[ لاذ به يلوذ لوذا ولواذا ولواذا ولواذا ولياذا: لجأ اليه وعاد به. ولاوذ ملاوذة ولواذا ولياذا: استتر. وقال ثعلب: لذت به لواذا احتضنت. ولاوذ القوم ملاوذة ولواذا أي لاذ بعضهم ببعض، ومنه قوله تعالى: يتسللون منكم لواذا. وفي الحديث الدعاء: اللهم بك أعوذ وبك ألوذ، لاذ به اذ التجأ اليه وانضم واستغاث. والملاذ والملوذة: الحصن. ولاذ به ولاوذ وألاذ: امتنع. ولاوذه لواذا: راوعه. ] ابن منظور - لسان العرب
وهذا ملاذ لي ، أبث فيه شكواي ، وأفراحي وأحزاني ... هو أقرب إلى يوميات ، منه إلى خواطر . وهو كذلك ، أفكار متناثره ، لا يجمعها سوى حضورها المباغت .
[CENTER]24/10/2005 أو 22 / 9 / 1426[/CENTER]
[SIZE=4] - فكرت ، قبل أن أكتب التاريخ الميلادي ، بأن أكتفي بالهجري . ولكني ، عندما تذكرت أنها قد تمر من هنا ، وهي التي لا تكاد تعرف عن السنة القمرية ، سوى رمضان . لأجل ذلك ، سأضع التاريخين ، رغم عدم اقتناعي .
- قلت لها ذات مرة ، محاولا تبيان أن السنة القمرية أفضل للفرد من الشمسية :
" في القمرية ، تكون ذكرياتك متحولة ، ويوم ميلادك يكون تارة في الشتاء وتارة في الصيف " ، ولكنها لم تقتنع .
-الآن ، في هذا الملاذ ، أعلم يقينا .. أن القمر لا يحسب عمره إلا اعتمادا على الشمس .
- سؤال يتبادر لذهني ، عندما أتحدث عن القمر : هل هو فعلا جميل ؟
كلنا يعلم أنه جرم صغير ، مجموعة من الحفر والهوات .. مالذي يجعله جميلا ؟
يبدو لي أننا عندما نتغنى بالقمر ، ونخشع لدى رؤيته بدرا مشعا ، نفعل هذا الذي نفعله ، لا لأن ما نراه جميل .. بل لأن أسلافنا لم يخترعوا التلسكوب بعد !
- بالأمس ، كنت أسمع لأحمد الدعيج ، في مجموعته السمعية عن " التاريخ السياسي للدولة العباسية " . هذا الرجل ، من أغرب الذين سمعت لهم ، لا يكتفي بأن يرو لنا التاريخ .. بل يدخل في جوفه ، ويحاكم رجال الماضي ، تحدث بالأمس عن القرامطة ، ووالله لو أن ابا طاهر القرمطي بعث مرة أخرى، وسمع ما قال عنه الدعيج ، لما وسعه إلا أن يتحول إلى " نائب إسلامي " .
قراءته للتاريخ ، تحتاج لوقفة طويلة .
- طالما أنني تحدثت عن المواد السمعية ، في أحد أعداد عالم المعرفة ، كان عنوان الكتاب الشهري " التاريخ الاجتماعي للوسائط " ، وقال مؤلفي الكتاب بأن الوسط ، أي وسط ، يتم استخدامه ثلاث استخدامات : تأثير ، وتعليم ، وترفيه .
وبما أن " الكاسيت " عبارة عن وسط مهم ، فإن استخدامنا له في مجال الترفيه يكاد يكون هو الطاغي ( أغاني ، أمسيات شعرية ..إلخ ) ، يأتي بعده محاظرات المشايخ ، وهو تيار واحد فقط .
ظهرت في الآونة الأخيرة ، مجموعات سمعية عن الذات وتطويرها والوقت وما إلى ذلك ، ولكنها - رغم مديونيتها التامة لعلوم الإدارة الغربية ، وترويجها المبطن لكل أيديولوجياتها - تتلحف دوما برداء إسلامي .. ويصنف هذا العمل تحت " أسلمة المعرفة " .
قديما ، أرجع الكثير من المؤرخين نجاح " مارتن لوثر " في دعوته الإصلاحية البروتستانتية ، إلى استخدامه الناجح للوسط الجديد ، وهو الطباعة - التي قاطعتها الكنيسة الكاثوليكية .
- بعد قليل ، ستبدأ محاضرة الرياضيات ، عندي " كويز " ؛ لا أعلم لم يحرص دكتورنا المغربي على مثل هذا الـ " كويز " في الأيام الأخيرة .
- قبل ساعة ، اتصلت بي قائلة انها ستعاود اتصالها ما بين الثانية عشر والواحدة ، وها هي محاضرتي ستبدأ بعد قليل ، ولم تتصل . لا أعلم لم أعلق الكثير على سماع صوتها قبل أي اختبار ، رغم أني لا أؤمن - لفرط ثقافتي - بأي بركة ومعونة لا مرئية .
- اليوم ، يتوجب علي أنا أن أجلب الفطور ، فالدورة توقفت علي ، لا أعلم ماذا سأحضر. أظنني سأجلب لهم فولا وتميس.
[SIZE=4] اليوم : يومي . هذا اليوم ، هو أحد الأيام الإثني عشر ، التي تتصفد فيها القباحة ، ويعلق البغض مشنقته ، وتموت أثينا ، ويحيا تموز . قبل أكثر من سنة ونصف ، وتحديدا في يوم 25 - 3 -2004 ، أرسلت لي رسالة تقول :
" اليوم هذا له ذكرى خاصة !
لأنه يعني مرور شهر على أول اتصال بينا . ( أحبك ) "
منذ تلك الرسالة ، أصبح يوم 25 من كل شهر ميلادي ، يوم تكثر فيه الحروب ، وتزداد معدلات الطلاق فيه ، وتكثر الجرائم ؛ لا لشيء ، فقط لأن كل معاني الحب والنبل والتفاني نحتكرها أنا وهي ، ولا يبقى للناس سوى البغض والكراهية .
