في المحطة

"لا تتكلم يا صديقي .. هذا زمن الغناء
اعزف وجهاً .. وصلِّ في محرابِ الفكر"



تقفينَ وأقفُ ساعاتٍ متعبةً، نلعبُ بحديثٍ لا نفهمهُ كثيراً.
نغازلُ لحظاتِ الزمنِ ونرتمي في حضنِ قاطرةٍ لا تفهمُ سرَّ الكلامِ المغمسِ بالعشقِ، نصلُ ولا نصلُ، نرحبُ بضياعِ محطتنا وتتأوهينَ، نتحدى الزمنَ ومرورَ الباصاتِ الأحمق.

نعرفُ أن اللحظةَ قد حانتْ، فنفارقُ أوتارَ اللحنِ الآثمِ، يُعذبنا لونُ النظراتِ التي تتباعدُ، أسيرُ وحيداً فتلاحقني الرؤى وعينانِ تتوثبُ كقطٍ وحشي، تتدفقُ اللحظاتُ والذكرياتُ في همسةٍ واحدةٍ.
أتيهُ قليلاً، أسكرُ، هذا أجملُ سكرٍ في عمري ..
أحتاطُ لئلا يراني أحدٌ هنا كان يعلمُ عشقي للوردِ ولونِ الدموعِ وأرضٍ بعيدة.

يأتيني صوتُ أبي، يعاتبني ولا أبالي فأراهُ يبتسمُ، أرى وجهَ أمي وعبيرَ الحذرِ يغمرني بحنينِ البدء.
أتوسمُ حباً، إنسانيةً أو ما إلى ذلكَ.
يرتعشُ الوطنُ بقلبي .. أتـذكرُ سهراتٍ لم تعدْ لي.
أتعذبُ بعضَ الشيءِ ثم أتـذكرُ أني عقدتُ حلفاً مع الحنينِ، وذوبتُ الشوقَ بقلبي، فأرتمي نحو لحظتي سعيداً أني نسيتُ أشلاءَ عمري القديم.

عتابٌ لقلبي

ألا أيها القلبُ .. عُدْ تعقلْ
فأي حبٍّ تمتطيه هذا .. ترجلْ
في كلِّ حينٍ تقتفي أثر الأذى
أيامُ عشقك كلها .. ندمٌ تُحوَّلْ

غربٌ وشرقٌ ساحرٌ سحرَ الزهورْ
قلبٌ كنحلٍ قادهُ حبُّ العسلْ
قلبٌ رشيقٌ طائرٌ بين الطيورْ

كنتُ سعيداً سائراً سير السيولْ
صلباً هنياً هادئاً مثل الجبلْ

ثم أتتني مقلةً ترمي السهامْ
قلبي الحصينُ الصارمُ أضحى ركامْ
غربٌ يناجي غربهُ عذبَ الكلامْ
جسمٌ ينادي قلبه .. عدْ يا غلامْ
عذبٌ ولكن قاتلٌ هذا الغرامْ
عدْ لا نريدُ حدَّهُ هذا الحسامْ
يكفي كفانا مؤلمٌ .. منأى المنامْ

أنتِ أخيراً

يتظاهرُ في همسي إليكِ
حنينٌ للذوبانِ بوجدِ الكونْ
أرتاحُ إليكِ
أهوي في عمقِ الذاكرةِ المرة
تعانقني الكلماتُ فأصبحُ شعراً
يتوارى تحت ظلالِ الألمِ
فرحٌ ومقولةُ ثوريٍّ عاشقْ:
"أنتِ أخيراً"
ليسَ هناكَ حواجزُ للحبِّ
حينَ يقولُ :
"أنتِ أخيراً"
حتى الله سيفهم خارطةَ الحزنِ
وذاكرةَ النسيانْ
وكرهي لماضٍ أجوفْ

