دخلنا في عدة افتراضات الآن
سأستثني المواضيع الجانبية التي تتعلق بمنهج دراسة أو نقد القرآن ، و لن أناقش مفهوم النقد و الذي هو بنّاء في الأساس و محايد و لا يعني الرفض أساساً (كمفهوم لغوي) .
سأعلّق على ما يتعلق بالخاطرة المذكورة .
يقول الزميل al-ghadeer أن الخليفة المقصود يمكن أن يكون آدم وحده فقط دون سائر الخلفاء الذين صرحت عنهم الآيات في أماكن أخرى كأقوام أو كأشخاص .
أعتقد أن الخلافة لا تتعلق بشخص بعينه ، فهذا يعني موت هذه الخلافة بموت الشخص ، أعتقد أن مفهوم الخلافة مبني على التتابع ، لذلك لو كانت الخلافة مقطوعة بموت آدم لما تحدث الله عن استخلاف مؤمني نوح و عاد و ثمود و بني إسرائيل و داوود و المسلمين .
أعتقد أن مفهوم الخلافة في القرآن يتكلم عن الاستمرارية و ليس موقوفاً على آدم .
هذه مسألة .
بالنسبة إلى اختبار الأسماء ، و التي يراها زميلنا العزيز طريقة حضارية و مثالية في النقاش ، و إن كان هذا على هامش الموضوع و لكن قد يخدم النقاش سواء الآن أو لاحقاً .
أنا أرى الحوار غير ديمقراطي أبداً ، و يقوم على خدعة أو ربما مكر من الله ربما لأن كلمة مكر مهضومة قرآنياً أكثر من خداع .
الملائكة حين افترضت أن هذا الخليفة سيفسد و يسفك الدماء بينما هم يقدسون و يسبحون .
كيف ناقشهم الله ؟؟
كلمة واحدة فقط : إني أعلم ما لا تعلمون
أي اسكتوا ، فأنا الذي يعلم و أنتم لا تعلمون .
لن أدخل في مسألة : ما دامت المسألة هكذا فلماذا من الأصل يخبرهم بنيته في خلق الخليفة ، و المفروض أصلاً أنه
"إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" ، و هذا يقودنا إلى فترة التأخير بين إرادته خلق آدم و بين نقاشه مع الملائكة ، أي التأخير الذي حدث بين مشيئته و بين نفاذها ، أي ما نسميه في لغة الكمبيوتر delay . هذه مسألة ربما نناقشها لاحقاً .
نرجع للحوار الحضاري المثالي .
حتى يبرهن الله للملائكة أن علمهم ناقص أو خاطيء و أنه يعلم ما لا يعلمون (و كأنه بحاجة لأن يبرهن من أصله للملائكة-هذه وحدها تنفع خاطرة مستقلة) ، المهم ، قام بمكره المعتاد بالبرهان على ذلك ، كيف برهن على ذلك ؟؟
جاء بآدم ، و علمه الأسماء كلها ، أي لقنه إياها ، أي عمل لهذه البيانات upload و أودعها عقل آدم ، بينما كان قد أودع الملائكة معلومات ناقصة أو خاطئة من قبل ، ثم حتى تكتمل المسرحية ، أحضر آدم أمامهم ، و قال له : يلا ،
أنبئهم بأسمائهم يا آدم .
و كأنه ذكاء و عبقرية و أفضلية لآدم على الملائكة ، لا و المصيبة أن الخديعة تكمن في قوله لآدم "أنبئهم" و ليس (أخبرهم) ، و كأن آدم ليس له أي علم مسبق بالأسماء و لم يغششه إياها الله من وراء ظهورهم ، و لا ندري كيف أخذ آدم يتنبأ بالأسماء و يخبرهم ، هل أغمض عينيه ليوحي بالتنبؤ مع رجفة أم ذكرها دفعة واحدة ؟؟؟؟
صدقني يا عزيزي أنا لا أرى أي أسلوب حضاري ، بل أرى مكر و خداع و مسرحية ، يذكرني ب"أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليهم القول" .
على كل حال
أعتقد أنه لا يوجد الكثير لأضيفه إلى ما قلت من تفاصيل ، و لكن لا بأس بتلخيص شواهدي على ما ذهبت إليه .
1-الله أراد أن يجعل خليفة في الأرض
2- هذا الخليفة هو مجموعات من البشر تتوارث الخلافة إلى ما شاء الله ، ذكر القرآن منهم آدم و مؤمني نوح وعاد و ثمود و بني إسرائيل و داوود و المسلمين .
