نجاحات في الصراع مع الايدز
إكتشف الباحثين ان مجموعة من العاهرات قد "انعم الله عليهم" بالمناعة ضد الايدز ، والبعض الاخر ،وبالرغم ممارسته العهر كمهنة منذ زمن طويل وفي منطقة موبوءة بالايدز، "حفظهم الله" من الاصابة تماما.
احدى هذا المناطق تقع في جنوب افريقيا، حيث نجد مثلا , ان 70-80% من الراقدين في المستشفيات للعلاج من الايدز او فيروس نقص المناعة قادمين من المنطقة حول مدينة Dubran، وكل ثاني امرأة حامل، مصابة بالايدز. في نفس الوقت يزداد عدد الايتام كل يوم ولايظهر ان هناك آمل قريب في نهاية النفق.
كيف حصل ان تمكنت اجهزة المناعة عند هذه العاهرات ان تطور دفاعا فعالا ضد الايدز، وهل يمكننا نقل هذه النجاحات الى اجسامنا؟ (هذا ليس طلب فتوى).
لحسن الحظ فأن العلماء بدأت تجد حلولا. لقد تمكن البروفيسور Bruce Walker من مدرسة هارفارد الطبية في الولايات المتحدة الامريكية من إضاءة شمعة الامل. قبل ثلاث سنوات اصبح البروفيسور رئيسا لمختبر ابحاث جديد عن الايدز، ليبدأ بوضع 20 الف مريض تحت إشرافه. بنتيجة هذا البرنامج تمكن الباحثين من الحصول على معلومات لاتعوض عن فيروس نقص المناعة عند الانسان HIV, ومرضى الايدز. الان يظهر ان العلماء قد تمكنوا من حل احدى اهم المعضلات، وهي: لماذا لايستطيع جهاز المناعة عند الانسان من القضاء على فيروس المسبب للايدز.
خلايا جهاز المناعة تدخل في سبات شتوي
منذ عام 1987 وجد العالم Bruce Walker وزملائه انه وحتى في مرحلة الايدز يملك المرضى في دمهم خلايا الكريات البيض المخصصة للقضاء على فيروس HIV. هذا الاكتشاف يعني ان هناك مايعيق هذه الخلايا عن القيام بوظيفتها. هذا الامر دعى العلماء الى وضع فرضية تقول بأن خلايا المناعة وفي خضم صراعها مع فيروس نقص المناعة عبر عدة سنوات، تصاب بأضرار داخلية تكبح قدرتها على الاستمرا في الصراع.
الان قامت مجموعة بقيادة البروفيسور Bruce Walker ومجموعة اخرى بقيادة Rafik-Pierre Sékaly بدراسة جهاز المناعة عن قرب واكتشفت كيف يقوم فيروس المناعة بإستغلال ميكانيزم حيوي مخصص لحماية الجسم ضد الامراض ذات المناعة الذاتية.
فيروس نقص المناعة يقوم بتنشيط "زر" في جسم خلايا الكريات البيض الجاهزة للانقضاض عليه، بحيث يجبرهم على العودة الى حالة النوم.
إضافة الى ذلك تمكنت كلا من مجموعتي البحث إثبات انه ومن خلال سد الطريق على وسائل الفيروس التي يتمكن بواسطتها من تحييد الخلايا البيض، يمكن إعادة إيقاظ الخلايا، وإعادتهم الى وظيفتهم. هذا الاكتشاف تمكنوا من الوصول اليه بعد مجموعة من الابحاث على فئران مصابة بإلتهابات مزمنة. الابحاث اجريت بقيادة البروفيسور Rafi Ahmed من جامعة ايموري في الولايات المتحدة الامريكية.
قد يكون من الصعب على البعض إستيعاب ان جهاز المناعة عند الفئران يعمل بنفس الطريقة كما عند الانسان، غير ان جهاز المناعة ظهر في مرحلة تطور مبكرة تعود الى ماقبل ظهور الحيوانات ولذلك فهو مشترك بين الحيوانات والانسان في مبادئه العامة. في نفس الوقت فأن الفيروس ايضا كائن قديم وله ميكانيزم العمل الاول حتى اليوم، الامر الذي يسمح لجهاز المناعة " بتعلم" كيفية مقاومته. الفيروس يدخل الى جسم الضحية ويسيطر على جهاز إعادة نسخ الذات ويجبره على نسخ الفيروس، ليعيد إنتاج نفسه. مايميز فيروس فقدان المناعة عن بقية الفيروسات انه يقوم بالاستيلاء والسيطرة على جهاز المناعة نفسه.
جهاز المناعة معقد للغاية ويملك العديد من الاسلحة الدفاعية لتتناسب مع محتلف انواع الاعداء. الدفاع يقوم على مبدأ التعرف على المهاجم من اجل التفريق بين خلايا الجسم والخلايا الدخيلة. هذه المهمة يقوم بها جيش من الخلايا التي تتدفق بإستمرار في جميع زوايا الجسم بحثاً عن الغرباء. في هذا العالم لاتملك الخلايا عيون وهي تعتمد بشكل كامل على التماس المباشر للتعرف على العدو ونوعه. إذا اعتبرت خلايا المناعة ان الجسم الذي مسته هو جسم غريب تبدأ على الفور بإطلاق عملية القضاء عليه وتفكيكه.
