[CENTER](1)[/CENTER]


هناك من الكُتّاب من تتسم كتاباتهم بسمة " التغريد خارج السرب" ، سواء من حيث المنهج المستخدم ، والموضوع المغطّى ... ونوعيّة "الهم" وعقلانية حمله . جورج قُرم ، وزير الماليّة اللبناني الأسبق ، والإقتصادي الجيوبولوتيكي الضخم ، هو أحد هؤلاء الكتّاب.

يتناول قُرم في كتاباته إشكالية محددة ، تتلخص في هذا السؤال: كيف أدى نقل نموذج الدولة القوميّة ، بحسب صياغتها الأوروبيّة الغربيّة ، إلى المناطق التي خلفها انهيار الامبراطوريات العظمى - العثمانية والبروسية - إلى القلاقل التي شهدتها تلك المناطق من مذابح وحروب أهلية و"حداثة غير منجزة" ؟

وإذ نستعيد جورج قرم هذه الأيام ، فإنما لنستنير بتحليلاته للمسار التاريخي الأوروبي لمقارنته بالوضع الحالي . ففي كتابه " أوروبا والمشرق العربي : من البلقنة إلى اللبننة " يتنبأ ، كأغرب ما يكون التنبؤ ، بكل هذه القلاقل التي تشهدها المنطقة .. متخذا من النموذج البلقاني عبرة لنا في هذه المنطقة .

ونقوم بهذا في هذا الوقت ، بعد التصريح الأخير للملك عبد الله ، عندما وصف الوضع الذي تمر به المنطقة بأنه " مستودع بارود" يوشك أن ينفجر . فهذا الوصف ، " مستودع البارود" ، هو ذاته الوصف الذي كانت تُوصف به منطقة البلقان تحت ظلال ما عُرف عنه بأنه "المسألة الشرقيّة " .

ما سأفعله هنا ، هو استعادة تلك الفترة بكل تقاطعاتها ، ومن ثم عكسها على الواقع .. لأخذ العبرة منه.


وأخيرا نختم بمقولة لرستلهوبر ، وهو مؤرخ مختص بالشعوب البلقانية ، يرد فيها على مقولة "مستودع البارود " : " كثيرا ما تردد على مسامعنا أن البلقان هو مستودع بارود أوروبا . ولكن أليست أوروبا نفسها هي التي وضعت فيه جزءا كبيرا من المتفجرات ؟ " .

عوداً حميداً.

وتسجيل متابعة. (f)

عوداً حميداً وأتابع مع أخي عوليس والذي كثيراً ما طلبت منه أن يبلغك سلامي فلو لم يفعل فـ "الحساب بعدين" :10:

اليوم أرسلت لك إيميل "مهم" على الجي ميل أرجو أنه يكون وصلك ;)

:redrose:

[CENTER](2)
مسح[/CENTER]

[CENTER][/CENTER]


قبل أن نتناول تاريخ منطقة البلقان ، سأقوم بعملية مسح جغرافيّة وسكّانيّة في هذه المنطقة . نحن السعوديون لم نحتكّ بهذه المنطقة احتكاكا مباشرا ، إلا في الاحداث الداميّة التي حدثت في التسعينيات . واكتفينا بالتفسيرات الدينيّة الناجزة .. وتم تصوّر تلك الحروب على أنها حروب دينيّة تمارس ضد المسلمين من قبل النصارى الكفرة ، وعلى هذا الأساس تم ترويج صور الحروب وتأجيج الحنق والحقد على شعوب تلك المناطق ، حتى أصبح لفظ " صربي" : سُبّة في اللغة المحليّة المتداولة . وقبل التسعينيات ، كان يكتفى بالحكم على هذه المنطقة بالأحكام الناجزة التي يتم سجن الإتحاد السوفييتي بها .