عشرين شهرا ، يالله ! .. في الأوقات التي أتفكر فيها ، أقول لنفسي : لو حظي كل ذكر بما أحظى به ، هل سيكون هناك معنى لجنة الخلد ؟!
أعلم أنها تمر من هنا .. حبيبتي ، كل شهر وأنتِ حبيبتي
- الساعة الآن الثانية عشر ، وهذا يعني أننا ولجنا إلى يوم 26 ، وأنا أتكلم عن يوم 25 . السؤال : من هو هذا الذي قرر - بكل بلاهة - أن اليوم يبتدأ من منتصف الليل ؟
هذا سؤال عميق ، يعود بجذره إلى إشكالية حضارية . نحن أسلاف الحضارة العربية الإسلامية - رحمها الله - مشدودون لتراث عميق وعريق وضخم ، وهذه الحضارة التي قامت على دعوة النبي محمد ، لم يتبق منها سوى هذا الدين ، الذي يحدد بوضوح أن اليوم يبتدئ من صلاة الفجر ... فلماذا نبدأ يومنا من الثانية عشر ، بعد أن يخلد الكل للنوم ؟
أنا أظن .. ان في المسألة " إن " ، وأن ثم " انجرار " - وبالمناسبة هذا مصطلح ابيستمولوجي - إلى الهيمنة الثقافية الغربية .
ولأني عروبي ، وانتمي لحضارة إسلامية ، وأتمسك بالهوية ، ولا أخلد للدعاوى الإمبريالية المتمثلة بالعولمة والثقافة الواحدة وغيرها ؛ فإني أعلن أن يوم 25 سيمتد حتى الإمساك عن الأكل .
- لا أخفيكم أن هناك سبب خفي ، وهو أني أريد الإحتفال به مع حبيبتي ، التي لن تتفرغ الا بعد الثانية عشر ، فالعيب ، كل العيب ، أن نحتفل بالأمس .. فيا أعراف العالم ، سألقي بك اليوم عرض الحائط .
- بالأمس اشتريت كتابين ، عدد عالم المعرفة الأخير وهو " تاريخ الملح " ، والآخر :كتاب العربي بعنوان " غواية التراث " لـ جابر عصفور . هذا الرجل ، عصفور ، لم أواجهه مباشرة في كتاب ... لكني أنا اتجه أواجهه ، دائما ما تطالعني مقالاته في جريدة الحياة ، وقرأت مرة لمحمود أمين العالم في كتابه " مواقف نقدية من التراث " نقدا مكثفا له ، وقد أهداني صاحب لي " كاسيتا " - لا أعلم تعريبه ، عبارة عن مقابلة مع حسن الهويمل ، تحدث فيه عن " المرايا المحدبة والمقعرة " وهي كتب لجابر عصفور هذا .
- أدرس مادة تسمى " مهارات التواصل " ، يدرسها دكتور ذا تخصص عربي . هذا الدكتور لا يفقه في التواصل شيئا ، فتجده يتحدث عن مهارات إلقاء المحاضرة ، وأن على المحاضر أن يتنبه لجمهوره وأن يزيد حماسهم ، وأن يناقشهم ، وأن يشقى لإرضائهم . هو يشرح لنا هذه المادة ، بصوت خفيض باهت متقطع ، وبكلام ممتد لا يقطعه سؤال سائل أو استفسار مستفسر . وإن حدث أن استفاق ، من غيبوبة محاضرته ، على سؤال أحدنا ، ينتقل من الإجابة على السؤال إلى سرد ممل ومتعال عن بطولاته وصولاته وجولاته في الولايات المتحدة الأمريكية .
المضحك في الأمر ، أنه يشدد ويصر على ألا تتجاوز المحاضرة الوقت المحدد لها مسبقا ، يشدد على ذلك في الوقت الذي لا بد أن نتثائب ونغلق الكتب والاوراق ونضرب بأرجلنا الأرض ، حتى يتنبه أن وقت المحاضرة انتهى .
- سافر صديقي الذي يسكن معي في الغرفة ، وأنا حتى الآن لا أعلم : كيف سأسافر ؟ هل امتطي راحلتي الجديدة ؟ أم ابحث عمن يردفني ؟ .. لا أعلم حتى الآن !
سأعود للقصيم ، لبريدة تحديدا . آه .. هذه المدينة ، مخيفة جدا ، لدرجة أني أخشى الخروج من المنزل .
- كنت أنا وصديقي نتجادل جدالا بيزنطيا حقيقيا ، كان صراع ديكة من الطراز الرفيع .
يقول : " الناس قسمين ، قسم يقسم الآخرين قسمين ، وقسم لا يقسم " . قلت له " كلام باطل ، انا أعترض " ، أجاب " لا مجال للمعارضة ، إن اعترضت ان تكون من القسم الذي يقسم الناس قسمين ، فأنت من القسم الثاني ، أي انك تقر تماما بوجود قسم غيرك " . أجبته " الأمر ليس كذلك ، فأنا أستطيع أن أكون من القسم الأول ، دون أن أقع في هذا التناقض " ، قال : " كيف ؟ " أجبته : " افتراض ان الناس قسمين ، هو افتراض من عندياتك ، نتيجة خرجت من مقياسك الذاتي ، لا أتفق معها وارفضها . واعتبارك إياي من القسم الثاني الذي لا بد له من أول ، هو اعتبار باطل ، مجرد وهم .. لبس ، وقعت فيه جراء انطلاقك من مقدمتك الفاسدة .. الباطلة الباهتة " ... واستمر النقاش هكذا حتى وصلنا الجامعة . فسكتت الديكة عن الكلام المباح .
- سأختم بهذه الحادثة، وهي عبارة عن نقاش جميل ومثير وفاتن . بالتأكيد ، النقاش اصطبغ بكل هذه الصفات ، لأن أحد طرفيه جميلتي . قالت لي ، وقد أخذ منها الإحباط ما أخذ :
- حَبِيبِي ، أنا مِتضَايقِه !
