سوريا وإيران وحزب الله.. وإسرائيل والمقاومة و'الفوضى الخلاقة'
بقلم: علي الصراف
اسوة بهجمات سبتمبر، يبدو ان الولايات المتحدة واسرائيل عازمتان على تحويل الوضع في لبنان من 'أزمة' الى 'فرصة'.
ميدل ايست اونلاين
إذا شعرت إسرائيل أنها غير قادرة على كسب الحرب ضد حزب الله، فان مخرجها الوحيد من الورطة سيكون.. سوريا.
فاستعدوا.
فشل اسرائيل العسكري في لبنان، وهزيمتها أمام المقاومة، للمرة الثانية، سوف يبدد الكثير من الأوهام حول قدراتها الخارقة، ويهدم ركنا أساسيا من أركان وجودها كآلة احتلال وعدوان.
وإذا انهارت القوة، سينهار موقفها التفاوضي الذي يفرض على العرب والفلسطينيين تقديم تنازلات. وإسرائيل لا تستطيع العيش من دون تنازلات.
هزيمة إسرائيل في لبنان، سوف تشجعها على ارتكاب مغامرة أوسع لإنقاذ صورتها المتداعية.
فاستعدوا.
من أجل "حلول أوسع" تناسب وصفة "الشرق الأوسط الجديد"، ستكون الحرب أوسع.
فقط، في تلك اللحظة، ستكون نظرية "الفوضى الخلاقة" خلاقةً بالفعل. ليس لأنها ستسمح بقلب الكثير من المعادلات والأوراق، بل لأنها ستكون الخطوة الأولى الحقيقية لذلك "الشرق الأوسط الجديد" الذي تريد الولايات المتحدة منه أن يكون شرقَ أوسطٍ للعملاء والخرفان، يُسبّح بحمد إسرائيل ويستغفر ربها (البيت الأبيض) بُكرةً وأصيلا.
خروف تاريخي مثل الرئيس الذي بارك نفسه، وباركت واشنطن من حوله، سيكون واحدا من أول المرحبين بقدوم هذا المولود، وسيتبعه آخرون بتقديم التهاني والتبريكات، على أمل الحصول على "تسوية" تقي كراسيهم شر الاهتزاز.
توسيع الحرب سوف يبدو كما لو انه نوع من "الهرب الى الأمام"، ولكن إذا بدا لإسرائيل أن حزب الله "عاجز"، لأسباب ميدانية وأيديولوجية، عن تقديم تنازلات تضعف مكانته ودوره في لبنان، وإذا بدت إيران بعيدة جغرافيا، أو بدت مخاطر الصدام معها مُكلفةً بالنسبة لمستقبل الاحتلال الأمريكي في العراق، فان الرهان الإسرائيلي على جعل سوريا هي التي تقدم التنازلات المطلوبة، سيكون بمثابة "مخرجٍ خلاق"، لا تسترد إسرائيل بفضله جنودها الأسرى فحسب، ولكن ستمنح لنفسها وضعا يسمح لها بالقول أيضا، أنها تمكنت، في الأقل، من قطع طرق الإمدادات التي يتزود بها حزب الله.
"احتواء" او حتى تغيير النظام السوري سيكون هو الحلم-الهدف. والفارق بين "الاحتواء" و"التغيير" سيعتمد، بالدرجة الرئيسية، على مدى استعداد سوريا للتجاوب مع شروط العضوية في النادي الإقليمي للحفاظ على أمن إسرائيل وقبول شروطها للسلام.
في ذلك الحين، سيكون من الأسهل كثيرا "احتواء" إيران. ذلك ان "احتواء" او "تغيير" حليفها الإقليمي الوحيد، وعزل "حزب الله"، (وليس بالضرورة سحقه، لكي لا تصاب طهران بجرح أيديولوجي عميق، ينقلب بدوره الى عقبة) سوف يجعل طهران مكشوفة الظهر، ويجبرها بالتالي على التعامل بـ"مرونة" أكبر مع مطالب مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم وقبول "حزمة الحوافز" الأوروبية. وستكون هذه "الحزمة" هي نفسها نوعا من "كامب ديفيد" جديد يعيد ترتيب وضع إيران في المنطقة كما أعاد "كامب ديفيد" القديم ترتيب وضع مصر في المنطقة.