وهذه الصورة النمطية التبسيطية الاختزالية ، هي العقبة الإيبيستمولوجية الاولى التي تواجهنا حينما نعقد مقارنة بين الشرق الاوسط وأرض البلقان . ولهذا ، سنبدأ أولا بهذا المسح الجغرافي والسكاني ، نعقبه عرضا تاريخيا للمنطقة ، ثم نتحدث عن المقارنات المستوحاة من قراءات جورج قُرم .

يتضح من الخريطة المدرجة أن البلقان منطقة جبلية ، بل تعود تسمية "البلقان " بأصلها للنعت التركي الذي نعت به الترك أهل هذه البلاد .. والبلقان بالتركيّة الكلاسيكية تعني الجبال الخضراء . وتحديد "البلقان" هو موضوع خلاف بين المؤرخين والجغرافيين. فتحديد البلقان أيام الامبراطورية العثمانية والامبراطورية النمساوية ، يختلف عن تحديده فيما بعد الحرب العالمية ، وهذا يختلف عن تحديده إبان الحرب الباردة . وعندما نقول البلقان ، فإننا نقصد كل من : ألبانيا ، اليونان ، الجزء الأوروبي من تركيا ، بلغاريا ، يوغوسلافيا السابقة (التي تشمل صربيا والبوسنة وغيرها ) ، رومانيا وهنغاريا .

تتصف البلقان بثلاث صفات جغرافية : كونها شبه جزيرة ، كونها منطقة جبلية ، الأنهار . تعتبر البلقان شبه جزيرة مثلثة ذات حد شمالي طويل نسبيا . وهي شبه جزيرة لأنها محاطة بالبحر الأسود والأدرياتيكي والإيجي والأبيض المتوسط . ويعتبر حديّها الشمالي الغربي والشمالي الشرقي ، هما المدخلان الذان عبرتا من خلالهما أغلب القبائل المختلفة التي تشكل التنوّع العرقي لبلاد البلقان .

ورغم أنها شبه جزيرة إلا أن مضائق البسفور والدردنيل تصلها بهضبة الأناضول فآسيا من وراءها . ومن جهة الغرب لا يفصلها عن شبه الجزيرة الإيطالية سوى اربعين ميلاد . وتشكل الجزر التي تنتشر جنوبها سلما يصلها بمصر وأفريقيا . وبهذا يكون موقع البلقان استراتيجي في مسار خطوط التجارة الدولية .

تأتي الجبال ، وهي سلاسل مختلفة منها سلسلة جبال البلقان المتواجدة في بلغاريا وكذلك سلسلة جبال تتوغل داخل المنطقة مشكلة حرف "S" مقلوب .. وأخيرا هناك سلسلة جبال غربيّة تتلو الألب وتمتد جنوبا نحو اليونان .

وأثرت هذه الجبال في بلاد البلقان لكونها قسمت المنطقة لوحدات صغيرة تعزلكل وحدة عن الأخرى مما يصعّب أي تواصل تجاري أو ثقافي بين الوحدات . وكذلك ميّزت الأراضي السهلية القيّمة زراعيا عن الأراضي المرتفعه الجبلية قليلة القيمة .. التي لم تكن سوى منافي أو ملاذا للجماعات العرقيّة الهاربة من جور جماعة أخرى استولت على السهل أو الوادي الغني .

والانهار في البلقان صغيرة ، غير صالحة للنقل المائي . ما عدا نهر الدانوب (ثاني أكبر أنهار اوروبا ) الذي يدخل المنطقة من غربها من هنغاريا ويعبر المناطق السلافية ليخرج من رومانيا فيصب في البحر الأسود .


وبهذا الوصف المختصر للطبيعة الجغرافية ، نتوقف لنعود لاحقا للحديث عن التوزيع السكاني والعرقي في المنطقة .

بغض النظر عن الموضوع الا ان هذه الجملة لفتت نظري !!

