هل يمكن ان تكون الخلية او مكوناتها البيلوجية قد انتقلت الى الارض مع الشهب والنيازك؟
قبل بضعة سنوات كان هناك اتفاق تام بين العلماء على إستحالة هذه الفرضية، اليوم اصبح الامر مختلفاً. تجارب ناسا الحديثة تشير الى ان الامر شديد الاحتمال.
"بذرة الحياة جابت الفضاء واينعت في الاماكن التي ناسبتها"، هكذا اعتقد الفيلسوف الاغريقي Anaxagoras, الذي عاش قبل 2500 سنة. فكرته كانت تسمى Panspermi وتعني بذور في كل مكان.
منذ ذلك الوقت تتابع ظهور العلماء الذين يضعون الفرضيات عن قدوم الحياة من الاكوان الاخرى، مثلا العالم Fred Hoyle. في ستينات القرن الماضي سقطت هذه الفرضيات في عالم النسيان بسبب إكتشاف ان الاشعة الكونية لها تأثير قاتل اكثر بكثير مما كان يعتقد في السابق، وان الماء الضروري للحياة لم يتم العثور عليه في الكواكب الاخرى.
في الاعوام التالية بدأت نظرية " البذور في كل مكان" تعود مجدداً الى السطح، ليس فقط بفضل إكتشاف مؤشرات على وجود الماء في الكواكب الاخرى ولكن ايضا بسبب اكتشاف قدرة الكائنات المجهرية على تحمل مصاعب رحلة عبر الفضاء في ثنايا النيازك.
كوكب المريخ
عام 2006 تمكن القمر الصناعي Cassini التي ارسلته ناسا، من إرسال صور عن قمر اينسيلاديوس التابع للكوكب ساتورنوس. عند رؤية هذه الصور حصلت نظرية "البذور في كل مكان " على دعم قوي. الصور اظهرت كميات هائلة من الثلج والابخرة الحارة القادمة من ينابيع باطنية.
مثل هذه الاكتشاف لم يواجه العلماء منذ عام 2000 حيث اكتشف القمر الصناعي غاليلو وجود تيار كهربائي على القمر المسمى "اوروبا" والعائد للكوكب جوبيتر. الكواكب الجافة لايمكنها ان تملك القدرة على تمرير التيار، مما يعني وجود الماء المالح. من هنا الاعتقاد بأن كلا القمرين ملكوا مكونات ظهور حياة في فترة ما ، ولاسباب تكنيكية ليس من الممكن التأكد من مدى جدية هذه الإمكانية في الوقت الحاضر. من هنا اسباب اضطرار العلماء للاكتفاء فقط بدراسة المريخ والانتظار الى حين تنمية الامكانيات التكنيكية. . يعتبر المريخ مكاناً ملائما لظهور الحياة بإعتباره اصغر من الارض وقشرته بردت قبل الارض، وبسبب ضعف جاذبيته لم يتعرض للكثير من النيازك. هذاالامر يقوي الاحتمالات ان تكون الحياة قد تكونت على المريخ اولا كما انه توضيح مناسب لسبب بدء الحياة على الارض مباشرة عندما اصبح الامر ممكناً.
بمقارنة الفوهات التي خلفتها النيازك على مجموعة من الاجسام الكونية مثل ميركوريس وفينوس ومارس نكتشف ان المجموعة الشمسية والى ماقبل 3،9 مليار سنة كانت قد تعرضت الى انهمار مطر من النيازك عليها. دراسات سابقة توصلت الى استنتاج ان هذا الانهمار النيزكي ادى الى منع إمكانية الحياة على الارض، ولكن دراسات لاحقة برهنت على عدم صحة هذا الامر.
الدراسات تشير الى ان الحياة ظهرت على الارض 200 مليون سنة بعد لحظة ظهور المجموعة الشمسية. ومن حيث ان كواكب المجموعة الشمسية كانت تتبادل تقاذف النيازك بين بعضها البعض فليس من المستحيل ان النيازك حملت معها الحياة من مارس الى الارض. هذا التساؤل يمس علاقة الوجود الانساني بالكون وهذا يوضح إهتمام العلماء الكبير بتاريخ مارس والماء عليه .
