس يقول إنّ بطرس هو نفسه الذي يسجل ؟؟ ، فهذه أشد من سابقتها عندهم .
هذا ويوستينوس الشهيد لم يخبرنا من أين علم أن لبطرس مذكرات ، والزمن منقطع بينهما ، فبطرس مات حوالي سنة 67 م ، بينما ولد يوستينوس حوالي سنة 110 م ، أي بعد وفاة مرقس بعشرات السنين ، فعلى ذلك فشهادته باطلة من جميع الوجوه .
ج- إيريناس :
فى أسيا الصغرى وبلاد الغال أى فرنسا (حوالى 175م - كما يقتبسه يوسابيوس) : "بعد أن ألبس الرسل قوة الروح القدس، وأعدوا تماماً لخدمة الكرازة لكل العالم ، أنطلقوا إلى أقاصى الأرض يبشرون بالإنجيل، فذهب متى شرقا إلى من هم من أصل عبرأنى وبشرهم بنفس لغتهم، اللغة التى كان قد كتب بها إنجيله، بينما ذهب بطرس وبولس غربا وكرزا وأسسا الكنيسة فى رومية ، ولكن بعد رحيل هؤلاء سلَّم لنا مرقس تلميذ بطرس ومترجمه، الأمور التى كرز بها بطرس ، مكتوبة" . (16)
الرد
الاستدلال بكلام إريناوس هنا يقوم على أن إريناوس هو تلميذ القديس بولكاربوس ، وبولكاربوس هو تلميذ يوحنا ، فيوجب أن ما قاله إريناوس هو أخبره به بولكاربوس عن يوحنا ، ويوحنا ملهم بالروح القدس فتكون شهادته ومصادقته معتبرة ، ولقد رددنا على مثل هذا الاستدلال من قبل في حواري مع الزميل الفاضل الراعي ، فأرى من المناسب أن أنقله هنا مع بعض التعديل الطفيف .
لا يمكن الاعتماد على قول اريناوس ، وهو مرفوض لعدة أسباب :
أ - لأنه لم يذكر أنه أخذ هذه المعلومة من بوليكاربوس ، وقولهم لا بد أنه أخذها عن أستاذه قول في غير محله وتأكيد سقيم ، إذ أن هناك احتمالات أخرى ، فيحتمل أنه نقلها عن آخر مجهول لا نعرفه ، أو أنه غلبه الظن والتخمين فكان ذلك من استنتاجه الشخصي ، وفي مثل هذه الحالة لا يمكن أن ننهض بهذه الأدلة الواهية لندلل على أن مرقس هو الكاتب ، بل هذا يحتاج إلى أدلة قاطعة بيّنة لا تحتمل الشك ولا يتطرأ إليها الإحتمال ، وإلا فسدت ، لأنّه من المعلوم ان الدليل متى تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال .
وكونه تلميذ بوليكاربوس لا يعني أنه أخذ كل شيء عن بوليكاربوس ، فلو صحّ ذلك لوجب أن يكون فلورينوس الغنوسي ( وهو من الهراطقة في نظر الكنيسة ) أخذ أفكاره الغنوسية عن بوليكاربوس أيضاً ، لأنه كان تلميذه ، تقول دائرة المعارف :
( فلورنيوس الذي كان أيضاً تلميذاً من تلاميذ بوليكاربوس ، ولكنه انحرف إلي الغنوسية ) .. (17).
فهل يقول النصارى إنّ فلورنيوس الغنوسي تلميذ بوليكاربوس أيضاً أخذ أفكاره الغنوسية عن بوليكاربوس ؟؟؟
طبعاً لا يمكن أن يقولوا به ، وإلا تورطوا في اتهام بولكاربوس أنّه من الغنوسيين ، ويصيح هذا دعماً كبيراً للغنوسيين .
وكذلك لوجب أن بابياس وهو من الآباء الرسوليين الذي كان صاحب بولكاربوس وتلميذ يوحنا الحواري قد أخذ عنه كيفية موت يهوذا الاسخريوطي ، والتي وصفها كالتالي :
(( ولقد أصبح يهوذا مثالاً سيئاً على عدم التقوى في هذا العالم ، فلقد تضخّم جسده حتى أنّه لم يكن بمقدوره المرور حيث يمكن أن تمرّ عربة حنطور بسهولة ، ولقد دُهس بعربة حنطور حتّى انسكبت أحشاؤه خارجاً ) . (18) .