3- الدليل على استخلاف هؤلاء الفئات و أن أس الخلافة هو التتابعية بأن يخلف اللاحق السابق :
"وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً " الأعراف 69 يتكلم عن عاد .
"وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" الأعراف 74 هذا عن ثمود
"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ " النور 55 عن المسلمين .
و هناك أمثلة أخرى تجدونها في الخاطرة
هنا
4- عندما أخبر الملائكة بذلك حدث نقاش بينه و بينهم (أخّر نفاذ مشيئته) ، و لكن هذا لا يهمنا في الخاطرة نفسها ، ما يهمنا هو فحوى النقاش .
5- استنكرت الملائكة هذه النية من الله (و هذه بحد ذاتها إشكالية لأن المفروض أنه
"فعّالٌ لما يريد" و لكن هذا كله مؤجل و لم أتطرق إليه في الخاطرة ، و أذكره هنا للتنويه .
6- الدليل على الاستنكار هو مواجهته بالعواقب السلبية لما سيفعل ، و هو -في تصورهم- فساد الإنسان و سفكه للدماء .
7- و مفاضلتهم أنفسهم على هذا الإنسان بأنهم يقدسون الله و يسبحونه (بكرةً و عشية كما قال عنهم في آية أخرى) ، و هذه المقابلة مشكلة أيضاً ، و كأنهم يحاسبون الله ، و كأنهم يرون في المخلوق الجديد تهديداً لهم ، كالزوجة التي ينوي زوجها أن يتزوج عليها فتقول له "ألا أوافيك حقك في كل شيء ؟؟ فلماذا تحضر لنا من تنغّص علينا صفاء عيشنا؟؟؟" كمثال .
8- فيرد الله على تساؤلاتهم و استنكاراتهم و اجتهاداتهم بأنه يعلم ما لا يعلمون
9- ما الذي يعلمونه ؟؟؟؟ أن هذا الخليفة (الإنسان) سيفسد و يسفك الدماء .
10- ما الذي لا يعلمونه ؟؟؟ هو الذي يعلمه الله ،،، فما هو ؟؟؟
11- هو شيء يعلمه الله و لا يعلمونه .
12- بل يتهمهم بالكذب لأنه حين قام بمسرحية الأسماء قال لهم
"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" .
13- هذا ما يجعلنا نعتقد أن فكرة الله معاكسة تماماً لفكرة الملائكة ، لأنه لو كان كما افترض البعض أن الله يقصد جزء من الإنسان سيعمل الشر كما توقعت الملائكة و جزء آخر سيعمل الخير ، لما كذّبهم لأنه لا يجوز أن يكذبهم و هم يذكرون نصف الحقيقة !!!! فكان أجدى به أن يخبرهم بالنصف الثاني الذي لا يعلموه لا أن يكذبهم علناً .
14- الدليل على تكذيبهم أنه قال
"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" و بما أنهم عجزوا و لم ينبئوه فهذا يعني أنه غير صادقين ، و غير الصادقين هم الكاذبين .
هذا ملخص المسألة مع بعض الإضافات الجديدة ، و أنا أراه حواراً إشكالياً على أكثر من صعيد ، و يمكن تلخيص الإشكاليات بالتالي :
1- إخبار الله الملائكة عما يريد أن يفعله ، و إجراء نقاش ، مما يعني تأجيل نفاذ مشيئته مدّة النقاش على الأقل ، و هذا يعارض آيات أخرى تقول أنه إذا شاء أمراً يقول له كن فيكون ، لا يذهب ليناقش ملائكته .
2- اعتراض الملائكة على نيته و الشك في حكمته ، و هذا يناقض قوله في آيات أخرى أنه "لا يُسأل عما يفعل و هم يُسألون" .
3- تكذيب الله للملائكة حين شرط صدقهم بتسمية المسميات .
4- خداع الملائكة بإثبات عجزهم عن الإنباء "أنبئوني بأسماء هؤلاء" مقابل قدرة آدم على الإنباء "يا آدم أنبئهم" بينما في الحقيقة هو الذي علّم آدم الأسماء كلها ، يعني بالبلدي غششه .
و اشياء أخرى
يكفي هذا الآن
قريباً سأنتقل إلى مسألة سجود الملائكة .
تحياتي للجميع
ملاحظة للزعيم : يا سيدي مبروك السيارة الجديدة ، بس لو تزغرها شوي عشان الشاشة صارت عريضة كتير :)
سلام