وعلى الأرض السلام، إنما "السلام" الذي يجعل من "أمن إسرائيل" أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لجميع إقطاعيات المنطقة.
***
هذا السيناريو، سواء أكان معدا سلفا، أم لا، فمن الواضح ان إسرائيل والولايات المتحدة قررتا المضي فيه على الأساس نفسه الذي انقلبت فيه اعتداءات 11 سبتمبر 2001 من "أزمة" الى "فرصة".
الولايات المتحدة، انتهزت الفرصة لتشن حربا تضمن لها السيطرة على ثالث، او ربما ثاني، أكبر احتياطي للنفط في العالم، وتلقي بظلال هيمنتها مستقبل إمدادات النفط والغاز في المنطقة للخمسين عاما المقبلة؛ وإسرائيل سوف تنتهز الفرصة لاعادة ترتيب الخارطة الإقليمية، فتحوّل مأزقها الجغرافي الذي يضعها في مهب ريح الصواريخ العابرة للحدود والجدران، الى مكسب استراتيجي لسلام "دائم وشامل" من ذلك الطراز الذي تصممه وتنفذه بنفسها من دون الحاجة الى مفاوضات.
لهذا السبب، دأبت إسرائيل على القول انه "لا يوجد شريك فلسطيني" يمكن التفاوض معه. فمن بين كل ألوان الطيف الفلسطيني، لم تعثر إسرائيل على لون يتطابق مع اللون الذي تفضله لحذائها. ولئن كانت إسرائيل سعيدة في الواقع باللون المبارك الذي يوفره باشاوات الإقطاعيات المسالمة، فمن الواضح انها لم تعثر، لا في سوريا، ولا في لبنان، على "شريك يمكن التفاوض معه".
ولهذا السبب أيضا، تقول إسرائيل، اليوم، ان حربها في لبنان هي "حرب حياة أو موت". إنما لتقول ان عالما إقليميا جديدا سينشأ عنها.
ولهذا السبب، أيضا وأيضا، ترفض الولايات المتحدة الدفع في اتجاه وقف إطلاق النار.
السرعة التي انبرت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس لتعرب فيها عن الحاجة الى "شرق أوسط جديد"، هي التي أوحت بان العدوان على لبنان لم يكن سوى "خطة معدة سلفا".
ولكن، مُعدة أو غير معدة سلفا، ما الفرق؟
نحن هنا أمام سيناريو واضح المعالم؛ أمام حرب تعتبر إسرائيل أنها "حرب حياة او موت"؛ حرب لا تستطيع أن تخرج منها مهزومة؛ حرب ستكون هزيمة إسرائيل فيها بمثابة هزيمة للمشروع الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة كلها؛ حرب لا يعقل ان تقتصر على صراع مع مليشيات فرعية في المعادلة، وتهمل الكليات والشموليات.
وهذه الكليات أو الشموليات إنما توجد في دمشق.
ومثلما أسقطت الولايات المتحدة عاصمة الخلافة العباسية، سوف تسعى إسرائيل الى أن تُسقط عاصمة الخلافة الأموية. وسيُسحق الإسلام والمسلمون كما لم تُسحق أمة من قبل، ليس في دينهم وفي كرامتهم فحسب، بل وفي وجودهم نفسه.
وعلى الأرض السلام، إنما سلام المطايا والإقطاعيات والإمعات.
***
يضع المرء يده على قلبه، وقلبه على دمشق، ودمشق على حصنها المعنوي والمادي الأخير، إنما ليقول أنها ستكون الفصل التالي، وربما الأهم، من مشروع "الفوضى الخلاقة" الأمريكي. فاستعدوا.
إنما بناءً على "فوضى خلاقة" مضادة.
إسرائيل لن تتمكن من الانتصار على "حزب الله". ما من أحد تمكن من هزيمة إسرائيل مثلما فعل حزب الله. إسرائيل تعرف ذلك جيدا. كل جنرالاتها يعرفون. وهم هناك تساقطوا واحدا بعد الآخر كالذباب.
قوة إسرائيل العسكرية مُصممةٌ للانتصار على جيوش، وليس على مليشيات. وبالانتصار على جيوش المماليك والإقطاعيات، فقط، تمكنت إسرائيل من البقاء. وسيكون من المطلوب، الآن، البحث عن ضحية أخرى يمكن الانتصار عليها. وهذه الضحية هي دمشق.
تخيلوا لو أن الصراع مع إسرائيل كان على الدوام صراعا بين مليشيات، وحربا كحروب العصابات. هل كانت إسرائيل لتستطيع أن تملي شروط وجودها على أحد؟ هل كانت ستبقى أصلا؟
...
الفرصة لم تنته بعد.
ما تزال هناك فصائل فلسطينية يتوجب أن تخرج من شرنقة "الدولة" لتتحول الى عصابات، ولتخوض من داخل إسرائيل، حرب تحرير وتدمير ونشر للفوضى، بوحدات "فدائية" على غرار الوحدات التي ينظمها حزب الله. وبدلا من انتحاريين يقلبون الاعتبارات الأخلاقية في الحرب لتعمل ضدهم، فان "انتحاريين" في مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال ولتخريب المنشآت الحيوية سوف تضفي طابعا خلاقا للغاية لمعنى المقاومة ولاستعادة روح التضحية والفداء. وبدلا من الحرب على الحدود، أو عبر الحدود، فانه يمكن نقل الحرب الى "أرض العدوِ".
والفرصة لم تنته بعد.
دمشق تستطيع أن تتعلم الكثير من درس الفشل العسكري في العراق.
تخيلوا لو أن الرئيس العراقي الأسير، قرر، ولو في الأيام الأخيرة، التي سبقت الغزو، تفكيك الجيش العراقي وتحويله الى مليشيات تتولى كل منها، بصفة مستقلة أو شبه مستقلة، مهمة حماية المدن من الداخل. الحرب كانت ستكون فيتنام جديدة بالنسبة للولايات المتحدة منذ اليوم الأول. ولكانت المقاومة أشد وأكثر سعة ولما كانت احتاجت الى عدة أشهر لتنطلق من مشروع وطني أو برنامج عمل واضح. الوضع الآن، ربما يكون أفضل بالنسبة للمقاومة العراقية مما كان، ولكن الثمن ما يزال باهظا. في الأقل، قد يصح القول أن المقاومة، لا تعمل في ظروف حرب أهلية، كما يمكن أن تعمل في أجواء يتوفر فيها ولو الحد الأدنى من الوحدة الاجتماعية. لست جنرالا. ولا يسعدني أن أكون. ولكن بالنظر الى الحال الذي انتهى إليه جنرالات الجيش التقليدي في العراق، فان النتيجة المنطقية الوحيدة تقول ان سوريا لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها بجيش بني على أساس استراتيجيات تضامن عربية لم تعد موجودة. وهو على بسالة وإخلاص ضباطه، ليس بأي حال من الأحوال، أكثر فاعلية من أي جيش نظامي آخر.
ومثلما لا تمكن الثقة بترهات التهديدات التي يصدرها قادة تنظيم "القاعدة" (الذين ما يزالون يتوعدون الولايات المتحدة بالويل والثبور وعظائم الأمور من دون وقائع وأفعال) فانه لا يجب الثقة بتعهدات الدعم والمساندات الخرافية التي تقدمها إيران.
قادة إيران تجّار كلام. قد يقدمون عربوناً، إلا انهم سيكونون أول الفارين إذا اتضح لهم ان الصفقة خاسرة.
لا يمكن الاستعداد لملاقاة الغزاة الإسرائيليين من دون مليشيات. هناك حاجة لنوع من حزب الله في كل مكان. مليشيات تقاتل في الشوارع والحارات، كما قاتل الفلسطينيون واللبنانيون دفاعا عن بيروت والمخيمات في مواجهة غزو عام 1982. ومثلما أُجبر الإسرائيليون على الفرار من بيروت في غضون أيام، فان شيئا لن يجعلهم قادرين على الدخول الى أي مدينة سورية من دون ان تنقلب المواجهات الى كارثة عليهم.
حينها فقط سيمكن ضمان دعم من يرغب بالدعم، وحينها فقط سوف تتحول الحرب الى صراع يُلهب الحماس، وتكون مبعثاً لفوضى خلاقة على مقاس أقدامنا نحن.
وسيكون سلام.
إنما سلام المقاومين والمجاهدين والأبطال.
علي الصراف
http://www.middle-east-online.com/?id=40011