والآن نسأل :
أليس بابياس تلميذاً ليوحنا الرسول ؟؟؟
أليس بابياس صديقاً لبولكاربوس ؟؟؟
نعم هو كذلك ، واريناوس نفسه يؤكد ذلك ويقول : " بابياس الذي سمع يوحنا وكان صاحباً لبوليكاربوس " ..(19)
فهل يقول النصارى أنّ بابياس أخذ هذه عن الرسول يوحنا لأنه كان تلميذه ؟؟
أو هل يقولوا أن بابياس أخذ هذه عن بولكاربوس لأنه كان صديقه ؟؟؟؟
فحسب قاعدتهم وجب أن يجزموا أنه أخذ هذه المعلومة عن يوحنا أو على أقل تقدير من بولكاربوس الذي بدوره أخذها عن يوحنا الرسول ؟؟؟
لا ، لن يجزموا بذلك و إلا اضطرّوا معها إلى الجزم بتناقض البشيرين متى ويوحنا ، لأن هذا فيه تكذيب واضح لإنجيل متى 27 : 5 ( فطرح - يهوذا- الفضة في الهيكل وانصرف.ثم مضى وخنق نفسه ) .
وكذلك فيه تكذيب واضح لأعمال الرسل 1 : 18 ( فان هذا - يهوذا - اقتنى حقلا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها )
ولقد أجاب النصارى عن هذا أن بابياس سطحي وساذج ويُخطأ ويهم كثيراً ووصفوا رأيه بأنه رأي شخصي لا يلزمهم ، والعجيب أن شهادة بابياس حول كاتب إنجيل متى تستخدم كدليل معتمد في إثبات أن متى هو الكاتب ، ومن الذين اعتمدوا عليه دائرة المعارف الكتابية وقاموس الكتاب المقدس ومنيس عبد النور في شبهات وهمية ، وأكد شهادته واعتمد عليها كل من اريناؤس واريجانوس .
فهل رأيتم تناقضاً وازدواجية في المعايير أكثر من هذا ؟؟؟
فالمسألة كما يبدو أنها أهواء ، فإن كان كلامه موافقاً لأهوائهم فهو حجة دامغة أما إن كان كلامه مخالفاً فهو سطحي وساذج ورأيه رأي شخصي لا يُلزم أحداً ، مع أنّ قول بابياس هنا ليس رأياً بل هو خبر ورواية (20) .
والعجيب أن يجزموا أنّ اريناوس أخذ هذه المعلومة حول كاتب إنجيل مرقس عن معلّمه بولكاربوس ويتمسكوا بها بالرغم أنه لم يصرح بذلك ، فأوجبوا أن ما يقوله إريناوس هو ما أخذه عن معلمه ، ولكن هل يستطيعوا أن يظلوا متمسكين بقولهم إن كل ما أخبر به اريناوس هو مما أخذه عن بولكاربوس ؟؟؟؟
حسناً اضبطوا هذه النقطة ...
يقرر اريناوس أنّ المسيح - عليه السلام - كان قد جاوز الخمسين سنة عند موته (21) ، ولقد جادل في ذلك ونافح بقوة واستخدم الأدلة والبراهين مثل ( يوحنا 8 : 57 ) لإثبات قوله ، فاليهود قالوا للمسيح ( ليس لك خمسون سنة بعد ، أفرأيت ابراهيم ) ، فخلص إلى أن سنه في هذا الوقت كان فوق الأربعين ، والملفت للنظر أنه صرّح بكل وضوح أن هذه المعلومة حول سن المسيح سلّمها يوحنا الرسول لتلاميذه الذين رافقوه في آسيا وبقوا معه حتى حكم تراجان .
فالآن عزيزي القارئ نرى قولاً صريحاً في أن يوحنا بن زبدي أخبر تلاميذه أنّ المسيح جاوز الخمسين عند موته ، فهل تعلم أنّ الكنيسة ترفض هذا القول بشدة ؟؟؟؟
وتجمع الكنيسة أنّ بدء عمل المسيح عندما كان له نحو ثلاثين سنة ( حسب لوقا 3 : 23 ) ، وأنّ فترة عمله دون أربع سنوات كاملة ، وعلى هذا يكون سن المسيح عند موته لم يتجاوز أربع وثلاين سنة .
فلقد صرح المؤرخ الشهير يوسيبيوس القيصري ( توفي 340 ) أنّ فترة عمل المسيح على الأرض لم تبلغ أربع سنوات كاملة فيقول (22) :
( وبناء على الوقت الإجمالي لعمل المخلص يتّضح أنه لم يكن بمجمله أربع سنوات كاملة ) .
ولقد خطأت الكنيسة قول اريناوس وقالوا عنه إنّه استنتاج شخصي خاطئ مبني على فهم مغلوط بالرغم من أنه يقول بكل وضوح إنّ هذا ماأخبر به يوحنا تلاميذه ، وفي الهامش على كلام إريناوس قالوا :
( مع الاحترام لهذا التّأكيد العجيب من إيريناؤس , يعلّق هارفي : قد يدرك القارئ هنا الأحرف الغير مرضية للتقليد , حيث أن الحقيقة المجرّدة مضطربة .فمن خلال التّدبّر المبني على التّاريخ الانجيلي , وبالإضافة إلى شهادة خارجيّة , نجد أنه من المؤكد أن عمل المسيح امتدّ قليلاً فوق ثلاثة سنوات , لكن هنا يصرّح إيريناؤس أن هذا تضمّن أكثر من عشرة سنوات , و يدعو إلى تقليد مبني - كما يقول - من خلال هؤلاء الذين رافقوا الرسول ) .
