بقلم خضر
(سوري من الشرق الأقصى)
موقع سيريا كومنت
30 آب 2006
قرأت مقالاً لمعارض سوري في أحد المواقع يدعو فيه للقيام بانقلاب عسكري يقوم به جنرال عسكري سوري على طريقة الجنرال مشرف. وكان ذلك إعادة صياغة لمقال سابق كتبه "ولكر بيرثس" مدير المعهد الألماني للشؤون العالمية والأمنية. كتب المقال في خريف عام 2005 عندما كان الغرب يفكر بزعيم جديد لسورية. وكان الافتراض أن هذا (التغيير) سيحرك الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراكدة في سورية قدماً في الاتجاه الصحيح. ومع أن الكاتب كان استفزازيا بصورة متعمدة لكنه أثار سؤالاً في غاية الأهمية في بلد وصل كل رؤوسائه إلى سدة السلطة عبر انقلاب عسكري.باستثناء رئيسين.
بالإضافة إلى ما سبق طرح المقال بصورة عفوية سؤالاً أكثر أهمية حول وضع الطائفة العلوية وتغيير النظام. فالقائد العسكري الذي سيستولي على السلطة سيكون علوياً لأن الضباط غير العلويين (السنة والدروزبشكل رئيسي) لن يكون لهم نفوذ على الأكثرية من الجنود وضباط الصف والضباط العلويين ضد نظام علوي متحكم بالسلطة.
قلة قليلة من الناس من تجادل بإمكانية تحقيق تغيير جذري من الداخل بدون مساعدة العلويين أنفسهم، باستثناء قيام انتفاضة جماهيرية كاسحة أو غزو خارجي. على الأقل لا بد أن يحظى التغيير بموافقة العلويين السوريين إذا وافقوا بالوقوف جانباً وعدم التدخل وهم يراقبون انتهاء الحكم العلوي.
وإذا كان السؤال الجوهري هو: لماذا لا يقوم جنرال سوري بانقلاب عسكري؟ إلا أنني أود إعادة صياغته على النحو التالي: لماذا لا ينهي العلويون السوريون حكم الأسد؟
في البداية، ليس من المبالغة الزعم بأن كثيراً من العلويين غير سعداء –على الأقل- بالنظام الحالي. والأسباب الموجبة التي يروجونها هي:
-الفقر (مثلاً الأحياء العلوية الفقيرة حول دمشق، والقرى الفقيرة ونسب البطالة المتدهورة في المنطقة الساحلية، الخ)
-الاعتقال السياسي الذي لا يجرؤون على التصدي له(أمثلة: صلاح جديد وحزب العمل الشيوعي وعارف دليلة حالياً)
يوجد أيضاً أسباب رئيسية أخرى قلما يتم تداولها، أشير إلى أحدها في هذا الصدد وهو ذلك الجيل من العلويين الذين ولدوا بعد بداية الستينات عندما استولى البعث على السلطة وتبوأ العلويون لأول مرة مناصب عليا في حكم سورية:
لم يعش معظمنا الظروف الظالمة التي خضع فيها آباؤنا وأجدادنا تحت حكم السنة، وبالتالي فلم نقدر الحكم العلوي الذي جاء به الرئيس الراحل حافظ الأسد بنفس درجة تقدير آبائنا وأجدادنا
أحدث حافظ الأسد تحسينات هائلة في المناطق الريفية بعدما أهملت إهمالاً كاملاً من قبل الحكومات السنية المتعاقبة، سواء العثمانية منها أو السورية (لكن للأسف كرر الأسد هذا الإهمال في منطقة الجزيرة، في شمال شرق سورية). لكن هذه التحسينات أصابها الجمود منذ أكثر من جيل وتأخرت الأحوال أكثر مما تقدمت.
