خمسون قصة وقصة، سلسلة من القصص الساخرة كتبها الكاتب الساخر أحمد عمر ، سأقوم بوضعها في المنتدى على التتالي ، كل يوم قصة ! وأتمنى ان تنال اعجابكم
مع تحياتي
غلوووووري:cool:

القصة 1:

حلة الإمبراطور البوست مودرن



ملّ الرئيس، عفوا الإمبراطور، أزياءه وحللِّه التي ملأت الخزائن، فطلب من رئيس خياطيه زيّا، لم يسبق لأحد أن تزيّا به، تحت طائلة الموت حياكة، وهي عقوبة نكال، تسدّ بها منافذ جسم المعاقب، بعد تناول وجبة كريمة. فضرب الخياط المحصور أخماسا بأعشار، وصار نهاره ليلا، وليله ويلا، ولأن الحاجة أم الاختراع، والخوف عشيقها، فقد اهتدى أخيرا إلى الحل، إلى الحلة؟

وفي يوم المناسبة الكبرى، الحادية والعشرون بعد المائة للجلوس على العرش! جاء الخياط بالزي، في صندوق مذهب..فتح الإمبراطور الصندوق وأخرجه..ارتداها بفرح، كالولد في العيد، وخرج يتبختر في موكب مثل قارون في زينته. المدعوون إلى الحفل شهقوا من الدهشة، واقتربوا ليتبركوا بلمس الحلة القشيبة. ولأن لكل شيء إذا ما تم نقصان، والكمال لله وحده، فقد نغّصّ أحد الغلمان الحفل، عندما صرخ:

انه عارٍ.. الإمبراطور عارٍ..عاااااارٍ…

ستووووووب

صرخ مخرج الموكب الإمبراطوري.

كان لابد من إعادة تصوير المشهد المكلف برمته، في خطة خمسية.

ابتلع الإمبراطور الحجر مرتبكا وخجلا، لا من عريه، إنما من وقاحة الغلام ( وله كلام ) وتساءل في سره: كيف جاء إلى الحفل؟ فالحفل الإمبراطوري ممنوع على من هم دون السادسة عشر عاماً!

لإن الإمبراطور ذكي، فقد تجاوز المأزق، وضحك في خلعته السنية الجديدة،لأنها من خياطة وتصميم البارئ المصور، سبحانه وتعالى، واهتزت ذيول قفطانه وأردانه وأكمامه اللحيمة. وضحك المدعوون أيضا، مع انه لم يكن ثمة ما يضحك: الأطفال تلوح لهم أخيلة وتهيؤات ويرون الأشياء مقلوبة؟

ها.. ها..ها.. ضحكوا من طرافة روحه، وخفة دمه، وتهدّل " كمه الثالث".

إعادة تصوير المشهد برمته بدأ من القاع، من الصفر، من المدارس: حلة الإمبراطور زاهية وجميلة.

سرة البطن، وحلمات الثديين: أزرار، والجلد قماشته الموشاة بالشعر، والأعصاب خيطانه الحريرية..

حالا، تحول زي الإمبراطور، عورته، إلى أهم مادة مدرسية في المناهج كلها؟

في الجغرافيا: علّقت صورة الإمبراطور بزيه الجديد على اللوح المدرسي، بدلا من الخرائط،وشرح الجيولوجيون حدود الإمبراطورية: من الجنوب قفاه، ومن الشمال جبل كرشه.. من الشرق أنيابه، ومن الغرب مزاجه.

تتميز الإمبراطورية بكثرة الطيات والفوالق والهضاب وبثروات السماد الطبيعي؟، وينابيع المياه الكبريتية المالحة ..

في الحساب: استعان المدرسون بإطراف أصابع الإمبراطور، في العدّ، والإحصاء، والأتمتة، وعلوم ما بعد الحداثة

في الرسم: عدّ " موديلا " للفنانين، والنحاتين، والمصوريّن..

وفي النحو واللسانيات وعلم العروض واللوغاريتمات والنسبية والكيمياء النووية والاركيولوجيا..

وكلما شاخ الإمبراطور، وتهدّل جسمه، عدّل المنهاج، لملاحقة التطور العلمي وثورة المعلومات!

هذا ما كان من أمر المشهد العام. أما ما كان من أمر الغلام، فأنه دخل إلى المدرسة وكرر ملاحظته، في درس الجغرافية الأول، ففزع المدرس وغضب غضبة مضرية وطلب (بساط الريح) من السجن القريب، وأجرى له رحلة (بالألوان)، تورّم على إثرها عقله، فترك المدرسة وهجر العلم والأدب والجغرافيا، وتعلم مهنة الخياطة، فكانت تلك الفلقة فألا حسنا، وضربة حظ، فقد برع في الخياطة وأضحى مصمم زي مشهور في البلاد، يقف على نواصي الجادات، في حرّ الصيف وقرّ الشتاء، متزييا بزي الإمبراطور، ويوزع أكداسا من زيه الوحيد، خياطة وتصميم البارئ المصور، على الناس، لوجه الله تعالى.. وعلى روح الوطن؟

تذييل وتوشية:

وبعد مرور آلاف الأعوام، دَرَست قبور الأباطرة والاكاسرة، وبات الحكام مؤدبين. وينتخبون (ديمقراطيا)، ويتحجّبون اكثر من العذراء في خدرها! ويركبون، كظعائن عصرية، هوادج سوداء، لها عجلات، زجاجها وحيد اتجاه الرؤية. ولنوافذها ستائر، اسمك من جدار يأجوج ومأجوج. تجرها الديناصورات، بعد تحللها إلى زيت. وإذا مشوا، فمخفورين بجحفل لجب، من البودي غارد، لخجلهم الشديد، من عقدتهم النفسية:

زي جدهم الغابر.. الفاضح ‍‍‍!