عشتُ طويلاً أبحثُ عنكِ
رائحةً عفوية
صوتَ حنانٍ يحملني ويطير بقلبي
أعلى من أُفقِ الأحلام
ضحكةُ عشقٍ تختصرُ نساءَ الأرضِ
وتدونني رجلاً من نوعٍ آخر

تداعيات أسطورية (أو إعلان نهاية حب)

"إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى *** فكن حجراً من يابسِ الصخرِ جلمدا
وإني لأهواها وأهوى لقاءها *** كما يشتهي الظامئُ الشرابَ المبردا"
الأحوص


وعُدْتُ على ضفافِ الأملِ كأني أجدُها هناكَ، وهيَ كانتْ معي هنا ...
تلازمُني أرقاً ليلياً، مخلصةً لوعدٍ لم أقطعْهُ/ محتارٌ أنا منذُ الأزلِ .. خارجَ الزمانِ أحيا/وخارجَ المكانِ تحيا هيَ.. أعودُ وكأنها لم تمضِ تلكَ السنونُ ..
منتظراً أن أراها جالسةً كما دوماً على الدَرَجِ "الوهم" في حلمِ الذكريات، أرفضُ أن أرضى الهزيمة .. الحربُ لم تبدأْ بعدُ، والنتيجةُ محسومةٌ، وأنا الخاسرُ الأكبرُ بجدارةٍ.
قصيدةُ حبِّي غيرُ مقفاةٍ وأبياتي مكسرةٌ وألفاظي ركيكةٌ، وأصرُّ على الشعرِ العمودي وأشنُّ حرباً على بحورِ الخليلِ وعلى الشعرِ الحديثِ والمقفى وعلى نزار.
ويعيشُ حبِّي في قصيدةٍ .. تحيا خارجَ الشعرِ أو لا تحيا.

أعودُ إذاً .. أحاولُ إيقافَ التاريخِ، أعودُ للمنفى، أعودُ من المنفى.
أعيشُ عائداً .. تائهاً من منفىً إلى منفى.
أصادفُ الحيتانَ في دربي وتبلعني .. لكن هيهاتَ أن أنسى .. ذلكَ الدَرَجَ "الأسطورة" .. وذكرياتي "الأسطورة" .. وقصةَ حبِّي "الأسطورة" .. ومغامراتي الكبرى.

أقفُ على دَرَجي في أسفلِ الدرجاتِ، أصعدها غائمَ العينينِ. في كلِّ واحدةٍ منها؛ أحمل خفقانَ المطرِ .. جلساتِ الرمقِ الأخير .. وحبيَّ المنفى.
وتطلُّ هي هابطةً .. مصادفةً هي أم حلمٌ آخرَ من أحلامي الجمة؟

أرابطُ في مكاني لحظاتٍ وكأني أسمعها:
- أتعدني؟
وكأنها تسمعني :
- لا.

أصعدُ درجةً أخرى ولا تراني؛ أتراها نسيت؟
مستحيل ..
إنها تراني .. يزدادُ الخفقانُ
تعجُّ ذاكرتي بأوراق الماضي .. صورُ الأحلامِ تختلطُ في مخيلتي.
أتصورُها ترتمي في أحضاني لتقولَ :
- لنعدْ، سوفَ تعدني هذه المرة .. نعم لنعدْ سوفَ نكتبُ شعراً حقيقياً، ونستمعُ لأغاني جميلة كما كنا دوماً.