الخلايا المريضة تنتحر
عندما يتعلق الامر بفيروس فقدان المناعة، يقف الجسم امام مشكلة عويصة. الفيروس لايسبح في الدم حتى تلتقي به الكريات البيض وانما يختفي في الكريات البيض نفسها، وبالتالي لاتستطيع خلايا المناعة السليمة العثور عليه ومسه من اجل تعريفه. لهذا السبب نجد ان جهاز مناعة الانسان والحيوان قد انتجت طريقة خاصة للتخلص من فيروس من مثل هذا النوع عن طريق الانتحار الذاتي. الخلايا المصابة تضحي بنفسها للقيام بوظيفتها في حماية الجسم.
هناك ميكانيزم خاص في دفاع الجسم يسمى الخلايا القاتلة او cytotoxiska T-cells, وهي التي تقوم بتنشيط برنامج الانتحار الذاتي. البرنامج قريب من برنامج اخر مخصص للتخلص من البروتينات المستهلكة وإعادة إنتاجها. جميع خلايا الجسم البروتينية سيكون مآلها يوما ما في "سلة المهملات" وقسم منها يعاد إستخدامه في بناء البروتينات الجديدة ،ولكن أقسام مختارة منها بطريقة عشوائية، يجري تجميعها بإستمرار وتنقل الى خارج الخلية حيث يجري عرضهم "بفترينة" خاصة. تسمى Receptor
الخلايا القاتلة تستعرض اشلاء البروتين وتعيد التعرف عليها، ومن حيث ان فيها بقايا بروتينية من فيروس نقص المناعة، فأنها تملك فرصة ان تتعرف عليه . الخلايا المصابة يجري قتلها وتفكيكها.
ولكن هذا النظام يملك نقطة ضعفه. انه يشكل خطر على الخلايا السليمة نفسها. إذا حدث خطأ ما، يمكن ان تبدأ الخلايا القاتلة بقتل خلايا الجسم السليمة معتقدة انها غريبة ، الامر الذي سيؤدي الى مجزرة للجسم بأكمله. هذا الامر نعرفه من مرض السكر typ |-diabetes, حيث يقوم جهاز المناعة بتحطيم خلايا هامة للجسم وبالتالي يطلق مرض مزمن.
من اجل منع حدوث مثل هذا الامر يملك الجسم في الاحوال العادية قواعد صارمة للسيطرة على الخلايا القاتلة من خلال ايقافهم عن العمل بعد فترة قصيرة.
في التجربة مع الفئران وجد الباحث Rafi Ahmed, ان الوقت المخصص لخلايا القتل لممارسة نشاطها كان حاسماً ليقرر فيما إذا كان الفيروس سيتم القضاء عليه ام يتحول الى مرض مزمن. على العكس من الفئران التي تم القضاء على إلتهاباتها، كانت الفئران التي حصلت على امراض مزمنة تملك كمية كبيرة من بروتين يسمى Programmed Death 1 (PD1).
منذ زمن طويل والعلماء تعلم ان PD1 يمكنه كبح الخلايا القاتلة والتجربة على الفئران اظهرت ان الفيروس تمكن من إستغلال هذا البروتين من اجل ايقاف عمل الخلايا القاتلة وتنويمها، قبل ان تتمكن من القضاء على الخلايا المصابة. لهذا السبب اصبحت الاصابة مزمنة.
الفئران كانت مصابة بفيروس يسمى LCMV, ولاعلاقة له بفيروس نقص المناعة الحيوية، ولكن إكتشاف إمكانية كبح الخلايا القاتلة بواسطة PD1 اظهرت ان ذلك هو ميكانيزم عام، يمس كافة انواع الفيروسات. ان إعطاء الخلايا القاتلة وقتا محدودا لتنفيذ مهمتها هو ميكانيزم ضروري من اجل تعطيل إمكانية تحول الخلايا القاتلة الى خلايا ضارة.
من خلال معطيات دراسة البروفيسور احمد اصبح من الممكن التعمق بدراسة دور هذا الميكانزم الكابح في مختلف الامراض المزمنة. لقد اظهر انه من الممكن إعادة تنشيط الخلايا القاتلة من خلال تعطيل مؤثرات برنامج البروتين الكابح، الامر الذي اعطى البروفيسور Bruce Walker و Rafik-Pierre Sékaly فكرة دراسة دور PD1 في نشوء مرض الايدز.
