في بداية محرم، أول شهر من شهور السنة الهجرية الجديدة، تذهب الجموع الغفيرة للاستماع إلى خطباء السلطة الدينية الذين يزودونهم بحفنة من التعاليم الدينية والقيم الشعبية السائدة ويحاولون من خلالها التأثير على العامة لسلوك التدين الخاضع لسلطة رجال الدين المطبقة على مسارات النشاط الديني في بلادنا ، ينقضي شهري الحداد محرم وصفر ليبدأ موسم الأفراح ثم تهل الامتحانات النهائية لتنشغل الأسر بها، ثم يغادر آلا لاف من شعبنا إلى الأماكن المقدسة في إيران وسوريا والمدينة المنورة ومكة المكرمة ليقضوا فيها شهرين ونصف في عبادة وترفيه مزدوج،وليجد فيها التائقون للانعتاق فرصة لممارسة ما لم يخضعوا له في أرجاء بلادهم ، وليتمرد الكثيرون على التعاليم الصارمة والتقاليد الحجرية والقيم المتعنتة، ثم يأتي شهر رمضان فتصوم الناس خاضعة لا قانعة ، بحكم العادة والتقليد لا العقل والتفكير، ثم يحل العيد فيخرج آلا لاف أيضا لقضائه خارج الوطن الكئيب ، ثم يعودون لمواصلة العمل والدراسة لتحل عطلة الحج فيذهب للحج من يذهب ويغادر البلد من يغادر باحثا عن وطن مؤقت ينشد فيه حريته الضائعة في بلاده الموحشة ، لتهل سنة قمرية جديدة لتعاد الكرة من مرة أخرى .. وهكذا دواليك

منذ عقود طويلة وهذا هو حالنا ووضعنا، حياة مملة كئيبة، ليس فيها أي نوع من التقدم أو التطور والتنمية الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.

سهم أعمار !

ذهبت كغيري من جموع الشعب لأبيع سهم أعمار التي علقت عليه الآمال والتطلعات وغذا حديث المجالس والاجتماعات في كل مكان من بلادنا الجامدة، رأيت الهول والعجب! كنت اسمع ولكني الآن رأيت ما لم تره عيني أبدا! جماهير غفيرة عجبت بهم الصالة الصغيرة، تدافع مهول ! عراك وتشابك بالأيدي!ّ الشماغ رمز الفحولة في بلادنا يتطاير كالعصافير في صباح بهيج! الأنفس اللاهثة عجبت بها القاعة فازداد الناس عطشا ! أصوات تخرجها الحناجر تعبر عن مدى رداءة صنفها الإنساني تارة وعن اليأس والقنوط من السهم الذهبية تارة أخرى، عراك بالألسن سرعان ما يتحول لعراك بالأيدي والأرجل! انعدام تام لأي قيمة حضارية أو معنوية أو أخلاقية، الكل يدفع بعضه بعضا لأجل حفنة من الريالات المرتبطة بسيدها الدولار، فما أن ينهار تنهار معه مخلفة وراءها خرابا واسعا ! كارثة رايتها بأم عيني، هل هذا هو شعبي ؟ ألهذا المدى وصل انحطاطه الإنساني وبؤسه الحضاري؟ ألهذا المبلغ قنع بواقعه المأساوي وروضته سياط آل سعود ؟



مجتمع الغاب

بل عدة سنوات كنت ذاهبا لتجديد جوازي السعودي المفروض علي من جانب واحد، وقف الجندي وخاطب المراجعين بحزم وقسوة قائلا: تعاملوا مع أنفسكم كبشر.. صفوا بانتظام، والله أن لم تنظموا أنفسكم لن اسمح لكم بالمرور ! احترموا أنفسك! هل أنت بشرا حقا؟!



عيد ميت

في الأعياد يخرج المئات بل آلا لاف لقضاء العيد في البحرين ودبي، هناك يجدون حريتك المسجونة عل يد آل سعود ورجال الدين، هناك يعيش أفراد شعبنا بحريتكم ، بكرامتكم وان كانت نسبية ، القطيف في العيد عبارة عن مدينة أشباح، في موسم الأعياد لا احتفالات ، ولا مهرجانات ، أنها حياة شعبها الكئيبة في كل أوقات السنة دون استثناء، معظم الناس في مجتمعنا يخافون التجديد ، يخشون التغيير، أول ما تقع أسماعهم على ذكر التغيير ينظرون إلى نسائهم ،بناتهن يعانون من فوبيا النساء ، يحكمهم قانون التابو ، أي تغيير ينشد لا بد انه سيطبق على المرأة ! أن المرأة عرضي وسمعتي وعورتي ! أنها الآن تحت سلطتي الكاملة الشاملة ، وأي تغيير سيكون في الغالب باتجاه تحررها المرحلي من السلطة الذكورية الحاكمة! اغلب أفراد المجتمع يريدون بقاء الأمور على ما هي عليه لان في التغيير مساس مباشر بسلطتهم الفردية، ليس فقط آل سعود سيتضررون من أي تغيير بل كل ذي صاحب سلطة ونفوذ، ابتداء برجال الدين وانتهاء بالرجل في بيته زوجا أو أبا.



