نبيل حاجي نائف
عضو متقدم
المشاركات: 620
الانضمام: Mar 2006
|
إمبراطورية المعتقدات
إمبراطورية المعتقدات
مازالت المجتمعات الحالية على عكس الاعتقاد السائد تفرز معتقدات كما هو الحال عليه في الماضي .
المجتمعات الحالية هي كذلك مجتمعات اعتقادية , وبلا شك هناك تمثلات دينية فقدت من حدتها هنا وهناك ( ما عدى الدين الإسلامي ) وظهرت في العالم الآن في الوقت نفسه أشكال روحانية جديدة ومعتقدات غريبة ( كتلك التي تقول بزيارة مخلوقات من خارج كوكبنا الأرضي ) وإشاعات تقنية مخيفة واعتقادات شبه علمية وأيديولوجيات سياسية متنوعة .
بعبارة أخرى تتغير المعتقدات باستمرار وحين توشك أن تتلاشى هنا لا تلبث أن تطفو هناك .
لقد كان دفن الموتى ينم عن إلمام البشرية المبكر بصياغة مفاهيم اعتقادية . لكن أليس من المثير أن يستمر هذا الآن في الوقت الذي عرفت فيه البشرية تقدماً كبيراً في ما يتعلق بمعرفة محيطها ؟
هل يمكن القول إن نمو حقل المعارف يؤدي إلى انهيار إمبراطورية المعتقدات ؟
هناك نظرية تقول باندحار تدريجي للمعتقدات نتيجة التطور العلمي , وكانت سائدة خلال القرنين الماضيين , فبالنسبة لعدد كبير من الناس تعتبر التطورات العلمية الحل الأنسب للمشاكل التي تتخبط فيها البشرية وتحررها من قيود المعتقدات . وكان بعضهم ينادي بدكتاتورية العقل , كما يقول بذلك فرويد :
" حبذا لو أن الفكر والروح العلمية والعقل يستبد بالحياة النفسية للإنسان , هذه هي رغبتنا الأكيدة "
ولكن الملاحظ أن المعرفة وعدم المعرفة يتناميا معاً , وقد رأى " بليز باسكال " أن المعرفة إذا كانت تمثل بسطح دائرة تكون مساحتها في علاقة مع ما لا تتوافرعليه , أي المجهول , لهذا كلما ازدادت مسحتها ازداد الجانب الذي له علاقة بالجهل , وفي الوقع ليس الجهل هو الذي ينمو بموازاة مع نمو المعرفة ولكنه الوعي بعدم المعرفة . بعبارة أخري الوعي بغياب المعلومات الإضافية التي أصبحنا نحتاج إليها نتيجة توسع دائرة المعرفة .
فالعلم إذن ليس بمقدوره التقليص من حجم المعتقدات لأنه يوسع مجال الابتكار الممكن , الشيء الذي يولد معتقدات جديدة .وهناك سبب ثان يفسر عدم قدرة العلم على الإنهاء الكلي للمعتقدات هو عجزه عن إيجاد الأجوبة عن بعض الأسئلة الميتافيزيقية . فقد يمكنه أن يبين عدم جدوى بنية إقناعية دينية ولكنه لا يستطيع أن يجيب عن الأسئلة الوجودية العالقة التي تتعلق بمغزى الحياة مثلاً .
من مجلة الثقافة العالمية العدد 130 ( بتصرف )
يتبع
|
|
07-03-2006, 08:15 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
نبيل حاجي نائف
عضو متقدم
المشاركات: 620
الانضمام: Mar 2006
|
إمبراطورية المعتقدات
المعتقدات وحدود العقلانية
هناك عامل أساسي في شرح الصيغة المتحولة للاعتقاد الذي يطفو على الواقع كلما كانت ضرورة المعرفة تقترن بندرة الأخبار أو تعميمها .
لكن هناك ثلاث ضوابط أساسية للنفس البشرية تحجبها عن الخبر الحقيقي الصافي الذي تنشده المعرفة . ضوابط زمكانية , وضوابط ثقافية , وضوابط معرفية .