- باطل ، الضيق لم يخلق لك ، إنما خلقه الله لتريه في الناس ، فتتأكدي بانك تختلفين عنهم .. بأنك مصدر سعادتهم . لولا أنت .. لما ابتسم طفل بالوجود ، ولا طار طير .. بل لما استطاعت هذه الأرض أن تتم دورة واحدة حول الشمس . أي حبيبتي ! كنت أظن وإلى فترة قريبة أنك مخلوقة لي وحدي ، حتى حدثتني الطيور والأشجار وكل الكائنات ، بأنك العلة الأبدية لبقاء الوجود .
- يَا بَعَد عُمرِي ، بَس أَنَا مِتضَايقِة لأنِي بِنت !
- وهذا بطلان مركب ، وبيانه من وجوه :
فأولا ، ما بني على باطل : باطل أيا كان الذي بناه . وكما حدثتك فالضيق لا يجري حكمه عليك ، أي ضياء الكون .
وثانيا ، أن تكوني أنثى ، هذا أمر لم يحدث خبط عشواء ، بل إن هناك ثم ضرورة . بالله عليك ، ألم تنظري كم قتيل يموت ، وكم من زلزال حدث ، وكم حربا ،وكم وباء أبادت بني الإنسان ؟ إنما أراد الله أن يخلص بني الإنسان بكِ ، فبعثك أنثى . هذا الهواء ، لو أنك لا تنطقين ، ولو أنه لا يحمل صوتك للبشر ، لما حفل بقانون الجاذبية ، ولفارق الأرض غير آسف . وكذلك الشمس ، والله الذي فجرها ، لاستحالت كرة ثلج ، لولا أنك تنعمين بشتاءها وصيفها .
وحدثتني عن اعتراض فتيات بعض المنتديات على قيادة السيارات ، وتحميلهن ألف نقيصة ونقيصة لكل من تفكر ، مجرد تفكير ، بأن تقود سيارة . وراحت بكل رونق حديثها تتعمق في الظاهرة وتتكلم عن باقي جوانبها ، كانت وهي تتحدث .. تفيض حكمة ورقة وإثارة .. كم تمنيت لو منحوها كل مقرراتي الدراسية ، بدلا من ذلك الثرثار .
[CENTER](3)[/CENTER]
[I][CENTER]27-10-2005 أو 25-9-1426 ، الساعة التاسعة من بعد عشاء يوم الخميس[/CENTER]. \" في البدء ، كنت : رجلا ، وامرأة .. وشجرة .
كنت أبا ، وابنا .. وروحا قدسا .
كنت الصباح .. والمسا ..
والحدقة الثابتة المدورة ..
....
وكان عرشي حجرا على ضفاف النهر \" سفر التكوين – أمل دنقل
-تأخر يوم ، واقتباس من أمل دنقل .. بهذين الأمرين ألخص كل ما حدث .
-لنبدأ بقصة قديمة ، حدثت في رمضان ... قبل أكثر من 17 سنة ، عندما كنت لا أتجاوز الخامسة من عمري . كان ذلك في أول أيام رمضان ، وأنا في المقعد الأمامي المجاور لمقعد أبي ، متجهين نحو منزل ، قد واعد والدي أحد زبائنه هناك ، لكي يبيعه إياه . لما نزل أبي مع الزبون ليريه المنزل ، كنت وحيدا في السيارة . طفل جميل ، وديع ، يشتعل ذكاء . أنزلت قليلا من زجاج النافذة ، فتناهت إلى مسامعي أصوات الألعاب النارية في الأحياء المجاورة .
عندما سمعت أصوات فرقعاتها ، تحرقت شوقا إليها .. تمنيت أنها بين يدي فأفرقعها هنا وهناك . وبينما أنا أجول بناظريّ هنا وهناك ، وإذ بفكرة تواتيني في اللحظة التي وقعت فيها عيناي على علبة سجائر والدي ... وولاعته . أخذت الولاعة ، وتناولت علبة المناديل .. ورحت أسحب منديلا وأشعله .. وأرميه من طرف النافذة المفتوح . رميت الأول ، فالثاني .. ولما رحت ألقي الثالث ، إذ به يتعلق على طرف النافذة . هنا ، مددت يدي لألقي به خارجا ، ولكن لسعتني حرارته فإذا بي أدخله للداخل .. وبسرعه غريبة ، اشتعل المقعد ، وبدأت أجزائه تذوب ، حاولت فتح الباب ، ولم أستطع . النيران من حولي ، وبسرعه ، قفزت للمقعد الخلفي ، وفتحت الباب .. وهربت خلف إحدى الأشجار . توقف أحد المارة ، وهم بإطفائها ، جاءت المطافي وخرج والدي وهو يصرخ باسمي \" سلطان .. سلطان \" .. وانا لا أجيبه ، وهو يعتقد أني داخل السيارة ، وأنا خائف من إجابته كيلا يعاقبني على فعلتي .
الغريب أني لا أذكر كيف كانت ردة فعل والدي عندما خرجت إليه .. لا احمل أي ذكرى لذلك .
-لماذا أقول هذه القصة ؟
الجواب : هو أني أعتقد أن هذه الحادثة ، أثرت في وجداني ، واستقرت في الخافية ( اللاوعي – وأفضل الترجمة الأولى ، إذ أن كلمة \"لاوعي\" ترجمة خاطئة من الناحية البنائية ) . وأنا الآن ، أفسر بها ظاهرة غريبة حدثت أثناء مراهقتي . نحن هنا في القصيم ، او بريدة ، ما أن يفهم أحدنا معنى أن يكون ذكرا ، حتى يحاول أن يؤكد هذه المعرفة بعمليات فحولية ، وتكون من الأساسيات اللازمة له كي تكتمل فحولته ، أن يحصل على سيارة . فيلح في المطالبة ، ويسرق سيارة الأب ، ويفعل المستحيلات المائة .. كي ينال مطلوبه . أنا لم أمر بهذه المرحلة أبدا ، إنتهيت من المتوسطة فالثانوية ، بل إني انتقلت للجامعة في مدينة غير مدينتي ، ولم أطالب بها ؛ بل إن أخي الذي هو أصغر مني ، معه سيارة ، وأنا لا . وقبل شهرين فقط .. وبعد إلحاح – من أهلي – اشتريت سيارة ، فجاءتني هذه الراحلة ، التي أسميتها \" المحروسة \" .
