وضاح رؤى
ممنوع 3 أيام
المشاركات: 1,602
الانضمام: Nov 2009
|
قراءة في بعض أسباب العداء للعروبة والوحدة العربية
محمد عبدالحكم دياب
جريدة القدس (العربي)
يطالعنا منبر القدس كثيرا بتعليقات وآراء عن ظواهر أهملت عفوا أو عمدا، ومن التعليقات التي لفتت النظر في هذه الصفحة المتميزة لـ القدس العربي في 15 حزيران (يونيو) الجاري، كانت لرئيس مركز دراسات الحياة السياسية السورية في باريس: محمد عجلاني، وحمل عنوان محنة الفكر القومي العربي .. أشار فيه الي الهجوم العنيف الذي يتعرض له الفكر القومي العربي، بصورة لم يتعرض لها فكر آخر، وذكر أن محاربة أي اتجاه قومي وحدوي هي الأساس، وكيف أن الغرب، في القرن التاسع عشر، لم يقبل بمحمد علي وابنه ابراهيم عندما وحدا مصر وسورية، وحدث نفس الشيء مع عبد الناصر الذي وحد مصر وسورية عام 1958، فالعرب، ممنوع عليهم أن يتوحدوا رغم وجود وحدة أوروبية ووحدة ألمانية، وربما وحدة كورية، حسب قوله.وانتقل الي المشهد الحالي وهـــو مشهد تنتزع فيه الهوية العربية عن الأشخاص والأماكن، وتستأصل الفكرة من الرؤوس، وانتهــــي مطالبا بوضع حد لهذه الهجمة الشرسة ضد كل ما هو عربي ومسلم.
وفي الحقيقة أن الكاتب طرق موضوعا يواجه بالتقصير وعدم الاهتمام، نتيجة التركيز علي الأحوال والمشاكل القطرية والداخلية، وهذا التقصير لا يخفيه اعتذار ولا يبرره انشغال. فالبحث في الموضوع وأسباب الظاهرة، وما ومن يقف وراءها مهم وضروري.. لأن الظاهرة لا توجد بذاتها أو لذاتها.. وتحدث اما افرازا لظرف، أو ترجمة لخطة، أو أداء لوظيفة، وكل هذا توفر في الحرب الضروس ضد الوحدة العربية والفكر الداعي والمؤيد لها، وحتي ما هو أدني منها بكثير، وبالتبعية لكل أنصارها، وفي المقدمة منهم حملة الفكر القومي العربي. فالقناعة الراسخة لدي رواد الحضارة الغربية، وأنصار التوجهات العنصرية هي أن العرب ليسوا غير قبائل وطوائف وجماعات متناحرة، لا رباط بينها، وأذكر أن شابا سعوديا نابها قال لي كلاما لا أنساه، في مطلع ثمانينات القرن الماضي، تبريرا لحرق آلاف من النسخ لمطبوعة ثقافية سعودية واعدامها، لورود كلمة اتحاد علي غلافها، وأردت أن أعرف سبب هذا السلوك الجنوني غير المبرر، لاعدام مطبوعة حكومية وصفت بأنها ثقافية . قال الشاب ليعلم القاصي والداني أن القاموس السعودي يخلو من فعل وحّد يُوحد توحيدا، وكل مشتقاته، ولأن كلمة اتحاد حاولت الدخول الي القاموس السعودي دون استئذان. فكان ما كان، وتسبب ذلك في هذه الخسارة الباهظة، وحتي تلك اللحظة لم أكن أتصور أن العداء للفظ الوحدة، لا قضيتها فقط، ينال هذا الرفض والسخط والكراهية، وبعد أن خبرت السياسة الرسمية السعودية فيما بعد، وحتي مرحلة صهينة القرار الرسمي العربي الراهنة، وجدت أن كلام ذلك الشاب عبر بصدق، ربما دون قصد عن طبيعة الثقاافة الرسمية السعودية.