هذه الضوابط الثلاثة التي تحدد فضاء ظهور المعتقد هي للوهلة الأولى غير قابلة للاختراق , وهي :
الضوابط الزمكانية
إن ولوجنا إلى الخبر يتجدد حسب وعينا الذي يرسمه الزمان والمكان . مثلاً :اعتقد الناس لوقت ما أن جنة العهد القديم موجودة حقاً وهناك من حاول البحث عنها . هذا الاعتقاد يبرره عدم اكتشاف الإنسان لكل الرقعة الأرضية , وبما أن وعيه يتحدد حسب المكان فلا شيء يمنعه من حلم كهذا .
يتحدد الوعي كذلك حسب الزمان .
بحلول سنة 2000 مثلا , فتح الباب على مصراعيه للعديد من التخيلات , وفي بداية القرن العشرين بدأ الناس يتصورون أن السماء سوف تصبح مليئة بالآلات الطائرة , وقد تخيل " جيل فيرن " حافلات وقطارات طائرة تتحرك بواسطة بالونات هوائية , وكان البعض يعتقد أن كل منزل سيحوي عربة طائرة ....
هذه المعتقدات إذا كانت تضحكنا الآن فذلك لأننا نعرف أنها كانت مغلوطة , فلن يبقى لنا إلا أن ندرك أن وعينا يظل محدودا بالزمان والمكان وأن فكرنا يستدرك دائما النقص في المعلومات باللجوء إلى التكهن ومن ثم الاعتقاد .
الضوابط الثقافية
هناك شيء بين الخبر الخالص ومداولتنا له : وهي كيفية تناول الخبر .
هذه المصفاة المفسرة هي ما يمكن تسميته " بنظام التمثلات " أو بمصطلح أقل غموضاً " ثقافتنا " .
لتوضيح هذه الفكرة نورد التجربة التالية :
نعرض عل أحد الأشخاص صورة لمدة عشرون ثانية ثم نطلب منه يحكي ما رأى لشخص آخر لم يرى الصورة , وهذا بدوره يقوم برواية ما سمع عن الصورة إلى شخص ثالث وهكذا حتى نتمكن من إنهاء سلسلة لسبع أو ثمانية أشخاص , وكانت النتيجة أن وصف الشخص الأخير لم يكن له علاقة بشكل كبير مع الصورة المعروضة .
هذه التجربة توضح لنا كيف ترتبط التأويلات التي نقوم بها بالمنظومة الثقافية التي ننتمي إليها حيث احتمال بعض الصور يغلب على صور أخرى .
هذا المثل يظهر كيف أن تحليل الخبر ( لا ) يكون دائماً بطريقة موضوعية وحيادية وأن "القوالب الثقافية الجاهزة " هي التي تسهم في إخصاب أفكار مغلوطة وحكايات خرافية حقاً .
الضوابط المعرفية
يمكن للمعتقدات أن تكون كذلك ناتجة عن منزلقات طبيعية في تفكيرنا تهوى بنا إلى الخطأ .
وتجعلنا الحياة نواجه حالات معقدة تستعصي على المدى القريب على قدراتنا المعرفية . لذلك قد نستسلم إلى الرغبة في الاستنتاج حيث نعتقد بالحدس بأنها كافية , ولكنها في بعض الحالات تدفعنا إلى صنع المعتقدات
خلاصة القول هو أنه لا أحد يستطيع أن ينفذ إلى الخبر الخالص والكامل الذي يشكل الشرط الأساسي للمعرفة التي تعتبر أفقيا لا عرضياً : نحاول دائما الاتجاه نحوه بمنهجية لكن دون أن نطمع في الوصول إليه , وما دام هذا الساحل بعيداً إلى ما لا نهاية , فإن ما يطرأ على المعارف البشرية ( التي تسعى إلى تقليص القيود الضاغطة على العقلانية ) ليس من ناحية الموضوعية أمرا منافياً للتطور , وبالتالي استمرار إمبراطورية المعتقدات المتعددة الأشكال .
يتبع
|
|
07-05-2006, 12:32 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
|