الأيام المقبلة هي الأخطر والقوات الدولية تركيبة ودوراً وصلاحيات هي عنوان الحل.. والمشكلة

ملامح مشروع انقلاب سياسي سوري باسم "انتصار حزب الله"

نصير الأسعد

في الوقت الذي تدور مفاوضات صعبة جداً حول الشروط السياسيّة لوقف إطلاق النار، لم يعد خافياً أن البلد يواجه في الداخل خطر مشروع انقلاب سياسي يقوده الموالون للنظام السوري وأتباعه، عنوانه الانتصار المتحقق لحزب الله على القوات الإسرائيلية الغازية. وأخطر ما في الأمر أن ملامح انتقال هذه المجموعة نحو الانقلاب تظهر في لحظة التفاوض الذي يتركّز في جانب أساسي منه حول طبيعة القوة الدولية التي يُفترض أن تأتي إلى لبنان في إطار الحل السياسي "الشامل"، مما يعني أن هذه المسألة قد تكون في آن مدخلاً إلى تفجير الحل وإلى الانقضاض على الوضع السياسي اللبناني.

بين سؤال جنبلاط عن وجهة الانتصار

ودعوة نصرالله إلى عدم الخوف منه

مساء السبت الماضي، وفي كلمته المتلفزة، دعا الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله اللبنانيين إلى عدم الخوف من إنتصار المقاومة. وبالفعل، وقبل كلمة السيّد، لم يكن ثمة خوف لدى أي فريق سياسي لبناني من إنتصار يحققه "حزب الله"، وإن كانت برزت تساؤلات سياسية مشروعة عن وجهة توظيف هذا الانتصار لو تثبّت، سياسياً. والدليل هنا، أن رئيس "اللقاء الديموقراطي" والركن الأبرز في حركة 14 آذار وليد جنبلاط ذهب في مقابلاته الأخيرة إلى "ما بعد الانتصار" المفترض لحزب الله، عندما وجّه السؤال المحدّد: إلى من سيُهدي "حزب الله" انتصاره؟، ليجيب انه إذا أهدى الحزب انتصاره إلى الدولة "دولة الطائف"، فلن تكون ثمة مشكلة على الإطلاق.

غير أن ما سمعه اللبنانيون في الأيام القليلة الماضية، لا سيّما بعد كلمة السيد نصرالله، من مواقف لعدد من رموز الحقبة السورية ولمنضمّين إلى الموالاة للنظام السوري، يفسّر الخوف الذي يمكن أن يحصل، وذلك خلافاً لـ"طبائع الأمور" حيث يجب أن يفتخر اللبنانيون ببطولات مقاتلي "حزب الله"، وأن يعتزّوا بأي انتصار يحققه، لأن هكذا انتصار يمكنه لو أراد الحزب أن يكون مؤثراً في طبيعة التسوية من ناحية وأن يكون موظفاً في مشروع بناء الدولة من ناحية ثانية.

الخوف ليس من الانتصار

على العدو بل من التوظيف الداخلي

وحقيقة الأمر هنا إذاً، أن الخوف ليس من انتصار يحققه "حزب الله" ضدّ العدو الإسرائيلي، بل هو خوف من التوظيف السياسي داخلياً. وعندما أثيرت هذه النقطة مع بدايات المواجهة في 12 تموز، غضب "حزب الله" من إثارتها وممن أثارها تحت عنوان أن لا مكان لهذه "الترّهات" في ظروف المواجهة مع العدو.

أما الآن، ومع عدم إخفاء الموالين للنظام السوري نواياهم السياسية، يجب الاعتراف بأن الخوف "الكامن" سابقاً هو الآن خوف "داهم". وهو خوف من أمرين مباشرين: الأول أن يهدي الحزب انتصاره إلى موالي النظام السوري داخلياً، والثاني أن يهديه إلى دمشق وطهران إقليمياً. والخطير أكثر من سواه في هذا السياق أن الحزب يبدأ بتوزيع الأنصبة من الانتصار قبل تثبيت الانتصار، وقبل أن تضع الحرب الإسرائيلية التي لا تزال مفتوحة، أوزارها. أما إذا كان "حزب الله" ليس هو من يوزّع الحصص، بل إن ثمة من يأخذ الانتصار لحسابه، فتلك مسؤولية الحزب أيضاً في أن يضع حداً لها وأن يُعطي إشارات مغايرة.

ذلك أن ما يجري في الساعات الماضية، إن لم يبادر إلى تصويبه، من شأنه أن يعيد الاعتبار لمواقف صدرت في بدايات المواجهة، رأت أن عملية "حزب الله" التي تمكّن عبرها من أسر جنديين إسرائيليين، إنما كانت لحسابات سورية ـ إيرانية من جهة ولحسابات داخلية من جهة أخرى.

