ماهذا النادي العجيب ؟ أقسم بأن الموضوع عربي أصيل ولاعلاقة له بهذه التشفيرات الغريبة .. أعيد نشر الموضوع الأساسي :
بمناسبة الأربعين : ماذا يعني صدام حسين سياسيآ ؟
د. إبراهيم علوش
من حقنا كمواطنين عرب أن نفتخر بشجاعة وثبات وجرأة الرئيس الشهيد صدام حسين على حبل المشنقة، وفي معاركه قبل وبعد تسلمه المناصب الرسمية في الجمهورية العراقية، وفي رفضه المساومة على الثوابت وحقوق الأمة ليحافظ على حكمه أو حياته، غير أن هذا الاعتزاز المشروع بأخلاقيات ومناقب القائد الشهيد – لأنه لم توجد له حسابات في الخارج مثلاً - لا يجوز أن ينسينا جانباً لا يقل أهمية في شخصيته ورمزيته ألا وهو البعد السياسي في معنى أسطورة باتت اليوم جزءاً ناصعاً من تراثنا النضالي كأمة، وهو المعنى الذي يتجاوز الإعجاب والافتتان ببطولة غير عادية اجترحها صدام إلى فهم ما يمثله كمجاهد وكبرنامج ضمن مشروعنا التحرري الوحدي النهضوي العربي.
فصدام يمثل أولاً قمة الالتزام العقائدي الذي لا يتزعزع في زمن الشدة، ويصعب أن لا يتأثر أي مناضل سلباً بحالة التراخي وفقدان الحمية التي تنتاب الناس أحياناً في وجه التحديات التي تواجه الأمة... إلا صدام، فقد أعلنها جهاراً نهاراً في لحظة نطق الحكم بالإعدام عليه: "يعيش الشعب! تعيش الأمة!". ومثل تلك الثقة بالشعب والأمة لا يتمتع بها مناضلو الصدفة أو المتطفلون على العمل الثوري، بل هي نتاج قناعة سياسية متأصلة حول طبيعة الصراع وفهمٍ عميقٍ للقاعدة الطبيعية لقوى الثورة.
ويسجل هنا أن صدام رفض التماس العون بعد صدور الحكم عليه بالإعدام من أي حاكم عربي أو غير عربي، وكثيراً ما تضيع أهمية هذه النقطة، للأسف، فتفهم بشكلها الأخلاقي لا السياسي، أي كتعفف لا كموقف، ولكنه بالأساس موقف جذري، يتطلب بالضرورة الحد الأقصى من الاستعداد للتضحية وضبط النفس، والالتزام العقائدي، وعلى سبيل المقارنة فقط، إن كانت تصح المقارنة بين لمعان الذهب والبلاستك، فإن هناك من وقف من القادة أمام المحاكم "الإسرائيلية" فراح يستغيث بالمثقفين "الإسرائيليين" مثلاً!! وهناك بالطبع من وقف صنديداً كصدام، وأقول كصدام لأنه بات ببساطة مقياساً يحتذى، مقياساً ممكناً كما أثبت بنفسه لنا، يتشرف من يبلغه!!.
وصدام يمثل ثانياً نموذجاً نضالياً جذرياً يفهم جيداً الطبيعة التناحرية للتناقض ما بين قوى الأمة وقوى الهيمنة الخارجية، ويستعد للذهاب بالمعركة مع العدو إلى نهاياتها المنطقية: النصر أو الشهادة، فقد رفض دوماً أنصاف الحلول والمساومات، والتساهل مع ما يسمى "العملية السلمية" الناتجة عن مؤتمر مدريد، أو توطين الفلسطينيين في العراق، مقابل رفع الحصار أو تخفيفه خلال التسعينات، وكان بإمكانه أن ينقذ حياته لو قبل دعوة البعثيين في العراق للدخول في ما يسمى "العملية السياسية"، ولكنه رفض ورفض ورفض، هذا هو صدام.
ومعنى رفضه هذا ما برح يغيب عن كثيرين اليوم، فهو ليس نابعاً من عنادٍ أو صلفٍ أو تشددٍ أو سوء تقدير، بل من قناعةٍ راسخةٍ بأن صراعنا مع قوى الهيمنة الخارجية وأذنابها ليس صراعاً على تحسين شروط تبعيتنا لها (بشكل تدريجي وسلمي حسب البعض!)، بل هو صراع وجود لا يحل إلا بالعنف، وأن التناقض بين الأمة وأعدائها لا يتعلق بالتفاصيل التفاوضية مثلاً، بل بوجود الأمة نفسه، ومن هذا المنطلق نفهم قصف الكيان الصهيوني بـ39 صاروخاً – وصولاً إلى تل أبيب - خلال العدوان الثلاثيني على العراق، ونفهم رفض القيادة العراقية للخضوع أمام العدوان مرتين وأمام الحصار، وبالرغم من محاولة البعض إثارة الشكوك زاعمين – في المرتين – أن الحرب لن تقع، وأن في الأمر لعبة، واتفاقاً سرياً، إلا أن هؤلاء، مع افتراض حسن النية، لم يكونوا يفهمون القيادة العراقية والخطر الذي مثله مشروعها على الطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه.
وصدام يمثل ثالثاً تجربة قومية أصيلة على صعيد العمل الوحدوي والنهضوي، وهي من أهم تجارب العرب في العصر الحديث، فهي تقف تاريخياً بجدارة إلى جانب التجربة الناصرية وتجربة محمد علي باشا في مصر، ومثل كل تجربة، لم تخلو تجربة القيادة العراقية من الأخطاء والشوائب كما قال الرئيس الشهيد أكثر من مرة، ولكنها كانت قبل كل شيء تجربة تتسم بالجدية والإخلاص، ولعل استهدافها بمثل هذه الوحشية من إيران والولايات المتحدة أكبر دليلٍ على أهميتها، فمن تأميم النفط ومعاهدة الصداقة والتعاون مع الإتحاد السوفياتي عام 1972 التي حددت خيار القيادة العراقية في العلاقات الدولية دون تذيل أو تبعية (ويذكر هنا أن الاتحاد السوفياتي السابق عاد لتصدير الأسلحة للعراق عام 1982، بعد وقفها عام 1980، بعدما رفضت إيران قرارات ودعوات وقف إطلاق النار في الحرب العراقية-الإيرانية).
ونضيف... إلى توزيع الأراضي على الفلاحين، ومحو الأمية وتعميم التعليم المجاني في كل المراحل، وسن قانون حقوق المرأة، ومنح الأكراد حكماً ذاتياً (أسوةً بإيران وتركيا طبعاً!)، ومشروع البناء الاقتصادي والصناعي والعسكري والعلمي العملاق (بدلاً من سياسة تصدير العائدات النفطية للغرب والاستيراد من الخارج)، إلى تفضيل العرب في العقود والتوظيف في العراق حتى في أقسى لحظات الحصار (كما يتذكر الداعون للتشديد على دخول وإقامة اللاجئين العراقيين في أقطارهم اليوم)، إلى الدعم السخي الذي أغدقه العراق على عدة أنظمة عربية - قلبت له بعدها ظهر المجن - وعلى الثورة الفلسطينية وعائلات الاستشهاديين، إلى فتح الجامعات والمعاهد العراقية لعشرات الآلاف من الطلبة العرب، وحتى إلى محاولة امتلاك أسلحة الدفاع الشامل، وهذا مثلاً لا حصراً، فإن عراق صدام حسين مثل تجربةً حقيقيةً جعلت من العراق نموذجاً وحاجزاً عربياً جباراً في وجه الطامعين شرقاً وغرباً حتى تحت الحصار. وقد ثبت الآن وجود مشروع لتكسير العراق وتحطيم إنجازات التجربة على جميع الصعد، وأن صدام كان عائقاً حقيقياً في وجه ذلك المشروع.
أكرر: نعم ثمة أخطاء في التجربة، ولكنها أخطاء من يجتهد ويسعى، ومهما كانت، فإنها لا تساوي شيئاً أمام خطيئة واحدة هي التبعية لقوى الهيمنة الخارجية.
وشخصياً، أفتخر بأن استشهاد صدام حررني لكي أصرح علناً عن حبٍ خالصٍ له لا حد له، وأنا كمواطن عربي عادي معه منتصراً ومهزوماً لأنه بكل بساطة رجلٌ وضع الأمة في قلبه، فليس بكثيرٍ عليه أن نضعه في قلوبنا، فالإخلاص عملة نادرة هذه الأيام.
http://www.freearabvoice.org/arabi/maqal...YASYUN.htm
نقلآ عن دورية العراق .