-ننتقل لجانب آخر : أمس ، كان يوم الدراسة الأخير ، وكنت قد طلبت من سلطانة قلبي ، أن تمن علي بمقابلة خفيفة . فأجابتني لذلك ... وتواعدنا على السيناريو كاملا ؛ وما إن شرعنا في تنفيذه حتى جاءت القرارات من أمها ، بأنها لن تستطيع الخروج اليوم . رضيت بما قسم الله ، ورحت أحدث نفسي ، بان إدراك القليل ، خير من إدراك العدم ... فقررت أن ألثم جدار بيتها قبل الرحيل . لما رأت ما بي من يأس ، وهي الحنونة الطيبة الرحيمة ، قالت سأذهب للمكتبة ، لم لا تأتي ؟ طرت من الفرح وأنا أوافق .
-تأخرتُ في الطريق ، وكانت هي مستعجلة ، وقبل أن آتيها قررت أن أهديها علبة \" شوكولاه \" ، فتوقفت عند البائع .. الذي كال لي كيلا من الشوكولاه ، وهي في المكتبة تنتظر . كدت أن أصدم مرتين أو ثلاثة قبل أن أصل للمكتبة . قبل وصولي بقليل ، اتصلت وقالت أنها مغادرة ، وأنها انتظرت بما فيه الكفاية ، لم استطع ثنيها عما عزمت عليه ، فزدت السرعة.
لما أغلقت الهاتف ، كنت قد وصلت . ركضت للمكتبة .. وما إن دلفت من الباب حتى أجدها أمامي ، تحاسب . أنا بيدي الهدية ، وهي ستخرج ، وكان لا بد ان أفعل شيئا . تقدمت إليها بهدوء وقلت :
-يا أخت ..
التفتت إلي ،فمددت الكيس ، قائلا بهدوء تام :
-هذي حقتتس .
اخذتها دون ان تقول شيئا وخرجت .
-في المكتبة وجدت كنزا كبيرا ، كدت أن أقبل صاحب المحل عندما أخبرني أن الكتاب موجود عندهم ، انا الذي كنت أتحرق شوقا إليه .. وهو \" ديوان أمل دنقل \" . في هذا الرجل ، أمر غريب ، ولكلامه وقع كوقع السحر . رغم أني لا أميل إلى القصائد المغرقة في الرمزية ، إلا أنه يكاد يأسرني برمزيته .
أذكر أني قرات كتابا يتكلم عن أدب دنقل ، فقال المؤلف شيئا عن عدم موافقة دنقل لمن ينسجون قصائدهم على أسس الأساطير البابلية والرومانية واليونانية وغيرها .. إذ أن هذه الاساطير والرموز ، لا تصل إلا إلى مثقف ، فهي تخاطب وجدانه ، عن طريق عقله .. ولا تتجه مباشرة إلى وجدانه . أنا هنا أتفق مع هذا الرأي ، رغم أن هناك ثم قصائد لدنقل تتناول رموزا خارج الحضارة الإسلامية كـ \" الكلمات الأخيرة لسبارتاكوس \" وغيرها .
سأضع مثالا على ما أقول .. وهو عبارة عن مقارنه بين جزء من قصيدة لدنقل ، وجزء من قصيدة لشاعر العراق \" بدر شاكر السياب \" .
يقول دنقل في قصيدته \" لا تصالح \" :
[CENTER]" (1)
[COLOR=Teal]لا تصالح !
... ولو منحوك الذهب
أتُ حين أفقأ عينيك،
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل تَرَى .. ؟
هي أشياء لا تشترى .. :
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينكَ ،
حسكما – فجأة – بالرجولةِ ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق .. حين تعانقه ،
الصمت – مبتسمين – لتأنيب أمكما ..
وكأنكما
ما تزالان طفلين !
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما :
أن سيفان سيفكَ ..
صوتانِ صوتكَ ...
إنك إن متَّ :
للبيت رب
وللطفل أب .
هل يصير دمي – في عينيك – ماء ؟
أتنسى ردائى الملطخ ..
تلبس – فوق دمائي – ثيابا مطرزة بالقصب ؟
إنها الحرب !
قد تثقل القلبَ ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالح
ولا تنوخَّ الهرب !
(2)
لا تصالح على الدم .. حتى بدم !
لا تصالح ! ولو قيل رأس برأس !
أكل الرؤوس سواء ؟!
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟!
أعيناه عينا أخيك ؟!
وهل تتساوى يد ... سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك ؟
سيقولون :
جئناك كي نحقن الدم
جئناك . كن – يا أمير – الحكم
سيقولون :
ها نحن أبناء عم .
قل لهم : إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك .
واغرس السيف في جبهة الصحراء..
إلى أن يجيب العدم .
إني كنت لك
فارسا.
وأخا .
وأبا .
ومَلِك! "[/CENTER]
[SIZE=4][COLOR=Teal]ننتقل للسياب ، في قصيدته " سربروس في بابل "
[CENTER]" [SIZE=4]ليعو سربروس في الدروب
في بابل الحزينة المهدمه
ويملأ الفضاء زمزمه ،
يمزق الصغار بالنيوب ، يقظم العظام
ويشرب القلوب .
عيناه نيزكان في الظلام
وشدقه الرهيب موجتان من مدى
تخبئ الردى .
أشداقه الرهيبة الثلاثة : احتراق
يؤج في العراق
ليعو سربروس في الدروب
وينبش التراب عن إلهنا الدفين
تموزنا الطعين،
يأكله : يمص عينيه إلى القرار ،
يقصم صلبه القوي ، يحطم الجرار
بين يديه ، ينثر الورود والشقيق.