وكذلك خطأه متى هنري فقرّر أن عمر المسيح يومئذٍ كان اثنين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة .. (24)
وجزم تفسير روبرتسون (25) ليوحنا ( 8 : 57 ) أنّ المسيح كان يومئذٍ بين ثلاثين وثلاث وثلاثين ( 30 - 33 ) .
الخلاصة هي أننا نرى بكل وضوح كيف أن الكنيسة والعلماء المسيحيين يخطّئون اريناوس علانية ، بالرغم من أنه يصرح أنّ هذا ما أخبر به يوحنا تلاميذه ، ولكنهم رموا بكل هذا جانباً وضربوا به عرض الحائط عندما لم يوافق هواهم .
ثم يأتون إلى قوله بأن مرقس كتب إنجيلاً ويجزمون أنه مما أخذه عن بولكاربوس بالرغم أنه لم يصرح أنه أخذ هذه المعلومة عنه .
أليس هذا عجيباً ؟؟؟؟
ما يقول به صراحة أنه أخذه من التلاميذ يكذبونه به ، وما لم يخبر به أنه عن التلاميذ يجزمون أنه مما أخذه عن التلاميذ ....
أليس هذا هو الكيل بمكيالين ؟؟؟
ولماذا لا يقولون إنّ قول اريناؤس إنّ مرقس كتب إنجيله هو استنتاج شخصي وفهم مغلوط ؟؟؟؟
وخصوصاً أن هذا القول أجدر لأنه لم يصرح بأنه أخذه عن أحد ؟؟؟
أم المسألة أهواء ؟؟
أرأيت من اتخذ إلهه هواه ؟؟؟
نعم وما هذه إلا مسألة أهواء ، فما يوافقهم فهو مما أخذه عن التلاميذ وإن لم يصرح هو بذلك ، وما لا يوافقهم فهو من استنتاجه الشخصي وحتى إن صرح بأنه مما نقله التلاميذ عن البشير يوحنا .
إذن ، فالجزم بأن أيريناوس أخذ هذه المعلومات عن بوليكاربوس فيه مجازفة كبيرة وبعداً عن المنطق والحقيقة .
هذا لو سلمنا جدلاً أنّ اريناوس أخذ هذه المعلومة عن بولكاربوس ، فمن أين لهم أن يجزموا أن بولكاربوس أخذها عن يوحنا ؟؟؟
د- أكليمندس الإسكندرى :
(حوالى 200م) : "كانت المناسبة التى كتب فيها إنجيل مرقس كما يلى: بعد أن كرز بطرس علناً بالكلمة فى روما، ونادى بالإنجيل بالروح القدس، توسل كثيرون من الحاضرين لمرقس كواحد من الذين تبعوا بطرس زمناً طويلاً ويذكر كل ما قاله، أن يدون لهم ما تكلم به بطرس. وبعد أن كتب مرقس الإنجيل قدمه للذين كانوا قد توسلوا إليه. وعندما نما ذلك الى علم بطرس لم يعترض عليه ولم يشجبه" .
وأيضاً: "ولما كان الرومانيون مفتونين بالنور الذى سطع على عقولهم من أحاديث بطرس، لم يقنعوا بمجرد السمع وإعلان الحق الحى، بل أسرعوا يلتمسون بإلحاح من مرقس- الذى إنجيله بين أيدينا، وكان من أتباع بطرس- أن يسجل لهم كتابة التعليم الذى قبلوه مشافهة، ولم يكفوا عن إلحاحهم، حتى أقنعوه برأيهم، وهكذا كانوا سبب كتابه الإنجيل المسمى "بإنجيل مرقس" ، ويقال أنه عندما علم الرسول- بإلهام الروح القدس- بما حدث، سر باهتمام الناس بذلك وأمر بأن يُقرأ ما كتب فى الكنائس" . (26) .
الرد
نقول :
الاستدلال بكلام اكلمندس مردود بسبب إنقطاع السند مرتين :
الإنقطاع الأول بين اكلمندس ومرقس ، فاكلمندس ولد حوالي سنة 153 م ، ومرقس توفي حوالي سنة 63 م ، أيّ بعد وفاة مرقس بحوالي 90 سنة ، فشهادته مرفوضة ، لأنه شاهد لم يرّ شيئاً ، ولم يخبرنا كيف عرف ذلك ، وما كان كذلك فهو ساقط مردود .