أشتمُّ رائحتها .. يصيبني الدوار، أحسُّ رأسي صار بعيداً عني .. إنها تقترب.
لا يمكن .. إننا نصل، سوفَ تتحقق كلُّ أحلامي الآن.
الهلعُ يشلني ..
المعركة داخلي تشتد، شيءٌ يقول لي : لا.
أحاولُ أن أنظرَ إلى عينيها .. يجبُ أن أنظر.
لقد نجحت ..
عيناها .. نعم عيناها، ولكن!
ما الذي يحدث؟ لم أعدْ أفهمُ شيئاً
لقد لفَّ الصقيعُ جسمي كلَّه.
خمدتْ كلُّ العواصفِ
يحاولُ شيءٌ فيَّ أن يقاومَ.
أحدُ الأحلامِ يهبُّ ثائراً .. لكنَّ كلَّ شيءٍ سيتحطم.
إنها تتكلم :
- كيفَ أحوالكَ؟
- بخيرٍ والحمد لله..
ومضتْ .. ومضيتُ، مخفياً في ضبابِ عيني دمعةً حبستها طويلاً ..
ولكن هاهي تتحررُ الآن بخجلٍ ..
معلنةً عودني الكبرى .. من المنفى .


مرسيليا : السبت 2-4-1994 الساعة الثانية صباحاً وثمانية دقائق :).

كم أنت ؟

كم أنت؟
أنا واحد إثنين .. ثلاثة أو أكثر ...
و أنا كمين الإنسان و شتاتٌ أحمر
أنا رمز صراع ..
حبر ٌ و يراع
أنا : (الله أكبر)
أنا ألفٌ و أكثر

من أنت ؟
لون سماء العراق ..
و دم ٌ يراق
لست أموت أنا
و لست باق
أنا ابن العروبة
في مهب العراق ...
أنا حدادٌ و دمٌ مراق ..

أين أنت ؟
أنا في أي مكانٍ آخر
في كل خيمةٍ و شتات .

لماذا أنت ؟

و لمَ أنت ؟
و لمَ لا ؟

اسأل ربك
جهز نفسك
اعزف لحناً
دو .. صول لا سي دو
دو سي لا صول
هل تفهم .. ؟
فلماذا تغني .؟
لماذا الدنيا ؟
لماذا الانسان ؟
دو سي لا صول
من أجل اللحن

افهمني .. بعد اللحن
و قبل غروب المعنى
قبل غروب الانسان

أنا .. دو سي لا صول
أنا لحن الدنيا
لحنٌ خالدُ لا ينسى ..
أتراك نسيت الألحان ؟

في لوعة شوق

في لوعةِ شوقٍ ملتهبة
ينسابُ العمرُ ..

يترددُ في جسدي
كلُّ حنينِ الماضي
كلُّ زوايا الأرق ِ
المنتصبة

و قروحُ الأرضِ
تنهشُ روحي ..
ترميني لقضيةِ أرضٍ
مغتصبة ..

نحن هنا لن نتزحزح
لن نرضى برقادِ جياعٍ
قربَ العتبة

و الشهوةُ تقطرُ مني
جنسٌ نرويه شجوناً
و آخر يروينا طربا

نحنُ هنا لسنا نقاوم
لسنا نساوم
حتى ألسننا انصهرت
و انصهرَ الدمعُ
بعيوني .. هربا

هذا أوانُ الصبرِ .. قالتْ
و قلتُ : هذا أوانٌ
صارتْ فيهِ صرخةُ مسكينٍ
عجبا

عندما يجن الوجد بقلبي


تمتدين بقلبي كلوعة شوقٍ
يمد إلي الكون
سحر الليل بأطراف مساءٍ ساخر

يصاحبني الشوق
ليعيد إلي الحبَّ

ترتجف يدي .. أتردد لحظاتٍ

لنكون شيئاً يغازل
عطر الضحكات

نبتسم قليلاً
لنواجه خوف اللمساتِ
يكفي نقضي العمر بلا عمرٍ
نواعد أحلاماً لا تأتي

و نجفل كي نحمي الليلَ

و نحن الليل إذا اشتد ظلام القلبِ

الآثم

و نحتلك سواداً

------------

لا تعطيني لحناً آخر

روض لحنك ..

