بعدما رشحت لجوائز أدبية وصحافية بريطانية، تحولت «يوميات» فتاة عراقية تسردها عبر موقع «بلوغ» خاص بها منذ ثلاث سنوات مسرحية انجزتها فرقة اميركية وتعرض طوال شهر آب (اغسطس) في مهرجان أدنبرة السنوي الشهير في اسكتلندا.
اليوميات تبدأ تحديداً في أيلول (سبتمبر) 2003 تعلم من فتاة قدمت نفسها على أنها من الناجين من الحرب، في الرابعة والعشرين من عمرها وتكتب تحت اسم ريفربند (منحنى النهر)، تحمل شهادة برمجة كمبيوتر، وتوقفت عن العمل لأن ظروف الحرب ما عادت تسمح لفتاة أن تتحرك بسهولة في بغداد.
أحد الناشرين البريطانيين المستقلين وهو ماريون بويرز، حوّل اليوميات كتاباً وصنفه في خانة المذكرات بعنوان «حريق بغداد»، ما أهّله لدخول القائمة الطويلة لجوائز عدة، من بينها جائزة صامويل جونسون لأفضل كتاب خارج نطاق السرد الأدبي، وهي من أبرز الجوائز البريطانية على هذا المستوى، وتبلغ قيمتها 30 ألف جنيه استرليني، ونافس 18 كتاباً شهيراً، من امثال آلان بينيت الكاتب المسرحي الذي تحتل يومياته موقعاً بين الكتب الأكثر مبيعاً. وحصل الكتاب على الترتيب الثالث لجائزة «ليتر اوليسيس» في فن الريبورتاج الصحافي وقيمتها 14 ألف جنيه استرليني. وهكذا حققت الكاتبة العراقية سابقة لكونها أول «كاتبة بلوغ» تدخل عالم الجوائز الغربية.
الفتاة التي تبلغ من العمر الآن 27 سنة وترفض الكشف عن هويتها الحقيقية خوفاً على سلامتها، وان كان ناشرها يعرفها بحسب تأكيد الدار. وتلاقي اليوميات التي تكتب باللغة الانكليزية ترحيباً واسعاً بين اوساط قراء الانترنت الذين يبحثون عن مصدر آخر لما يجري في العراق خارج نطاق الاعلام الرسمي الغربي وسواه، وعن تأثير الحرب على المدنيين الابرياء. وهذا ما اعطى شهادتها بُعداً انسانياً بحسب أحد المواقع النسوية الأميركية التي احتفت باليوميات. وإضافةً الى المعاناة اليومية لأهل المدينة خطفاً وقتلاً وتعرضاً لمخاطر الارهاب، تبيّن الكاتبة صعود العنف والاصولية في اعقاب الحرب التي شنها الأميركيون وحلفاؤهم على العراق، وتدهور أوضاع المرأة التي ما عاد في مكانها أن تخرج من البيت من دون محرم أو من غير حجاب، في مدينة حُسبت على العلمانية في السابق. كذلك كان الاطفال ضحية الحرب، فكثيرون منهم يخطفون مقابل فدية، أو يقتلون في التفجيرات وتتأثر أوضاعهم الدراسية نتيجة متتاليات هذه الحرب.
من بين الذين لفتت انظارهم تلك الكتابات، مخرجة مسرحية أميركية تدعى كيمبرلي كيفغن، فاتصلت بالكاتبة عبر الايميل طالبة موافقتها على تحويل اليوميات نصاً مسرحياً تقدمه فرقة «سيكس فيغرز» في نيويورك. والعرض الذي يشاهده رواد مهرجان ادنبرة تؤديه خمس ممثلات يستعرضن نماذج من الحياة اليومية لامرأة عراقية مستوحاة من «البلوغ». وتقول مخرجة العمل أن اليوميات تقدم صوتاً انسانياً مختلفاً لم يسمع في الغرب تقريباً، لأن الأصوات الأخرى تعلو عليه.
ولكن ما هي التحديات التي واجهتها المخرجة في تقديم نص لم يكتب أساساً ليقدم على خشبة المسرح؟ تقول كيفغن لمحطة «بي بي سي» إن اللفتة التي حققتها ريفربند الى موقعها هي ما يحتاجه المسرحيون أساساً، وهو ما يتحقق على خشبة المسرح أيضاً.
تتحدث ريفربند عن الرسائل التي تصل الى أبواب الناس مع رصاصة تهديداً لهم بالمغادرة، عن الاشخاص الذين تودعهم يومياً بعد ما عادوا غير قادرين على العيش في بغداد فيرحلون في اتجاه بلدان العالم. وتسخر من خطاب بوش الذي وعد فيه العراقيين المنفيين بالعودة الى العراق بعد الحرب، متسائلة عن اعداد المهجرين والمنفيين من العراقيين في العالم الآن؟ تتحدث عن خزانة ملابسها التي تفتحها وتنظر اليها كما لو أنها لأمرأة أخرى وزمن آخر.! وتروي كيف توقفت عن ارتداء بنطلونات الجينز والتيشرتات والتنانير، لأن الميليشيات الاصولية لا تسمح بذلك. وتذكر في شكل مؤثر وداعها صديقتها التي زارتها في بيتها متلحفة بحجاب تضعه بحرفية عالية حول وجهها من غير أن تنظر في المرآة، والغريب ليس في ذلك، بل في أن الصديقة في الأساس مسيحية!
صوت امرأة شابة من العراق يروي باللغة الانكليزية تفاصيل الحرائق التي انطلقت من الحريق الأول، الحرب، هو ما لفت انتباه القراء الغربيين والمثقفين اليها، تكتب بحساسية من يحب البلد ونهريه مستوحية من الماء تعابير مثل «لا يمكن أن تنزل الى النهر ذاته مرتين» وهي مقولة شهيرة للفيلسوف الاغريقي هيرا قليطس أو «الماء دائم التغير ودائم الاندفاع». اما الشعار الذي يرتبط بموقع حريق بغداد فهو «سألتقي بكم عند منحنى النهر، حيث يمكن القلوب ان تشفى والارواح أن تتعافى».
وهذا هو الرابط :-
بغداد تحترق