الإنقطاع الآخر بين اكلمندس ويوسيبيوس ، فالذي نقل هذا الكلام عن اكلمندس هو يوسيبيوس القيصري ، واكلمندس توفي حوالي 217 م ، بينما ولد يوسيبيوس حوالي سنة 260 م ، فبين هذا وذاك عشرات السنين .
هذا إذا أضفنا إلى أنّ كلام اكلمندس يحتوي على أمور ترفضها الكنيسة الأرثوذكسية القبطية ، إذ أنّه يقرر أن بطرس كرز في روما ، وأنّ مرقس دوّن ما كرز به بطرس ، وهذا ترفضه الكنيسة القبطية كما ذكر القمص تادرس ملطي والقمص أنطونيوس فكري في مقدمة إنجيل مرقس ، ولقد تلكمنا على هذا في النقطة الخامسة من الرد على شهادة بابياس .
هـ- ترتليان :
من شمالى أفريقيا (حوالى 207م): يتحدث عن سلطان الأناجيل الأربعة فيقول أن اثنين منها كتبهما رسولان، والأثنين الآخرين كتبهما رفيقان للرسل، "بما فيهما ما نشره مرقس، لأنه يمكن أن يعزى لبطرس الذى كان مرقس مترجماً له"..(27) .
و- أوريجانوس :
فى الإسكندرية والشرق (حوالى 240م) : "والإنجيل الثاني لمرقس الذى كتبه تحت إرشاد بطرس الذى يقول عنه فى رسالته الجامعة (مرقس ابنى) " (1 بط 5: 13). .. (28) .
الرد
أقول :
قول ترتليان وأوريجانوس مردود لا يصلح للإستشهاد لأن سنده منقطع ، فترتليان مولود حوالي سنة 165 م ، أي بعد وفاة مرقس بأكثر من مئة سنة ، ولم يخبرنا كيف عرف ذلك ، وكذلك أوريجانوس مولود حوالي سنة 185 م أي بعد وفاة مرقس بحوالي أكثر من 120 سنة ، ولم يخبرنا ما هي الواسطة التي عرف بها ، وما كان كذلك فهو مردود ساقط لا يحتج به لأن الواسطة مجهولة ، ولا يصلح التخمين في هذا الحالة أي أن نخمن الطريقة التي عرف بها ، لأن هذا دين وعقيدة ، والعقيدة لا يمكن أن تبنى على الظنون والتخمينات بل على القطعي الثابت.
وكذلك قولهما بالنسبة للأرثوذكس الأقباط يحتوي على أمور باطلة عندهم ، منها أنّ ترتليان يقرر أن مرقس كان مترجماً لبطرس ، وهذا أنكره تادرس ملطي فيما نقله عن البابا شنودة (29) ، وكذلك يؤكد ترتليان على عدم رسولية مرقس إذ أنه يصف من كتب الإنجيلين الآخرين ( غير الذي لمتى ويوحنا ) بأنهما رفيقان للرسل ، بينما الكنيسة القبطية ترى أن مرقس من الرسل السبعين ، وكذلك أوريجانوس يقرر أن مرقس كتب إنجيله تحت إرشاد بطرس ، وهذا والكنيسة القبطية ترفض أن ينسب إنجيل مرقس إلى بطرس (30) .
ز- يوساييوس القيصرى :
من قيصرية (حوالى 325م): "ومع أن بطرس لم يشرع- لفرط التواضع - فى كتابة إنجيل، فأنه مع هذا قد ذاع منذ البداية أن مرقس- الذى كان قد أصبح من أتباعه الحميمين الملازمين له - قد سجل مذكرات بأحاديث بطرس عن أعمال يسوع" ، و"فى الحقيقة أن الذى يكتب هذا هو مرقس، ولكن بطرس هو الذى يشهد، لأن كل ما فى مرقس أنما هى مذكرات أو تسجيلات لأقوال بطرس".
ح- أبفانيوس :
من قبرص (حوالى 350م): "وبعد متى مباشرة، إذ أصبح مرقس من تابعى القديس بطرس فى روما، أوكلت إليه كتابة إنجيل، وإذ أكمل عمله، أرسله القديس بطرس إلى مصر".
ط- جيروم :
فى الشرق والغرب (حوالى 350م ) : "أن مرقس- تلميذ بطرس ومترجمه- كتب بناء على طلب الإخوة فى رومية إنجيلاً مختصراً طبقا لما كان قد سمع بطرس يرويه. وعندما بلغ بطرس ذلك ، وافق عليه وأمر أن يُقرأ فى الكنائس". كما ذكر أيضاً: " ... فقد كان عنده تيطس مترجماً، تماماً كما أن بطرس المبارك كان له مرقس مترجماً، والذى كتب إنجيله ، فقد كان بطرس يروى ومرقس يسجل". وفى مقدمة تفسيره لإنجيل متى : "والثاني هو مرقس، مترجم الرسول بطرس وأول أسقف لكنيسة الإسكندرية، الذى لم ير الرب يسوع بنفسه، ولكنه سجل بكل دقة - أكثر مما يترتب - أعماله التى سمع معلمه يكرز بها". .. (31) .