اقتباس:  واكتفينا بالتفسيرات الدينيّة الناجزة .. وتم تصوّر تلك الحروب على أنها حروب دينيّة تمارس ضد المسلمين من قبل النصارى

الحرب بين الصرب والسلوفينيين والكروات هي حروب قومية

أما الحرب البوسنية ضد الحكومة المركزية في "بيوجراد أو بلجراد أو المدينة البيضاء" هي حرب دينية طائفية قذرة لأن مسلمي البوسنة (البوشناق) سلاف مثل الصرب تماما

المشكلة يا " العاقل" في التجربة "اليوجسلافية"هي في تركيبة جمهورياتها الستة لأنها صنعت على عجل في الحرب العالمية الاولى ، لكن بعد عصر "جوزيب تيتو" تشكلت وفق منظومة دقيقة ، لكنها أفرزت التفاوت المادي الشاسع بين الجمهوريات وهي خطأ "تيتو" الوحيد

سلوفينيا مشكلتها الثراء الفاحش وقربها من حوض الحضارة الالماني

كرواتيا تقاربها الشديد مع التأثيرات النمساوية التاريخية وثرائها الفاحش ايضا.

أي غنى بعض الجمهوريات المكونة لدولة (السلاف الجنوبيين-يوجسلافيا) أغرى الاثرياء بأن يتفككوا عن الجمهوريات الفقيرة نسبيا مثل "مونت نجرو" تماما كمنطق البلاد الخليجية الثرية في رفضها الحديث عن الوحدة ،لأن ذلك المعنى سيفقدها ثروتها لتذهب إلى بلاد فقيرة في الشام وأفريقيا.....

قبل أن تكمل موضوعك عن البلقان ، أقرا قصة "أيفو أندريتش" (جسر على نهر أدرينا) وهي موجودة بالعربية ضمن إصدارات مكتبة نوبل. لتلخص لك أحوال التاريخ اليوجسلافي العرقي والديني ...

في البلقان تشكيلة كبيرة من العرقيّات والالاديان والمذاهب الدينية . يوجد هناك : أتراك ، يونان ، سلاف ، هنغاريون ، رومانيون ، ألبان ، وغيرهم . وهناك أيضا : إسلام سني ، وإسماعيلي ، وكذلك مسيحية أرثوذكسية ومسيحية كاثوليكية . وفيما يلي بيان حكاية كل قوميّة على حدة .

الألريانيون ، وهم سلف الألبان ، يقول علماء الآثار أن أول ظهور لهم كان في سنة 1200 قبل مولد المسيح . ويختلفون في أصولهم ، لأن الآثار التي يستدلون بها على وجودهم من مخلفاتهم الموجودة في الآثار وغيرها تدل على نمط جديد من البشر وصلوا في فترة سريعة .. مما يفسره البعض إلى أن هؤلاء الألريانيون كانوا قبائل هندوروبية قضت على أهل البلاد الأصليين واحتلوا مكانهم ، بينما يفسره بعضهم إلى أن هذه التغيرات يمكن تفسيرها إلى تغيرات طرات على ثقافة أهل البلاد التقليدية نتيجة احتكاكات جديدة بثقافات أخرى .

لم يخلف الألريانيون تاريخا مدونا ، لكن تم ذكرهم في التدوين الإغريقي بأنهم شعوب غير يونانية تعيش في الشمال من اليونان وفي الغرب . والبحث الآثاري واللغوي يبيّن أن الألريانيون كانوا يغطون المنطقة التي توصف اليوم بألبانيا المعاصرة ويوغوسلافيا السابقة . أحفادهم الألبان يشغلون اليوم منطقة جبلية صغيرة تسمى ألبانيا ، بينما أصبحت بقيّة أرضهم موطنا لأعراق أخرى .

اللغة الألبانية تنتمي لشجرة اللغات الهندوروبيّة .. ولكنها لغة يتيمة بلا أقارب ، وتعتبر اللغة الوحيدة الحيّة الناجية من بين اللغات الألريانيّة . ويجد باحثي أصول اللغات صعوبات في تتبع اللغة الألبانية نظرا لانعدام أي تدوين لها منذ العام 1555 م ، لذلك يعتمدون على بحث مدى الارتباط في تسميّة الأشياء اليومية كالجبال والأنهار والسماء والنجوم والأرض .. وغيرها .

