اقتباس:الربط بين الديمقراطية والتقدم واعتبارها شرطاً له هو ربط متعسف وربما لا يعبر عن أكثر من وهم من الأوهام التى صنفها فرنسيس بيكون تحت مسمى "أصنام العقل" (Idola mentis) ، وواقع الحال أن نظرة ولو خاطفة لتطور النظام الديمقراطى فى مركزه الغربى تدل بوضوح على أن التقدم (فى التصنيع والأفكار والأنساق الاجتماعية ..الخ ) كان شرطاً للديمقراطية وليس العكس [ ... ]
أستاذي الفاضل اسمح لي أن أشارك في طرحكم هذا فقد كان لي بعض التأملات في هذا الموضوع بالذات في ما مضى:
سألني أحد الأغوة الأصدقاء :
"هل تعتقد ان وجود الديموقراطية شرط من شروط التقدم والنمو...ام انه يمكن للنمو والتقدم ان يتكونا في غياب الديموقراطية ...ولماذا ؟"
وهذا ما كتبته في إجابتي عليه:
الديمقراطية ليست شرط من شروط التقدم، ولا علاقة لها بالنمو إجمالا.
النمو لا يعني شيئا واحدا، فهناك نمو ديمغرافي، ونمو تقني، ونمو زراعي، ونمو أقتصادي .. الخ. ومن الواضح أن كلّ أنواع هذه النمو يمكن وجودها في الدول الغير ديمقراطية ويمكن ضرب أمثلة على ذلك كما يلي:
- النمو الديمغرافي – الدول العربية وأفريقيا
- النمو التقني – الإتحاد السوفييتي والصين
- النمو الزراعي – المملكة العربية السعودية
- النمو الإقتصادي – الصين
أما التقدم فهو قد يعني شيئين: 1) الحركة من الموضع بإتجاه الأمام، و 2) السبق.
أما المعنى الأول، فهو لا علاقة له بالديمقراطية، ولقد رأينا تقدّما عظيما في مصر عمّا كانت عليه في عهد جمال عبد الناصر، وتقدّما في سوريا في عهد حافظ أسد، وتقدّما في العراق في عهد صدام حسين.
أما السبق، فهو يتعلّق بحركة الشعوب الأخرى. فإذا كانت حركة تلك متعثّرة، فقد يمكن السبق ولو في غياب الديمقراطية. لكنّ التجربة التاريخية المعاصرة تشير الى أن الأنظمة الديمقراطية كان لها السبق في مجالات أكبر مما أعطاها سبق وتفوّق حضاري (بالذات على الصعيد الإقتصادي).
إذا، يمكن الإستنتج أن الديمقراطية لا علاقة لها بالنمو والتقدم. لكنني أعتقد أن الديمقراطية، بما تعنيه من حكم الشعب، لها تأثير على الحريات المتاحة وهذا بحدّ ذاته يشكّل عاملا مهما من عوامل نوعية الحياة، ودوافع الإنتاج ونوعيته.
(أنتهى التعليق السابق)
لكنني سخصيا أؤمن أن الدمقراطية وإن لم تكن ضرورة للتقدم -بل أن بعض النظم السياسية، كالنازية والفاشية هي أكثر فعالية في دفع عجلة التقدّم- ألا أن الديمقراطية لها سحرها الخاص الذي يتعلّق
بنوعية الحياة و حقوق المواطن الإنسان.
الأ أنه لا يعقل التصديق أن الليبرالاوية تهدف الى الديمقراطية في الدول العربية. الليبرالاويون لا يمتلكون الطروحات اللازمة لحل أزمة الديمقراطية - والأزمة موجودة! الليبرالاويون، برأيي، يتسلقون القيم الحضارية السائدة كما فعل أسلافهم الثوريون للوصول الى سدة الحكم. ويبدو لي أن ليبرالاويي اليوم هم ذاتهم ثوريي الأمس لكن بشعارات جديدة وقيم أقل وطنية!