أحمد عمر قاص (بدون) مقيم في جهنم الحمرا

القصة 1:

حلة الإمبراطور البوست مودرن



ملّ الرئيس، عفوا الإمبراطور، أزياءه وحللِّه التي ملأت الخزائن، فطلب من رئيس خياطيه زيّا، لم يسبق لأحد أن تزيّا به، تحت طائلة الموت حياكة، وهي عقوبة نكال، تسدّ بها منافذ جسم المعاقب، بعد تناول وجبة كريمة. فضرب الخياط المحصور أخماسا بأعشار، وصار نهاره ليلا، وليله ويلا، ولأن الحاجة أم الاختراع، والخوف عشيقها، فقد اهتدى أخيرا إلى الحل، إلى الحلة؟

وفي يوم المناسبة الكبرى، الحادية والعشرون بعد المائة للجلوس على العرش! جاء الخياط بالزي، في صندوق مذهب..فتح الإمبراطور الصندوق وأخرجه..ارتداها بفرح، كالولد في العيد، وخرج يتبختر في موكب مثل قارون في زينته. المدعوون إلى الحفل شهقوا من الدهشة، واقتربوا ليتبركوا بلمس الحلة القشيبة. ولأن لكل شيء إذا ما تم نقصان، والكمال لله وحده، فقد نغّصّ أحد الغلمان الحفل، عندما صرخ:

انه عارٍ.. الإمبراطور عارٍ..عاااااارٍ…

ستووووووب

صرخ مخرج الموكب الإمبراطوري.

كان لابد من إعادة تصوير المشهد المكلف برمته، في خطة خمسية.

ابتلع الإمبراطور الحجر مرتبكا وخجلا، لا من عريه، إنما من وقاحة الغلام ( وله كلام ) وتساءل في سره: كيف جاء إلى الحفل؟ فالحفل الإمبراطوري ممنوع على من هم دون السادسة عشر عاماً!

لإن الإمبراطور ذكي، فقد تجاوز المأزق، وضحك في خلعته السنية الجديدة،لأنها من خياطة وتصميم البارئ المصور، سبحانه وتعالى، واهتزت ذيول قفطانه وأردانه وأكمامه اللحيمة. وضحك المدعوون أيضا، مع انه لم يكن ثمة ما يضحك: الأطفال تلوح لهم أخيلة وتهيؤات ويرون الأشياء مقلوبة؟

ها.. ها..ها.. ضحكوا من طرافة روحه، وخفة دمه، وتهدّل " كمه الثالث".

إعادة تصوير المشهد برمته بدأ من القاع، من الصفر، من المدارس: حلة الإمبراطور زاهية وجميلة.

سرة البطن، وحلمات الثديين: أزرار، والجلد قماشته الموشاة بالشعر، والأعصاب خيطانه الحريرية..

حالا، تحول زي الإمبراطور، عورته، إلى أهم مادة مدرسية في المناهج كلها؟

في الجغرافيا: علّقت صورة الإمبراطور بزيه الجديد على اللوح المدرسي، بدلا من الخرائط،وشرح الجيولوجيون حدود الإمبراطورية: من الجنوب قفاه، ومن الشمال جبل كرشه.. من الشرق أنيابه، ومن الغرب مزاجه.

تتميز الإمبراطورية بكثرة الطيات والفوالق والهضاب وبثروات السماد الطبيعي؟، وينابيع المياه الكبريتية المالحة ..

في الحساب: استعان المدرسون بإطراف أصابع الإمبراطور، في العدّ، والإحصاء، والأتمتة، وعلوم ما بعد الحداثة

في الرسم: عدّ " موديلا " للفنانين، والنحاتين، والمصوريّن..

وفي النحو واللسانيات وعلم العروض واللوغاريتمات والنسبية والكيمياء النووية والاركيولوجيا..

وكلما شاخ الإمبراطور، وتهدّل جسمه، عدّل المنهاج، لملاحقة التطور العلمي وثورة المعلومات!

هذا ما كان من أمر المشهد العام. أما ما كان من أمر الغلام، فأنه دخل إلى المدرسة وكرر ملاحظته، في درس الجغرافية الأول، ففزع المدرس وغضب غضبة مضرية وطلب (بساط الريح) من السجن القريب، وأجرى له رحلة (بالألوان)، تورّم على إثرها عقله، فترك المدرسة وهجر العلم والأدب والجغرافيا، وتعلم مهنة الخياطة، فكانت تلك الفلقة فألا حسنا، وضربة حظ، فقد برع في الخياطة وأضحى مصمم زي مشهور في البلاد، يقف على نواصي الجادات، في حرّ الصيف وقرّ الشتاء، متزييا بزي الإمبراطور، ويوزع أكداسا من زيه الوحيد، خياطة وتصميم البارئ المصور، على الناس، لوجه الله تعالى.. وعلى روح الوطن؟

