نعم مصر تحت حكم الأسرة 31 المعروفة بالأسرة المباركية لا تستطيع منع الدولة الصهيونية من العربدة والتدمير والشرمطة على حدودها الشرقية المباشرة!! لا تستطيع منعها لا بالقول ولا بالفعل ولا بالتوسط ولا بالتوسل، ولا تملك إلا ترديد أنها حذرت ورهبت الجانب الفلسطينى من أن "إسرائيل" ستضرب!
نعم.. لا تستطيع لأنها مصر التى أكلتها عوامل التعرية الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدمية، حتى وصل الأمر إلى أن تستبيح عصابات صومالية ـ أكرر صومالية يعنى أفراد فى بلد فتك به الجوع والعطش والاقتتال على النحو الذى يعلمه الكافة ـ أن تهدد فعليا وتخترق عمليا الأمن الاستراتيجى المصرى فى البحر الأحمر وبحر العرب، وتختطف السفينة المصرية تلو الأخرى وتأسر طواقمها وتطلب الإتاوات!.. الصومال الذى كان ذات يوم من المناطق المسيطر عليها مصريا منذ حتشبسوت إلى جمال عبدالناصر.
نعم.. لا تستطيع وقد تعرض بناؤها الاجتماعى الذى كنا نباهى به الأمم من حولنا، ونقول إنه أقدم شعب متجانس موحد وأقدم دولة وأقدم سلطة مركزية فى الدنيا إلى التفتيت بين مسلمين ومسيحيين، ثم إلى مسلمين سنة وآخرين متشيعين، ثم إلى أشراف وصوفيين توزعوا بدورهم بين شيخين للطرق، ثم سلفيين وإخوان مسلمين وجهاديين وغيرهم فى نطاق السنة، وإلى اثنى عشرية جعفرية وإسماعيلية وبهرة فى نطاق الشيعة، وإن كان ذلك ليس محسوسا حتى الآن، لكنه موجود ويمارس على أرض الواقع.. وعند المسيحيين عشنا وشفنا كنيستين أرثوذكسيتين متصارعتين، وتابعنا الصراع الدفين الذى يطفح أحيانا على السطح بين الأرثوذكس والكاثوليك والإنجيليين، ناهيك عن الانقسام بين أقباط مهجر وأقباط داخل.. وكذلك رؤى كنسية متفاوتة بين علمانيين وإكليروس.
نعم.. لا تستطيع وقد اتسعت الفجوات بين فئات المجتمع وطبقاته، حتى وصل الأمر إلى أن مئات الألوف لا يستطيعون الآن شراء "السَّلتة" لإضافة طعم "الظفر" إلى الأكل.. و"السلتة" لمن لا يعرفونها هى مصارين الدجاج والأرجل التى بها الأظافر، وكذلك أطراف الأجنح وقد ارتفع ثمنها ليفوق القدرة الشرائية لأولئك، بينما هناك من يستورد الطعام للقطط والكلاب وينهب المليارات من السرقة والاحتكار والمضاربات على أراضى الدولة التى أخذوها بالملاليم!
نعم.. لا تستطيع وأجيال بأكملها يفتك بصحتها السرطان جراء ما فعلته عصابات استيراد المبيدات المسرطنة، وينتشر فيها الالتهاب الكبدى الوبائى حتى صرنا مع اليمن كتفا بكتف فى تسجيل أعلى الإصابات فى العالم.. ومستشفياتنا توزعت هى الأخرى بين حكومية عامة تطلب من مرضاها شراء القطن والشاش والأدوية وأخرى خمس وسبع نجوم!
نعم.. لا تستطيع وحياتنا السياسية تؤكد كل يوم على أننا نظام أوتوقراطى طغيانى غير تداولى، عدا عن وجود مراكز للقوة والنفوذ تتدخل فى أخطر شئون الوطن دون سند دستورى ولا قانونى، وبالتالى لا يمكن محاسبتها ولا بحث تداعيات تدخلاتها وأقصد تحديدا زوجة السيد رئيس الجمهورية وابنه!
نعم.. لا تستطيع وقد اندفعت شرائح واسعة من نخبتنا الفكرية والثقافية والسياسية إلى الاقتتال حول بديهيات كانت محسومة مثل الهوية والانتماء والتكوين الحضارى والثقافى، ومفهوم الأمن القومى المصرى وحدوده وضوابطه ومهدداته، وحول اللغة التى يتعين استخدامها فى وسائط الاتصال، ناهيك عما يعانيه الوطن فى التعليم والصحة والإسكان والمياه النقية والصرف الصحى والمرور والانضباط المسلكى اليومي!
لكل ذلك وغيره الأفدح لا نستطيع مجابهة ولا مواجهة ولا حتى محاورة الدولة العبرية بندية وقوة، وكنت أتمنى من رئيس الجمهورية وهو الذى يؤكد باستمرار على أن عهده هو عهد المصارحة والحكمة والتروى والمصلحة العليا، أن تكون أقواله ومواقفه تجاه ما يحدث فى "الكتف الشرقي" للجسد المصرى أى فى غزة متسمة بما يصف به عهده، فيعلن أن بعضا من محصلة ثلاث وثلاثين سنة من حكمه ـ منها ست سنوات نائب رئيس بصلاحيات هائلة مع رئيس لم يكن يحب أن يتعب نفسه ولا أن يصدع دماغه ـ هى المحصلة التى فصلت جزءا منها فى هذه السطور، ومن ثم فلا سبيل لأى "جر شكل" لفظى أو فعلى مع العدو الإسرائيلى وإلا سنجده عند الممرات فى 48 ساعة، ونحن مكبلون باتفاقيات نزعت سلاحنا من سيناء! التى تركناها بدورنا نهبًا لحرامية الأراضى، وللمقيمين فى معازل الفخامة والسياحة بشرم الشيخ وغيرها، وتحدثنا عن أهلها المواطنين المصريين واصفين إياهم بالبدو ووسمناهم بانعدام الولاء والخروج على القانون.
ليت الرئيس كان صريحا وليته لا يترك الأمر لأبى الغيط، الذى كان يجب أن يبقى فى الغيط لربما يجيد الزراعة والقلاعة ورعى الماشية أفضل مما فعله ويفعله بالدبلوماسية المصرية!، وإذا لم يكن الرئيس يستطيع الحديث بالتفصيل فلعله يقف ويقول: لا نقدر ولا نستطيع بل ولا نريد لأنكم عارفين وأنا عارف وخللى الطابق مستور، ولو جربتم القعدة فى الشرم مع امتداد البحر والأفق والهواء النقى لترددتم مليار مرة فى أى احتمال يعود بأى منكم إلى الكاكى وغرفة العمليات تحت سابع أرض!
http://www.al-araby.com/docs/article2142179664.html