في بحثي عن مقال قديم كنت قد كتبته عن معضلة الديمقراطية في العالم العربي عثرت على مقال كنت قد نقلته الى نادي الفكر حول علاقة العلمانية والديمقراطيةز الكاتب "شاكر النابلسي" !!! :o
:)
المهم، المقال هو
على هذه الوصلة وأشير الى خاتمته
(( لقد ربط بعض المفكرين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين بين العلمانية والديمقراطية. وهؤلاء الذين ربطوا بين تقدم العلمانية وبين تقدم الديمقراطية قد أخطأوا في هذا الربط في الحالة العربية. فلربما كان هذا الربط في أحوال الدول الغربية صحيحا وشرطا لازما للديمقراطية والعلمانية في مراحل معينة. ولكنه في الحال العربية مختلف، بحيـث تقدمت العلمانية في العالم العربي ولم تتقدم الديمقراطية، وهو وضـع طبيعي حصل قبل ذلك في الغرب.
وسبب ذلك في زعمي أن الهوامش العلمانية لم تكن خطرا على السلطات الحاكمة بمقدار خطورة الهوامش الديمقراطية. فزيادة الهوامش العلمانية من قبل السلطات الحاكمة هو "اكتساب" مزيد من السلطة المأخوذة من رجال الدين لصالح هذه السلطـات. في حين أن زيادة الهوامش الديمقراطية معناه "إعطاء" مزيد من السلطات من قبل الحاكـم للشعب وممثليه. وهو ما يهدد مصالح الحكم ويضع مراكبه في مهب الرياح الجديدة غير المحبوبة ولا المرغوبة. ومن هنا نرى أن المشهد العربي السياسي الآن في العـالم العربي اقتراب من العلمانية لنـزع مزيد من الأسلحة من أيدي الجماعات والأحزاب الإسلامية، والابتعاد عن الديمقراطية لنـزع مزيد من الأسلحة من أيدي الجماعات والأحزاب الليبرالية.
وهذا المشهد مشهد فريـد في التاريخ السياسي الإنساني، لا يقوم إلا في مجتمع فقد عقله! ))
ويمكنني القول، أيضا، أن المشهد ذاته يبدو لي وكأنه يتردد لكن بنكهة ليبرالاوية هذه المرة لنزع الأساحة من "الإسلاماوية والقومجية" :)
على كل حال، وجدت جزء من الطرح الذي كنت أبحث عته، هذا نصه
((موضوعات ديمقراطيّة شائعة في العالم العربيّ – العلمنة و المشاركة الدينية
إن تنوّع الآراء في العالم العربيّ حول العلاقة بين الدّين و السّياسة تعكس اهتمام مهمّا فيما يخصّ بصلاحيّة أو عدم صلاحيّة الاسلام السياسي كمشارك مقبول في النقاش الديمقراطي . تقول بعض الآراء أن حلبة المناقشة الدّيمقراطيّة يجب تكون حصرا على النقاش السّياسي العلماني حيث أنّ السياسة الدينية تمتلك ، لدى مؤيّديها ، صفة الهية تستقصي من يخالفها تلقائيًّا كمستحدثين غربيين . بينما تؤكّد الآراء الاخرى انّ الاسلام السّياسي قد شكّل بالفعل معارضة سياسيّة ناجحة و لهذا يجب ادخاله في أيّ نقاش سياسيّ بدلاً من ابقائه متجاهلا و مهمّـشـا .
الخطر هو أن نّبذ بعض الحركات السياسية ، كالاسلام السياسي مثلا ، يمكن أن يؤدّي إلى تنافر إضافيّ خلال عدد من المجتمعات وهذا بالتالي قد يؤدّي الى اعاقة الدّيمقراطيّة الحقيقيّة . و الحقيقة ان المشاعر حول هذه النقطة مشحونة جدا لكن يمكن تلخيصها في معسكرين مختلفين : من ناحية ، هناك من يفضّلون مشاركة الدين بشكل فعّال أو على الاقل عدم نبذ مؤيّديه من الحوار الديمقراطي ، و هناك من الناحية الأخرى من يعترض بشدّة على اساس ان الأديان كلـّها تدعو الى التفرقة و عدم المساواة و الاوتوكراسية الدينية فهي بذلك معارضة للديمقراطية . هذه المناقشة ليست جديدة على الفكر الدّيمقراطي ، لكنها تشكّل نقطة ساخنة في سياق الحركة الإسلامية الكبيرة التي تتغلل خلال العالم العربيّ بأجمعه – و هو تطوّر صعب تجاهله أوتجاوزه . و من جدير الذكر انّ الحركات النسائية هي أكثر المتخوّفين من إمكانيّة مجيء الإسلاميّين إلى السّلطة .