الرد
يوسيبيوس وأبيفانوس وجيروم ولدوا بعد وفاة مرقس بفترة تتراوح بين مئتي سنة و ثلاثمئة سنة وما كان كذلك فهو شديد الإنقطاع ، فإذا كانت شهادة آباء القرن الثاني لا تصلح لبعد زمنهم عن زمن مرقيس ، فمن باب أولى رفض شهادة آباء القرن الرابع والخامس لبعد الزمن الشاسع بينهم وبين زمن مرقس .
كذلك ذكر هؤلاء أموراً تنكرها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، منها أنّ مرقس مترجم بطرس وأن إنجيل مرقس هو عبارة مذكرات بطرس ، ومنها ما يشير إلى أن بطرس كان يكرز مع مرقس في روما وهذا ترفضه الكنيسة القبطية وتحكم عليه بأنه رأي خاطئ (32) .
الوثيقة الموراتورية
تقول دائرة المعارف :
ويجب أن يضاف إلى كل هذا ، ما جاء بالوثيقة الموراتورية (وهى جذاذة صغيرة، ترجع إلى حوالى 170م) التى تقدم لنا قائمة بأسفار العهد الجديد مع كلمة موجزة عن كل كاتب . وقد فقد ما جاء عن متى ومعظم ما جاء عن مرقس ، ولم يبق عن مرقس سوى عبارة مقتضبة.
الرد
هذه الوثيقة تتضمن لائحة بالأسفار القانونية للعهد الجديد المعترف بها في نظر الكاتب ، فتبدأ بذكر إنجيل لوقا في المرتبة الثالثة ، وإنجيل يوحنا في المرتبة الرابعة بين الأناجيل ، أما الكلام عن الإنجيل الأول والثاني فسقط منها إلا عبارة مقتضبة عن الإنجيل الثاني وهي ( ولكن هو كان حاضراً بينهم ، ووضع ) ، وبهذه العبارة المقتضبة لا يمكن تحديد هوية الكاتب ، وإن كان النصارى يعتقدون أنّ الذي سقط هو الكلام عن إنجيل متّى ومرقس ، إلا أننا نرى ذلك محتملاً وليس أكيداً ، إذ يستحيل الجزم في ظل فقدان هذا الجزء المهم من الوثيقة .
ثمّ لو سلمنا جدلاً بأن الكلام الساقط منها هو عن متّى ومرقس ، فإننا نقول أن الإستشهاد بها باطل وذلك من وجوه :
1 - لأن الوثيقة لا يعرف لها كاتب ، الكاتب مجهول تماماً ، ولا يعرف من هو .
2 - الظاهر أنّ الكاتب لم يلقَ مرقس ولم يعاصره ، بل الراجح أنه ولد بعد وفاته ، إذا أن فارق الزمن ( حسب التقديرات ) بين وفاة مرقس وكاتب الوثيقة حوالي 110 سنوات ، فالزمن منقطع .
3 - إن كانت الوثيقة تعتبر حجة ولها مصداقية عند النصارى ، فالمفروض إمّا أن يسلموا بكل ما فيها ويقبلوه وإمّا أن يرفضوا الاستشهاد به كلّه ، أمّا أن يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض فهذا هو التحكم بالهوى وما كان كذلك فهو باطل مردود .
لائحة الأسفار القانونية في الوثيقة تختلف كثيراً عن الأسفار القانونية المعترف بها عند النصارى اليوم ، فالوثيقة لا تتضمن الرسالة إلى العبرانيين ورسالة يوحنا الثالثة ، ورسالة بطرس الأولى والثانية ، ورسالة يعقوب .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فهي تعترف برؤيا بطرس وتضمها سوياً إلى رؤيا يوحنا ، فتقول ( ونقبل رؤيا يوحنا ورؤيا بطرس فقط ، بالرغم أن البعض منّا لا يريد لها أن تقرأ في الكنائس ) .. (33) .
وكذلك تذكر الوثيقة كتاب الراعي لهرماس ( 34) ، وتقول عنه بأنّه يجب أن يُقرأ .
فهذا ما تحويه الوثيقة ، فهل سيقبلون رؤيا بطرس كسفر من الأسفار المقدسة ويحذفون الرسالة إلى العبرانيين ورسالة يوحنا الثالثة ، ورسالتي بطرس الأولى والثانية ورسالة يعقوب ، أم سوف يكيلون بمكيالين ؟
ثم بعد أن تكلمت دائرة المعارف عن هذه الوثيقة عادت وقللت من شأنها إذ تقول : ( والوثيقة الموراتورية غير واضحة ، فقد فهمت عباراتها المتقطعة بصور مختلفة ) .