أواه لو يفيق
إلهنا الفتي ، لو يبرعم الحقول
لو ينثر البيادر النضار في السهول
لو ينتضي الحسام ، لو يفجر الرعود والبروق والمطر
ويطلق السيول من يديه . آه لو يؤوب !
لحافنا التراب ، فوقه القمر
دم ، ومن نهود نسوة العراق طين .
ونحن إذ نبص من مغاور السنين
ترى العراق ، يسأل الصغار في قراه :
" مالقمح ؟ مالثمر ؟
مالماء ؟ مالمهود ؟ مالإله ؟ مالبشر ؟
فكل ما نراه
دم ينز أو حبال ، فيه ، أو حفر .
أكنت الحياه
أحب أن تعاش ، والصغار آمنين ؟
أكانت الحقول تزهر ؟
اكنت السماء تمطر ؟
أكانت النساء والرجال مؤمنين
بان في السمء قوة تدبر ،
تحس ، تسمعالشكاة ، تبصر ،
ترق ، نرحم الضعاف ، تغفر الذنوب ؟
أكانت القلوب
أرق ، والنفوس بالصفاء تقطر ؟ "
وأقبلت إلهة الحصاد ،
رفيقة الزهور والمياه والطيور ،
عشتار ربة الشمال والجنوب ،
تسير في السهول والوهاد
تسير في الدروب
تلقط منها لحم تموز إذا انتثر ،
تلمه في سلة كأنه الثمر.
لكن سربروس بابل – الجحيم
يحب في الدروب خلفها ويركض ،
ويمزق النعال في أقدامها ، يعضعض
سيقانها اللدان ، ينهش اليدين أو يمزق الرداء ،
يلوث الوشاح بالدم القديم
ويمزج الدم الجديد بالعواء .
ليعو سربروس في الدروب
لينهش الإلهة الحزينة ، الإلهة المروَّعة ؛
فإن دمائها ستخصب الحبوب ،
سينبت الإله ، فالشرائح الموزعة
تجمعت ، تلملمت . سيولد الضياء
من رحم ينز بالدماء .
[SIZE=4]في القصيدة الأولى يتكلم دنقل على لسان كليب ، مخاطبا الزير سالم ، ومحرضا له على ألا يصالح . ثم يجعل هذا الإنطاق التاريخي الرمزي ، موجها بقوة عجيبة للواقع .. مخاطبا الحكومات ومنددا لها ضد السلام مع اسرائيل " ابناء العمومة " ، وأظنه يوجه خطابه للسادات . عبر عن الواقع بالرمز ، الرمز المنتمي للوجدان ، الجزء اللصيق بالذاكرة .
السياب ، بالمقابل ، يتكلم عن واقع العراق ، موظفا الأساطير البابلية واليونانية .وسربروس هذا – في الميثولوجيا اليونانية – كلب يحرس مملكة الموت . فاستخدمه السياب ، ليصف واقع الموت في العراق ، ويقوم بقتل الإله تموز والإلهة عشتار وهما رمزا الحياة والخصوبة . ويصف أطفال العراق ، بأنهم لا يعرفون إلا الموت ، فهم يتسائلون عن " الحياة والإله والماء والثمر .. " . وأخيرا وبعد أن يقضي الموت حتى على الحياة ، يقدم السياب بشارته " سيولد الضياء من رحم ينز بالدماء " .
لن نتكلم عن القوة التعبيرية ، فأنا لا أجيد هذا النوع من النقد ، كما أن كلا القصيدتين تطوحان بي . ولكن سأتكلم على جانب معرفي ، وهو ان السياب باستعارته لهذه الرموز الخارجية ، كان لا بد من أن يشرح هذا الرموز ويخبرنا عنها ، وهنا تذهب قيمة الرمز ، فهو أيقونة تدل بذاتها ، ولذلك أجد دنقل أقرب إلي من السياب ، رغم " أنشودة المطر " .
-لنربط كل هذا الكلام ببعضه ، اشتريت كتاب دنقل ، وودعت حبيبتي ، وانطلقت للقصيم بالسيارة ، التي كانت أمي ترفض أن آتي بها بحجة أني مبتدئ ، وغير ذلك .. ولكني هدأتها وأقنعتها .. وأخيرا راضيتها بهدية .
- أنا الآن في هذه المدينة ، بريدة .. لعلي أحدثكم عنها غدا .
[SIZE=4] - أجمل ما في العيد : رسائل الجوال . وبما أنني قليل الأصدقاء ، فإن رسالة اتتني من احد اصدقائي أسقطتني من الضحك ، يقول فيها صديقي - وهو من اولئك البسطاء ، ويلقب منذ الصغر بـ" ابو قرش " :
" الإسكندر المقدوني
وليم شكسبير
ليوناردو دافينشي
ابو قرش
بيل غيتس
نابليون بونابرت
عبد الله آل سعود
صلاح الدين الأيوبي
عظماء العالم يتمنون لكم:
عيد سعيد "
- لنتناول هؤلاء واحدا واحدا .. ماذا يمثلون بالنسبة لي :
الإسكندر المقدوني : شاذ جنسيا ، وهادم حضارات .. التراث الذي يستقي منه الغرب أفكارهم الإستعمارية ، ما جورج بوش إلا نسخه مصغرة منه.
وليم شكسبير : قرأت قبل أيام ، في جريدة الحياة ، أن هناك بحثا يثبت أنهه لا وجود لشخصية شكسبير ، وأنه مجرد اسم مستعار لأحد أفراد الطبقة الارستقراطية . روح شكسبير غريبة عني ، فهو يتحدث عن أشياء كثيرة .. لا أجد ارتباطا بيني وبينها . حتى عندما تكلم عن الحب . مرة واحدة هي التي التقيت فيها مع شكسبير ، كان الوسيط النجم الهوليودي الألمع " آل باتشينو " ، كان ذلك في الكلمات التي قالها " شايلوك " اليهودي في " تاجر البندقية " . لعلني أقتبسها لكم فيما بعد .