منذ آذار عام 2006 وحتى اليوم زارت كوكب المريخ ستة اقمار إصطناعية عائدة لناسا الامر الذي يبين الاهتمام الشديد به. عام 2005 تمكن القمر الاصطناعي التابع للبرنامج الاوروبي من الحصول على صور رادارية اخترقت سطح الكوكب في قطبه الجنوبي. وحيث ان الاشعة الرادارية تخترق الماء والجليد فلابد ان سطح القطب الجنوبي لمارس يتألف من طبقات جليدية.
بالاضافة الى إثباتات اخرى يزداد قوة الرأي القائل بأن المريخ كان كوكبا دافئا في صباه ويملك براكين ومحيطات وطبقات جوية. وإذا كانت الحياة قد تواجدت فيه قبل بضعة مليارات سنة، فأنه من الممكن انها لازالت موجودة هناك في جيوب مائية باطنية، من حيث ان حرارة باطن الكوكب يمكنها ان تمنع تجمد الماء. على الارض تعيش البكتريا في ظروف مشابهة في المنطقة القطبية، حيث تقوم بتحويل الغاز والمواد المعدنية الى مؤلفات بيلوجية وطاقة كيميائية وغاز الميتان.
النيازك تحمل كائنات حية
قد يعتقد البعض انه من الخيال الاعتقاد بإمكانية إنتقال الحياة البدائية من مارس الى الارض بمساعدة نيزك، غير ان حقيقة تكرار قدوم احجار من المريخ الى الارض بين فترات متقطعة لايمكن دحضه.
عبر السنوات تم تحليل حوالي 30 حجراً بحجم الكف ليثبت انتماءهم الى مارس. ومن حيث اننا لانعثر إلا على قسم ضئيل من النيازك الساقطة فمن المتوقع ان هناك مليارات من النيازك القادمة من مارس (المريخ) قد سقطت على الارض منذ بدء التاريخ. هذه الاحجار تأتي الينا عندما يصطدم نيزك كبير بالمريخ فيؤدي الاصطدام الى تطاير كمية كبيرة من احجار المريخ في كل الاتجاهات. حسب حسابات الفلكي Brett Gladmans تأتي هذه الاحجار بمعدل مرة كل بضعة ملايين من السنوات. اصطدام النيزك بالارض في واقع الامر انفجار كبير، ومنتقدي إمكانية قدوم الحياة عن طريق النيازك لديهم اسباب قوية للشك بقدرة مكونات الحياة على البقاء فعالة بعد مثل هذا الاصطدام.
من اجل ان يستطيع جسم ما الخروج عن جاذبية المريخ يجب ان يملك سرعة تصل الى خمسة كيلومترات في الثانية، والتجارب المختبرية تشير الى ان الكائنات المجهرية لديها القدرة على تحمل هذا التحول. غير ان المشكلة انه ليس هناك بكتريا قادرة على تحمل الحرارة العالية للنيزك والحياة في الاجسام المنصهرة للنيازك، فهل تبقى اجزاء من النيزك باردة بما يكفي لإستمرار الحياة؟
في السابق كان الجواب على هذا السؤال بالنفي، اما الان فهناك موقف آخر. لقد تم العثور على بقايا نيازك سقطت من القمر ومن المريخ ولم تكن منصهرة، كما ان النموذج النظري الكمبيوتري يدعم هذه الملاحظات. عند اصطدام نيزك كبير قادم بسرعة 60 الف كيلومتر بالساعة بالارض، يرتفع الضغط إرتفاعا كبيرا حول منطقة الاصطدام. هذا الامر يخلق ردة فعل عامودية تؤدي الى نشوء موجات تنتشر افقياً حول مركز الاصطدام، تماما كما يحدث عند سقوط حجر في الماء. موجات الضغط ترفع درجة حرارة جسم الاحجار ولكن بالضبط سطح النيزك لايتأثر بالضغط. الضغط القادم من الاسفل يبعد الطبقة السطحية للنيزك ويقذفها بعيداً، لتبقى باردة. عادة في هذه الطبقة بالذات تكون مكونات الحياة مختبئة، ولذلك تستطيع التجول في الكون بدون اضرار كبيرة.
ومهما كان الامر فأن التأثير المدمر للاشعة الكونية على المواد البيلوجية هو السبب الرئيسي الذي دعى العلماء، الى وقت قصير، لتجاهل نظرية "البذرة في كل مكان". اليوم اختلف الموقف تماماً. البيلوجيين اكتشفوا كائنات حية تعيش في بيئة البراكين البحرية بدون ضوء وبدرجة حرارة اعلى قليلا من درجة الغليان، كما اكتشفوا انواع اخرى ترتاح في البيئة الشديدة الحموضة. غير ان البيئة الكونية التي تحوي اشعة الغاما الى جانب الضوء مافوق البنفسجي والجزيئات المشحونة تختلف عن بيئة الارض. من اجل التأكد فيما إذا كان بإمكان البكتريا تحمل هذه الباقة من العوامل قام العلماء بمجموعة من الابحاث والتجارب في المحطات الفضائية.