فهذه هي الأدلة الخارجية التي ذكروها ، وكما رأيتم ضعيفة جداً ولا يمكن أن ينهض بها لإثبات كتاب أنّه من عند الله .
الأدلة الداخلية
الأدلة الدااخلية هي محاولة دراسة نصوص الإنجيل وتحليلها بغرض إيجاد ما يشير إلى هوية الكاتب أو إلى اسمه .
وإنّي سوف أناقش بإذن الله هذا الدليل تبرعاً وليس لأني أعتبره وجيهاً .
فالدليل لا يمكن أن يكون داخلياً ، فلماذا لا يمكن إعتبار الأدلة الداخلية ؟؟؟
لأنّ أقصى ما يمكن أن تقدمه الأدلة الداخلية هو الإشارة إلى اسم الكاتب ، وحتى لو فرضنا أنّ الكاتب موجود اسمه بكل وضوح ، كأن يقول ( أنا مرقس كاتب هذا الإنجيل ) ، فلا يمكن الاعتداد بها .
لماذا ؟؟؟؟
لأنه لا يستبعد أن يقوم أحد بتلفيق هذا الإنجيل ثم ينسبه إلى أحد الحواريين أو إلى تلميذ من تلاميذهم بأن يضع اسم مرقس أو يوحنا أو متّى فيقول فيه ( أنا مرقس كاتب هذا الإنجيل ) أو ( أنا متّى كاتب هذا الإنجيل ) أو ( أنا يوحنا كاتب هذا الإنجيل ) .
فمجرد وجود الاسم لا يعني صحة وحقيقة ذلك ، إذ أنّه من السهل على كل من أراد الكذب والتلفيق أن يضع اسم شخص آخر ويجعله كاتباً .
وها هو إنجيل بطرس يحمل اسم كاتبه صراحة فيقول :
( وأنا سمعان بطرس وأخي أندرواس أخذنا شباكنا وذهبنا إلى البحر ) . .. (35)
ومع ذلك فهم لا يؤمنون أن بطرس الرسول هو الكاتب ، ولا يؤمنون أن هذا الإنجيل قانوني .
وحتى لو قلنا لهم ولكن اسمه موجود بشكل صريح أنه الكاتب ، سيجيبون أنّ هناك شخص آخر كذب على لسان بطرس وتكلم باسمه ، عندها سنقول لهم بأن كلامهم هذا ينطبق على إنجيل مرقس وغيره من الأناجيل ولا فرق .
و كذلك في إنجيل الطفولة لتوما :
( أنا توما الإسرائيلي ، ابلغكم جميع إخوتي من الأمم ، بكشف طفولة وعظمة سيدنا يسوع المسيح ) . .. (36) .
وأيضاً في إنجيل الطفولة ليعقوب :
( وأنا يعقوب الذي كتبت هذه القصة في أورشليم ، عندما حصل اضطراب حين مات هيرودس ) ... (37) .
وفي أبوكريفا يعقوب :
( يعقوب يكتب ل [ ... ] ، سلام معك من سلام ، ومحبة من محبة ، ونعمة من نعمة ، وإيمان من إيمان ، وحياة من حياة مقدسة ) ... (38) .
وقال أيضاً :
( أرسلت لك أيضا ، قبل عشرة شهور ، كتابا سريا آخراً أوحاه المخلص لي ، تحت الظروف ، على أية حال ، باعتبار أن ذلك أوحي إلي أنا يعقوب ) ...(39) .
لذلك يجب الإثبات من الأدلة الخارجية على السند المتصل لهذا الإنجيل ، والسند المتصل هو ما شرحناه في المقدمة .
والأن سوف نستعرض ما اعتبروه أدلة داخلية ، وكما قلنا آنفاً سوف نناقشه تبرعاً وليس لأنها معتبرة عندنا ، وبالله تعالى التوفيق .
تقول دائرة المعارف الكتابية :
( ويقدم لنا الدليل الداخلي الكثير لتأييد هذا وليس العكس ، وأن بطرس كان من ورائه ، مما يتفق مع الحقائق التالية : ) .
قلت : قبل أن نستعرض ما يزعمون أنّه حقائق ، أود التنبيه إلى أنّهم يعترفون أنّ الدليل الداخلي لكتابة مرقس إنجيله ضئيل فيقولون : ( أما فيما يختص بكتابة مرقس لإنجيله ، فالدليل الداخلي يبدو ضئيلاً ، فهو كالباقين - لا يبرز نفسه ، ومع هذا ، فإن أي تلميحات - مهما كانت ضئيلة - تصبح بالغة الأثر ) .
لذلك نرى أنّهم في البداية شرعوا يحاولون ربط هذا الإنجيل بالقديس بطرس من خلال العثورعلى نصوص تحوي فكره ومشاعره وغيرها ، ليخلصوا بعدها إلى أنّ مرقس صاغ أقوال بطرس وفكره وعظاته في هذا الإنجيل بوصفه تلميذه ومرافقه في روما .