[SIZE=5]لحود ـ فرنجية ـ عون.. والنوايا الإنقلابية

وكي لا يبقى الكلام مبهماً، ينبغي التذكير هنا بأن مواقف إميل لحود وسليمان فرنجية وميشال عون في الساعات الأخيرة، تؤشر إلى النوايا الإنقلابية، فيما العدوان الإسرائيلي لم يتوقف. فبين إعلان لحود رفضه ما سمّاه "انتداباً فرنسياً جديداً" على لبنان من مدخل مشاركة فرنسا في القوات الدولية المقترحة، إلى "تفكيره" بانتخابات مبكّرة، وبين اعتبار فرنجية أن قوى 14 آذار هُزمت ودعوته لها إلى "الاعتراف بهزيمتها"، ثم مطالبة عون بحكومة "إنقاذ" وطوارئ... ثمة خيط رابط بين هذه المواقف جميعاً هو تأكيد أن المواجهات مع إسرائيل بوظيفة داخلية أولاً وأنها ممر إلى تصفية الحساب مع 14 آذار ثانياً وأنها الممر إلى العودة إلى السلطة ثالثاً.

إذاً، إن ما قاله الثلاثي لحود ـ فرنجية ـ عون "على رافعة" الانتصار المفترض لحزب الله، واضحة أبعاده، ويحمّل "حزب الله" مسؤولية سياسية طالما أن الانتصار المفترض، انتصاره هو وطالما أن "جماعة سوريا" يستثمرون الانتصار وبالنيابة عنه.

تداعيات المشروع الإنقلابي:

التوترات الأهلية وإسقاط الطائف

بيد أن ما يقتضي التوقف عنده ملياً، يتعلق بالتداعيات الخطيرة، المباشرة والبعيدة، للنوايا الإنقلابية لدى الفريق الموالي للنظام السوري.

لا شك أولاً أن هذا الفريق الممثل للنظام السوري، إذ يبدو مقاتلاً بمقاومي "حزب الله" ودمائهم طالما أنه يوظف الانتصار لحسابه، يشجّع الحزب على رفض حلول مقبولة تنهي العدوان، ويدعوه إلى عدم السير في حلّ عبر الدولة اللبنانية بضمانة دولية متوازنة، علماً أن الحزب لديه ما يربحه ولديه ما يخسره فيما هذا الفريق ليس لديه ما يخسره. ولا شك ثانياً أن المواقف المعلنة من جانب هذا الفريق إذ "تشجّع" على إدامة الحرب، من شأنها أن تدفع "حزب الله" إلى المواجهة مع الداخل اللبناني، وأن تغرق البلاد في توترات أهلية خطيرة، في وقت يجد الداخل اللبناني نفسه مطالباً ومعنياً باحتضان الحزب منتصراً، أو مهزوماً لا سمح الله.

ومن نافل القول ثالثاً إن المشروع الإنقلابي السوري والموالي لسوريا، إذ يبدو واضحاً أن ممره "الإجباريّ" توترات أهلية في الداخل وصراع مفتوح مع إسرائيل بدماء اللبنانيين في "الخارج"، إنما هو مشروع انقضاض على السلطة، تفكيكي الأبعاد بامتياز.

على أن ما لا بدّ من تسليط الضوء عليه، هو حقيقة أن ما يربط بين الثلاثي المشار إليه، هو رفض اتفاق الطائف ودولة الطائف. فاتفاق الطائف تعرّض على ألسنة هؤلاء وبممارساتهم إلى "هتك" زاد مع الوقت، تارة باسم الصلاحيات الدستورية وتارة أخرى ـ والأهم ـ لأنه يقيم نظام شراكة وطنية حقيقية ولأنه يتضمن كل المرجعيات الوطنية والدستورية للحلول بما في ذلك للحل المقترح حالياً من جانب الرئيس فؤاد السنيورة، والذي تدور المفاوضات الإقليمية والدولية حوله بشكل رئيسي.