تذييل وتوشية:

وبعد مرور آلاف الأعوام، دَرَست قبور الأباطرة والاكاسرة، وبات الحكام مؤدبين. وينتخبون (ديمقراطيا)، ويتحجّبون اكثر من العذراء في خدرها! ويركبون، كظعائن عصرية، هوادج سوداء، لها عجلات، زجاجها وحيد اتجاه الرؤية. ولنوافذها ستائر، اسمك من جدار يأجوج ومأجوج. تجرها الديناصورات، بعد تحللها إلى زيت. وإذا مشوا، فمخفورين بجحفل لجب، من البودي غارد، لخجلهم الشديد، من عقدتهم النفسية:

زي جدهم الغابر.. الفاضح ‍‍‍!



أحمد عمر قاص (بدون) مقيم في جهنم الحمرا

وهل ستعيد القصة........ خمسون مرة ومرة؟؟

شكرا لك لهذه القصة المميزة وبانتظار الخمسون المتبقية

لك خسة :wr:

غلوووووري..... كيفك؟؟؟.... عرفتني؟؟؟!!! :cool:.... ما عرفتني !!!! :mad:
أولك أنا غوديانسون.... رفيق المقعد في الطفولة !!!

القصة حلوة مستر غلوري.... أنا أنتظر البقية......

أما الزميلة دينا.... حمصية :o !!؟؟!! إي حاج عاد.... مية أهلا وسهلا ببنت البلد..... ليش ما عم تشاركينا في مقهى النكت ؟؟

عزيزي غلوري.. لك خسة :wr:
بنت البلد دينا.. لكِ خسة أيضاً :wr:

تحياتي الحارة :97:

شكرا دينا على الخسة :lol: خسات العاصي طيبات كتير :D

ويا غوديانسون ... لعيناكم .. هي قصتين اليوم بدل الوحدة :bye:


كلا ( 2 من 51)

زيوس منفيا



ملّ زيوس ربّ أرباب الاولمب وضجر، واحتاج إلى مرآة يرى فيها ألوهيته فمد يده إلى الرمل فأخذ قبضة منه، مشوبة بزفت أسود وجبلها ثم بصق فيها، فتمثل له إنسانا سماه طينيوس.

جعل طينيوس يمشى في وديان الاولمب، ويأكل من ثمرها، ويشرب من عسلها، ويلعب الداما مع نفسه، إلى أن ملّ من الوحشة، وضجر من الوحدة، فذهب إلى جبل الاولمب، وتوسل إلى زيوس، طالبا أن يسليه، ويواسيه، فوعده خيرا، على أن يقوم بالإجراءات الرسمية المعلنة في الجريدة والتي تشرط عليه أن يكون ولاءه، وولاء المخلوق الجديد الذي سيسليه له. فهزّ برأسه هزة لم يفهم زيوس هل هي علامة موافقة أم معارضة؟

قدّم أوراقه الثبوتية واسترحامه إلى الدائرة الإلهية، الواقعة على ضفة نهر الكولا المقاطع لنهر الويسكي الجاريان تحت الاولمب، فقال له رب الديوان المنهمك في حل الكلمات المتقاطعة: تعال غدا.

فقال طينيوس: ولكن الدوام حتى الثالثة ظهرا ونحن في الثانية عشر فقال رب الديوان هازئا: تعال وعلّم الأرباب والآلهة عملها!

ففهم طينيوس بالسجية التي خلقها فيها زيوس، فدسّ يده برزمة من اليورو من تحت الطاولة، في جيب رب الديوان، فبانت ابتسامة رب الديوان وقال: أوراقك اكتملت الآن ولا ينقصها إلا المواد الأولية، نحتاج طينا من النوع الذي خلقك منه الإله العام زيوس

فقال طينيوس: لا أرضى أن تخلقوا لي مسليّا ومهرّجا من طينتي نفسها، أريد أن تكون الطينة ازفت؟

ودسّ يده مليئة في جيب رب الديوان بالمعلوم، فابتسم رب الديوان وقال: هات حفنة من تراب الحديقة

احضر طينيوس ترابا جافا، فقال رب الديوان وهو ينظر في القرطاس: المعاملة تشترط إن تكون طينا.

قال طينيوس: نجعلها طينا.

فقال اله الديوان: ولكن المياه مقطوعة من الدائرة.

فقال طينيوس ناظرا إلى ماتحت ورقة اليورو ، عفوا ورقة التوت: لدي حنفيتي

وخلا بنفسه فتعالى صوت خرير، مكث برهة، وخرج بجبلة طين، ثم جعلها في مصنف سحاب، وقدّمها إلى رب الديوان، الذي قال له:نتركها تختمر، تعال بعد حقبة!!

قال: أي شهر يا سيدي. هل ستخبزونها على نار لفافة دخان أم على ضوء القمر.. سآخذ المعاملة باليد.

