قبل الخوض في موضوعي هذا أحب أن أورد ملاحظة تكرر معي سواء من خلال علاقتي بالمتدينين أو خلال قراءاتي والاحتكاك الفكري بهم
ملاحظة دائما متكررة ومفاجئة وهي تنص على أن أقل الناس فهما , وتمعنا في النص الديني هم المدينون , حتى لأجده تساؤلا يراودني دائما حول وجود قوى خفية من فئة الإرهاب الذي يرهب شخصية تملك جبنا داخليا أكثر من امتلاكها عقلا ناقدا هذا الإرهاب الفكري هو الذي يودي بهذه الشخصية إلى التدين

والله أعلم
(f)

ليس كل المتدينين مثل تلك النماذج التي احتككت بهم فالعقل والفهم ليس حكرا على فئة دون أخرى

التعميم مبدأ غير منطقي ففي المتدينين عباقرة وفي الملحدين أغبياء مأفونين
التقوى والإيمان قد تكون نتيجة عقل وفهم وعلم وقد يكون التدين السطحي القشري كالوهابية غباء وسذاجة فالأمر له عدة وجوه وليس وجها واحدا.

وفي الملحدين أغبياء مأفونين

هذه الملاحظة الوحيدة التي أتفق معك فيها وقد أكون أنا أحد هؤلاء الملحدين المأفونين .....

أما بقية كلامك فهي نطلب مني التعميم أكثر من استنكارها للتعميم حتى أنك تريدني أن أقول أن المتدين ليس بأفل الناس فهما و تمعنا بالنص الديني بل في أي نص على إطلاقه وقد برهنت لي على ذلك في ردك عندما رددت على ما لم أقله لأنك لم تتمعن بالنص فأنا لم اتهم المتدينون بضآلة عقولهم بل اتهمتهم بقلة تمعنهم بالنص الديني فقط
أما هجومك على الوهابية واتهامهم بالتدين القشري فقد أوحى لي بسر أخفيته
قدس الله سرك
(f)

بالعودة إلى الموضوع
هل الدين نص أم طقس ...؟
للإجابة على السؤال لا بد من تحديد ماهية النص الديني وعلاقته بالطقس

فالنص الديني وحسب تصنيف الدارسين يقسم إلى :

1_ فقه
2_ شريعة
3 _ طقس

وهذه تقابل :
_ فلسفة أو لاهوت أو علوم دينية ( وهي جزء من النص )
_ أحكام وحدود وقوانين دينية إن جاز التعبير ( وهي نصوص وطقوس معا )
_ عبادات وسلوك وأخلاق ( طقوس خالصة )

أولا : في باب الفقه يمكن القول أن الفقه الديني لا يملك أن يغير في الواقع شيئا فوجود الواقع وجود موضوعي ليس لفلسفة ولا لاهوت وأي نص مقدرة التغيير فيه إنما يعمل النص _ ومن أي نوع كان _ على إعادة تفسيره تفسيرا هادفا يُستخدم في التمهيد للتشريع والطقس

فأن يكون للكون خالقا مثلا يعني أن يكون الكون وبشره وحيواناته وشجرة مخلوقة لغاية , هذه الغاية لا تغير في الطبيعة ولا الوظيفة البيولوجية لهذه المخلوقات إنما تردها أو تسخرها فلسفيا لهذا الخالق و أهدافه المفترضة والتي هي أهداف بشرية تماما تطقس إلهيا

و أن لا يكون للكون خالق فإن الطبيعة البيولوجية والوظيفة البيولوجية تكونان موضوعيتان لا يتغير فيهما شيء
والنتيجة أن الوجود ذاته هو هو بخالق أو بدونه أنما المسألة مسألة افتراض اعتبارات لا أكثر ولا أقل

هذه الاعتبارات ستغير من هدف التشريع ليس إلا ولن تغير في التشريع نفسه

ثانيا : في باب التشريع
والتشريع أو القانون يهدف إلى خلق موازنة بين الأمن الحرية .
وسواء كان هذا التشريع مستند إلى حيثية دينية أو وضعية فلا هدف له غير إحقاق هذه المعادلة
إنما يزًيل في التشريع الديني بغايات دينية ( تحمل لون طقسي ) ويزًيل في التشريع الوضعي بغايات دنيوية بحتة لها بعد اجتماعي

ثالثا : في باب الطقوس

والطقس في الأديان إما لذاته أو مبرْرا لأجل قيمة ما
غير أن القيمة في كل الأحوال مرتبطة بالكائن الواقعي , ولا يضيف لها الطقس الديني أي بعد قيمي أنما فقط هو يربطها بطقس ممارسة معين يٌميز الممارس دينيا عن مجموعة دينية أخرى

يتبع .....