وبالطبع هذا الكلام متهافت جداً :
- فأول شيء هو أنّ هذا الكلام ترفضه الكنيسة الأرثوذكسية القبطية كما مرّ معنا أعلاه في ردّنا على شهادة بابياس في ردّ القمص تادرس ملطي في مقدمة تفسير إنجيل مرقس في رفض فكرة ربط الإنجيل ببطرس .
- ثانياً حتى لو سلمنا ( جدلاً ) بوجود نصوص تشير إلى فكر بطرس ، فمن أين لهم أن مرقس هو الذي كتب ذلك وليس شخصاً آخرأ مجهولاً ؟ فهذا يحتاج إلى دليل واضح منهم لا تخرصات وظنون .
والآن للنظر فيما زعموا أنّه أدلة داخلية :
يقولون :
أ- إن التفاصيل الحية السابق الإشارة إليها ( ثانياً -6 )، لابد أنها جاءت عن شاهد عيان .
قلت : ما يقصدونه هنا هو بعض التفاصيل في إنجيل مرقس مثل ( يذكر مرقس أعمال يسوع وتحركاته (7: 33، 9: 36، 10: 16) ، وعن نظراته المستطلعة (5: 32) ونظراته فى الصلاة (6: 41، 7: 34) ، وفى الاستحسان (3: 34) ، والمحبة (10: 21) ، والتحذير (ليهوذا بصفة خاصة 10: 23) ، والغضب (3: 5) ، والحكم على الأمور (11: 11 ). كما يجوع يسوع (11: 21) ويطلب الراحة فى موضع خلاء (6: 31) ، وينام على وسادة فى مؤخر السفينة (4: 38) ، ويشفق على الجموع (6: 34) .. ) الخ .
فخلاصة كلامهم أنّ هذا الوصف لا بدّ وأن يكون جاء عن شاهد عيان ، لأنه يصف الأحداث بدقة .
الرد
هذا الكلام لا يثبت شيئاً ، فليس كل من يسجل حدثاً ما ، وجب بالضرورة أن يكون شاهد عيان للحدث ، فكل إنسان قادر على تسجيل أحداث لم يشاهدها كأن يكون سمعها من غيره ويصورها كأنّه كان حاضراً ، أو أنْ يلفقها ، إذ لا يعجز أحد أراد التلفيق أن يكتب بنفس الأسلوب ، فهذه أناجيل الأبوكريفا ( المنحولة كـ إنجيل يعقوب ، إنجيل بطرس ، إنجيل مريم المجدلية ، إنجيل توما ، إنجيل فيلبس وأعمال بطرس وبولس ويوحنا وأندرواس وغيرها كثير ) يصفون الأحداث بدقة ، بل ربما بدقة أكثر من الأناجيل الأربعة ، فإنجيل بطرس مثلاً ( وبالرغم من فقدان جزء كبير منه ) يصف بدقة ما قاله هيرودس وكيف غسلوا أيديهم منه وكيف أسلمه لليهود وكيف لطموه واستهزؤوا به ووصف الحوار الدائر بينه وبين اللصين وغيرها كثير .
فما رأيهم الآن ، هل الكاتب شاهد عيان وأحد التلاميذ ؟؟؟؟
وإنجيل الطفولة يصف أحداثاً حصلت في طفولة المسيح بدقة ولا يوجد لها ذكر في غيره من الكتب ، فيحسن بالقارئ أن يرجع إليه وإلى غيره من كتب الأبوكريفا ، ليعلم أنّ ذكر الأحداث بشيء من التفصيل في كتاب ما ، ليس بالضرورة أن يكون كاتبها شاهد عيان ، وإلا عليهم أن يؤمنوا بكثير من كتب الأبوكريفا لأنها تصف أحداثاً بتفصيل ودقة ، وإلا فالكيل بمكيالين هو الحلّ .
وأزيدهم من الشعر بيتاً وهو أنّ أسماء الحواريين ( بطرس ، يعقوب وتوما ) مذكورة صراحة في أناجيل الأبوكرفيا كما مرّ معنا آنفاً ، ولكن بالرغم من ذلك يرفض النصارى قبولها ولا يعتبرونها ، ويقولون عنها منحولة مزيفة بالرغم من أنّها تحتوي اسم كاتبها صراحة ، وتصف الأحداث بدقة ..
فما يضعونه قاعدة ومقياساً لمعرفة كتّاب الأناجيل الأربعة ، لا ولن يقبلوا بها كمقياس للأبوكريفا ، فاعجبوا لمن اتخذ إلهه هواه ؟
ب- يمكن فهم بعض التعبيرات المحيرة فى قوائم الأسماء على أساس أنها ترجمة مرقس لما جاء على لسان بطرس كما فى مرقس (1: 29)، فلعل بطرس قال: " وعدنا للمنزل ورافقنا يعقوب ويوحنا ". وكذلك فى مرقس (1: 36) بالمقابلة مع وصف لوقا ( لوقا 4: 42و43)، مرقس (3: 16)، (13: 3) .