فرفق به رب الديوان وأعطاها له، مع انه ممنوع، فأخذ سيارة أجرّة وذهب إلى الاولمب وسجد عند الباب فلم يسمح له الحاجب بالدخول ففهم طينيوس بالسجية التي خلقها فيه زيوس، فدسّ في يد الحاجب بورقة من فئة المائة دولار فسمح له بالدخول فناول جبلته لرب الأرباب الذي أشفق عليه وقرأ طلبه، فوافق، فختمه بخاتمه، ثم امسك بجبلة الطين، وبصق عليها، فتحولت إلى انثى، فتزوجها طينيوس بدون مهر أو قبول، وانجب منها رعية بمئات الألوف وحسب الطلب المرفوع: تافهة وحقيرة ومهانة الكرامة لها أيادي للتصفيق لا للإبداع والتخليق، وأصوات للصياح لا للأناشيد والكفاح. فشكر طينيوس زيوس على عطائه ونصب نفسه عليها إمبراطورا ثم وضعها في حضانة باستيلية وارضعها القهر وهدهدها بالهراوات.

بعد مدة، ذكّره رب الأرباب بالشرط المكتوب في العهد، فاخرج طينيوس إصبعه الوسطى لزيوس رب الأرباب: دولتي ديمقراطية، وسأطرح هذا الشرط للنقاش في البرلمان، البرلمان يقرر يا( ادلعادي)؟

عملت الرعية في مزارع الجنة التي طوّبها طينيوس باسمه اقنانا وعبيدا، فباع ثمارها في السوق الأوربية المشتركة السوداء، فامتلأت خزينة الدولة، التي أعلنت استقلالها، بالعملة الصعبة، ووكلّ الهيدرا ذات الرؤوس التسعة بحراسة بيت المال. وسوست الهيدرا للإمبراطور وأوحت له أن المال إذا لم يحوّل إلى بنوك سويسرية فقد تهبط قيمة العملة ويحدث ما لا يحمد عقباه

قال الإمبراطور: سيكون هذا تبولا في الصحن الذي أكلت فيه؟ أخشى اغضاب زيوس.

فحّت الهيدرا: زيوس غارق في العسل مع نجمة هوليود ديمترا .

تسلّل طينيوس في وضح النهار واكل من بيت المال، فبانت عورة الرعية؟ وجاعت وجعلت تخصف من ورق التوت على عوراتها، فلم تقدر لأن ورق التوت كان مهترئا، بسبب استعمال المواد الكيماوية الممنوعة في الزراعة. تضرّعت الرعية إلى زيوس لستر عوراتها، فحاول إقصاء طينيوس وطرده من الفردوس فلم يقدر، لأنه أحاط نفسه بجحفل لجب من البودي غارد والقهارمة والنطاسية، بل ان زيوس خاف أن يطرد أو أن يصير سفيرا أو ملحقا ثقافيا أو دينينا، فذبل ونحل. سألته ديمترا عن سبب نحوله فقال:

سرق الملعون مني عبادي ولا معنى لرب بدون مربوبين

وبينما يتحدثان اقتحمت مقصورته دورية مؤللة ومن ثم نفتهما من الحقيقة إلى الأسطورة .

أحمد عمر
قاص بدون مقيم في جهنم الحمرا

كلا
( 3 من 51)
أول وزير في التاريخ


كان يا ما كان، في قديم الزمان، إمبراطور مثل معظم جلادي العرب هذه الأيام. يعني: عادلا أمام الكاميرا، وبعد المونتاج، والزوم آوت، والبانواراما العليا، والدبل كيك، والخطف خلفا... وكان شعبه يحبه إلى درجة العبادة، ولو لم يكن يحبه إلى هذه الدرجة، لكان استثناء عن القاعدة! وهو أيضا، احب شعبه إلى درجة الاستعباد، من مبدأ المعاملة بالمثل، وذلك لوفائه وإخلاصه، الذي حقّ فيه قول الشاعر:

أنت كالتمساح في وفائك وكالذئب في قراع الشعوب

فالحب تبادل وسجال، وأخذ وأخذ(1). وكان ينفق من خزينته- وعادة ما تعتبر أموال الدولة أموال الحاكم الشخصية- على الخدمات العامة، وإسالة السبل، ودماء المفكرين؟ وفتح القنوات، والسجون، وشق الطرق، وبطون المعارضين؟

لم يكن في دولته مناصب سياسية! هو الكل في الكل، كل خدمة يؤديها الجند والعمال، تنسب له. وكان يقال بعد الخدمة أو بالأحرى بعد " المنحة " و" المنة " و" الإنجاز " و" المكرمة ": هذا من فضل مولانا الإمبراطور مدّ الله سلطانه ووسع هيلمانه.

ولأنّه كان يحب ذاته ومهووسا بمديح الآخرين، ونهماً إلى التعظيم، فقد أوعز للعامة بضرورة اللهج بمدحه وذكره:

إذا انتصر جيشه على الأعداء، فلفروسيته، وقيادته بيادقه بنفسه، من على صدور الكواعب الغيد الاماليد!

وإذا شيّد جسراً بين ضفتي ساقية، فبرعاية من جلالته وبقوة ساعده وعرق جبينه.

وإذا هطل المطر، فبسبب خجل الله عز وجل، من طلباته، الذي لا يخيب له طلب، أو ليس ظل الله وسكرتيره على الأرض؟

إذا انجب المواطن زيد، غلاماً، نسب هذا الإنجاز إليه، فلولا منته وعطاياه، لما استطاع زيد الاقتراض من البنك، والزواج ومن ثم تخصيب زوجته القاحلة؟

وإذا أشرقت الشمس، فلأنه أوعز لها بالشروق.