في مرحلة شباب آبائنا تحولت المدن الساحلية الواقعة في سفوح جبال الساحل مثل طرطوس وبانياس وجبلة واللاذقية من مجتمعات سنية صرفة إلى مدن حديثة متعددة الطوائف نسبيا. لكن خلال جيلنا تحولت هذه المدن إلى مدن فقيرة قذرة بسبب سياسات الفساد وسوء التخطيط والمحسوبية. وشاهدناها تتحول مسرحاً لمراهقي الجيل الجديد من عشيرة الأسد في القرداحة الذين يطلق عليهم أحياناً الشبيحة
3- كان دعم آبائنا الكبير لحافظ ناتجاً من استيائهم من البورجوازية الغنية التي زعم حافظ وحزب البعث مناهضتها الأمر الذي أسبغ الكثير من الشرعية على حركته. كان أتباع رفعت الأسد في السبعينات يرددون على مسامعنا عبارات الإعجاب به لأنه كان لم يكن يتورع عن التقاط علبة سمك فارغة قذرة ويشرب بها الشاي. لكنني أتساءل اليوم بم يفكرون به وهو يستخدم الأواني الذهبية في قصوره الباذخة في فرنسا واسبانيا؟ في الماضي أعجب العلويون بكثير من الرموز العلوية في مراكز السلطة. لكنني لم ألتق شخصاً يحمل أدنى درجات الإعجاب لرامي أو آصف على سبيل المثال لا الحصر. ولسوء الحظ فنحن نراقب الحكام العلويين وكثيراً من أبنائهم وقد أصبحوا نسخة عما علمونا كراهيته واحتقاره.
ثمة حقيقة لا بد من تجليتها أن الطائفة العلوية لا تزال تتحكم بالمواقع المهمة في الأجهزة الأمنية السورية. والحقيقة الأخرى أن هذا التحكم لا يخدم إلا دائرة صغيرة في أعلى الهرم، وهي التي يتضاءل نفعها وتفاعلها مع أعضاء الطبقة الفقيرة في القاعدة
وبملاحظة أن نظام الأسد انخرط كلياً في تحالفات مع الأسر السنية من خلال الزواج (الرئيس مثلاً، وبنات ناصيف، الخ) أو من خلال احتكار الصفقات (ماهر مثلاً وبهجت سليمان وآصف، الخ)، فقد خسر النظام دعواه بأنه يمثل الطائفة العلوية أو يدافع عن حقوقها. أما الدعاوى التي استخدمها حافظ وجيله ليقنعوا بها آباءنا ليقدموا له الدعم فقد فقدت أسبابها إلى حد كبير.
6- إن الاتجاه الذي تسير إليه سورية لا يبشر بخير. فآخر ما ينظر إليه العلويون أن يكون هناك مجموعة (مؤلفة من طوائف كثيرة، وليس فقط من العلويين) تقود سورية إلى كارثة، في الوقت الذي يتهمهم كل السوريين الآخرين بأنهم المسؤولون عن هذه الكارثة.
فلماذا لا يفعل العلويون شيئاً لتفادي الحالة؟ ولماذا نصمت عنها؟ ولماذا لا يقوم جنرال علوي بانقلاب عسكري؟
تنقسم الأسباب إلى عامة تتعلق بكل المواطنين السوريين، وإلى أسباب خاصة بالعلويين:
أولاً: الأسباب العامة المتعلقة بكل المواطنين السوريين
1- لقد زرعت ثقافة الخوف وتجذرت في روع كل سوري بصرف النظر عن طائفته وجنسه
2- لقد تكلست حالتنا على مستوى عميق من الريبة والشك بكل إنسان حتى أصبح من شبه المستحيل على كل سوريين أن يعملوا معاً فكيف بالتنظيم في مجموعة واحدة. وحتى ندرك عمق المعضلة: انظر إلى مدى تفرق السوريين في الشتات حتى عندما يبتعدون عن النظام وتأثيره. لم يعد بمقدور مغتربين سوريين أن ينظموا تجمعاً ثقافياً ناهيك عن حزب سياسي، وما يكاد ينشأ حزب جديد حتى يبدأ أعضاؤه الذين هم من نفس الطائفة والجنس والخلفية ينشطرون عنه في متواليات غير متناهية.
3- العداء الخارجي للولايات المتحدة يشل الحركات الداخلية المنظمة العاملة ضد النظام بصرف النظر عن مقاصدها. فلا يوجد من يود المجازفة بتحرك ما ضد النظام بينما العدو متربص على الأبواب. وفي نفس الوقت لم تبد الولايات المتحدة أي إشارات مهمة لتحسين الوضع الداخلي في سورية أو مساعدة البلد. كل ما تطلبه الولايات المتحدة بجلاء وصوت مرتفع هو إجراء تغيير في السياسات الخارجية، هذه السياسات لا تسترعي اهتمام المعارضة السورية. فالنظام يتمتع بشعبية في هذه المسائل مثل مسألة احتلال فلسطين والجولان والعراق.
عاطفة الشارع السوري حالياً مناهضة لأمريكا. وهذا يعني أن أي معارضة تود كسب تعاطف الشارع السوري يجب أن تكون معارضة لأمريكا ومرفوضة من الغرب، مثل حماس. وأي معارضة تروم الدعم الخارجي تفقد الشارع كما هي حالة خدام. نحن في حالة دقيقة وحساسة يفهمها النظام جيداً ويوظفها لمصلحته ببراعة.