الرد
يكفي للرد عليهم في ذلك هو قولهم ( فلعل بطرس قال ) ، فهذا ظنّ ، وما كان كذلك فمردود في العقائد ، لأن العقيدة يجب أن تُبنى على القطعي الثابت لا على الظنون والإحتمالات .
وكما قالوا ( يمكن فهم بعض التعبيرات المحيرة فى قوائم الأسماء على أساس أنها ترجمة مرقس لما جاء على لسان بطرس ) ، نقول لهم ، ويمكن فهمها على غير ذلك .
ماذا لو قيل لهم بل لعل اندراوس قال " وعدنا للمنزل ورافقنا يعقوب ويوحنا " فهل بينهم وبينه فرق ؟
بل لو قيل لهم لعل أحد الأفاكين قال" جاءوا للوقت الى بيت سمعان واندراوس مع يعقوب ويوحنا " فهل بينهم وبينه فرق إلا الدعوى المجردة ؟
وعجباً لقولهم ( بعض التعبيرات المحيرة ) ، فلا أدري ما هو المحيّر فيها !!!
فهذا ما جاء في مرقص 1 : 29
( ولما خرجوا من المجمع جاءوا للوقت الى بيت سمعان واندراوس مع يعقوب ويوحنا ) .
بالفعل عزيزي القارئ ، لا أدري ما هو الأمر المحيّر هنا !!!
هل رجوعهم إلى البيت يعتبر أمراً محيّراً ؟؟؟
أم خروجهم من المجمع ؟؟
إنّ كان هناك محيّرٌ ولا بُدّ ، فالمحيّر فعلاً هو أن يستدلوا بهذه السذاجة المفرطة .
جـ- هناك فقرتان (مر9: 6 ، 11: 21) تصفان فكر بطرس الشخصي، وبعض الفقرات تذكر أحداثاً قد لا يذكرها إلا بطرس، كما فى مرقس (14: 37و66-72، 16: 7 ،وكذلك 7: 12-23 في ضوء ما جاء في أعمال 10: 15) .
الرد
لو تأملنا في الأناجيل كلها وأعمال الرسل سوف نجد وصفاً كثيراً لأفكار شخصيات كثيرة ، بل حتى كتب الأبوكريفا وكتب التاريخ والقصص والحكايات تمتلئ بوصف المشاعر والأفكار لشخصياتها ، فوصف فكر لشخص ما ، لا يعني أنّ تلميذ هذا الشخص هو الذي كتب أو أنّه هو الذي كتب .
وكذلك قولهم ( قد لا يذكرها إلا بطرس ) ، ما هو إلا احتمال ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال .
ثمّ لو نظرنا إلى استشهادهم بمرقس 9: 5 ، 6
( 5 - فجعل بطرس يقول ليسوع يا سيدي جيد ان نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة .
6 - لانه لم يكن يعلم ما يتكلم به اذ كانوا مرتعبين ) .
نراها تتكرر في لوقا 9: 33
( وفيما هما يفارقانه قال بطرس ليسوع يا معلّم جيد ان نكون ههنا فلنصنع ثلاثة مظال . لك واحدة ولموسى واحدة ولايليا واحدة . وهو لا
يعلم ما يقول ) .
وكذلك ما جاء في مرقس 14 : 37
( ثم جاء ووجدهم نياما فقال لبطرس يا سمعان انت نائم أما قدرت ان تسهر ساعة واحدة ) .
يتطابق مع متى ( 26 : 40 )
ومرقس 41: 66 ، 72
[color=Navy] ( وبينما كان بطرس في الدار اسفل جاءت احدى جواري رئيس الكهنة ...
|
|
07-28-2005, 06:12 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
العميد
عضو رائد
المشاركات: 934
الانضمام: Jul 2003
|
بحث في إثبات أنّ كاتب إنجيل مرقس مجهول
الزميل العزيز الراعي
توقعت مرورك ومشاركتك وسوف أعلق عليها قريبا إنْ شاء الله إذ أني في سفر حاليا .
ولكن لو تفضلت أود أن أطلب منك مبدئيا المصدر لكلامك هذا :
اقتباس:كما يؤكد بعض الآباء مثل أوريجانوس وابيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص ويجمع جميع مؤرخي الكنيسة القبطية في كل العصور على أن القديس مرقس كان أحد السبعون رسولاً الذين عينهم الرب
اين قال أوريجانوس وابيفانيوس هذا الكلام ؟
ولك الشكر
تحياتي
العميد
|
|
07-30-2005, 04:56 PM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}