وإذا باضت دجاجة بيضة بمحين اصفرين، فبفضل رعايته لفحولة الديوك، وتدريبه لها شخصيا على التلقيح، باعتباره حائزا على الحزام الأسود في الفحولة؟

ولكنّ الحياة ليست انتصارات وإنجازات وحسب، إنها أيضا، إخفاقات وانكسارات.

فالحرب قد تخسر، والجيش قد ينهزم..

و المواطن زيد قد يكون عنينا لا باءة له، لا تداويه اهراءات من الفياغرا، وقد تكون زوجته عاقرا، أوقد ينجب أنثى فيرجع مسوّد الوجه وهو كظيم والدجاجة قد تبيض بيضة مفلطحة، أو مثلثة، أو بنصف صفار، أو بمح اسود؟ وقد ينهار الجسر الذي بناه الإمبراطور، واشرف عليه وسمّاه باسمه ودشنّه لذلك كان لابد من حل، كان الحل في (دقات طبول كما في السيرك:إحداث منصب الوزير كلما انتكس الإنجاز الإمبراطوري، قال: واخ واخ.. وزيري يخونني، ويسرق الأموال، ولا يعمل بالوصايا الحادية عشرة(2). دكّوه في الحبس وهاتوا واحد جديدا وتتكرر القصة إياها، في كل مرة:

واخ واخ(3) من هذا الوزير الدجّال، سوّد وجهي أمام الشعب!

ولولات أخيرة
1- لا يوجد خطأ مطبعي.

2- الوصية الحادية عشرة هي: لا تحكِ في السياسة.

3- سميت البلاد بـ ( بلاد الواخ واخ )، وتختصر في الأطالس والأدبيات والمعاجم بـ (ب و و) أو (بوووووووو) التي تستخدم حاليا لإ رعاب الاطفال.

2000



احمد عمر: كاتب أفغاني مقيم في اوبسالا

كلا
( 4 من 51)
Spare part
أو قطع غيار



إلى حضرة وجناب سيادة الأستاذ الصديق المحرر، في صحيفة (الشمس العربية) الغراء، التي ترفع شعار (الحرية الساطعة في الجريدة اللامعة):

سأرسل لك مع قصتي (الذئب وليلى)، التي تعيد إنتاج القصة الشهيرة، بدائل وعبارات احتياطية، لجمل يحتمل حذفها رقابيا، بحد مقصكم الكريم. فصحيفتكم معروفة باحترامها الشديد لأقلام كتابها، ومشهورة بحرصها على عدم حذف حرف، إلا بعد الاتفاق مع الكتاب والاتصال بهم، والاستئذان منهم. أشكركم شكرا خالصا على رسالتكم، وأردّ بهذه القصة على اقتراحكم. لذا يرجو الانتباه لكل عبارة واردة ضمن هلالين، وشكرا مقدما على نشر قصتي.

1- قد تذبحون عبارة (رشت ليلى كلب الحراسة الرابض، عند مدخل الغابة، بقطعة لحم، من الوجبة التي كانت تحملها لجدتها). ويمكن استبدالها بعبارة (قدمت له إكرامية أو هدية)، أو ما ترونه مناسبا.

2- يمكن أن تتعرض عبارة (نبح الكلب في وجهها وزمّجر) للحذف والاستئصال. وإذا شممتم منها رائحة غير مستحبة، وإشارة إلى فظاعات بعض رجال الشرطة تجاه رعاياهم، فيمكن تغييرها إلى عبارة (تبسّم في وجهها وبصبص بذيله مرحبا).

3- قد لا تعجبكم عبارة (كانت بطة الجدة، تهزّ مؤخرتها سعيدة، في باحة الدار قبل قدوم الذئب) ويحكم عليها بالتقطيع والصلب من خلاف. ويمكن استبدالها بعبارة (.. تهزّ ذيلها سعيدة..) لما للأولى من إيحاء جنسي، ينعظ القراء المكبوتين، ويثير حفيظة المحافظين، وحراس أخلاق الأمة، ويهدّد استقرار البلاد وأمن العباد.

4- إذا وجدتم حرجا في عبارة (نزل الذئب الشرس من سيارته السوداء، واقتحم دارة الجدة..) فيمكن تغييرها إلى عبارة (خرج الذئب الوديع من وكره أومن عشه. ودخل دارة الجدة بعد قرع الجرس المغرد واستحضار أذن من النيابة العامة..).

5- يمكن استبدال عبارة (انقضّ الذئب المتنكر في ثياب الجدة على ليلى..) بعبارة (انقضّت ليلى على الذئب الوديع، والتهمته بلقمة واحدة) فالمواطن وليس المسؤول، قد يكون سبب كل بلاء يحيق بالوطن.

6- لا مانع عندي من تغير جنس القاضي، الذي احتكما إليه (ليلى والذئب) من تمساح فتّاك إلى فرس نهر، أو أرنب وديع..

