عدنان
عضو متقدم
   
المشاركات: 498
الانضمام: Jun 2002
|
المخاض العراقي والمستقبل د . محمد الرميحي .. مقال شيق
المخاض العراقي والمستقبل
هل يعنينا في الخليج المخاض المتعسر لولادة الدستور العراقي الجديد الموعود، وترتيب البيت العراقي، أم هو شأن داخلي للعراقيين؟، حقيقة الأمر أننا معنيون به الى العظم, فالدستور الجديد هو الذي سوف يرسم تاريخ العراق المقبل، اما الى يًسر أو عسر، وهو دستور يواجه مخاضا عسيرا, ولعلنا نلاحظ قضيتين جوهريتين في هذا المخاض، تتفرع منهما بقية القضايا الشائكة:
الأولى: هي هوية العراق، وهل هي عربية أم اسلامية، أم كردية، أم هي كل ذلك؟ الاختلاف بين القوى الرئيسية الفاعلة في العراق حول هذا الموضوع يدل، على خلاف جوهري بين الفئات الاجتماعية والسياسية التي تقود العراق اليوم، ولم نسمع بعد رأي الفئات الاجتماعية الاحتجاجية الخارجة عن الائتلاف! لعل ذلك يعيدنا الى تكوين العراق الحديث الذي فرضت عليه هوية شاملة دون أن يكون لمكوناته الاجتماعية رأي واضح فيها, لذا أصبح الحديث المشهور الذي نقل عن حوار دار بين المرحومين جمال عبد الناصر وعبد السلام عارف في الستينات من القرن الماضي، حيث سأل الأول الثاني عن نسبة الشيعة في العراق، فرد الثاني بالقول أنهم يشكلون ثمانية في المئة من سكان الوطن العربي فقط! تقال تلك الطرفة على سبيل الاشارة الى أن الأنظمة العربية في الكثير من الأوقات تريد أن تكنس المشكلات الحقيقة تحت السجاد، وان فعلت ذلك لن يرى المشكلات احد!
الوجود الكردي - السني - الشيعي في العراق، وهي الفئات الثلاث الكبرى المكونة للنسيج الاجتماعي العراقي، وهو وجود واقعي, الا أن نخب العراق دائما في السابق تتناول أحاديث الوطن الواحد، والوحدة العراقية ، والأمة، على شاكلة تناول المقبلات قبل الوجبة، أما اذا جاءت الوجبة الحقيقية، فيرتد الجميع الى الطوائف، والمذاهب، والقبائل، والأعراق، وهو أمر لن يحل دون التوافق بين جميع الأطراف.
أما الملاحظة الثانية والمستدرة من الأولى: هي التكوين الاداري -السياسي للعراق الجديد، وهل هو فيديرالي أم كونفديرالي؟، ، وهل الفيديرالية تعني الجسم الكردي في الشمال فقط، ويبقى السنة والشيعة في شريحة جغرافية واحدة موحدة، أم تنقسم تلك الشريحة الى اثنتين، واحدة في الجنوب وأخرى في الوسط؟ الحديث الذي أدلى به السيد عبد العزيز الحكيم الأسبوع الماضي، والذي طالب بجزء جنوبي ( شيعي) في الفيديرالية، لا يحتمل الغموض، وهو يعني أن تكون هناك ثلاث مناطق عراقية تتمتع بحكم ذاتي، كردية، سنية، وشيعية, وهو أمر استفز بعض العراقيين ولكنه يبدو أن القول لم يكن على علاته، بل هو أمر قد يتحقق، من اجل (تقسيم الثروة والسلطة) الشعار الذي قبله قبل ذلك السودانيون واستقروا عليه، والآن جاء دور العراقيين ليقبلوه أيضا.
لعل الخطر الذي يراه البعض في هذا الأمر هو في شكله النهائي (دولة شيعية) في جنوب العراق، وهو خطر تحدث عنه البعض بالقول انه ( الهلال الشيعي) المذهبي السياسي، وهو هلال يمتد من طهران لينتهي في جنوب لبنان.
في هذا المقام يبدو أن الخاسر هم أهل السنة، لأنهم يبقون في بيئة جغرافية تفتقد الى كل من الماء و النفط في أن واحد، صلب الحياة,,أو كثير من الماء وكل النفط، ودون أن يكون لديها اطلالة على بعض جيرانها, وهو أمر متوقع بعد أن لعبت السياسة بالديموغرافية في العراق كثيرا وعميقا.