يبلغ تعداد الألبان اليوم 5 ملايين ، ثلاثة ملايين ونصف يعيشون في ألبانيا ، بينما يعيش البقيّة موزعين في صربيا ومقدونيا . ومنذ الفتح العثماني ، والألبان يدينون بالإسلام السني ، بالإضافة إلى فرقة باطنية إسلامية تدعى "البكداش" كانت قاعدتهم في الأناضول في "بير-ايفي" التي حلتها السلطات التركيّة عام 1925م .ويوجد من الألبانيون طائفة كاثوليكية ، قام النظام الشيوعي بقطع صلاتها بالفاتيكان وارغامها على تأسيس كنيسة مستقلة عام 1952. وأخيرا ، يوجد هناك ألبان أرثوذكس موزعي الولاء لثلاث جهات : منهم من يتجه إلى البطريركية القسطنطينية ، ومنهم من يوالي الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية .. واخيرا هناك من يتجه للكنيسة الرومانيّة .


غير الألبان ، هناك الإغريق .. وهناك عدة نظريات تفسر أصولهم منها : أن هناك ثلاث هجرات أساسية حدثت في تلك المنطقة حملت كل واحدة منها ثقافة معينة صبغت تاريخ اليونان بصبغتها . بينما ترى أخرى انه تم عمليّة احتلال من قبل فرقة صغيرة مسلحة ، دان لهم بعدها أصحاب الأرض ثقافيا ودينيا مكونين بذلك الإغريق القدامى . اليونان القديمة لم تكن هي فقط يونان اليوم ، بل اشتملت على جميع الجزر الإيجية المحيطة بها ومناطق من الاناضول .. وامتدت مساحتها على الكثير من سواحل البحر الأبيض المتوسط .. ومع الإسكندر المقدوني ، توسعت اليونان لتكتسح مصر والشام وفارس حتى وصلت إلى الهند شرقا .

وصاحب أفول نجم آثينا ، صعود نجم روما ، لتلتهم الإمبراطورية الرومانية كل اليونان . ومن يومها تحولت اليونان لمُستعمرة من مستعمرات الرومان ، وإن كان ما خلفته من ثقافة ما زال يتحكم في الثقافة الرومانية . واليونانية كانت لغة أحد كتّاب الاناجيل ، وكانت الثقافة الرومانية مكتسحة كل الجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية ، وظلت حيّة مع الإمبراطورية البيزنطيّة حتى عام 1453 .. عام سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح العثماني . اعتبر اليونان القدامى الفترة ما بين 600-800 م فترة "مظلمة" نظرا لخضوعهم للإحتلال السلافي ، ولكن المؤرخين المعاصرين ينظرون إليها كفترة حدث فيها تنوّع عرقي في الحضارة الإغريقية ، إذ أن السلاف تبنوا الفلسفة الهلينستية .

لم تمت الثقافة واللغة اليونانية مع سقوط الامبراطورية البيزنطية ، ويوجد اليوم حوالي عشرة مليون يوناني منهم من يسكن داخل اليونان ، وهناك من يقطن جنوبي ألبانيا ،وفي استانبول وقبرص وغيرها من الأماكن . واليونان أرثوذكس ، يدينون للبطريارك اليوناني . وكما انشقت الكنيسة الأرثوذكسية عن الكاثوليكة نتيجة خلافات حول السلطة المذهبية ، انشقت عن الكنيسة اليونانية كنائس ارثوذكسية في دول البلقان ، فأضحى هناك كنيسة بلغارية وكنيسة صربيّة وهكذا.