7- قد تجدون في عبارة (حكمت المحكمة حضوريا على الذئب بمليون سنة حبس مع النفاذ، وإعادة الاعتبار للصبايا اللواتي اغتصبهن ثم أكلهن، والتعويض عليهن، وإعادة ثروات الغابة المسروقة..) قسوة وتعسفا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا، والذي نحتاج فيه كل طاقة وطنية، بما فيها طاقة اللصوص والناهبين. خاصة انهم ذوو خبرات، وتضحّون بتلك العبارة. لذا يمكن تغييرها إلى (حكمت المحكمة حضوريا على المدعية ليلى بالسجن (المدة التي ترونها مناسبة) عرفيا، أو حكما غير قابل للاستئناف، لقذفها وطعنها في شخصية اعتبارية، محترمة، ومسؤولة، بدون بينات ووثائق. ولولا خروجها من بيتها سافرة متبرجة، لزيارة جدتها، في يوم ماطر، بارد لا تخرج فيه الطيور الجائعة من أوكارها، لما أغرت الذئب بالتهام جدتها، المحتضرة، بلحمها العجوز، القاسي، غير القابل للمضغ، الذي عانت منه أسنان السيد الذئب المحترم. وتحكم المحكمة ببراءة الذئب وردّ دعوى المدعية ليلى، ومن ثمّ دعوى محاولة التهامها مع سبق الإصرار والترصد.

وهكذا تكون القصة قد انتهت نهاية سعيدة، مثل كل المسلسلات التلفزيونية. فحال الأمة اليائسة لا تتحمل أي تنكيد أو تنغيص. أكاد أسمعكم تقولون هذا. ويمكن إضافة عبارة (عميلة للخارج أو لجهات أجنبية أو للاستعمار) ويمكن لصق التهمة بالجدة أيضا، فالعرق دساس ولتوفير عنصر الإقناع في القصة وموافقة واقع الحال؟

8- القصة كما ترون، يا صديقي المحرر، مكتوبة بأسلوب كليلة ودمنة الرمزي، وزيادة في الترميز والتوريّة، والتقنع، للهروب من مقص الرقيب، واحتمال بعد نظره وقدرته، على قراءة ما وراء السطور، وهو أحيانا، حاشا صحيفتكم الغراء، يتجاوز القص إلى تبليغ جهات أخرى، غير ثقافية، لملاحقة الكاتب والتضييق عليه واعتقاله. كما حدث مع الكاتب (..). وعليه: لا مانع عندي من كتابة الجملة التالية تحت نص القصة: مترجمة عن التركية. أو قصة للكاتب التركي الساخر يواش يواش باشا. أو جاتين اوغلو. وأجيز لكم تغيير عنوانها إلى (السيد الذئب وحرمه المصون ليلى) واجيز لكم حذف اسمي كمؤلف أو كمترجم. فأنا أستطيع، ببعض الشجاعة والتقشف، الاستغناء عن المكافأة المالية الرمزية، رغم جوعي الشديد، وفاقتي، التي قد تدفعني قريبا إلى التسول. ففي النهاية سيعرف مخلوق واحد، على الأقل، أنها قصتي، وهذا المخلوق زوجتي، والتي قد تحترمني، بعد نشرها، في الصيغة الأصلية أو المعدلة، بقطع الغيار أعلاه. وتكفّ أو تخفف من تعييري بأجر عملي البخس، وقلة حيلتي، وهواني، في عقر وطني..

احمد عمر: كاتب أفغاني مقيم في اوبسالا

كلا

5 من 51

القصة

الـراعـــي والــذئــاب والكلاب والغراب*؟



هرع إلى ديوان الشرطة، بأقصى سرعة، وأبلغه بوجود ذئب افترس شاته، فتلفّت صاحب الشرطة حوله متوجسا، وحمد الله أن أحدا لم يسمعه، وتقدم منه ووضع يده على جبينه مشككا في صحة عقله، ومعتبرا بلاغه، نوعا من الهذيان.. دار صاحب الشرطة حوله، وأمر بوضع القيود في يديه ثم سأله عن اسمه؟

فقال الراعي: خادمكم ديب دياب

فاتهمه: إذا كان ثمة من ذئب، فهو أنت يا ديب ؟ اسم على مسمى..

قال ديب: لم أفهم يا مولاي؟؟

قال صاحب الشرطة: الرعاة مشهورون بالكذب.. الخلاء والوحدة تجعلهم يتخيلون أشياء لاوجود لها. واعتقد ان الأعشاب والأتبان التي تأكلها أكلت عقلك؟ أو، في احسن الأحوال، انك تجوّع كلابك ولهذا هجمت على شاتك وأكلتها..

قال الراعي ديب ضارعا: مولاي.. أولا أرجو احترام الرعاة.. ما من نبي (عليهم السلام ) إلا ورعى الغنم. ثانيا، أنا راع، واعرف الفرق بين الكلاب والذئاب. فلي ثلاثة كلاب، والكلب وفيّ لا يغدر بأصحابه.

