كتبت هذا الكلام منذ اربع سنوات واري انه مازال يصلح ليومنا هذا:
هل يكفي العلم لحسم النقاش عن التطور؟
والاجابة هي نعم.
اما لماذا نعم ؟ فببساطة لان العلم هو مجرد تكاثف لطرق تفكير معينة تطورت علي مر التاريخ البشري.
هذه الطرق اثبتت صداقتها للانسان ، فالانسان الذي يملك تصوراً للبيئة ، وللكون ، مستمداً من العلم ، يكون اقدر علي الاستفادة من البيئة وبالتالي ..الاقدر علي البقاء.
فمحل الجدل ، والذي يحاول السفسطائيون طمره باي طريقة لهو " تصور الانسان للكون" .
البعض يملك تصوراً للعالم مستمد من العلم
والبعض يملك تصورا مستمدا من تجاربهم الذاتية وخرافات محلية تربوا عليها
عندما اقول ان العلم يقول الحقيقة فانني اعني في الحقيقة انني املك" تصوراً للكون" مستمد مما يقول العلماء انه صحيح (بابحاثهم واستنتاجاتهم).
والقول بان العلماء لايقولون بان اي شئ هو صحيح لهو ضرب من ضروب السفطسة العدمية التي يصل الجدل مع اصحابها الي اللاجدوي .
كل قضية في العلم لها قيمة اما 1 او صفر ، وان كان لاجدوي من استحصال هذه القيمة من العلم لما كان هناك جدوي من العلم ككل.
صحيح ان بعض التطورات قد تحدث علي مسار نظرة العلم لشئ ما ، ولكن هذا يتم في اطار التطور الطبيعي وليس التعارض .مثلاً تصور العلماء للذرة تطور من نظرية دالتون لرذرفورد للنظرية الحديثة ولكن كل نظرية كانت تدع مكانا لتطوراتمستقبلية قد تحدث بحيث اننا نقول ان النظرية الحديثة هي مجرد "انضاج" للتصور الاول هذا الانضاج له اسبابه المستمده من ابحاث واستنتاجات ترتبت عليها فأنت عزيزي القارئ لاتنضج قطعه من اللحم لتجد سمكة في االاناء (فدالتون لم يقل مثلاً ان هناك كائن اسمه لالولا يعيش في الذرة والالكترونات هي غائطه واتي رذرفورد فاثبت كذبه مثلا) .. يعني ما اقصد قوله انه كون العلم يمر بمراحل تطور مختلفة لايعني ان احد هذه التصورات هي خاطئة ولكنه لايعني ايضا ان العلم لايفرق بين الصح والخطأ.
هناك شئ لايعرفه البعض هنا اسمه state of the art ومعناه تصور العلم الحالي لشئ ما ، والانسان الواعي الناضج عليه ان يملك تصوراً عن الكون مستمد من هذا ال state of the art .
ببساطة التطور هو ال state of the art في البيولوجيا تماما كما ان النظرية الذرية الحديثة هي الstate of art في الفزياء الذرية وكما ان النظرية التكتونية هي الstate of the art في تفسير الزلازل.
الرؤية العلمية للتطور تشبه كثيراً عمليه الزوم بالكاميرا ، فالصورة في البداية تكون ليست واضحة Blurred ثم يقوم المصور بتوضيحها بتحريك الزوم بحساسية.. وكلما اقترب من النقطة الافضل نشعر اننا بدأنا نتعرف علي الصورة .. مثلاً نخمن انه حيوان ثم نحدد انه قطة ثم نبدأ بمعرفة تفاصيل دقيقة كلون القزحية ونمط الفرو وماالي ذلك..
كذلك التطور ، العلماء الان هم بصدد عملية "التزويم" هذه ، فهم عرفوا الخطوط العريضة لما حدث ..هناك طفرات عديدة واليات اختيار.. صحيح ان التفاصيل الدقيقة ليست معروفة ، ولكننا لن نصحوا غدا من النوم لنجدهم يقولون ان الحيوانات وجدت لان المريخ قرر لعب التنس مع المشتري مثلاً .. يعني الوضع تماما يشبه عمليه التزويم فانت عندما خمنت انه "حيوان" لن تجده في النهاية زهرة .. التفاصيل ليست واضحة صحيح ..لكنها واضحة بما يكفي لاستبعاد الكثير واعطاء خطوط عامة تبدو بها قصة الخلق قصة ملفقة من شخص جاهل لا أكثر.
اقول هذا لأن السفسطائيون يعني يشعرونك بحديثهم وكأن مبدأ "عدم التأكد" لهايزنبرج يعني انك قد تخمن انها صورة قطة ثم تجدها في النهاية "زهرة" .
يعني حتي لو ان هناك جدل .. فهو جدل "في" التطور وليس "عن" التطور.. جدل صحي داخلي يهدف للوصول لنظرة اكثر نضجا.
نأتي الان لنقطة يثيرها الدينيون كثيراً فهم يقولون (طنطاوي ، خرافاتي لا تتعارض مع العلم ، تصورك عن خرافاتي خاطئ ، انت جاهل حاقد علي خرافاتي، خرافاتي قالت كذا وكذا )
عندها ارد عليهم بمثال العربة التي يجرها حصان
فانت عندما تشاهد عربة يجرها حصان فانك تعرف بيهيا ان الحصان هو العنصر الاساسي في حركة العربة ، العربة والجالسون فيها والزينة فوق رأس الحصان هذه كلها اشياء لاتؤثر علي قوة دفع الحصان.
عضلات الحصان هي من يقوم بالعمل كله
وكذلك الوضع بالنسبة للحضارة الان ، اذ انه من الثابت ان العلم هو القوة الدافعة للحضارة ، كون خرافات معينة قد تم "تقليمها" بحيث تستطيع الركوب بعربة الحضارة فانه يماثل تماما ان احدهم قد وافق ان يجلس في العربة ، وليس انه صار القوة المحركة لها.
ببساطة اعادة تفسير الخرافات بحيث تتوائم مع العلم هو يثبت ان الدين مجرد تابع جالس في العربة الخلفية ، ولايؤثر علي شئ.
اذ انه اكثر المؤدلجين الاسلاميين شراسة لم يدع ان الاسلام هو من وضع منهجيات العلم ، وانما اقصي ادلجتهم هي ان الاسلام قد "حض" علي العلم ، او دعا للعلم او الخ...
يعني هل الادلة والحيثيات الحالية تشير لصواب قصة الخلق الواردة بالقران؟
او حتي تترك احتمالية ان تسير الاحداث بحيث تشير لصحتها، وحرفيتها بالمستقبل؟