في عام 106 م ، قضت الامبراطورية الرومانية على مملكة "الجيت" التي كانت تتمركز على ما نسميه اليوم بـ"ترانسلفانيا" . وبعد هذا الانتصار ، شكل هؤلاء الجيت والمدراء والمستوطنون الرومان ، والتجار المهاجرون .. مجموعة عرقية تتكلم باللاتينية تدعى بالـ " دازيانية" . في عام 271 م هرب هؤلاء الدازيون ، أسلاف الرومان ، جنوبا بعيدا عن ترانسلفانيا ، خوفا من هجمات بربرية اكتسحتهم . ولم يعودوا للظهور إلا عام 1274 ميلاديّة ، أي بعد ألف عام . في هذه الألف عام ، استوطنت مجموعات مجريّة (هنغاريّة ) منطقة ترانسلفانيا . لذلك لا يمكن كتابة تأريخ حقيقي للرومانيّين نظرا لاختلاط التاريخ بالسياسة في ادعاءات كلا العرقين بأحقيته بتلك المنطقة . إذ أن المجريين ينفون أن يكون بقي من الدازيانيين أحد .

يوجد حوالي عشرون مليون روماني ، وحوالي ثلاثة ملايين آخرين خارج رومانيا في مولدوفيا . ويعيش داخل رومانيا حوالي مليون ونصف مجري ، ونصف مليون غجري .وفي رومانيا ، توجد كنائس رومانية متنوعة واديان أخرى في منطقة ترانسلفانيا .


وسأتناول " السلاف " والأتراك " و " الهنغاريين" ( المجريين ) .. في المداخلة القادمة .

[CENTER](4)[/CENTER]


نتابع ما بدأناه ، ونستكمل مسحنا للشعوب والأعراق في البلقان . سنتناول هنا : السلاف و الهنغار .. بشيء من الاختصار .

هجرات القبائل السلافية إلى البلقان بدأت مع اضمحلال الامبراطورية الرومانية أمام ضربات القبائل "البربرية" - كما تفضّل روما - والغرب من بعدها - تسميتهم . غالبية القبائل السلافية لم تخلف أي أثر يذكر هناك ، ما عدا السلاف الجنوبيين "يوغو - سلاف " الذين إليهم يعود كل من الكروات والصرب والبلغار والسلوفينيون . فهؤلاء هم الذين لعبوا دورا مهما في تاريخ البلقان . دخلت هذه القبائل إلى البلقان من الشمال ما بين 500-800 ميلاديّة . وانتشرت على قوس من رأس البحر الأدرياتيكي متوسعا جنوبا وشرقا حتى البحر الأسود . لم يكن هناك اختلافات تذكر تميّز هذه القبائل السلافية عن بعضها ، وكل الاختلافات العميقة - سواء اللغوية أو غيرها - وليدة القرن التاسع عشر والعشرون .

السلوفونيون ، هم أول الواصلين إلى البلقان ... وهم اكثر السلاف اختلافا ، واكثر مشابهة للسولفاك . عموما ، السلوفونيون تأثروا كثيرا بثقافة أوروبا الوسطى التي شكلتها إيطاليا وبروسيا . واليوم يوجد حوالي مليون وسبعمائة ألف نسمة في الربع الشمالي الغربي من يوغوسلافيا السابقة ، ونتيجة تأثرهم بأوروبا الوسطى فهم في غالبيتهم كاثوليك.


الصرب والكروات وصلوا إلى البلقان في نفس الوقت تقريبا مطلع القرن السادس الميلادي تقريبا . إلا أن هذا لم يمنع من أن يتخذ كل منهم طريقا خاصا بهم . فالكروات ، أصبح أتباعا - بشكل اسمي - لامبراطورية شارلمان وأسلافه .. مما جعل المبشرين الكاثويك يستطيعون - من خلال إرسالياتهم - تحويل الكروات إلى المسيحية الكاثوليكية . لم يكن للسلاف عموما ملوك أقوياء ، بل كانوا متوزعين في قرى تقع تحت حكم أحد النبلاء ، وربما توحدتالقرى تحت لواء قائد ما لرد عدوان خارجي ، ولكن ما إن ينجحوا في رد هذا العدوان حتى تعود كل قريّة إلى سلطة نبيلها . لذلك كان التحوّل للمسيحية مصاحبا لبداية الملكية ، فقد كان البابا يمنح السلطة الدينية لأولئك الملوك الذي يحولون جماعاتهم كليا إلى المسيحية .. ومن هنا ترافق التحوّل للمسيحية مع بداية الملكية .