Walker قام بدراسة عينات من الدم مأخوذة من 71 شخص افريقي من حملة فيروس نقص المناعة، في حين قام Sékaly بدراسة عينات دم مأخوذة من 19 مريض امريكي. الدراسة اظهرت، ليس فقط ان الخلايا القاتلة كانت ممتلئة ببروتين الكبح PD1, بل وانه كلما زاد عدد فيروس نقص المناعة كلما كلما زادت كمية البروتين الكابح للخلايا القاتلة. لقد اظهرت الابحاث ان فيروس نقص المناعة هو الذي يجبر الخلايا القاتلة على انتاج بروتين الكبح الذي يرسلها الى حالة النوم.
العلماء كانوا يعرفون ان بإستطاعتهم إعادة إيقاظ الخلايا القاتلة من خلال عزل بروتين الكبح ومنع تواصله مع الخلايا القاتلة، هذا العزل يتم بمساعدة مادة مضادة للاجسام antibodies, يحقن الجسم بها، كما في الصورة. بروتين الكبح PD1 يقوم بتنشيط نفسه من خلال ربط نفسه ببروتين اخر يسمى PD1-Ligand (PDL1), موجود على خلية ليمفاوية تسمى dendritcell.
من خلال عزل PD1 عن PDL1, يستطيع العلماء منع وصول الاشارة المرسلة وبالتالي تبقى الخلايا القاتلة نشيطة وتؤدي وظيفتها.
التطبيق اظهر صحة النظرية ، إذ عندما اعطي المرضى حقنة تحتوي على انتي كروب (antibodies) خاص، بدأت الخلايا القاتلة بالانقسام واطلاق بروتين للصراع مع الفيروس.
الان اصبح من الواضح ان فيروس نقص المناعة يقوم بإستغلال الميكانيزم الموجود في الجسم ليجعله يعمل ضد الجسم. الان يفحص العلماء إمكانية إستلال هذا الاكتشاف ضد فيروس الايدز وفيما إذا كانت الاجسام الليمفاوية كافية لمقاومة المرض.
جوانب ضارة لهذا الاكتشاف كدواء
إستخدام هذا الاكتشاف لمعالجة مرضى الايدز له جوانبه السلبية. البروتين الكابح للخلايا القاتلة يوجد عمليا في العديد من الخلايا الاخرى وليس فقط الخلايا القاتلة، وبالتالي من خلال حصار وعزل البروتين الكابح نجازف بالتأثير على بقية الخلايا وتعطيل مهماتها الحيوية. نحن نعلم مثلا ان الفئران التي تهندس جينيا بحيث ان تفقد البروتين الكابح تماما تنمو لديها امراض مزمنة ولها مناعة ذاتية مثل الروماتيزم والاستما، على الاغلب بسبب ان الخلايا القاتلة ومع الزمن تبدأ بالتعدي على خلايا الجسم السليمة.
الان سيقوم العلماء بتجربة الامر على البشر، بالتعاون مع شركة Medarex, لمعرفة فيما إذا كان ذلك ايضا يتعلق بالبشر.
وحتى لو ثبت انها تؤثر بنفس الطريقة فمن الممكن ان تكون خيارا افضل من الموت. هذا الاكتشاف يمكن ان يكون مفيدا ايضا في مكافحة السرطان . نحن نعلم ان الخلايا القاتلة لاتكتشف الفيروس فقط في اسجتنا ولكن ايضا يمكنها ان تكتشف التغيير الجيني في الخلايا السرطانية، وتجبرهم على الانتحار. العلماء اكتشفوا في اجسام المصابين بالسرطان كمية كبيرة من الخلايا القاتلة " النائمة" تماما كما في حالة الايدز.
طريقة اخرى يجري بحثها ايضا هي الاستفادة من مجموعات إستطاع جهاز مناعتها النجاح في التخلص من فيروس نقص المناعة. هذه المجموعات تسمى "elite controllers", ويكتشف المزيد منها بإستمرار. هذه المجموعة من البشر تحمل فيروس نقص المناعة ولكنها لاتمرض. لااحد يعرف كيف يقوم جهاز المناعة لديهم بالوصول الى هذه النتائج ولكن العلماء يعتقدون ان الخلايا القاتلة عندهم لاتنتج الكثير من بروتين الكبح عندما يتعرضون لفيروس نقص المناعة. هذه النظرية تم إثباتها اخيرا من قبل الدكتور Sékaly, بدراسة تمت على 12 شخص تنتمي الى هذه النخبة. مجموعة اخرى من العاهرات تثير اهتمام العلماء، إذ تبدو كل المعطيات ان لديهم مناعة ضد فيروس نقص المناعة، ومنهم امرأة من كينيا اسمها Dorothy Mumbe, حيث مارست عمل الدعارة منذ عام 1997 في منطقة موبوءة بفيروس نقص المناعة بدون ان تصاب على الاطلاق..
للوضول الى المصادر، إضغط هنا
مصادر:
Bruce D. Walker
The Virus Fighters
Immune Cells
Human immunodeficiency virus
HIV-Specific Effector
Rafi Ahmed
Tvåstegsmålsökning för effektiv nuklidterapi
Human Immunodeficiency Virus (HIV) Infection
Antitumorala mekanismer
Effektivare Cellgifter
Tumörvirus kamp mot immunförsvaret
cellular immunology