تقول بعض الاصوات ان العنف لا مكان له في الديمقراطية وإلّا كانت الديمقراطية نفسها مستخدمة للعنف . و هنا يرى البعض ان تطبيق الشريعة الاسلامية عنف بحدّ ذاته بسبب التطبيق الحرفي للحدود الشرعية . بنفس الوقت ، هناك آراء نسائية و غيرها ترى في تطبيق الشريعة الدواء الامثل لشفاء الكثير من الآفات الإجتماعية و السياسية و حتى الاقتصادية في العالم العربي . بالنسبة لهؤلاء فإن الشعار "الاسلام هو الحل" قد أصبح يعني ليس فقط العودة الى الله روحيا ، بل تجديد القوانين و العادات لتوافق افتراضيًّا ما أُنزل سماويّا من قبل اللّه . و بما ان المصالحة التامة بين هذين المعسكرين قد لا تكون ممكنة ، يستوجب الخلاف على كيفية التعامل مع الإسلاميّين الى ايجاد و تطوير قواعد اساسية للعبة الدّيمقراطيّة فيظلّ هذه المعطيات .
الجدير بالملاحظة هو أنّ الاختلاف حول كيفية التعامل مع الاسلاميين انعكس ايضا في المواقف المختلفة التي تبنتها الانظمة العربية تجاه الاسلاميين . فبينما اختار ملوك الأردن و المغرب التعامل مع المشكلة بشكل ايجابي وذلك بإقناع العديد من الإسلاميّين المعتدلين أن يشاركوا في نظام الحكم بواسطة انتخاب ممثّليهم إلى البرلمان ، اختارت انظمة عربية اخرى اتجاها سلبيا معاكس . و هنا ، كمثال و ليس حصرا ، نذكر مصر و سوريا و الجزائر كأنظمة حاولت تجنيد الفكر الإسلامي ، وعند فشلها ، قامت بالإطباق بوحشية على مؤيّديه .
و في حين يقرر الحكام العرب كيفية التعامل مع الاسلاميين من موقع الامان النسبي الذي تتمع به انظمتهم ، يعكس النّاشطون السّياسيّون الآخرون واقعية المشكلية وأهميّتها بطرق مختلفة قد تصل الى مستوى التصادم الفكري . كل هذه الجهات ، مدنية منها إو رسمية ، يجب ان تستفيد من هذه التجربة لإستنتاج الحدود (parameters) السياسية المستوجبة لضمان نجاح "اللعبة الديمقراطية" . وهذه الحدود ، بالرغم من كونها مستنتجة من خلال معاينة معضلة الاسلام السياسي ، ستصلح كأساس للتفاعل بين السلطة و اليساريين و اليمينيين و الاسلاميين و غيرهم من مركبات البيئة السياسية . إمكانية اشراك الاسلاميون في الحوار الديمقراطي ، إذا ، يجب ان تتحول الى مجهود لإيجاد القواعد التي يمكن من خلالها ايجاد الثقة الكافية لإشراك هؤلاء في "اللعبة الديمقراطية" . و بمجرّد الوصل الى اتّفاق على قواعد اللّعبة يمكن للمناقشة أن تتبنى بعداً بنّاءاً آخر . بعبارة أخرى ، التساؤال الحقيقي الذي يجب طرحه لا يجب أن يكون عن وجوب إشراك طرف سياسي ما في الممارسة الوطنية ، بل يجب ان يكون عن ايجاد الشّروط اللازمة لمشاركة هذا الطرف بشكل يضمن الممارسة الديمقراطية و استمراريتها .))
تحياتي