وقبل التعرف علي أسباب هذه الظاهرة علينا أن ننظر الي داخلنا، ونتطلع حولنا، وسوف نجد أن أغلب تصرفاتنا، ومجمل قيمنا تخدم النزوع الانعزالي النافذ الي كل مسام الجسم الرسمي العربي، فروح العصبية ومنطق العشيرة وانغلاق الطائفة، فوق مصلحة الأمة وروحها. واذا بدأنا بالنخب السياسية ثم بالنخب الثقافية والفكرية المؤثرة في الرأي العام والتي تلعب دورا وضحا في توجيهه، وسوف نجدها أسيرة جهلها بالمنطقة. وتكوينها وحضارتها، وبجانب أنها أراحت نفسها من عناء البحث الذي يجعلها في تناغم مع تطلعات وطموح أهلها. وبدلا من ذلك تركت أمر تسيير أمور المنطقة لغيرها، وتنازلت طواعية عنها للقوي الخارجية، وذلك مقابل قيامها باحدي مهمتين. الأولي مهمة السمسار، الذي يحصل علي حصته. ثمنا لتسليم ادارة الموارد والثروات الوطنية، بشرية ومادية واستراتيجية لسادة االغرب، وهذه السمسرة توفر له حياة الترف والبذخ واستعباد البشر، وهو مطلب كاف لهذا النوع من النخب السياسية.. والنخب العربية، بصورتها الغالبة تفضل السمسرة علي عناء العمل والجهد وتلبية مطالب التقدم ومستلزماته. وحتي هذه اللحظة من النادر أن تجد مسؤولا عربيا يتخلي عن هذه الوظيفة، بل نجده يحتكرها لنفسه ويسعي لتوريثها لسلالته من بعده. ومثل حسني مبارك بارز في هذا المجال. دائم الأخذ دون عطاء ولا يقبل بوجود مساعدين خوفا من مشاركتهم له، ولا يقبل بغير طواقم الأتباع والموالي والعسس والجلادين. ينفذون أوامره ويتجنبون نواهيه، والقبول بمهمة السمسرة أساسه تطلع كاذب الي السيادة فوق الأضعف والأقل حظا وحظوة، الا أن السمسرة لا تؤهل صاحبها للسيادة، وكل ما يستطيعه هو أن تجعل منه مندوبا وراعيا لشؤون السادة الأصليين.
أما المهمة الثانية فهي مهمة العراب فالمسؤول الرسمي العربي لا يستطيع أن يعمل الا لحساب معلم أكبر، يغطي علي جرائمه وينفذ بعضها، نيابة عنه.. ويحصل مقابل ذلك علي نصيب من النفوذ وضمان الاستمرار.. هل هناك من سمع أو شاهد عربا يمولون حروبا توجه الي صدورهم؟ ولم يبق هذا الموقف غريبا أو مستهجنا من النخب الرسمية العربية، منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، ومعجزة النظام العربي الرسمي أنه جعل من الحروب ضد النفس أكثر الاستثمارات ربحا وعائدا في التاريخ. فحرب الخليج الثانية تكلفت 30 مليار دولار، ودفع فيها العرب 60 مليارا.. صفقة حققت ربحا قدره مئة في المئة، وتفوقت صورة من أداروها علي صورة المرابي التقليدي في الادب العالمي، خاصة أدب وليام شكسبير. وبعد أن حققوا أضعاف أضعاف المبلغ المدفوع. فان الغزاة تمكنوا من تمويل تكلفة عودتهم الفعلية الي المنطقة من الجيب العربي المثقوب، ولو أخذت هذه المبالغ عنوة لقلنا انه الاضطرار، وهذه البدعة شجعت علي اتمام الغزو الحالي للعراق، ولن يختلف الموقف عن سابقة حرب الخليج الثانية، بعد أن شاركت دول محيطة بالعراق، ان لم يكن بتحويل أرضها التي قواعد انطلق منها الغزو، فانها قدمت كل التسهيلات الأرضية والبحرية والجوية.. فتحت حدودها لدخول قوات خاصة لتقوم بمهمات سبقت يوم الغزو الفعلي بشهور، ووفرت الامدادات الميدانية، والحماية في الطرق والممرات المائية العربية!!.
وعلي المهتم برصد ظاهرة العداء السافر للفكر القومي العربي، وللقوي الداعية للوحدة ألا يغفل طبيعة النظام الرسمي العربي، والذي تمثله جامعة الدول العربية، ودوره السلبي. وعلي الرغم من أننا من دعاة دعم الجامعة، علي أمل توفير بعض الظروف الموضوعية للتماسك، الا أن هذا لا ينفي ما تقوم به من دور في تثبيت الأمر الواقع، فجامعة الدول العربية وان كان قصورها معبرا عن الحالة الرسمية للعرب، فان دورها مقنن ومخطط له. بنصوص ميثاقها الذي حصر دورها في مهمتين رئيسيتين، الأولي هي التنسيق بين الدول الأعضاء، فليس في نصوص الميثاق كلمات أو عبارات مثل التضامن أو التكتل أو التوحد، أو ما شابه ذلك، والنصوص الواردة ملزمة للأْعضاء، وهذا يمثل أساس المهمة الثانية.. مهمة الحفاظ علي استقلال الدول الموقعة علي الميثاق، والاستقلال هنا ليس بالمعني الاصطلاحي الايجابي، انما بمعني حصر استقلال الدولة العربية عن الدولة العربية الأخري، ولا يعني النص رفض التبعية أو عدم قبول الهيمنة الخارجية، وهذا يساعد في تجريم الفعل الوحدوي باعتباره تدخلا في الشؤون الداخلية العربية، وأي موقف في اتجاه التوحيد أو التكتل أو التضامن، يعتبر كذلك، وهذا المعني السلبي للاستقلال جعل الجامعة تتعامل مع الغزو، الذي ألغي العراق الموحد من علي خريطة العالم، فسمحت لمندوب مملكة الطوائف العراقية باحتلال مقعد الدولة التي كانت، وتلبي دعوة المشاركة في العملية السياسية التي يتولاها ويشرف عليها الاحتلال، وفي فلسطين تساهم في حرب التجويع، التي ما كانت لتتم دون اقرار النظام الرسمي العربي لها.
وحتي الفترات الاستثنائية في التاريخ العربي المعاصر، أثناء حقبة ستينات القرن الماضي، عندما استطاعت مصر أن تنشط اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وتقيم القيادة العربية الموحدة، وتنشئ منظمة التحرير الفلسطينية وتبني جيش التحرير الفلسطيني، وفور تلاشي الدور المصري، وغيابه، عاد التوجه الانعزالي، وصارت له الكلمة الفاصلة في تقرير المصير العربي، وجعل نصوص اتفاقيات كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو، ومعاهدات التطبيع، المعلنة والسرية، مع بقية الدول الأْعضاء ناسخة لكل نص يدعو للتماسك والتكتل.
وعندما نأتي الي النخب الثقافية، نجد أن الرخاوة طبعت مواقف كثيرين من المحسوبين علي الثقافة والفكر، وصار الثبات علي المبادئ حالة استثنائية، وجاءت الرعاية فوق العادية لـ مداحي ملوك الطوائف العربية والثروات الباهظة التي تهبط علي هؤلاء المداحين من سماوات قصور الحكم، وأجهزة الأمن المحلية، والمخابرات الأجنبية، لتزيد الموقف تعقيدا، بجانب أن آفة الاغتراب (من الغرب وليس من الغربة) حالت بين كثيرين وبين الهضم الثقافي الناشئ عن تلاقح الثقافات والحضارات،
فاستسهل الأدعياء النقل وغلب عليهم التقليد، بعد أن سبقهم اليه رجال المؤسسة الدينية الرسمية، ممن استسهلوا النقل واستصعبوا الاجتهاد، وسقط الفرق بين الناقل عن الغير الغربي، والناقل من كتب التراث القديم بغير تصرف، وانتشرت جماعات وعناصر كثيرة ليس لها من وظيفة غير تأصيل الفكر الانعزالي وترويج ثقافة الفتنة، والدفاع عن قيم الاستبداد، والانغماس في مستنقع الفساد، واستمراء التبعية. وكان الوعي العام بالهوية هو الضحية الحقيقية لكل هذا، ولم يقتصر دور هؤلاء علي التشكيك في الهوية انما دعوا الي طمسها والغائها، وقادوا حملات وحروبا لا هوادة فيها ضد الوحدويين العرب.
وأصبحت مسوغات الحصول علي المغانم هي التركيز علي عدم معقولية هدف الوحدة واستحالته، بينما لا يجرؤون علي التفوه بهذا اللغو عن الولايات المتحدة، أو المملكة المتحدة، أو ألمانيا، أو ايطاليا، أو ماليزيا، أو روسيا أو سويسرا، وغيرها من كيانات موحدة أو اتحادية.. كان آخرها الاتحاد الأوروبي.. وكأن العرب من طينة عجينتها التفتيت، وديدنها التقسيم، ولا يحملون غير الجينات الانفصالية
ومشكلة الوحدويين العرب، علي الرغم من أنهم الأكثر شجاعة في الجهر بالرأي، والأصلب دفاعا عن الهوية، مشكلتهم تتلخص في ضعف أدواتهم التنظيمية والمؤسسية، وغياب الدولة الأم، وقد تكون الصحوة القومية الراهنة عاملا يساعد في علاج هذا القصور التنظيمي. ومع ذلك ما زالت الظاهرة في حاجة الي المزيد من الاهتمام والمتابعة والطرح.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=20...دة%20العربيةfff
|
|
06-24-2006, 04:57 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}