دافينشي : لم تعجبني الموناليزا ، لكني دخلت أحد المواقع الذي يعرض بعض رسوماته فوجدت ما هو أجمل من الموناليزا . أنا دائما أقول أن الفن والأدب الغربي ، لا يمكن أن يؤثر فينا وجدانيا نحن أبناء الحضارة الإسلامية ، بينما قصيدة للمتنبي ... تلهب قلوبنا . عموما لابد أن يوجد أولئك الذين يتمايلون مع سيمفونيات بيتهوفن ولا يعجبهم إلا دافنشي وبيكاسو .. وإن سألتهم عن ذلك ، أجابوك إجابة عولمية : " تراث إنساني " .
بيل غيتس : رأسمالي بروجوازي .
بونابرت : هذا الرجل لا أعلم من سيرته إلا الجزء المتعلق بحملته على مصر . أذكر أن العقاد ، عندما أراد أن يثبت كفاءة محمد العسكرية ، قارنه بنابليون .
عبد الله آل سعود : عدم مقدرتي على الكلام عنه ، تبين إلى أي مدى عبر أسلافه عن تسلطهم .
صلاح الدين : هذه الشخصية تكاد تكون من أعظم الشخصيات في وعي الفرد العربي، فهي ترتبط بواقعه وتلتصق أشد الالتصاق . ولو نظرنا لوجدنا أكثر من " فيلم " - لا أعلم تعريبه - ومسلسل وقصيدة .. قد خصصت لشخصيته . فهو يرتبط بالقضية العربية الأولى ، قضية فلسطين . نجده في فلم " الناصر صلاح الدين " يخرج بصورة قومية ، بحيث يتجاسر المسيحي العربي ، مع المسلم العربي ، لطرد الصليبي اللاتيني . وفي المسلسلات الأخيرة ، نجده معبأ بروح إسلامية ، كما أنه من الشخصيات القليلة التي ينصفها المستشرقون والغرب .
كل هذا ، يجعل صلاح الدين الموجود في وعينا ، غير صلاح الدين الحقيقي . صلاح الدين ، التوسعي ، مؤسس أسرة مالكه ، الميكيافيلي . صلاح الدين الذي رفع المكوس ، وأباد دولة أولياء نعمته من الفاطميين والزنكيين . صلاح الدين ، الذي يتعاقد ويتآمر مع الحشاشين .
ولكن عين الرضى عن كل عيب كليلة .. فصلاح الدين لا ننظر له إلا من خلال يوم واحد فقط ، وهو يوم حطين .
- اتصلت علي اليوم ، وكانت قبلها قد أرسلت رسالتين . كانت شديدة السعادة ، ما أجملها ! كانت بحاج إلى هذا السفر ، فقد تعبت كثيرا الشهور الماضية . قالت لي أنها لم تجد كتابا قد وصيتها عليه ، اسم الكتاب " تاريخ الصلاة في الإسلام " ، لـ " جواد علي " ، دار الجمل . وهذا كتاب قد بذلت الأمرين ، كي أحصل عليه .. لكني لم أجده . دار الجمل هذه ، مقرها ألمانيا ، وتصدر كل أنواع الكتب ، فكتب عبد الله القصيمي مثلا منها ، كما أن كتب جواد علي تصدر منها .
جواد علي هذا مؤرخ من الطراز الرفيع ، بل هو من أفضل من قرأت لهم من المؤرخين . له " المفصل في تاريخ العرب بعد الإسلام " في ثمانية أو عشرة مجلدات ،وله " المهدي وسفرائه الأربعه " وله " تاريخ العرب بعد الاسلام " ( كتاب صغير يتكلم عن سيرة محمد من الولادة إلى انتهاء فترة الدعوة السرية ) . ويتبع منهجا في التاريخ ، جد مناسب لتاريخ كتاريخنا الإسلامي . فتاريخنا تاريخ مدون في أغلبه ، بمعنى أنه مجموعة روايات ، وقليلة هي الآثار والوثائق . فجواد .. عندما يتكلم عن حادثة ، كوجود المهدي ، فإنه يبدا بعرض الروايات المتعلقة بوجوده . ثم يضع احتمالاتها كلها .. ولا يقرر أمرا ، بل يترك الأمر للقارئ .
وكتابه هذا عن الصلاة ، إن كان بنفس الوجه .. فهو بالتأكيد كتاب مهم جدا .
- اخيرا .. هذا يوم عيد .. اتمنى للكل الخير والسعادة .
[CENTER](5)[/CENTER]
[CENTER]14-10-1404 أو 16-11-2005
[SIZE=4]- أقول لكم - بكل برود ، وبلا أي حماس - هذا النبأ : اليوم هو عيد مولدي ، حسب السنة القمرية .
- لأني عظيم ، وعظيم جدا .. لم يكن مولدي عاديا . فأنا قضيت في رحم أمي 11 شهرا ، وهذا طبيعي .. شخص مثلي ، يحتاج إعداده فترة أطول من غيره .
- أنا الآن في الجامعة ، والإجازة التي قضيتها كانت من أسوأ الإجازات ، سأحدثكم عنها :
أولا ، تفارقت مع أغلى إنسان في هذا الوجود . لا أريد أن أتذكر ما جرى ، فمجرد الذكرى ترهقني . ولكنها - حبيبتي ، لأنها دائما مميزة وجميلة ورائعة ، تجعل حتى النهاية من أجمل النهايات .
كان دخولها لحياتي ، منعطف كبير . إن كان هناك من علّم على حياتي أهم العلامات ، فهي تأتي في الصدارة . دائما ما أقول لها ، أنا معك أحيا ، أتعلم الحياة .. أولد من جديد . وبالفعل ، كانت تحطم كل عاداتي القديمة ، ونمط حياتي القديم .. وتضع حياتا جديدة ، لذلك عندما اقول أن لي خالقين : الله وأنت ، لا تظني أني بهذا أكفر . فالخلق ، وإن كان صفة للإله .. إلا أنه يجريها على أيدي عباده ، فهذا عيسى يخلق من الطين كهيئة الطير . وأنت - بهذا المعنى - أعدتي خلقي من العدم .
معك ، أعجز عن التعبير تماما . سأتوقف هنا .
ثانيا ، بعد فراقها ، تعرضت لحادث كاد أن يودي بي . واضطررت للبقاء في القصيم حتى يوم الإثنين ، ولم أصل للشرقية الا فجر الثلاثاء . أنا قليل الاحتكاك بالدوائر الحكومية ، ولا أحب مراجعتها إلا للضرورة .. بل إني لا أذهب للمستشفى لأجل هذا الأمر . بعد الحادث ، اضطررت أن أراجع المرور .
كان الذي أراه بمثابة الاصطدام بين ما نبنيه في الأذهان ، وما نراه في الأعيان ، كان تناقضا تاما . أنا وجهت وجهك داخل المرور تجد " عشائرية " . سأقص لكم القصة بالتفصيل فيما بعد ، ولكني أكتفي بتسجيل الواقعة .
ثالثا ، قضيت العيد وحيدا ، إذ أني لم أرافق أهلي في سفرهم . فهم سافروا للشرقية .. وأنا للتو قد عدت منها ، فلم أرغب في مرافقتهم . وما إن ذهبوا وجلست أول يوم وحيدا في المنزل ، حتى ندمت على هذا القرار . كان هناك أمر إيجابي .. وهو أني قرأت كثيرا ، ولكن هذا الذي قرأته ، صار عذابا علي ، عندما راجعت المرور ، عندما واجهت الواقع .
- الجو هنا أدفى من برودة القصيم . وعندما خرجت من القصيم ، قيل لي أن السماء بكت حزنا على فرقاي . نعم ، هناك من صور الأمر على أنه احتفال الالقصيم لخروجي منها ، ولكني أعلم يقينا أنه الحزن وحده الذي استدر قطرات السحاب .
- أنا الآن أقرأ " ربيع الفكر اليوناني " لعبد الرحمن بدوي ، وهو جزء ضمن سلسلة بدوي لتاريخ الفلسفة اليونانية .
أكتفي بهذا ، لهذا اليوم .. وأترككم مع هذه القصيدة :
" يبه يبه ! أبي ثلاثة ريال - طفلة في أسواق المزرعة تخاطب والدها
[SIZE=4]- كنت في الجبيل الأسبوع الفائت ، وهناك تعرضت لحادث آخر .
- هذا سؤال : هل تستطيع المرأة السعودية الحياة ، بدون ادوات تفسيرية : كالعين ، والسحر ؟
لا أعلم الجواب ، ولكن ما أعلمه أن المرأة السعودية إذا أصيبت بمصيبة أو حلت بها كارثة ، أو إذا لم تتوفق في شيء ما .. فسرت هذه الحوادث بكونها محسودة ، أو مسحورة .. بل قد يتعدى الأمر لتصبح معشوقة من قبل عفريت .
بعيدا عن الجانب الفكاهي في هذا الموضوع ، ولكن هذه الطريقة بالتفكير تمثل قاعدة تبريرية خصبة للامسئولية .
في النقد الموجه لفرويد ، عندما أرجع التصرفات البشرية إلا الخافية - أو اللاوعي - ، هو أنه بهذا يخلي مسئولية الإنسان من كل أفعاله ، وبأنه ليس هو المتصرف بها ، كونها تأتي نتيجة اللاوعي ، الذي يتصرف بناء على ما يحتوي عليه من ذكريات ورغبات وكبت ...إلخ .
نفس الأمر هنا ، فإذا أخفقت الطالبة في الإختبار ، وأرجعت إخفاقها إلى أنها محسودة ، وإذا كسرت شيئا أو أخطات في أمر ، أو إذا سعت لشيء لم تنله ، وفسرت كل هذا بأنها محسودة او مسحورة . فهي هنا لا تفعل شيئا سوى أنها تخلي مسئوليتها ، من كل ما يجري . فسبب الإخفاق وعدم التوفيق خارجي ، يأتي من خارج الحادثة ، وإنما الحادثة هي استجابة لسلطته وهيمنته .
وإذا تمكن هذا النمط من التفكير على الشخص ، يصبح شخصا كسولا خاملا سلبيا جدا .
- قبل يومين ، كنت في دوحة الظهران ، في أسواق المزرعة . كان الوقت ظهرا ، ومن بوابة الأسواق خرجت عربية محملة بشتى صنوف السلع ، يدفعها شيخ كبير العمر والجسد ، وتتبعه طفلة صغيرة جدا ، لها صوت مخنوق ، تحدثه وهي ترفع رأسها كأنها تنظر للسماء تقول له : " يبه ، يبه .. أبي ثلاثة ريال " .
هذا المشهد تملكني تماما ، تسائلت : كيف يتفاهم هذا الشيخ مع طفلته ؟
- نعود إلى اللامسئولية ، فالأسرة السعودية : أسرة أرنبية ، تنتج عددا كبيرا من الأفراد ، ويتم تبرير مثل هذه الظواهر الاجتماعية بنصوص دينية كـ " تكاثروا ، فإني مفاخر بكم الأمم ".. وغيرها . ولكن لا بد من وقفة هنا .
لنبدأ بهذه الأولوية : أيهما أولى : عدد الأبناء ، أم شخصياتهم ؟
أنا أرى أن إعداد الشخصية أولى وأهم من زيادة الإنتاج . ولكن الوعي عندنا ، يجعل الرجل يرى أن واجبه اتجاه ابنه ، ينتهي بمجرد أن تحمل أمه به . وإن تطور قليلا ، يكون قاصرا على الجانب المادي .. على الماكل والمشرب ، دون التفات للجانب الوجداني والذكائي والغريزي في الإبن .
أكثر الذين أعرفهم ، بينهم وبين إخوتهم سنة أو سنتين ، رغم أن الفرق السليم لا بد أن يكون أكثر من خمس سنوات ، حتى يتم التفرغ للطفل تماما في سنينه الخمس الأولى ، التي يتكون فيها وجدانه العاطفي .