و إذا كان الدين في عصر الأديان يحمل في طياته أبعاد سياسية و اجتماعية لها بعدها الإصلاحي
إلا أنه في عصر العلم اختصر الدين بالطقس فقط , حيث تفوق العلم في مجال السياسة والاجتماع , وبقي الدين على نصوصه البدائية التي صارت في غالب الأحيان عامل تخلف و ردة حضارية

غير أن الدلائل في واقع متخلف قد لا تكون متطابقة مع ما ذهبنا إليه حيث يبدو النص الديني أعلى من واقع الحال
ولكن هذا لا يمنع من أن النتائج المخبرية للبديل العلمي على هذه الشعوب ذات مردود سريع وإنتاجية أعلى

بالنتيجة وعلى العموم فإن الواقع المعاصر ألغى أو أحبط النص الديني فلم يبق من الدين سوى الجانب الطقسي
لذلك نجد اليوم أن القاعدة السائدة لدى دعاة التدين وعلى مختلف الأديان صارت تشترط في التدين التمذهب أو تبعية لراعي ديني كالكنيسة الفلانية أو الشيخ الفلاني أو صاحب الطريقة أو الفقيه أو المرشد

فلم يعد النص الديني قادرا على القيام بدوره المباشر كنص موجه إلى الفرد إنما صار نصا غامضا لا بد من أن يمر من خلال المرشد الذي يعيد طعْوٌجة النص بما يسمح بإنقاذه من مطبات الواقع وحقائق العلوم

وهنا نستطيع القول أن هذا النص الذي تصوغه أيدي المرشد هو نص طقسي ولا يملك أي طابع عملياتي يجعل منه رؤية أو رأي أو مذهب فكري يملك دورا في سير أمور الحياة

من الواضح الآن أننا أمام نص ديني مأزوم لا يمتلك أي صلاحية واقعية لذلك يمكن بكل بساطة تفسير العنف الذي اكتشفته الجماعات السياسية الدينية كوسيلة وحيدة لفرض مفاهيم غير قابلة للتطبيق سلميا , كما يمكن تفسير كيف أن " السلفية الجهادية " ( بكل مذاهبها اليهودية والمسيحية والإسلامية _ السنية والشيعية ) خير من يمثل هذا الاتجاه

,,,,,

ربما يمكننا ، تجاوزا ، النظر الى الدين ،على انه عبارة عن نصوص ،و شعائر ،و اجتهادات . هذا فيما يتعلق بالدين الاسلامي ، اذ لا توجد فيه طقوس . فالطقوس هي من مظاهر الاديان الاكثر قدما . لكن الاديان بشكل عام هي ، تعبير عن فكر شمولي عام ، مترابط ،و حيوي . ومن الخطا ،الابتسار في توصيفه في ثلاث مفردات ، مهما كانت تلك المفردات شاملة .

أطيب تحية



:Asmurf:

Arrayو إذا كان الدين في عصر الأديان يحمل في طياته أبعاد سياسية و اجتماعية لها بعدها الإصلاحي
إلا أنه في عصر العلم اختصر الدين بالطقس فقط , حيث تفوق العلم في مجال السياسة والاجتماع , وبقي الدين على نصوصه البدائية التي صارت في غالب الأحيان عامل تخلف و ردة حضارية
[/quote]

يظهر هذا جليا فى التعامل مع أيتام الفتوحات .. ومع نساء المقاتلين اللائى تم أخذهن فى السبى .. وفى العقوبات البدنية الدينية .. وفى السيطرة العسكرية على الأمم وفى تولية القرشيين الإمارات .. وفى الزواج بأربع .. بل وأصبح عامل تخلف فى نقل الأعضاء ومن قبل فى نقل الدم حيث تم تحريمة فى البدايات وفى مئات المسائل الأخرى

تحليل جيد يا أحمد

العزيز أوفاي

قضية الشمولية في الفكر الديني
قضية لها أكثر من وجه
فالوجه الأول هو ما يطرحه المفكرون الدينيون ويريدون بهذا التوسيع أو التشميل الدلالة على إحاطة الدين بكل شاردة و واردة
لكن في هذه الإحاطة جمع خبط عشواء يجمع ما هب ودب للإيحاء بالقدرة والإحاطة
إلا أنهم لا يتنبهون إلى أن هذا الما هب ودب قد فقد مبرره المعاصر فصار يقتضي تخليف عشوائي للواقع ليطابق هذا الماهب ودب , لأنه جمع _ أي هذا الما هب ودب _ من مراحل تاريخية مختلفة و بعضه الكثير لم يجرب قط
بل لا يتعدى وجهة نظر طرحت في زمن وربما أسقطت في زمن آخر
إن مجرد طرح أطروحة فكرية منتهية الصلاحية في إطار ديني ليس إلا طقسا يضاف إلى طقوس العبادة ليكتمل الطقم
ويتشكل التوافق الشكلي بين الطقس في العبادة والطقس الفكري

أما الوجه الآخر لشمولية الفكر الديني
فهو ما يفترضه معارضي الفكر السياسي الديني و يرمون بالشمولية كتهمة في وجه الدينوسياسيون ليصنفونهم مع ديكتاتوريات معاصرة كالأنظمة الشمولية المعاصرة
لكن الواقع يقول بأن الأنظمة الشمولية المعاصرة إنما قامت على منظومة فكرية معاصرة قد تكون عجزت عن إثبات نجاعة إلا أنها تبقى فكريا في إطار الواقع المعاصر
أما الشمولية الفكرية الدينية فهي تنتمي إلى عالم آخر لم يعد من ملامحه شيئا قائما في الواقع
وملامسته تقتضي تخليف الواقع وهدم الحداثة والمعاصرة تهديما عشوائيا لا يتبع خريطة معينة كمقتضيات الشمولية المعهودة .
(f)

عادة ما يولد الجهل شعورا بالثقة اكبر مما تفعلة المعرفة إن هؤلاء الذين لا يعلمون إلا القليل هم الذين يتحدثون بشكل قاطع

(f)