رسالة إلى السيّد: الحذر من تجار الحروب

والحل بـ"دولة الطائف"

ربّ سائل بعد ذلك: وما علاقة "حزب الله" بالسيناريو الإنقلابيّ المذكور، طالما أن ما يجري الحديث عنه يتعلق بمواقف أدلى بها غيره؟

والجواب هنا "بسيط": إن "حزب الله" هو الأساس الذي يبني عليه هؤلاء، وفي يده أن "يوجّههم" وأن يردع مشروعهم الخطير. وإلى سماحة السيد حسن نصرالله يتوجه شطر كبير من اللبنانيين بالقول: إن الانتصار المتحقق حتى الآن يحتاج إلى تثبيت والمعركة لا تزال مفتوحة تماماً كما قلت سماحتك.. والانتصار الذي يحقّقه الحزب لا صرف سياسياً ووطنياً له إلا بتقوية الدولة.. والانتصار لا بدّ أن يكون محطّ إجماع وطني وليس سبباً لأي انقسام.. وعليه فإن الحذر مطلوب من محاولي سرقة تضحيات الحزب ودماء الشهداء، والحذر مطلوب من محاولات "الإغراء" بمشاريع سياسية تضرب وحدة البلد.. والحذر الحذر من "تجّار الحروب". ويا سماحة السيد، كي يؤكد اللبنانيون، جميع اللبنانيين أنهم بالفعل لا يخافون انتصار "حزب الله"، فإن المطلوب من الحزب أن يؤكد من جهته أن "دولة الطائف" هي ملاذه الأول.. والأخير.

تحفظ "حزب الله" عن القوات الدولية

وبعد هذه المقدّمات جميعاً، ثمة ما يترتّب الانتباه إليه ومنه جيداً في الساعات والأيام القليلة المقبلة.

وافق "حزب الله" عبر وزيرَيه في الحكومة على خطّة الرئيس السنيورة ـ المتضمنة سبعة بنود صارت معروفة ـ وأبقى تحفظه عن نقطتين: كيفية وضع مبدأ سيادة الدولة الكاملة على كامل أراضيها موضع التطبيق، والقوات الدولية حيث يبرز ميل الحزب واضحاً إلى "صيغة" قريبة من صيغة "الطوارئ" الحالية، لا سيما لجهة الدول المشاركة فيها مفضلاً عدم اشتراك دول دائمة العضوية في مجلس الأمن فيها من غير أن يمانع بزيادة عديدها، متمسكاً حتى الآن على انتشارها على جانبي الحدود.

والحال، إن المسألة هنا بالتحديد، أي أن مصير الحل يتوقف على البت بطبيعة القوات الدولية وصلاحياتها ودورها في حفظ أمن الحدود اللبنانية ومساعدة الدولة على بسط سلطتها بحيث تكون "المالك" الحصريّ للسلاح، فضلاً عن انتشارها في مزارع شبعا لوضعها تحت الولاية الدولية في انتظار ترسيم الحدود اللبنانية ـ السورية في هذه المنطقة.

إن هذا الحل يندرج تماماً ضمن روحية القرار 425 وضمن الطائف، ومعه إحياء العمل باتفاقية الهدنة التي طالب الرئيس السنيورة المجتمع الدولي بـ"تطويرها" لتتلاءم مع مقتضيات المرحلة.

لا يبدو أن "حزب الله" يوافق حتى الآن على ذلك كله، وإن كان وافق على بنود الحل الأخرى المتعلقة بمزارع شبعا والأسرى وخارطة الألغام.

المشكلة

لذلك، فإن ما لم يوافق عليه الحزب، وما أبدى تحفظاً بشأنه، هو الجزء الأهم من الحل. ولأنه كذلك، فهو العنوان المقدّر للمشكلة. وبكلام آخر، لن يكون في وسع الحكومة أن تقبل حلاً اقترحته بنفسها إذا وافق مجلس الأمن عليه، ولن تستطيع حتى بالمرونة التي يتمتع بها السنيورة، لكن التي لا يتمتع بها المجتمع الدولي أن تبقى ضمن حدود ما يراه "حزب الله" حتى الآن، خصوصاً في ما يتعلق بالقوات الدولية.

من هنا، فإن القوات الدولية تركيبةً ودوراً وصلاحيات هي عنوان المشكلة الراهنة، وذلك في اتجاهين: الأول وهو أن إحباط مجيء قوات دولية بـ"شروط" المجتمع الدولي وهي شروط إذا جرى الأخذ بما طرحه رئيس الحكومة لا تتناقض والسيادة اللبنانية، يعني ـ أي إحباط مشروع القوات الدولية ـ أن الحرب ستستمر وأن الانتصار الذي حققه "حزب الله" حتى الآن سيكون معرضاً للخطر، وهذا معنى الكلام السابق عن تثبيت الانتصار قبل تأكيده وتوظيفه.. والاتجاه الثاني هو أن فريق الموالين للنظام السوري يراهنون على هذه المشكلة ويدفعون باتجاهها لتكون المدخل الى الانقلاب السياسي عبر وضع الحكومة أمام "مأزق الحل".

على هذا الأساس، فإن الأيام المقبلة هي أخطر الأيام بلا مبالغة: مصير الحل الذي يقترحه السنيورة يحدد الى حد كبير مصير البلد والدولة. أما "جماعة سوريا" فاللبنانيون واياهم "والزمن طويل".