رغم ذلك، بقيت الملكية ضعيفة بإزاء سلطة النبلاء . وللتخلص من سلطة الملوك المحليين ، عقد النبلاء عام 1102 م مع ملك هنغاريا اتفاقا يقضي أنه بإزاء تحكم النبلاء بالسلطات الجنائية والإدارية المحلية ، تعهد هؤلاء بتقديم خدماتهم العسكرية للهنغاريين . ومع الوقت ، وجدت كرواتيا نفسها "إقطاعية" لملوك هنغاريا " المجر" .

اليوم يتواجد ثلاثة ملايين كراوتي ونصف المليون في كرواتيا ، وستمائة ألف موزعين في كل من سولفونيا وصربيا والبوسنة . والثقافة الكرواتية متأثرة بثقافة أوروبا الوسطى ، وتستخدم في لغتها الحروف الرومانية وتتداخل كثيرا مع اللغة الصربية وإن كانت تختلف معها في معظم الألفاظ .

الصرب ، الذين وصلوا للبلقان بلغة وثقافة مماثلة للكروات ، كاوا قريبين من الامبراطورية البيزنطية ، لذلك كانوا موضوعا للتبشير الأرثوذكسي ، كما أنهم كانوا يبنون مدنهم على النمط البيزنطي . وأيضا ، تشابه النظام الإقطاعي الصربي مع ذاك البيزنطي ، وتشكل المدن الصربية كان احتماءً من البلغار .

يوجد حوالي 9 ملايين صربي ، سبعة منهم في صربيا والجبل الأسود . والبقيّة موزعين في البوسنة وكرواتيا ( تم طردهم نتيجة الحرب الأهلية الأخيرة ) . وللصرب كنيسة أرثوذكسية مستقلة بهم .

البوسنيين لا يختلفون عن الصرب والكروات إلا في كونهم مسلمي الديانة ، ومفردة "البوسنة" لا تحيل إلى عرق أو لغة ، بقدر ما تحيل إلى منطقة جغرافية . اما البلغار فهم خليط من السلاف الجنوبيين وبعض القبائل البدوية التي جاءت البلقان من أواسط آسيا ، مكونين بذلك أول امبراطوريّة بلغاريّة . وتأثرت الامبراطورية البغارية الثانية ، في القرن الثالث عشر الميلادي ، بالتقاليد البيزنطية في الحكم والتشريع والتنظيم . ويوجد اليوم حوالي ست ملايين ونصف المليون بلغاريا في بلغاريا ، وهناك كنيسة أرثوذكسية بلغارية .

أخيرا ، وفي عام 895، الهنغاريين أو المجر ، دخلوا البلقان من جهة أوكرانيا واكتسحوا الأراضي السلافية . هدد الفرسان المجر أوروبا اكثر من مرة .. ولكنهم هزموا أخيرا هزيمة ساحقة ، ما جعلهم يعتقدون أن حظهم انتهى ، مما أفسح المجال أمام الإرساليات الكاثوليكية لممارسة تبشيرها .. الذي أدى إلى تحول المجريين إلى الكاثوليكية ، الذي قابله اعتراف البابا . حوالي 10 ملايين هنغاريا ، تسعين بالمائة من مجمل السكان ، يعيشون في هنغاريا ، مما يجعلها بلدا ذات أقليات محدودة نسبيا . وثلثي المجر كاثوليك ، والباقين : بروتستانت .



هذا عرض مختصر لأهم الأعراق والشعوب في البلقان . بقي الأتراك ، وسنتناولهم بشكل منفصل ، إذ أن المنعطف التاريخي لدول البلقان الذي سنتناوله بالبحث ، هو ذاك الذي يبدأ مع تفكك الامبراطورية العثمانية ، التي سنخصص لها الحلقة القادمة .