4- تحكم الرئيس السابق حافظ الأسد بتنظيم الجيش والقوات المسلحة ببراعة فائقة ليتحاشى الانقلابات مثل تلك التي هزت سورية خلال ثلاثة عقود بعد استقلال سورية. فكل القوات السورية القادرة على القيام بانقلاب (مثل الوحدات الخاصة والشرطة العسكرية وأجهزة الأمن) ضخمة يصعب تحريكها ومركزية ذات هيكل قيادة بالغ التعقيد مصمم عن قصد ليخيب أمل المتآمرين. الاتصالات الثنائية بين الوحدات ممنوعة بصورة مطلقة، إذ أن كل الاتصالات يجب أن تمر عبر مسار متعرج، و يجب أن تصعد أولاً في هيكل القيادة إلى القمة قبل أن تنزل ثانية إلى صفوف الوحدة الثانية. والأكثر أهمية أن الوحدات والأقسام الكثيرة لها هيكلية قيادية متشابكة بحيث لا تنتفي الذاتية المستقلة أو ذاتية التسيير. نضرب مثالاً: تقع أي وحدة جوية تحت سلطة مخابرات القوى الجوية والمخابرات العسكرية وإدارة التوجيه المعنوي والشرطة العسكرية وقيادة القوى الجوية والقيادة العامة للقوات المسلحة والحرس الجمهوري والقصر. والضباط أصحاب الولاءات لهذه الأفرع الأمنية المختلفة ينتشرون بصورة كيفية في قوات الأمن. لا شك أن هذا الهيكل القيادي عديم الفائدة من الناحية العملية في مواجهة الأعداء الخارجيين بسبب تنظيمه السخيف من ولاءات متعددة، لكنه بالغ الفاعلية في ضمان الاستقرار الداخلي إذ يمكن بواسطته إحباط أي محاولة للتمرد بسرعة والتعامل معها على الأرض.
5- معظم العلويين السوريين الساخطين على النظام الحالي لا يرون فائدة من تغييره بدون بديل واضح. فمن واجب المعارضة أن تقدم رؤية واضحة عن المستقبل وتلهم الشعب السوري بحيث يقتنع بالمخاطرة بالميزات القليلة التي يتمتعون بها، وعلى رأسها الأمن. لا تزال عبارات الوعود العامة والغامضة عن الديمقراطية والحياة الأفضل تصبغ خطاب مؤيدي تغيير النظام.
6- لا بد من الاعتراف بأن الفساد تغلغل في نفوس كل السوريين تقريباً. ومن المشكوك فيه أن أي شكل من أشكال تغيير النظام سيفلح في إنجاز تحولات اجتماعية أواقتصادية حقيقية قبل أن يمهد لها بعملية جذرية طويلة من الإصلاح والإحياء الثقافي
قيادتنا فاسدة، لكن أي قيادة شريفة ستجد من المستحيل التغلب على ثقافة الرشوة المنحرفة بصرف النظر عن العمل الشاق وعدم الاكتراث بالمصلحة العامة التي يشترك فيها كل من موظفي الدولة والقطاع الخاص على حد سواء. لقد أصبح شعور معظم السوريين بالفضيلة ملتويا حتى أصبحت المهارة هي غش الزبون.
هل يمكن حقاً فرض التغيير من الأعلى إلى الأسفل؟ يتحاشى الداعون إلى تغيير النظام هذا السؤال الشائك، لكن يجب تناوله بجسارة والحوار فيه. هل نحن راغبون في العمل والتفكير بشكل مختلف عندما يتغير النظام؟
ثانياً: أسباب خاصة بالمواطنين السوريين العلويين:
السبب الرئيسي الذي يحول دون فاعلية العلويين في دعم أي من خطط تغيير النظام هو خوفهم من "الآخر". إن أولئك الذين يعتزمون تغيير النظام بدون أن يوضحوا لنا ماذا ستعني نهاية الحكم العلوي لآلاف العلويين العاديين لن يصلوا إلى نتيجة.