انبرى صاحب الشرطة متهما: تدعي النبوة يا كلب الرعاة، صارت تهمتك تهمتين

تعجب ديب: تهمتان؟

قال صاحب الشرطة: البلاغ الكاذب وادعاء النبوة؟

اصفّر وجه ديب: استغفر الله يا مولاي، وأعوذ به من هذا الإفك والبهتان. انظر إلى جروحي، قاومت الذئب، وهذه آثار مخالبه و أنيابه.. بقايا الشاة وأشلاء كلبي لا تزال موجودة يا مولاي؟

مسّد صاحب الشرطة شاربه، وفكّر ملّيا: لو انكشفت هذه الحقيقة، ستكون كارثة على الموسم السياحي؟ ستغلق كافة المرافق، وتفلّس الفنادق التي له اسهم كبيرة فيها؟ والأهم أن استنفارا سيعلن، وبالتالي سيضطر إلى تكليف عماله بحراسة المدينة، وهم مشغولون في مزرعته: قطّاف ثمار، أو رعي عجول، أو خدّام للعائلة الكريمة، أو قطاع طرقات، أو جباة للخوّات والإتاوات.. منصبه في خطر؟ لهذا كله اصدر أوامره بوضع الراعي الدجال في الانفرادي لطمس الخبر. وأجريت محاكمة صورية سريعة، اتّهم فيها الراعي، بإقلاق السلطات، ومحاولة ترويع الأمة الآمنة المطمئنة، وعدّ عدوا للشعب.

افتقد أهل الراعي ابنهم، بحثوا عنه في البيمارستانات والخانات والطرقات والخرابات والمغارات.. ولمّا لم يجدوه، ابلغوا الشرطة بأنه مفقود. سألهم صاحب الشرطة عن أعداء محتملين قالوا: الذئب!

جاء وجع الرأس ثانية؟

غضب ونبح: مفقود ضائع ولكن لا توجد ذئاااااااب، هذه كلاب، كلاب، كلاااااااب.

قال أهله: بل وجدنا ذئبين، ذكرا وأنثى، في الضواحي.

اعتقل أهل الراعي ودكّهم في القيود والسلاسل..جاء ذوو المفقودين، وبلّغوا عن اختفاء أبنائهم. ولمّا سألهم فيما إذا كان لهم أعداء، ويشكّون في متّهم قالوا: الذئاب. وجدنا قطيعا من الذئاب في أطراف المدينة.

عوى: هذه كلاب، الا تعرفون الفرق بين الذئاب والكلاب يا أبناء الكلاب.

ودكهّم في الوثاق، ورماهم في الآبار، والّحق المصلّين بالسابقين.

عرف الناس حقيقية ما جرى، فتجنبوا الإبلاغ عن الذئاب، وهذا جعل الذئاب تتدفق تدفقت إلى دروب العمران والسبل. وغض الناس من أبصارهم وعملوا أنهم لا يرونها..

كانت الذئاب تخرّب وتفترس، والناس ساكتة، صامتة، خرساء.

وكانت الذئاب إذا لم تجد حيوانا أو طفلا، تجمعت حول بيوت الأغنياء وأصحاب الرتب والولاة، لكثرة العظام وبقايا اللحم وفضلات الطعام. فتحولت مع تعاور الأزمان إلى كلاب بوليسية، تحمي بيوتهم ومزارعهم؟

وجاءت ترقية كبيرة لصاحب الشرطة، على حسن تصرفه وتحويله هذه الحيوانات المتوحشة إلى كلاب مدجنة. فلم يفرح كثيرا، واعتبر نفسه مظلوما لأنه يستحق ترقيتين، لا واحدة، فقد حقق معجزتين: حوّل الذئاب إلى كلاب والناس إلى..أغنام!

لزوم ما لا يلزم:

التقطت إذاعة الواخ واخ الأرضية، هذا الحوار، من أحد دورها الطرفية النائية:

قالت أم ديب لابنها الأصغر: خذ حذرك من الذئاب؟

ردّ ديوب: يا أمي هذه كلاب بوليسية مدربة، لا تهجم إلا على طويلي اللسان والمارقين والجاحدين؟

هزّت أم ديب رأسها وحمدت الله أن أحدا لم يسمعهما وتنهدت متحسرة على أخيه المفقود وشكرت الله أن ابنها الباقي حر عرف الدرس، وأتقنه. ودعت له بعصمة اللسان وشكر النعمة و النجاة من.. الكلاب البوليسية



*اعتذار:

الغراب، الذي في العنوان، لم يظهر، لأن التسلسل حسب الظهور، وبالحقيقة حسب الواسطة. وهو لن يظهر، هذه مشيئة حماة الذئاب. والذريعة أن الغربان مصدر شؤم، مع أنها من كائنات الغابة وتحمل (جنسيتها)؟



أحمد عمر

كاتب غجري مقيم في ..هناك؟

كلا

6 من 51

الغربان والديمقراطية

احمد عمر





الغربان كانت بمثابة صندوق الانتخاب. عند استقالة الحاكم أو إقالته، أو انتهاء مدة سلطانه أو موته، يجتمع المرشحون لمنصب الحاكم، في الساحة الرئيسة العاصمة، في يوم جمعة، وهم ذكور، يبلغون سن الحكمة، وعند استواء الشمس في السماء يطلق الغراب. المحظوظ والفائز بكرسي الحكم، هو من يحط عليه الطير الأسود.