31 مايو من عام 2005 قذفت الوكالة الفضائية الاوروبية وعاء الى الفضاء يحوي على نوعين من الفطريات. بعد 15 يوماً استعيد الوعاء من الفضاء وكانت الفطريات بحالة طيبة تماما كما كانوا من قبل. في عام 1984 اجرت ناسا تجربة ممائلة ولكن وعائها كان يحوي على البكتريا المسماة Bacillus subtilis وكانت التجربة جزء من المشروع المسمى Long Duration Exposure Facility . قسم من البكتريا كانت مغطاة بطبقة رقيقة من الالومنيوم تعادل الطبقة التي يحصل عليها فيما لو كان موجودا داخل نيزك. ولدهشة العلماء وصلت نسبة نجاح البكتريا في البقاء على قيد الحياة بعد انتهاء الرحلة الى 80%.
في المستقبل القريب سيتمكن العلماء من تحديد طول الفترة التي يستطيع الميكروب البقاء فيها حياً في الفضاء الكوني، وبالتالي الامكانية على تحديد المسافة القصوى التي يستطيع ان يقطعها في القدوم الى الارض. ومن الضروري الاشارة الى انه من الصعب القبول بفكرة ان الحياة قد جاءت من كوكب خارج المجموعة الشمسية بسبب ان الحسابات تشير الى ان الارض لم تصطدم بنيزك من خارج المجموعة الشمسية خلال فترة حياتها.
القضية الاخيرة التي من الضروري تناولها هو فيما إذا كان الكائن المجهري قادر على تحمل لحظة الدخول الى المجال الجوي الارضي. البروفيسور في الكيمياء الفلكية Edward Anders من جامعة شيكاغو اثبت ان الاجسام الصغيرة تسقط بليونة عبر المجال الجوي للارض بدون ان ترتفع حرارتها. هذا يعني انه من الممكن لقسم من " المسافرين" النجاح في عبور الحاجز الجوي الارضي، الذي يعتبر اقل ضررا من المجال الجوي للكوكب الاصلي.
المراقبين لسقوط النيازك يعلمون ان ارتطام نيزك كبير مع جو الارض اكثر عنفاً. الانسياب داخل المجال الجوي الارضي يؤدي ارتفاع حرارة النيزك التي تؤدي الى ظهور آثار مسار النيزك كالذيل، مما يجعل سطح النيزك معقماً للغاية عند الاصطدام بالارض. من الجهة الثانية ترتاح عوامل الحياة تماما في قلب النيزك. حسب حسابات ادوارد انديرش فأن الحرارة لاتتمكن من اختراق اكثر من بضعة ميلليمترات من سطح النيزك بسبب ان النيزك لايبقى في الجو الارضي إلا بضعة ثوان.
هذه النتائج تشير الى ان النيزك افضل " تعليب" للكائنات المجهرية حتى تتمكن من الانتقال بين الكواكب حاملة معها الحياة. الكثير من الاهتمام اثار اكتشاف ناسا لبقايا بيلوجية على النيزك المرقم ALH84001 عام 1996. وبالرغم من حماس العلماء إلا انهم لم يتمكنوا من ايجاد مايكفي من الاثار البيلوجية للوصول الى وجهة نظر متجانسة بهذا الشأن حتى اليوم. عام 2010 سترسل ناسا مركبة تملك مختبرا لتحليل المعطيات مباشرة على سطح الكوكب الاحمر وسعياً لإلقاء الضوء على خفاياه. إذا تمكن المختبر من ايجاد آثار بروتينية على سطح الكوكب سيكون هذا سبباً كافياً لتخطيط المزيد من الرحلات هذه المرة ستكون حاملة لرواد الفضاء معها للتأكد من ان اصلنا جاء من المريخ
روابط المصادر تجدونها بالضغط هنا:
http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/Bio...ia/bio-0040.htm
Anaxagoras
Fred Hoyle
Cassini
Irregular sattelite system
Low Erth Orbit Effects
Edward Anders
ALH84001