البطالة والهجرة كارثة تحدق بالوطن العربى
الكاتب: غسان عبد الهادى ابراهيم المصدر: العرب اونلاين
غسان عبد الهادى ابراهيم *
صدرت مؤخراً دراسة عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية تناولت اسباب ارتفاع معدلات البطالة ومعدل نمو القوى العاملة فى الدول العربية واكدت ان هذه النتائج هى محصلة لضعف الاداء الاقتصادى وسوء توجهات التنمية وضعف مناهج المؤسسات التعليمية والتدريبية الامر الذى استوجب اصلاحات اقتصادية عميقة اتبعت منهاج السوق .
واشارت الدراسة بان حجم البطالة فى البلاد العربية يتراوح بين 10 و15 مليون نسمة، وتنبأت الدراسة بان حجم البطالة فى البلاد العربية سيتضاعف فى عام 2010 ليصل الى 25 مليون عاطل عن العمل ودعت الدراسة الى استحداث ما لا يقل عن 5 ملايين فرصة عمل سنويا حتى يمكن تقليص البطالة الى مستوى معقول .
فمسألة البطالة فى البلاد العربية اصبحت تتصدر قائمة التحديات التى تواجه الدول العربية حيث رأت ان ذلك يعود الى اسباب اهمها ان اسواق العمل العربية تواجه زيادة مستمرة فى عرض الأيدى العاملة لا تقابلها زيادة مماثلة فى الطلب عليها . أى وجود قوى ضخ فى اسواق العمل لا تقابلها قوى مماثلة لامتصاص وتوظيف هذه الأيدى العاملة.
ولفتت الدراسة الانتباه الى بطالة حملة الشهادات العلمية التى بدأت تستفحل فى العديد من الدول العربية ورفعت معدلات البطالة فيها .
لذا فأن توطين الوظائف فى الدول المستقبلية اصبحت تواجه صعوبات فى ضوء تزايد احقية المواطن الاصلى فى فرصة عمل فى دول تزيد نسبة الأيدى العاملة الوافدة فيها الى الأيدى العاملة المحلية على 62%.
فمواجهة البطالة بعد ان اصبحت ظاهرة عالمية تعانى منها الدول النامية والمتقدمة على حد سواء وذلك من خلال تطبيق استراتيجية تتضمن عدة محاور تقوم على دعم وتشجيع المشروعات الصغيرة وتطوير نظم المعلومات العربية والاعتماد على التدريب وانشاء صناديق عربية لتمويل مشروعات الشباب والعمل على جذب الاموال والاستثمارات العربية بالخارج وتوجيهها داخل البلاد العربية .
مائة مليون طالب عمل
اكد مشاركون فى "المنتدى الاستراتيجى العربي" الذى عقد فى دبى ان على صناع القرار فى العالم العربى التخطيط لتوفير حوالى 100 مليون فرصة عمل بحلول سنة 2020.
فقد توقع ابراهيم قويدر المدير العام لمنظمة العمل العربية فى جلسة خصصت ل"اسواق العمل العربية عام 2020 : الزيادة السكانية وحرب الكفاءات" ان يصل عدد العرب الى 488 مليون نسمة سنة 2020 ومع نسبة الشباب 53 بالمئة.
واوضح ان "تقديرات واقعية تشير الى انه فى كل عام "هناك" فى الوطن العربى ثلاثة ملايين و400 الف شاب يبلغون سن العمل".
واضاف "يبلغ حجم القوى العاملة فى الوطن العربى حاليا 120 مليون نسمة ومع الزيادة السكانية سيبلغ 220 مليون نسمة سنة 2020 وهذا يتطابق مع ارقام البنك الدولى ومنظمة العمل الدولية التى تقول اننا فى حاجة الى توفير ما بين 80 الي 100 مليون فرصة عمل خلال هذه الفترة الزمنية".
واشار الى ان ذلك يتطلب دراسة حاجة اسواق العمل وملاكمة الهياكل والمناهج التعليمية والتدريبية مع هذه الاحتياجات.
الفساد يحد من خلق فرص العمل
وتساءل قويدر "هل كل مقدراتنا المالية ومواردنا التنموية مسخرة لتحقيق هذا الهدف؟".
وقال بمرارة "صعب الاجابة ولكن نستطيع ان نقول انه من خلال المؤشرات والارقام لو سخرنا اكثر من 100 مليار دولار تضيع هباء فى ما يسمى بالفساد فى الوطن العربى لخدمة تنمية اقتصادية فاعلة ولخلق فرص عمل لاستطاعت وحدها ان تخلق سنويا اكثر من 10 ملايين فرصة عمل".
كما اكد ضرورة زيادة استثمار الاموال العربية داخل البلاد العربية لدعم التنمية وايجاد فرص عمل جديدة.
ہ سيناريو قاتم لاسواق العمل العربية
من جانبه اكد على الدين هلال وزير الشباب المصرى السابق انه "اذا استمرت السياسات القائمة فسيكون من الصعب جدا الاقتراب ولو بمعدل معقول من هذه الارقام" اى ايجاد حوالى 100 مليون فرصة عمل بحلول 2020.
واشار الى سيناريو قاتم للعالم العربى لاسواق العمل العربية فى 2020 مشيرا الى انه "سيكون هناك المزيد من البطالة والهيمنة للقطاع الخاص والاستعداد للقبول بمرتبات اقل وانتشار الفقر بتداعياته الاجتماعية والسياسية" مضيفا ان "الشعور بالاحباط وفقدان الامل سيؤدى الى الجنوح الاجتماعى ".." وعدم الاستقرار السياسي".
واكد ان تاثير ذلك على المراة العربية سيكون اشد "لان الموظف الرئيسى للنساء هو القطاع العام والدولة ومع التوجه لتقليص دور الدولة ستتناقص قدرتها على توظيف النساء ما قد يؤول الى ما يعرف بتأنيث البطالة".
واكد انه لتلافى هذا السيناريو القاتم ينبغى من الان اتخاذ قرارات ترتبط بالخصوص ب "رفع كفاءة الموارد البشرية وانشاء هيئة مستقلة لمراقبة جودة التعليم ".." وتوجيه التدريب المهنى الى احتياجات محددة فى السوق ".." والاسراع باعادة النظر فى دور الدولة فى الحياة الاقتصادية ".." واصلاح الاداء الحكومي".
بيد ان هلال اكد ان هناك لدى الحكومات العربية "خوفا من المجتمع ومن الاصلاحات ".." وضعفا او غياب ارادة سياسية وعدم رغبة فى تحمل مشاق المخاطرة".
حل المشكلة بيد اصحاب القرار السياسي
وفى المقابل اكدت وزيرة التربية والتعليم القطرية شيخة احمد المحمود ان رفع تحدى تأهيل الموارد البشرية العربية يعتمد اساسا على "القرار والارادة السياسية" التى بامكانها رفع التحدى "متى حددت الرؤية ورصدت الموازنات اللازمة" لذلك.
كما اشارت الى الحاجة لمراجعة مناهج التعليم والتدريب المهنى وضرورة استقلالية الجامعات وربطها بسوق العمل و"المشاركة المجتمعية".
وكان الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم ولى عهد دبى وزير الدفاع الاماراتى دعا فى افتتاح المنتدى الاستراتيجى العربى القادة العرب الى ضرورة المبادرة للاصلاح قبل ان "تنصرف" عنهم شعوبهم ويصدر عليهم حكم التاريخ "القاسي".
السعودية تدرب 120 الف طالب عمل
اما غازى القصيبى وزير العمل السعودى فقال انه يجرى حاليا تدريب نحو 120 الف طالب فى المجالات المختلفة لتاهيلهم لدخول سوق العمل الذى تسيطر عليه العمالة الاجنبية. وقال القصيبى الذى كان يتحدث على هامش مؤتمر ومعرض تقنى حول التدريب والتوظيف فى المملكة ان نحو 80 الف من هؤلاء الطلاب يجرى تأهيلهم للعمل فى القطاع الحكومى و 40 الفا فى القطاع الخاص. واشار فى تصريحه الى ان نجاح التدريب فى المملكة "يكمن فى ارتباطه بالتوظيف ومراعاة العوامل الاجتماعية والتنوع فى المجالات وعدم النظر الى بعض المهن باعتبارها مهنا هامشية." واوضح الوزير ان هناك نحو 300 الف سعودى عاطل عن العمل فى المملكة حسب الاحصاءات المتوفرة. وأظهر اخر احصاء سكان رسمى فى المملكة نشرت نتائجه الشهر الماضى ان عدد سكان السعودية وصل الى 22.67 مليون نسمة بينهم 6.14 مليون أجنبى الا ان القصيبى أشار فى وقت سابق الى ان عدد الوافدين يصل الى نحو 8.8 مليون شخص.
10 مليارات دولار التحويلات الخارجية
وعلى نفس الصعيد، اصدرت منظمة العمل العربية تقريراً تحت عنوان "الهجرة والعولمة فى البلدان العربية"، تناولت موضوع الهجرة الداخلية بين الدول العربية والهجرة الاسيوية الى منطقة الخليج العربى حيث اشارت الى ان عدد المهاجرين فى بلدان الخليج العربية وصل الى عشرة ملايين، مقابل مليون واحد قبل ربع قرن، وتتركز الهجرة فى السعودية بنسبة 55 فى المئة، ثم الامارات فالكويت وعُمان.