وحدث أن حطّ الغراب المقدس على رأس مواطن، تبيّن انه اطرش! لكنّ الدستور مقدس، وطاعته واجبة، فتسلّم المنتخب العرش، فوقعت البلاد في حيص بيص، وتأخرت عن ركب الحضارة، فلم يعد الحاكم يسمع صوت الرعية، كانوا:

يصرخون من التخلف والجور

و يتأوهون من الألم والجوع

ويندبون من الذل والمهانة وعسف الولاة قبل عسف الأعداء؟

ويستغيثون: واحاكماه

بحّ صوتهم، ثم تعودوا على الاستنجاد، علّه يدمر سدود الصمم في الأذنين الطرشاوين. الحاكم معذور، فهو يقوم بواجباته،ويجتمع برعيته كل أسبوع في الساحة الكبرى. ويتناوبون على عرض مشاكلهم، وهو يهزّ رأسه محاولا قراءة الشفاه، وفهم ما يقال، فيترجم له مترجمه بالإشارة: يدعون لك بطول العمر يا مولاي

ويعرضون حاجاتهم وظلاماتهم فيترجم المترجم: يسبحون بحمدك وشكرك يامولاي..

بلغ تذمّر الرعية مداه، لكنهم صبروا، فالصبر مفتاح الفرج، كلها سنة و يعاد الانتخاب ويتغير الحاكم؟ عّزوا أنفسهم: فالخير فيما اختاره طير الله، وعسى أن تكرهوا شيئا.. لكن لسوء حظ الرعية، تكرر الحكم الأصم للمرة الثالثة، وصار قاعدة وقانونا. قبلا كان المرشحون يقفون بخشوع وتضرع عند إقلاع طائر، من قفصه الذهبي في تحويمة الانتخاب، أما الآن فهم يشتمونه:

- انتخبني يا مسخّم

- اخترني يا اسود النجس

- اصطفيني يا غراب الزفت

- …

فعمل الناس على (تطريش) (1) أنفسهم! وضحّوا بسمعهم في سبيل الحصول على العرش واجتمعت " الماكنة " السياسية. صدر قرار من مجلس هيئة كبار المستشارين، باستبدال الغراب بآخر جديد. لكنّ الغراب الجديد، لم يخالف السنّة الغرابية، وكرّر الاختيار، بتصميم عجيب. تتالت المسبحة حتى حكم البلاد ستون حاكما من الصم الطرشان!

حبّرت آلاف الصحف في دراسة سر هذه الظاهرة؟! فمن باحث قائل أنها محنة إلهية وابتلاء سماوي، ومن قائل أن الغراب المقدس، قد حباه الله بحكمة وغريزة انتخاب الصم، ذلك لأنه يدرك بغريزته، بشاعة صوته،هذا النعيق قد يتضايق منه الناس، وينقلبون عليه، ويخلعون عنه القداسة، وهو يعمل بنصيحة: درهم وقاية خير من قنطار علاج. وذهب اتجاه باحث آخر، إلى أن الغربان لم تكن تنتخب الصم عشوائيا، إنما تختارالأغنياء الصم؟ وخاصة لابسي الجواهر والخواتم(2)؟ والذين تلمع على أكتافهم نجوم؟ ووقعوا في أشكال فكري. فالأغنياء ليسوا بالضرورة صمّا.. إلا إذا ظهر بحث بيولوجي، يجد علاقة سببية، بين الصمم والبدانة، أو الصمم وقسوة القلب؟

نشأت أحزاب معارضة، بعضها يطالب بمنع الطرشان من الترشح للانتخابات، وبعضها يطالب بتغيير جنس الطير إلى جنس آخر. وربح الحزب الأخير في المعركة "الديمقراطية"، فكسّرت احدى ساقي الغراب، وخرج من رئاسة "البرلمان" وهو يظلع، وخلعت عنه القداسة، ومرغت سمعته بالطين، واعتبر رمزا للشؤم، ولقب بالغراب الأقلز، وغراب البين لأنه باعد بين الشعب والحضارة...

وفيما بعد نشأت خلافات حول نوع الطير؟

وتم رفض أنواع عدة ولأسباب وجيهة:

رفض الحمام لأنه زاجل، ويمكن رشوته، وتدريبه، وتزوير الانتخابات..

ورفض اللقلق، الذي قد يختار طوال القامة، لتعوده الإقامة على الأبراج.!

واستبعد السنونو، المؤقت الإقامة، الذي يعود إلى مناطق الاستواء الدافئة، في الشتاء..

واستقرّ الإجماع أخيرا على طائر، مقيم، بلدي، أصيل، هو البوم، ولأسباب عديدة:

هو انه ناسك ليل، وناكر ذات، ولا يحفل بالمظاهر الكذابة، مثل الغراب المرتشي اللعين.

وهكذا تم اصطياد طائرين بحجر ديمقراطي واحد؟

جدير بالذكر انه في المرحلة "الغرابية" وحلاّ لصمم الحاكم، كان مجلس هيئة كبار المستشارين قد ابطل الشكاوى الصوتية غير المسموعة، بسبب طرش الحاكم. وحضّ الرعية على الشكاوى المكتوبة، البصرية. فكاد الورق أن ينقرض من البلاد، لكثرة العرائض والشكاوى! وما لبث البوم المقدس، الحكيم، الوطني، الناسك، أن فَسُد: باختياره حكاما أميّين، لا يعرفون القراءة؟! و لحق بالغراب، ولحقت البلاد بالبوم إلى… الخراب

هامش:

1- كما ضحى الشعب الفرنسي بحرف الراء كرمى لماري انطوانيت اللثغاء.

2- لا يزال الغراب لصا يسرق كل ما يلمع، ليزين بها أعشاشه؟