لونه بلونٍ زاهٍ

و اترك موجات البحر

تتراقص طرباً

نحتفل الآن بعرس الكون

نرتد ككفرٍ أزليٍّ

و نكفر بالكفر يجيء إلينا

كموجٍ غامر

نحتمل الألام معاً

نتكرس فرحاً

و معاً نحتفل بإيواء الصبحِ

تحت جفونٍ مضطربة

و نغازل رمقات الكون

نتلون عشقاً

فيضيع اللحن شهياً في وجدي

كقبطانٍ واجهه إعصارٌ ساخن .

سأموت عشقاً ...


1- لن يفهموا كلماتي .

سمعتيني كصوتِ
الفقر أصيح

يعانق الجوعُ
أيامي ..

فأصير رمزاً

هل تأتين إليَّ
هل يعنيك صياح
الديك و صوتي
في أجمل صبح في شفتي ؟

لن يفهم أحدٌ
كلماتي ..

فلماذا أداريها
كلما
تظهرين فيها
لحناً أبديا ؟

أعرف أنك لا تفهمين
جوعي ..
و أفهمك
أعرف أنك لا تنتظريني
فأحزن

أعرف أنكِ سعيدةٌ
لسماع صوتي
فأطير فرحاً

و لكني أعلم أنكِ تحبيني
فتزيد مأساتي
و أطربُ

لن يفهموا كلماتي
لأني أداريها
و أموت عشقاً
بها




2- الحلم المصلوب


يتساءل حلمي المصلوب :
حتى حبك صار جريمة
ذاكرة الأشياء تمادت
و تنافس في شتمى الكون

كل الدنيا لا تعنيني
كل الأحكام الجوفاء
أضحك ...
مفتخراً مزهواً
أني في عينيك بريء

*******

لا تعطيني أملاً آخر
اعفيني من دور العاشق

اسقيني من عينيكِ خمراً/حباً

فأنا عاشق عينيك الأزلي
لا أحتاج لحكم براءة
حلمي مسيحٌ آخر يصلب
سوف يقوم ...

أؤكد فرحاً

*****

سوف أظل أقول :
أحبك
سوف أراني أموت
كثيراً

و ستحرقني الشمس
سطوعاً

لكني سأظل أحبك

تبتعدين كثيراً عني

تتمنين أن تنسيني

تتحايل أعيننا عنا
بقوة

تقذفني خطواتي بعيداً

لكني سأظل أحبك
مرسوم في وجهي حبك ...

*****

تحترفين الألم عبادة
ترتجفين كموجةِ غضبٍ
تنحلُّ في بحر هواي

أنا لا أعرف كيف أحبك
لكني أعرفه تمادى

لو سألتني عيونك عنه
كنت أجبت بقولي لماذا ؟
لا يعنيني منطق حبٍ
أنا أهواك دون إرادة

أنا يكفيني صليبي الذهبي

دون سؤالٍ : بعده ماذا ؟



3- لو أنك تدري ...



لو أنك تعلم
حزني ...

و رائحة العشقِ
بقلبي ...

لو أنك تدري
كم قاسيت هنا

لو تعرف اسماً
لن أذكره بحضورِ
آخر رمقٍ في رئتي

كم أهوى الدنيا
و خمراً لن يعرفه
ربي ...

لعذرتِ
سكري و عربدتي

كيف أصادفكِ
كيف يصير القلب
حناناً ووصية عشق ؟

كيف أداري عاصفتي ..؟

كيف يصير الدرب
خشــوعاً ؟

و عناداً كعبير الوردِ

أنا لا أهواكِ

لكني صفةٌ
من حبٍّ

لا ينتظر إلا
سراباً و أحلاماً
غجرية ...

و عناقاً في أرضِ الربِّ

اقتباس:معلنةً عودني الكبرى .. من المنفى .


مرسيليا : السبت 2-4-1994 الساعة الثانية صباحاً وثمانية دقائق

(f)

:frown:

أبو إبراهيم

إيه أتذكر تلك الأيام التعيسة ...

(f)(f)