أن الهجرة أدرت نحو 10 بلايين دولار من التحويلات خارج المنطقة، وتقلصت نسبة العرب الوافدين من 75 فى المئة الى 31 فى المئة لصالح العمالة الآسيوية، وارتفع حجم الهجرة الى بلدان الخليج العربية الستة من مليون واحد الى عشرة ملايين فى فترة ربع قرن فقط.
تتميز تجربة الهجرة فى البلدان العربية بخصائص عدة، مثل كثافتها وغلبة المهاجرين على حجم السكان الوطنيين وتنوع تيارات الهجرة وتأثير الإدارة الحكومية للمشاريع على الهجرة. وهكذا مثلت مختبراً جيداً لدرس أثر العولمة على الهجرة.
ہالقوى العاملة الوافدة نمت بمعدل ثلاثة أضعاف الوطنية
نمت القوى العاملة الوافدة فى تلك الفترة بمعدل ثلاثة أضعاف نمو القوى العاملة الوطنية، فانتقلت بذلك نسبة الوافدين فى القوى العاملة من 39 فى المئة عام 1975 الى 74 فى المئة عام 1995، والى نحو 78 فى المئة عام 2000، وذلك لمجموع البلدان.
وبلغت نسبة العمالة المهاجرة فى بعض البلدان معدلاً كبيراً، لتصل الى 89.7 فى المئة فى الامارات و81.9 فى المئة فى الكويت وقطر، لكنها بقيت للسعودية عند 55.8 فى المئة. واستمر الطلب على الوافدين، على رغم النيات المخططة والمعلنة لتقليص حجم الوافدين ومع عدم ارتفاع اجمالى الناتج المحلى فى عام 2001 عما كان عليه عام 1984، وظهور معدلات بطالة بين الوطنيين تصل الى 10 فى المئة. ويعود ذلك الى تطور "صناعة هجرة" قوية، وفرت فى حلقتها الاولى نحو بليون دولار، وفى جميع حلقاتها ما يزيد على 10 بلايين دولار سنوياً، ومن عناصر تلك الصناعة نظام الكفالة ثم الإدارة الدولية للمشاريع.
تناقص نسبة العرب بين الوافدين
وحسب تقرير المنظمة، تناقصت نسبة العرب بين الوافدين بشكل متواصل لتنخفض من 75 فى المئة عام 1975 الى 31 فى المئة عام 2001، وكان الانخفاض لصالح الهجرة الاسيوية التى اصبحت تشكل نسبة 67.1 فى المئة من مجموع القوى العاملة الوافدة عام 2001. وبلغت تحويلات العمال العرب الى بلدانهم خلال عقدين "من 1975 الى 1994" ما قيمته 146 بليون دولار، كان نصيب مصر منها 62.1 بليون والمغرب 24.6 بليون والاردن 17.3 وسورية 8.3 بليون.
واتسعت الهجرة الى اتجاهات عربية اخرى مثل الاردن ولبنان واليمن، التى اصبحت مستقبلة ومصدرة معاً، بالإضافة الى هجرة غير موثقة الى مصر والسودان. ويحتل كل من الاردن و لبنان اهمية من حيث حجم الاستقبال، اكبر من البحرين وقطر.
الهجرة العربية الى اوروبا
أما الهجرة العربية الى البلدان الاوروبية، فلم تتجاوز 2.6 مليون، واستمرت عمليات الهجرة المغاربية، التى اصبحت تمثل الحجم الأكبر، وتأتى الهجرة العراقية فى الترتيب الرابع بعد بلدان المغرب الثلاثة.
ويمضى التقرير: "تعود الهجرة العربية الى أوروبا لمرحلة العولمة نفسها، اذ كان هناك استيطان كثيف لجنسيات اوروبية فى البلدان العربية "المغرب العربى ومصر"، وهجرة من المغرب العربى خصوصاً إلى فرنسا، واستمر اثر تلك المرحلة فى العولمة الى المرحلة التالية ليؤثر فى تيارات الهجرة، غير ان البلدان الاوروبية، وفى مقدمها بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والمانيا، تعيد النظر فى تلك العلاقة البشرية التاريخية".
