(2)
الخيبـــة
كانت الشمس توشك على الغروب حين خرجا من المقهى المجاور لسكنهما، هذه أول مرة يخرجان لوحدهما في هذا البلد العربي المحافظ.
بدت له هذا المساء فرحة منتشية، بشوشة هي كما دوماً، ولكن كان بها شيء آخر لم يستبينه جيداً وكأنها عاشقة، صار يسأل نفسه، هل يا تُرى أحست بما أكنه لها في قلبي؟! هل تبادلني ذات الشعور؟
منذ أسابيع وهو يحاول أن يصرح لها بحبه، لكنه فشل تماماً، كان يصاب بالهلع في كل مرة كانت بها أمامه، فيرتجف صوته وجسمه كله.
أعاد شريط محاولاته الفاشلة في رأسه وهو ينتظرها أمام المقهى، خرجت مبتسمة وقالت له هيا بنا فلقد تأخر الوقت.
كانت السماء غائمة وتبشر بالمطر في هذا المساء الخريفي، وما أن مشيا بضع خطوات حتى بدأت السماء بإطلاق العنان لمائها الدافئ على رؤوس الشابين.
اعتبر هو ذلك إشارة خير وبشارة من السماء لما هو عازم على القيام به.
بدأت هي بالهرولة وصار يركض وراءها، كانت فرحةً كطفلة، ترفع بين الحين والحين يديها للسماء لالتقاط بعض القطرات، ثم ترتحل نظراتها في مدى بعيد لم يستطع استبيانه، ثم تعود لتنظر إليه ضاحكةً.
خلع معطفه وعرض عليها أن تضعه على رأسها لتفادي المطر، ولكنها أجابته بشفقة بأنها لا تريده أن يمرض، رد ببعض الاضطراب : "فداكي"، وحين أصرت، تشجع وقال بكثير من التردد:
"سنضعه فوق رأسينا، هذا المعطف يسع راسين" (وكان يضمر في رأسه كلمة "بالحلال" التي لم تساعده شجاعته على نطقها).
ضحكت وبقيت صامتة، فاقترب منها ورفع المعطف فوقهما، وطفقا بالسير مسرعين تحت المطر.
بدأت الأفكار تروح به وتجيء، وانسابت الأحلام الوردية في باله، عن حبٍّ ممكن، فكّر بأن اللحظة مؤاتية ليبادر بشيء ما، وحين توقفا أمام شقتها، استدار واقترب منها محاولاً تقبيلها معتقداً أن الفرصة قد حانت وأنها تبادله شعوره.
أسرعت هي بالابتعاد عنه سائلةً: "ماذا تفعل، ما الذي دهاك؟"
اضطرب وارتعد وهربت الكلمات منه، ثم أمسك بكل شجاعته قائلاً لها: أحبك، كنت أعتقد ...
قاطعته فوراً بكلمة "لا" ثم جثم صمت طويل، نظر هو بالأرض مطرقاً حزيناً، فتابعت، "أحبك كصديق، لا أكثر، وأحب أن أكون معك ".
حاول أن يقول شيئاً، قال بعض كلمات مبهمة بصوت خافت، وبالكاد سمعنا صوته حين قال : "هناك رجلٌ آخر".
أجابته بأنها عاشقةً وهائمة بجنون، بأن لديها حبيب وأنهما يخططان للزواج. بدت على وجهه معالم خيبة الأمل، والكثير من الحزن الشديد.
قالت له بألم : "هل سنبقى أصدقاء؟!
أطرق لحظات ثم أجاب بحسرة ولكن بلطف: "هناك مثل إسباني ربما يجيب على سؤالك: أن نقدم الصداقة لمن يطلب الحب، كمن يقدم الخبز لمن يموت من العطش".
بقيت تنظر إليه وهو يعود أدراجه متجهاً نحو سكنه، ثم استدار وقال لها بقلبٍ محطم وصوتٍ كئيب وبشيء من العتب : "حاولي في المرات القادمة ألا تعطي إشاراتٍ إيجابية للحالمين".
الأغنية المرافقة:
بعتب عليـــكي
عليكي .. باعتب عليكي
من عنيكي
من نظره ف عنيكي
من ورده دِبْلِت بين إيديكي
باعتب عليكي
مهما بحار السفر بتسرقني
والريح بتجرحني
مهما بلاد الدنيا تنكرني
والكل ينكرني
ضحكتك بتنده لي
نظرتك بتعرفني
من عنيكي
مهما عيون الناس بتعرفني
غيرك ما يعرفني
مهما ليالي الوعد توعدني
قلبك بيوعدني
ضحكتك بتنده لي
نظرتك بتعرفني
الصورة المرافقة: