لا زلنا في مقولة الجوهر والشكل..وهما مقولتان تستحقان منا التوقف .
سألت د. رائق النقري في مداخلة سابقة
هل يعتقد د.رائق النقري أن الجوهر موجود ولكننا لا نعرفه؟
فأجاب مشكورا :
اقتباس:ان تعبير الجوهر يختلف عن تعبير منطق الجوهر
واذا كان يقصد بالجوهر: الكينونه الثابتة ؟ فان الايجابه هي النفي ..اي انه لايوجد كينونه محددة ويمكن مقايستها ولاتتحول ؟
ومن لم تعجبه الايجابه فاني ارجوه والقراء ان يعطيني مثالا واحدا لكينونه محددة ييمكن قياسها والتاكد تجريبا انها لاتتحول ؟
وتعقيبي على كلام الصديق العزيز د.رائق هو :
بالنسبة للكينونة يعلم د.رائق أن مسألة الثبات والتغير كانت محط خلاف كبير بين الفلاسفة..
دعني في البداية أعرج على الطرح الأشكالي لمسألة الثبات في الكينونة - وأعلم أن المعلومات التي سأطرحها يعلمها جيدا د.رائق ولكن لابد من طرحها وتبسيطها حتى يستطيع القارئ غير المتخصص متابعتنا -
لو رجعنا إلى الفلسفة اليونانية سنلاحظ أن بدايتها كانت محاولة لتفسير إشكالية الوحدة والكثرة الملحوظة في الكينونة .. إذ أن سؤال أصل الوجود الذي طرحه طاليس هو مدخل مباشر لمحاولة تفسير الكثرة الملحوظة في الكينونة.. فكان أصل الوجود هو الماء حسب طاليس فمنه جائت الكائنات ..ومن هنا فسر طاليس ظاهرة التغير في الكينونة بكونها تغييرا في مقدار الماء وحالاته الوجودية.
إرجاع الوجود إلى أصل واحد كان هو المنحى العام الذي هيمن على تفكير تلامذة [color=red]طاليس (الهواء)..
لكن فلسفة ملطية ستصدم بعائق وهو كيف نفسر انبثاق الكثرة من عنصر واحد ؟؟
هذا هو السؤال الذي سيفكر في معالجته الفلاسفة الايليون على نحو مغاير لفلاسفة ملطية..
أشهر الفلاسفة الإيليين هو
بارميند الذي سيعالج الإشكال بطريقة منهجية مخالفة.. فإذا كانت الملطيون يقولون بأن الكون يتغير وبالتالي وجب البحث عن الأصل الذي صدر عنه وأن الكثرة تفسر بتغير العنصر الأول .. فإن بارميند سيأخذ نفس المقدمة الفلسفية عند طاليس وغيره وهو ان الكون قديم..لكنه يرى أن جميع ما فيه قديم.. وبالتالي فليس هناك تغير ، لأن التغير يقضي بوجود شيء بعد ان لم يكن وهذا مخالف لقدم العالم.
إذن لا وجود للتغير في الوجود لأنه أزلي ثابت.
فالقائلون بالتغير واهمون فقط يعتمدون على الحس لا على العقل.
لكن
هيراقليط سيعارض بارميند معارضة شديدة فإذا كان هذا الأخير يقول بالثبات فإن هيراقليط سيقول بالتغير فكل شيء متغير ولهذا فنحن لا نستطيع أن نستحم في النهر مرتين.. لأننا عندما سننزل إلى النهر في المرة الثانية فإن الماء الذي سبحنا فيه في المرة الأولى قد جرى وتغير...إن الوجود تيار من التغيير والتبدل و لا وجود للثبات.
ما الذي يجعل الكون يتغير ، يجيبنا هيراقليط بأن سبب ذلك هو أنه مكون من أضداد..
لكن القول البارميندي بأن الكون ثابت ولا وجود للتغير لم يكن مقنعا.. ولم يكن بإمكانه أن يلغي ما يلاحظه كل إنسان من تغير في ذاته خلال حياته ( طفولة / شباب / كهولة..) وما يلاحظه في الطبيعة والوجود.. كما أن القول الهيراقليطي بكون الكون كله تغير ولا ثبات فيه لا يمكن أن يخفي وجود جوانب ثبات .. فنحن عندما نقول إن محمد يختلف عن سعيد ورائق يختلف عن حاتم.. فلا نستطيع أن نقول إن لا شيئا مشتركا بينهما فكلهم ينتمي إلى جنس الإنسان.
فثمة شيء ثبات في الأنواع يجمع كل نوع على حده ويميزه عن غيره..
هذا الثابت سيرجعه
أفلاطون إلى عالم المثل. حيث يرى أن ثمة عالما مفارقا هو عالم المثل.
بينما سينكر
أرسطو وجود هذا العالم المفارق قائلا بأن هذا الثابت هو الجوهر وهو محايث داخل الوجود ويصل إليه العقل بالتجريد.
ضد هذا الموقف سيذهب
الأسميون إلى القول إن الجوهر مجرد إسم فقط ولا وجود له في الواقع.
بالنسب للدكتور رائق فإنه يقول بمفهوم آخر هو مفهوم الشكل . بدل الجوهر.
يقول د.رائق :
اقتباس:ومن لم تعجبه الايجابه فاني ارجوه والقراء ان يعطيني مثالا واحدا لكينونه محددة يمكن قياسها والتاكد تجريبا انها لاتتحول
جوابي إذا لم يكن ثمة ثبات محايثا للظواهر كيف يفسر د.رائق قدرتنا على تمييز الأشياء والأنواع ؟
سيلاحظ د.رائق أنني واجهت
سؤاله بسؤال صاحب شجرة الكليات الخمس عانى من السؤال واستشعر صعوبته .
هل توجد الكليات في الواقع أم في الذهن ؟
لا يطلب د.رائق استدلالا عقليا فقط
بل يطرح علينا سؤال صعبا إنه يطلب منا أن نحدد له مثالا لوجود الجوهر الثابت في كينونة يمكن التأكد منه تجريبيا؟؟؟
جيد ..
سأجيب د.رائق وأعطيه الجوهر الماهوي الثابت القابل للقياس تجريبيا .. :)
تحضرني هنا قراءتي لتعريف الجوهر في أحد المعاجم الفلسفية.. يث فسر صاحب المعجم بأن جوهر الماء هو h2o وأخذ يفسر العرض بما يعرض للماء من حالات.. وقتها استهجنت المعجم ووضعته على جنب لأنني لم أجد فيه بضاعة فلسفية ، وسخرت من المثال وقلت إنه مع ذلك يصلح لإيضاح مفهوم الجوهر لتلامذه مبتدئين في الفلسفة...
لكنني اليوم سآخذ هذا المثال لأشاكس به د.رائق .. فأسأله ما قولك بأن جوهر وماهية الماء هي h2o ؟؟؟ ما رأيك في من يقول بأن الماهية الثابتة للماء هي هذه h2o ؟ وأنها تبقى فيه ؟؟ وأنه إذا زالت أحد المكونات سيزول الماء ؟
قد يقول د.رائق لا يوجد في الواقع ماء بخاصية h2o أي ماء خالص لا يختلط بشيء بل هذا تجريد فزيائي .. لكن سنعترض عليه عندئذ ونقول إن ما فيه من غير h2o هي أعراض يمكن حذفها لكن سيبقى الماء لكن لا يمكنك حذف h2o دون زوال الماء.
فما قول د.رائق ؟؟
هل سيسمي h2o شكلا ؟
لست أدري ؟
لننتظر ..
يقول د.رائق
اقتباس:ثمة شعور مبرر بعجز العقل البشري عن معرفة كل شيئ والمنطق الحيوي يؤكد جزئية العقل البشري والعجز عن الاحاطة بالكل الكوني
واذا كنت تقصد بالكل الكوني الثابت مقولات وقضايا مثل الله او الحياة او الوجود ؟؟ الخ.. فان المنطق الحيوي يقول ان فهم مثل هذه المقولات والقضايا على اساس الجوهر الثابت لم يكن خطأ معرفيا ولم يكن بلا مبررات حيويه ؟؟ ولكننا الان نستطيع ان نفهمها بشكل افضل واكثر حيويه على اساس منطق الشكل
مسألة فهم مقولات الله والحياة على أساس منطق الشكل طريقة أفضل من فهمها على أساس منطق الجوهر.. سنؤجل طرحها إلى حين فإنني متشوق لهذا الفهم الجديد لهذه الأشكالات الفلسفية والدينية العويصة.
بالنسبة لأسئلتي الأخرى أجاب عنها د.رائق بإجابات تتمحور حول أن منطق الشكل أفضل من منطق الجوهر بل قال بأنه إما منطق الشكل أو الجحيم..
سنصل بعد استكمال حوار المفاهيم إلى اختبار قيمة منطق الشكل لذا لن أعترض على ما قاله دكتورنا الفاضل الآن.
وللعزيز د.رائق وافر التحية والاعجاب والتقدير