إنجاب طفل : ليس نتيجة طبيعية لشهوة دقائق معدودة ، بل هو مشروع يحتاج إلى إعداد واستعداد وتحمل للمسئولية .
- كثرة عدد الأخوة ، وعدم وجود الفارق العمري المعقول بينهم ، وافتقار الطفل للاهتمام في المنزل ، يجعل من هذا المنزل : طاردا لأعضائه حال البلوغ ، فيبحثون عن الإستقرار الوجداني في الخارج . فيصبح المراهق فريسة سهلة للتعبئة الوجدانية ، سواء باتجاه الشذوذ الجنسي أو الإجرام ..إلخ .
" ينتهي الكلام ، عندما تكف هي عن الكلام .... جزء من انطباعي الذي كتبته عن رواية " مائة عام من العزلة " لجابرييل جارسيا ماركيز
[size=4]- عندما أقرأ كتابا ، فإني أمارس طقوسا خاصة : أولا ، لا أتدخل في نص الكتاب بأي نوع من التدخل ، سواء بالتعليق ، أو تدوين الملاحظات .. بل أنني لا أستعمل قصاصة ورقة أو قلم أو ريشة لتحديد المكان الذي توقفت منه . ثانيا ، تكون الصفحة الأولى ، التي تلي الغلاف ، هي المكان الوحيد الذي أسمح لنفسي بالتعدي عليه ، فأكتب بالجزء العلوي الأيسر متى بدأت قراءة الكتاب ، مبتدءأ بحرف \" بـ \" وأضع التاريخ ، وتحتها أضع حرف \" نـ \" استعدادا لكتابة متى أنتهي منه . وبعد أن أنتهي من قراءة الكتاب ، أكتب على هذه الصفحة انطباعي مباشرة .
- اليوم ، أعدت ترتيب مكتبتي ، وهذا اكثر عمل أحب القيام به . وقمت بإحصائية سريعة لعدد الكتب ، فبلغت قرابة الـ 600 كتاب . وابتدأت بتجميعها منذ ثلاث سنين ، وهذا يعني أني اشتريت كتابا واحدا كل يومين . وهذا أيضا يعني أن معدل اشترائي للكتب يتجاوز معدل قراءتي للكتب ، نظرا للضغط الذي تمارسه الدراسة على الوقت .ولو جعلن 25 ريال هو متوسط سعر الكتاب ، فهذا يعني أني دفعت في المكتبه ، ما قدره 15000 ريال ، وهذا يعني مكافأة خمسة عشر شهرا من المكافآت التي استلمتها من الجامعة ، وهو ما يعادل 31 % من مجموع ما استلمت من الجامعة .
- أكثر ما تحتوي عليه مكتبتي الكتب التاريخية والفلسفية ، يأتي بعدها الكتب الدينية والأدبية . لم أبدأ الاهتمام بالروايات الا منذ سنة ونصف تقريبا ، عندما عقدت اتفاقا بيني وبين حبيبتي ، أن نقرأ سوية مجموعة من الروايات . وفعلا قرأنا مجموعة من الروايات سوية ، قرأنا : \" ماجدولين \" للمنفلوطي ، و \" جزيرة الموت \" لأجاثا كريستي ، و \" بقايا صور \" لحنا مينة ، و \" دايفيد كوبريفيلد \" لتشارلز ديكنز ، و \" عابر سرير \" لأحلام مستغانمي ، و \" ريح الجنة \" لتركي الحمد ، و \" مدن الملح \" لعبد الرحمن منيف ، و \" صوفيا \" لمحمد حسن علوان ، و \" القارورة \" ليوسف المحيميد ، و \" أنثى العنكبوت \" لقماشة العليان ... هذا الذي أتذكره ، وكانت آخر رواية قرأناها سوية ، هي \" بنات الرياض \" لرجاء الصانع .
- آخر رواية قراتها بشكل مستقل هي \" مائة عام من العزلة \" . هذه الرواية ، حدثني عنها شخص كان يكتب بطوى تحت معرف \" نيتشة \" ، كان يتعجب من الظلامية والسوداوية التي أملأ بها حياتي ، فقال \" اقرأ مائة عام من العزلة \" . قرأتها ، كانت من أروع ما قرأت . ضمن فيها الكاتب العديد من الأفكار الجوهرية . ففي البداية كان المجتمع شيوعيا ، وعندما كان كذلك كان الموت يغض الطرف عنهم ، وكذلك الجريمة والشر . وما إن دخل النظام ، وتفرق الناس بين حاكم ومحكوم ، حتى دخلت الأسلحة ودخل الموت ، الذي أول ما أصاب الشيخ الحكيم الغجري .
كما أن الدين يأتي من خارج الإنسان ، ولا ينبع من داخله ، وعندما يأتي ، يأتي ومعه منظومته القيمية التي تزيد تفريق البشر ، فيجسد بذلك ، تلك الهجائية القديمة التي قالها ماركس \" الدين أفيون الشعوب \" . والله أيضا ، فكرة تأتي من الخارج ، لا تنبع من داخل الإنسان ... يجسد الكاتب ذلك عندما انتشر مرض النسيان المدينة ، وبدأوا يكتبوا أسماء الأشياء عليها حتى لا ينسونها ، جاء أحدهم وكتب على الشارع هذه اللوحة \" الله موجود \" ، خشية أن ينسى الله .
لا أظنني بكلامي هذا أحسنها ، إذ أنها فعلا \" ينتهي الكلام ، عندما تكف هي عنه .. \" .
- أنا الآن أقرأ \" أصول الفقه \" لأبو زهرة .
والكلام عن \" أصول الفقه \" متعلق بالكلام عن الحضارة العربية الإسلامية ، ومنتوجها الثقافي والقيمي . وهو أيضا يرتبط أشد الإرتباط بما يجري في الساحة هذا اليوم من \" حرب على الإرهاب \" وغيره .