Firas
عضو مشارك
المشاركات: 6
الانضمام: Jun 2008
|
الديكتاتورية العادلة
الديكتاتورية العادلة:المصطلح و النهضة
لا تحيا مصر و لا يحيا الشرق بدوله و إماراته إلا إذا أتاح الله لكل منهم رجلا قويا عادلا يحكمه بأهله على غير طريق التفرد بالقوة و السلطان
محمد عبده.
بهذه الجملة كان محمد عبده قد أرسى مفهوم جديد لأستاذه الأفغاني الذي طرح مفهوم الديكتاتورية العادلة كسبيل " لحل المشاكل, بل أكثر من هذا, إنها سبيل لإحياء (= بعث = نهضة ) الأمة العربية بأكملها, تساؤلين منطقيين ينبغي طرحهم هما:
1- السلطة و الدولة
2- ما هو الديكتاتور العادل و هل يمكن " صنع ديكتاتور عادل "
3- هل حقا مشاكلنا أو النهضة لا تحل إلا بالديكتاتورية " العادلة "
أولا : إشكالية السلطة و الدولة
السلطة ( كمفهوم للحكم ) تعتبر ضرورية لتحقيق امن الجماعة الداخلي و الخارجي معا, الجماعة التي هي بالأصل جزء من السلوك البشري الاجتماعي, تجسدت السلطة في الماضي ( عند الإنسان البدائي ) حول الحافظ على وجود الجماعة من الخطر, وتامين العيش له فكان قائد الصيادين أو الرجل الأقوى بدنيا هو صاحب السلطة التي تقود الإنسان البدائي في رحلات البحث عن فريسة أو في حالة القحط الهجوم على جماعة أخرى تملك الكلاء و الغذاء, دور السلطة كمبدأ للحماية مازال ( في جوهره ) يملك تلك الجينات البدائية في ابسط صورها, ولكن مع الإشارة إلى التطورات و التغيرات التي لازمت تتطور هذا المفهوم في البحث حول كونها أداة إيديولوجيِّة، وأداة قمعيِّة، بهدف تغليف تناقضات مجتمع ما، وربطه وتوحيده. لا ينبغي ذكر السلطة دون ذكر مساهمات فوكو بأنها هو نتاج لصراع القوى، ودخول قوة في علاقات مختلفة تتسم بالصراع، ومن ثم بالهيمنة، وبالسيطرة لأن ما يسمى بالواقع ليس ذلك المجال الساكن والهادئ الذي ينتظر فاعلا من الخارج لكي يؤثر فيه، بل الواقع يعج بالصراعات التي لا تنتهي, بالتالي وجود أي واقع يستلزم وجود سلطة, ولا يمكن أن نتخيل واقع من غير سلطة, وظائف السلطة تغيرت كثير ولكن يظل الخلاف الذي طرحه فوكو هو " من سمات علاقات السلطة أيضا أنها غير معروفة " ولكن ما يهم هو علاقة السلطة بالدولة, تعتبر الدولة: " مؤسساتٍ وأنظمةٍ وأجهزةٍ، تُخضِع المواطنين أو الرعايا لقوانينها داخل حدود دولة ما. لذلك فإن مفهوم السلطة بهذا المعنى يُشَكِّلُ نظامًا من السيطرة، والهيمنة، التي تمارسه فئة ما على فئة أخرى، مُتَّخِذَةً بذلك صُورًا عدّة، منها صورة العنف تارة وصورة القانون تارة. " تاريخيا, في البلدان المتأخرة بوجه عام, ومنها الوطن العربي, لم تمارس السياسية, السياسة بالمعنى اليوناني للكلمة, أي كمجموعة مسؤوليات و حقوق و واجبات ملقاة على عاتق عضو حر و مسئول يشكل جزء لا يتجزأ من مجموعة بشرية مجتمعة في مدنية. وبصورة عامة, في المدينة الإسلامية, كانت الإنسانية مفتقدة, والتعددية مدانة, والانفصال بين السلطة و الشعب قائما, لذا كانت السياسة ممنوعة, الأمر الذي أدى مع تطور الزمن إلى روح العزوف أو الفرار لدى الشعب, بمعنى إن الدولة هي تلك جزء من هذه السلطة هنا و ليست كل السلطة, ولكنها الجزء المستغل, من هذا المبدأ سوف يتم بحث مبدأ الديكتاتورية العادلة,
ثانيا : الديكتاتور
قبل البدء في نقاش ما معنى الديكتاتورية, يهمني وصف عبد الرحمن الكواكبي لاستبداد ( الديكتاتورية الشرقية ) فيعرفها " تَصَرُّف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة " و يصف الحكومة المستبدة ب " : أنّ الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً، التي تتصرّف في شؤون الرّعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقَّقَين. وتفسير ذلك هو كون الحكومة إمّا هي غير مُكلّفة بتطبيق تصرُّفها على شّريعة، أو على أمثلة تقليدية، أو على إرادة الأمّة، وهذه حالة الحكومات المُطلقة. أو هي مقيّدة بنوع من ذلك، ولكنّها تملك بنفوذها إبطال قوّة القيد بما تهوى، وهذه حالة أكثر الحكومات التي تُسمّي نفسها بالمقيّدة أو بالجمهورية."
تعريف ألكواكبي هذا يتفق تماما مع التعريف الغربي للديكتاتورية من كونها سلطة عدم المحاسبة, أي عدم خضوع متخذ القرار إلى مرجعية ما لمحاسبة أعماله. ولكن هل يختلف الديكتاتور الشرقي عن الديكتاتور الغربي لم يبينه ألكواكبي ؟ , باعتقادي هناك اختلاف واسع بين الاثنين, الديكتاتورية الغربية كانت مؤقتة غير متكررة تاريخيا, ينما يعتبر الأمر أشبه بظاهرة في المشرق منذ فجر تاريخه, ما مميز الدكتاتورية الشرقية هي ما يطلق عليها الديكتاتورية الأبوية, و هذا المدلول يمثل تماما العلاقة بين الأب و الأبناء في الأسرة أو العلاقة بين رئيس القبيلة و مرؤوسيه, و بسحبه على القائد يمكن فهم آلية الحكم التي تمت في الشرق من أيام نبو خذ نصر إلى يومنا الحالي,
بكل الأحوال ما يهمني هنا من تعريف الديكتاتور ( سواء المشرقي أو الغربي ) هو صفتين مميزين له,
1- عدم المحاسبة عن نتائج أعماله, عن طريق مؤسسة قضاء مستقل أو سلطات مجتمع مدني
2- دائما ما ينم الإعلان على الاستناد إلى مرجع أخلاقي أو ديني أو وضعي, و لكن بدون وجود سلطة محاسبة على الالتزام بهذه المراجع ( التي تتميز بالأصل بماهية و مرونة ) من الصعب الحكم على مدى المصداقية
يمكن إضافة ميزة ثالثة للديكتاتور الشرقي و هي اقترابه من مرتبة التقديس الإلوهية أو كما ذكر الكواكبي (إنَّه ما من مستبدٍّ سياسيّ إلى الآن إلا ويتَّخذ له صفة قدسيّة يشارك بها الله، أو تعطيه مقامَ ذي علاقة مع الله )
بالعودة إلى " الديكتاتورية العادلة ", تجد أن مفهوم العدل المرتبط به مضلل نوعا ما , فما هو العدل الذي سوف تميز به الديكتاتور , وبما ذا يختلف عن العدل الذي يتم بالخضوع لقوانين الدولة أو تشريعاتها , هذا التصور " العدلي " هو تأكيد للصفة المميزة للمستبد الشرقي عن كونه " سلطة أبوية أو سلطة إلهية " هذا بدوره يقود إلى سؤال أخر , وهل يعدم المجتمع " المحكوم من الديكتاتور " وجود من هم أعدل منه , ماذا بخصوص الشمولية ,هل يملك رؤية عادلة شاملة , وبفرض وجود بطانة تكنوقراط لديه , هل تكون سمة العدل موجودة في تلك البطانة " بالإضافة الم تكون هذه اللجنة هي برلمان إذا الزم المستبد بها ماذا لو رفض قراراتها , هل لتلك اللجان " صراع مصالح " , هل " العدل " هو صفة استمرارية , هل هناك عدل في مشاكل سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية غير واضحة المشاكل بينما العدل يستند أساسا على فلسفة أخلاقية – قد تكون إلهية باعتقاد البعض ,
ثالثا :هل حقا مشاكلنا أو النهضة لا تحل إلا بالديكتاتورية " العادلة "
عندما تطرح كلمة الديكتاتورية العادلة اغلب الظن إلى أنها تذهب على أساس توحيد الصف و الجهود باتجاه واحد , يقاد بحزم – نحو النهضة التي يرسمها " المفكر " صاحب الفكرة , طرح مبدءا إما ديكتاتورية أو فتنة عوضا عن إما ديكتاتورية أو حرية , هو فرض خاطئ للقراءة التاريخ , فعدم حدوث نهضة شاملة للأقطار العربية , لن يكن سببه هو فرقة الصف اختلاف الآراء , بل كانت الاختلافات الفكرية هي السمة في الأندلس و في العصر العباسي , السؤال المنطقي هو ماذا يمكن إن يصنع بالاستبداد ولا يمكن أن يصنع بغيره ؟ , إذا فرضنا أن المستبد يستلهم سلطة , أو يمثل سلطة فهي سلطة القانون في أنظمة الحكم الأخرى , بكلمات أخرى ما هي أدوات النهضة لتي يملكها المستبد أو الديكتاتوري والتي لا يملكها نظام ديمقراطي دستوري !, تاريخيا نجد أن أي نظام ديكتاتوري بالعادة يقحم نفسه في حروب خارجية في محاولة للهروب من المشاكل الداخلية , فالديكتاتورية هي التي تسبب مشاكل في المجتمع يصعب حلها مالم يضطر إلى تهريبها إلى الخارج , , أستغرب من نداء محمد عبده أو أستاذه الأفغاني للديكتاتورية رغم قربهم من التجربة العثمانية للحكم في الشرق الأوسط و الويلات التي جرتها في غفلة كانت قد طالت لتشمل سبعة قرون تجمدت فيها العروق و المفاصل , فهل يكون الدعوة للتخلص من إمراض ديكتاتورية بدكتاتورية أخرى ؟
فراس
14/10/2008
|
|