ثمة نوعان من "الآخر" في سورية:
آ- زعماء المعارضة الدينية السنية والأكراد الذين ينادون بفظاظة ووضوح: "نريد إنهاء الحكم العلوي"
ب- والثاني هو كل من يقول على استحياء أو بإيجاز أنه" يجب انهاء احتكار المناصب العليا في الجيش والأمن من طائفة واحدة"
لم يعالج أي مثقف سوري أو زعيم سياسي أو كاتب مرموق السؤال الجوهري التالي:
ماهي خططكم بالضبط تجاه العلويين بعد أن نتخلى عن السلطة؟
لماذا كل الأجوبة على هذا السؤال غامضة وعامة؟ ما هي خططكم تجاه عشرات الألوف من العلويين العاملين في الجيش وأجهزة الأمن الأخرى؟ ما هي خططكم تجاه الحرس الجمهوري والقوات الخاصة المشكلة في المقام الأول من العلويين؟ هل ستدفعون لهم معاشات تقاعدية إذا قررتم حل قواتهم؟ أم إنهم سيطردون ويرمون في الشوارع ويذلون وينبذون كما فعل الأمريكان في العراق؟ وهل عندكم فكرة عن المخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا التسريح على الأمن؟ وهل يرضيكم سيناريو بقاء هذه القوات في أماكنها لقاء تخليها عن السلطة السياسية؟
وما هي خططكم تجاه عشرات الألوف من العلويين الذين يعملون موظفين في كثير من المؤسسات غير الفاعلة؟ هل ستغلقون هذه المؤسسات؟ وهل لديكم فكرة عن العواقب الاجتماعية لمثل هذا الإغلاق؟ وهل ستوقفون المشاريع الإصلاحية في المنطقة الساحلية شأنكم في ذلك شأن كل الحكومات السنية منذ الاستقلال؟ وهل ستعكسون قانون مصادرة الأراضي وإعادتها إلى كبار الملاكين السنة بعدما تم توزيعها على عشرات الآلاف من المزارعين؟
وهل ستطالبون بمحاكمة المسئولين الأمنيين على أعمالهم خلال الـ35 سنة الماضية؟ وما هي سوية الرتب التي ستعتبرونها مسؤولة؟ وهل ستطالبون بالمحاكمة على الممارسات السابقة؟ وإذا كنتم ستحاكمونهم فهل ستحاكمون النخبة السنية أيضاً بنفس المعيار؟ وهل ستعامل العائلات السنية التي استفادت من النظام عبر صفقات الاحتكارات والمحاباة مثل عائلة النحاس الدمشقية وجود اللاذقانية بنفس معاملة العلويين؟
الإجابة على هذه الأسئلة مطلوب ليس من مفكري المعارضة فحسب بل ومن كل سوري غير علوي. ماذا ستفعلون بنا إذا أعدنا لكم السلطة السياسية؟ هل أنتم راغبون بالعيش معنا جنباً إلى جنب لتدعيم التنوع السوري وعندئذ نعتبر السنوات الأربعين الماضية مجرد حادثة فاشلة أخرى من تاريخنا الطويل الحافل بالثورات الفاشلة.
التغيير نحو الأفضل يجب أن يشمل كل قطاعات المجتمع السوري بمن فيهم العلويون السوريون. ولأن العلويين يتحكمون بكل قوات الأمن في الدولة فلن يتغير النظام ما لم تمنح لهم تأكيدات بأنهم سيتبوؤون مكاناً في مستقبل سورية الجديد. وبدون مثل هذه التطمينات والتأكيدات فلن يكون "مشرف علوي" ولن يجلب أي جنرال يقوم بانقلاب عسكري أكثر من الفوضى إلى سورية.
يرفض السوريون الحديث بانفتاح وأمانة عن أكثر تحدياتنا خطورة، وكثير من الحوارات يتم التحفظ عليها في الزوايا المظلمة، لكن هذا الوقت ليس للشطارة أو المراوغة. يجب علينا أن نواجه ونناقش المواضيع الدينية والمجتمعية مباشرة بصراحة وأمانة. إذا كان السنة يريدون تغيير النظام فعليهم معالجة المسألة العلوية أولاً. وما لم تنجلِ الأجوبة على الأسئلة المطروحة من كل القوى المعنية والأفراد أصحاب الصلة فلن تروق فكرة تغيير النظام للعلويين مهما كانوا ساخطين على النظام أو قانطين منه: ولن يتخلوا عن متراس السلطة.
ترجمة: وليد سفور
-----
ٍالمقال موجود على موقع
www.syriacomment.com
بتاريخ 30/8/2006
صاحب الموقع الأكاديمي الأمريكي جشوا لانديس
أتمنى أن يفتح المقال لحلقة نقاش موضوعية في الأيام القادمة.
:redrose: