كتاب فلينزع الحجاب تأليف: شاهدورت جافان اثار ضجة في الاوساط الثقافية بل والرسمية في سوريا ولكن تحت الرماد كما هي العادة دائما واليكم .
مقطع من المقدمة
تَحَجَّبْتُ طَوال عشر سنوات. كان الأمر الحجاب أو الموت. لهذا فأنا أعرف عَمَّا أتحدث. بعد الكارثة التاريخية التي شهدها العام 1979، احتَلَّ الإسلام وفروعه مكاناً بارزاً في أنظومة إيران التربوية، التي أصبحت إسلامية جذرياً، منذ المدرسة الابتدائية حتى الجامعة أياً كان نوع الدراسة، بمواضيعها الإلزامية التي لا تنضب: سور القرآن وتفاسيرها، والأحاديث، والشريعة، والمذاهب الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، والمجتمع الإسلامي، والنظرة الإسلامية إلى العالم. وكان الشعار الذي يقرع الأسماع على مدار السنة: «ما الفائدة من العلم إن لم يكن في خدمة الإسلام»؟
كنت تلميذة مجتهدة. مَرَّ عليّ زمن كان باستطاعتي أن أصبح إماماً أو آية الله، لو وجد مكان للنساء في هذه الأمور.
قُمِعتُ منذ الثالثة عشرة إلى الثالثة والعشرين من عمري، محكومة بكوني مسلمة، خاضعة ومسجونة تحت سواد الحجاب. من الثالثة عشرة إلى الثالثة والعشرين. ولن أسمح لأيٍ كان أن يقول إنها كانت أجمل سنوات حياتي.
ليس بوسع من يعيشون في البلدان الديمقراطية أن يعرفوا كيف تغدو الحقوق، الطبيعية جداً في نظرهم، أمراً لا يمكن تصوره في الأنظمة الدينية الإسلامية. كنت أستحق، كما كل كائن بشري، أن أولد في بلد ديمقراطي، فلم أحظ بهذا النصيب، لذلك وُلدتُ ثائرة ناقمة.
ولكن ما هو هذا الحجاب، وماذا تعني سُكنَى جسدٍ مُحَجَّبٍ؟ وأن أكون محكومة بالحبس في جسد مُحَجَّب لأنه مؤنث؟ من له الحق بالكلام في هذا الشأن؟
كنت في الثالثة عشرة عندما فُرض القانون الإسلامي على إيران تحت سيطرة الخميني العائد من فرنسا مع بركات كثيرين من المفكرين الفرنسيين، الذين قَرَّروا، مَرَّةً إضافية، كيف ينبغي أن تكون حرية غيرهم ومستقبلهم. وأفاضوا، أيضاً وأيضاً، بإلقاء المواعظ الأخلاقية وبإعطاء الدروس السياسية. وفشلوا مرة أخرى في رؤية ما هو قادم، ولم يفهموا شيئاً. كما أنهم نسوا، مرة أخرى، كل شيء، وتهيأوا ـ تعضدهم أخطاؤهم السالفة ـ لكي يرصدوا المحنَ التي تنزل بالآخرين دون أن يخشوا عقاباً ولا عاقبة، ولكي يتألموا بالوكالة، مع احتمال القيام ببعض المراجعات المؤلمة، في اللحظة المناسبة: مراجعات لا تمس راحة ضمائرهم ولا كبرياءهم وغطرستهم. يتكلم بعض المفكرين الفرنسيين نيابة عن الآخرين بكل طيبة خاطر. وها هم اليوم يتكلمون مكان اللواتي لا نستمع إليهن ـ هذا المكان الذي ينبغي لأي كائن سواهن أن يكون له القدر الكافي من اللياقة كيلا يحاول احتلاله. إن هؤلاء المثقفين يواصلون على الطريق نفسه ويُوقّعون ويُقدّمون العرائض. يتكلمون عن المدرسة، حيث لم يضعوا أقدامهم منذ مدة طويلة، وعن الضواحي التي ما سكنوها قط، وعن الحجاب الذي لم يقيموا تحته أبداً. ويضعون الخطط ويدبّرون وينظّمون، ناسين أن من يتكلمون عنهن موجودات، يعشنَ في فرنسا، بلد القانون، وأنهن لسن موضوع مبحث أو معالجة مسهبة، ولا نتاج حصيلة جمعية توضع في متن مؤلف من ثلاثة أقسام. فهل سيمتنعون نهائياً عن تبليط جحيم الآخرين بحسن نواياهم، جاهزين لفعل أي شيء ليشاهدوا اسمهم في ذيل مقال في صحيفة؟
أيستطيع هؤلاء المفكرون إعطائي جواباً؟
لماذا تُحَجَّبُ البنات، والبنات فقط، المراهقات ذوات الستة عشر عاماً، والأربعة عشر، والصغيرات ذوات الإثني عشر عاماً، والعشرة والتسعة والسبعة أعوام؟
لماذا نُغَطّي جَسَدَهُنّ وشَعرَهن؟ ماذا يعني فعلاً حجاب البنات؟ وما الذي يحاولون ترسيخه فيهن وطبعه ببطء في أذهانهن؟ ذلك أنهن في البدء لم يَخْتَرن الحجاب. بل حُجِّبْن. وكيف يَعِشْنَ، ويَسْكُنَّ جسدَ مراهقة محجبة؟ وعلى كل حال، لماذا لا يُحَجَّب الصبيان المسلمون؟ ألا يمكن أن تثير أجسامهم وشعورهم رغبة البنات؟ إلا أن البنات لم يُصنََعْنَ ليملكن الرغبة الجنسية، إنهن في الإسلام أداة لشهوة الرجال فحسب.
ألا نُخفي ما نَخجلُ منه؟ عيوبَنا، ونقائصَنا، وتقصيراتِنا، وضعفنا، وحرماناتنا، وشذوذنا، وتشوهاتنا، وعَجْزنا، ودناءاتنا، وخَوَرنا، وأخطاءنا، ودونيّتنا، وخمولنا، وهشاشتنا، وأخطاءنا، وخِداعَنا، وجرائرنا، وآثامنا، وسرقاتنا، واغتصاباتنا، وخطايانا، وجرائمنا؟
منذ ولادة البنت عند المسلمين، تعتبر عاراً ينبغي ستره، لأنها ليست ولداً ذكراً، وهي تُمثّل في ذاتها النَقْصَ والعَجْز والدونية… وتُعتَبر أداة كامنة للجنوح. وإلى خطيئتِها تعود كل محاولة لممارسة الفعل الجنسي يقوم بها الرجل قبل الزواج. وهي أداة الاغتصاب المُحتَملة وأداة الخطيئة وزنا المحارم، بل والسرقة، لأن الرجال يستطيعون سرقة حيائها بنظرة مجردة. وباختصار، هي الإثم مُشَخّصاً، لأنها تخلق الرغبة الجنسية، وهذه الرغبة نفسها آثمة عند الرجل. تشكل البنت تهديداً دائماً للمبادئ والأخلاق الإسلامية. إنها أداة الجريمة المُحْتَملَة، مذبوحة بيد الأب أو الإخوة من أجل غَسْل الشرف المُلَطَّخ. ذلك أن شرف الرجال المسلمين يغسل بدم البنات.
إن الذي لم يسمع صراخ اليأس تطلقه نساء في غرف التوليد بعد أن وضعن بنتاً ولم يَضَعن الصبي المرغوب؛ ومن لم يسمع بعض النساء يتضرعن ويطلبن الموت للبنت التي وضعنها أو يطلبنه لأنفسهن؛ ومن لم يشاهد استغاثة أم وضعت لتوها مثيلتَها، هذه التي ستلقي في وجهها آلامها وعذاباتها الذاتية؛ ومن لم يسمع أمهات يَقُلْن: «أرموها في صندوق القمامة، اخنقوها إذا كانت بنتاً» من خوفهن من الضرب أو التطليق، لا يستطيع أن يفهم ذل أن تكون امرأة في البلاد الإسلامية. أود هنا أن أحييّ فيلم جعفر باناهي ـ الدائرة ـ الذي يقدم إلينا لعنة ولادة بنت في بلاد الإسلام.
لنصغِ إلى آلة فصاحة بعض المثقفين الفرنسيين وهي تعمل. إنها مروضة ومُزيّتة جيداً وهذا ما يَسُرُّ. مُحَرّكها ذو ثلاثة أزمنة. الأول: نحن لسنا من أنصار الحجاب (من دواعي الارتياح معرفة ذلك). الثاني: نحن ضد الاستبعاد من المدرسة (يعني: ضميرنا مرتاح بشكل مضاعف). الثالث: لنترك للزمن وللتربية أن يفعلا فعلهما (لنفهم جيداً: دعوا الآخرين يتصرفون، مرةً أخرى). البنات المحجبات يعشنَ محجبات، والمعلمون يتدبرون أمورهم. لقد تكلم «بيلاطيسيو» الفكر. وبوسعهم العودة إلى شؤونهم الصغيرة، ليتفلسفوا وليعالجوا الأمور بإسهاب بانتظار العريضة القادمة. التاريخ يمر، «وكلاب الحراسة تنبح».
المصدر:
http://darpetra.com/index5.htm