فطريقك محظور محظور محظور !

لا سينما، لا مسرح، لا سيرك، فالسينما لا حاجة لنا بها فالقنوات الفضائية تكفي، والمسرح مفسدة كبيرة لأنه سوف تظهر على خشبته نساء متبرجات ، هل تريدون أن يعرض عادل إمام إحدى مسرحياته في القطيف وتشاركه تلك النساء الغير محتشمات ؟ أما السيرك ففيه فتيات متبرجات يقمن بعروض بهلوانية محرمة شرعا ويمارس فيه أعمال السحر والشعوذة ، وكل ذلك محظور في ديننا الإسلامي الحنيف!



خصوصية مزيفة

كنت في مدينة خليجية محافظة قبل فترة ، شاهدت النساء وهن يعملن في البقالات والمكتبات والقرطاسيات وكافة الدوائر الحكومية والشركات الخاصة ، هل نحن في بلادنا المتدينة جدا نعيش خصوصية لم يسبقنا إليها أحدا من العالمين ؟ هل غيرنا يعيش الفساد المطلق ونحن فقط من تجول في بلادنا الفضيلة والعفة والحشمة ؟ لا أبالغ أن قلت أن اغلب مرتادي أوكار الليل وكازينوهات البحرين ودبي من السعوديين ونسبة عالية منهم من القطيفيين والاحسائيين ، شيعة أهل البيت كما يقولون ويدعون .





عصر السبات

في البحرين ترأست امرأة جلسات الأمم المتحدة وستجرى انتخابات بلدية وبرلمانية قريبا، وفي الكويت حصلت النساء على حقوقهن السياسية كاملة، وتعتبر الإمارات في مقدمة البلدان العربية المزدهرة اقتصاديا وإداريا وقانونيا ، بينما نساءنا يعشن الموت كل يوم بل كل ساعة ، وندعي في مقابل ذلك كله إننا في عصر الانتظار والتحرير والرسالة وسوف نصبح في مقدمة الأمم بل الأمة الحاكمة في يوم ما !



القطيف ضائعة

عندما ازور مدن الخليج ينتابني العجب والاستغراب، قطيفنا في آخر الركب ، لا حدائق، أنظمة بلدية معقدة ، خدمات حكومية مترهلة، شوارع عرجاء، عندما أريد التجول في القطيف لا اعرف أين اذهب لأنها بلدا خالية من الجمال والمعالم الجمالية ، بل عديمة الجمال، شبابنا من الجنسين يحيون حياة فارغة فلا نوادي ولا منتديات ولا برامج تنمي معارفهم وتوسع مداركهم،إهمال شعبي ورسمي شامل ولدوافع متعددة، في مقدمتها أن آل سعود لا يعتبرون الشيعة مواطنين من الدرجة الأول بل لا يجدون أي فائدة من الاهتمام بالشيعة فضلا عن شبابهم وشاباتهم، لذلك عندما يحصل الشاب أو فتاة من بلادنا على نسبة عالية في الشهادة الثانوية ، لا تعتبر شفيعة له للحصول على مقعد في كلية الطب أو الهندسة ، لأنه شيعي ، ورجال الدين الذين يستحوذون على أموال الخمس لا يرون فائدة من برنامج ابتعاث على حساب ريالات الخمس فطلبة العلوم الشرعية أولى بها !



حصار شامل

كل شي محظور محظور محظور ! معرض كتاب ممنوع، مسرحة مقتصرة على النساء ممنوع، إظهار السرور والفرح بنصر حزب الله على إسرائيل أمر لا يروق للسلطات؟ أنهم يريدوننا شعبنا فارغا تماما من محتواه، فلا يفرح لفرح الأمة ولا يحس بقضاياها وآلامها وجراحها، يريدون أجسام خالية من روح وعقل وضمير، الكتابة على الانترنت تكلف صاحبها في حال كشف السلطات أمره التحقيق وربما الاعتقال ! جحيم لا يطيقه سوى من اعتاده وألفه.



أما حانت ساعة الاستيقاظ؟

مجتمعنا ليس سوى مجتمع يعيش بأنفاس متقطعة ، ترتع في أرجاءه الإشكاليات العميقة والأمراض المزمنة ، إننا نعيش في أزمة حقيقة، دمار واسع، بنى إنسانية محطمة، إنساننا ضائع مسلوبة منه الإرادة ، أسير السلطات المستبدة سياسيا ودينيا واجتماعيا، مجتمعنا ميتا سريريا ، فلنعمل معا من اجل أحياءه من جديد، فلنوقضه من غيبوبته التي طال أمدها ، حتى يسير إلى قدره المرسوم ، إلى الحرية في ظل عبودية الله تبارك وتعالى.



احمد العلي