تاريخ الهجرة فى المنطقة
ويرسم التقرير صورة تاريخية للهجرة الى المنطقة، مضيفاً: "كانت المنطقة مسرحاً لصراع شركات الهند الشرقية البرتغالية والهولندية والبريطانية، ثم أصبحت تتبع الهند ادارياً فى نيابة الامبراطورية البريطانية، فتكثف وجود مواطنى الهند آنذاك فى التجارة والنقل البحرى والأمن والبنوك... الخ، وبقى هذا الأمر ماثلاً حتى بداية السبعينات عندما كانت العملة الهندية متداولة فيما كان يسمى بالإمارات المتصالحة، وورَّث هذا الوجود البشرى الناتج عن عصر عولمة آخر وجوداً أكثر كثافة فى عصر العولمة الحديث، فيوجد فى بلدان الخليج العربى 3 ملايين هندى و1.5 مليون باكستانى و0.8 مليون بنغلاديشي، ويمثل الهنود نصف المهاجرين إلى الامارات وعمان والبحرين".
ويفسر التقرير ذلك: "اعتمدت بلدان الاستقبال العربية على الشركات الاجنبية بكثافة لإنشاء مشاريع البنية الاساسية وإدارتها، وللتوسع فى انشطة الخدمات، وتم كل ذلك بإدارة يعود اغلبها الى الشركات المتعددة الجنسية التى طبقت طرق انتاجها واستقدمت العمالة التى تناسبها". ويضيف: "فى فترة القمة "من 1980 الى 1987" كانت اكبر 250 شركة مقاولات فى العالم تعتمد على الشرق الاوسط فى تنفيذ ثلث عقودها، وبلغت قيمة تلك العقود 28.9 بليون دولار سنوياً فى الشرق الاوسط، كما اعتمدت ادارة عائدات النفط وبناء مؤسسات الاقتصاد الحديث من مصارف وتأمين وخدمات فندقية على إدارة الدولة للمشاريع، ثم اصبحت المشاريع الوطنية الكبرى تعمل وفق الادارة الدولية للمشاريع وتتوسع فى البلدان الأخري، وعلى الرغم من كل ذلك فإن الشركات المتعددة الجنسية التى تعود للبلدان العربية لم تزد على ثلاث من بين أكبر 500 شركة فى العالم".
الهجرة غير الشرعية
وحسب تقديرات تقرير منظمة العمل الدولية، اتسعت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بشكل ربما يفوق الهجرة المماثلة فى التجارب الاخري، وذلك على رغم شدة القيود ووجود نظام الكفالة الذى يشرك مجتمع الكفلاء فى الرقابة على الهجرة.
ويُقدر التقرير ان "هناك 15 فى المئة من القوى العاملة الوافدة يقيمون بصفة غير شرعية، يشير الى ذلك ما تكشفه الحملات على الهجرة غير الشرعية من وقت لآخر، ففى الفترة من 1996 الى 1998، مُنح المخالفون مهلة لإعفائهم من العقوبة لإقامتهم غير الشرعية، وكان عددهم فى السعودية والإمارات وحدهما 952 ألف مقيم غير شرعي، أما فى ليبيا فكانت تلك الحملات تأخذ اشكالا عنيفة متكررة منذ عام 1972 وكان آخرها عام 2000، ويُتوقع ان تستمر محاولات تهريب المهاجرين والاقامة غير الشرعية، على رغم القيود التى تزداد شدة، لأن دواعى الانفتاح تزداد قوة هى الاخري، كما ان الجريمة المنظمة تزداد تنظيماً".
احداث سبتمبر والهجرة العربية
وبشأن اعتداء ايلول والهجرة العربية، يمضى التقرير: "غالباً ما يكون هناك تجاذب بين الاعتبارات الامنية وحقوق الانسان، وغلب اعتداء ايلول "سبتمبر" الاعتبارات الامنية بوضوح، ولم يقف الامر عند ردود الفعل المباشرة التى يمكن تفهمها، بل امتد الى تعديلات مؤسسية وتشريعية ستؤثر فى تيارات الهجرة، ليس فى الولايات المتحدة وحدها بل فى بلدان اوروبا واستراليا، ومهد لهذا الامر تيار اليمين السياسى المتصاعد فى مختلف انحاء العالم".
ويخلص التقرير: "تزيد العولمة من دوافع هجرة الكفاءات العربية مثل باقى كفاءات العالم النامي، غير أن محطات الاستقبال ستكون محدودة سواء فى البلدان العربية او بلاد المهجر الأجنبية، وسيستمر نزر يسير منها الى البلاد الاوروبية، الا ان استغلال طاقة المتميزين منهم قد يتكثف من دون ان يغادروا بلدانهم وقد تحمل العودة لفكرة السوق شرق أوسطية اساليب جديدة فى الاستفادة من تلك الكفاءات".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث اقتصادى ومحرر في مركز الابحاث والدراسات في جريدة "العرب الاسبوعي" - لندن
economistghassan@yahoo.co.uk
www.alarabonline.org