الكونفديرالية مقبولة من معظم الأكراد، وهي مقبولة أيضا لدى كثير من الشيعة، استخدمت هنا تعبير (معظم) للأكراد وتعبير(كثير) للشيعة، لان القليل من الأكراد يرفضون الفيديرالية، بل هي مطلب يكاد يكون وطنيا للأكراد العراق منذ زمن طويل، كما أنهم حققوا على الأرض استقلاليتهم منذ خمسة عشر عاما على الأقل, أما استخدام الكثير للاشارة الى الشيعة، فان بعضهم يرفض هذا النوع من التقسيم، ولكنهم اليوم، أي الرافضون، ليسوا منظمين، كما القابلون بها من الشيعة في القسم الجنوبي من العراق, بل يرى الداعون الى جنوب عراقي (مستقل) أنها الفرصة التاريخية لنيل حقوقهم التي هضمت لفترة طويلة من الزمن في عراق الحكم الذي تلى الحرب العالمية الأولى.
من يرفض الاستقلالية للشيعة في الجنوب، بجانب المتضررين السنة، هم الشيعة المستنيرون، أهل المناداة بالوطن لا الفيتو، ولكنهم في الوقت نفسه يقبلونها ويبررونها للأكراد من منظور سياسي قديم له علاقة بنضال الأكراد ! لذلك تسقط حجتهم لدى الآخرين عندما يواجهون بسؤال : لماذا تقبلونها للأكراد وترفضونها لنا، السنا وطنا واحدا؟
وحدة عراقية سياسية جنوبية شبة مستقلة للشيعة في الجنوب العراقي، أولا ستسهل الاختراق الايراني هناك، واذا أخذنا بوحدة المذهب، فان الخلط سوف يتم حتما بين انتفاء الحدود للمذهب الواحد، وانتفاء الحدود للوطن, واذا اضفنا الى كل ذلك مركزية ( الاسلام) في البنية الدستورية المقترحة، وهو يعني هنا التفسير المذهبي له، يمكن أن نلحظ بعد ذلك احتمال التداخل والتشابك بين ايران وبين جنوب العراق, هذا التوجه يعززه الحديث المعلن عن أن اللغات التي سوف يعترف بها الدستور العراقي الجديد بجانب اللغتين العربية والكردية، اللغة الفارسية، وتصبح هي احدى لغات الوطن العراقي الجديد.
الموضوعات المطروحة حساسة، بل قد يرى بعضهم أن الخوض فيها من المحرمات، ولكنها، وبناء الدولة الجديدة في العراق يجري على أشده، سوف تترك ندوبا أعمق بكثير مما تركه أي حكم سابق في العراق، وتؤسس الى اضطراب جديد.
هذه الندوب قد تأخذ العراق الى ما لا تحمد عقباه، واعني به حقيقة لا مجازا حربا أهلية طويلة وقاسية ومهلكة ليس للعراق والعراقيين فقط، وهذا بحد ذاته عظيم، ولكن أيضا للجوار الجغرافي شديد الحساسية.
أفضل سيناريو كان يراد للعراق أن يكون عراقا موحدا ، المواطنة فيه تجب أي انتماء آخر، والقانون فيه يسود على الجميع ، بصرف النظر عن الزى أو المكانة أو اللغة أو اللهجة التي يتحدث بها، وتوزع فيه خيرات الوطن على الجميع على قاعدة لكل من المواطنين حسب عملهم واجتهادهم, ذلك كان التصور المثالي، ولكنه تصور (مقبلات) لا الوجبة الحقيقية، الوجبة الحقيقة مخالفة لذلك, أساسها الشك العميق بين فئات المجتمع العراقي المختلفة، والتنافس الأعمى على السلطة، وتنافر الجماعات المكونة للنسيج العراقي، والتي لم يتهيأ لها الاندماج الحقيقي، على الرغم من كل مقولات بعض المثقفين العراقيين, فالقيادة السياسية اليوم هي قيادة (فئوية) خالصة, همها الأول الاستجابة الى مطالب حقيقية أو متخيلة لجمهور عريض ترى انه يطالب بالمحاصصة ، أكثر مما يطالب بالوطن, وهذا يعني أن القيادات السياسية العراقية مهما حسنت النيات ، فشلت في أن تقدم تصورا لوطن عراقي موحد، كما يقول لنا مروجو الاعلانات في بعض محطات التلفاز العربية.
كاتب كويتي
|
|
08-16-2005, 10:21 AM |
|