عادات..
عادات...
في أوج المعركة الجوية المعروفة باسد البحر التي كانت تدور في سماء لندن بين طائرات "مسر شميت الألمانية و سبيت فاير البريطانية" في الحرب العالمية الثانية, لم يتخل ونستون تشرشل عن عادته في النوم ساعتين بعد الظهر, لم يكن الرجل جبانا لأنه في النهاية كسب المعركة و كسب الحرب كلها, و لكنه كان"صاحب عادة" لا يريد أو لا يستطيع تغييرها حتى في ظرف حالك كمعركة اسد البحر التي عاشت لندن فيها أحلك أوقاتها و كان يوم السابع من ايلول عام 1940 يوما لن ينساه اللندنيون عندما حلقت في سمائها 1200 طائرة ألمانية و خلفت بعد رحيلها دمارا مهولا و حتى في هذا اليوم خلد تشرشل الى ساعتي نوم الظهيره, غير هتلر رايه فجأة, و توقف عن قصف لندن فتنفس اللندنيون الصعداء و يقال لو تابع هتلر قصف لندن لكسب معركتها ,لأن سلاح الجو البريطاني اصيب بشلل كامل بعد الخشائر الكبيرة التي لحقت به.
سكان مدينة كونيكسبرغ الألمانية كانوا يضبطون ساعاتهم على تحركات" ايمانويل كانت "الفيلسوف الذي بين أخطاء "التجريبيين و العقليين" في نقده لكليهما, لم يقف في المنتصف لأنه جذب كل جهة و أختط لنفسه طريقا مختلفا,لم يكن هذا الرجل صاحب عادة واحدة بل صاحب عادات كثيرة صارمة طبقها بدقه طوال سنوات حياته, كان يستيقظ كل يوم في تمام الخامسة إلا خمس دقائق و يخلد الى السرير في تمام العاشرة و يتخذ وضعية في النوم تمنعة من ممارسة العادة السرية "الإستمناء" علما بأنه لم يتزوج إطلاقا,و لا بد أن يسير في الساعة الرابعة و النصف في نزهته اليومية في ذات الطريق بعد الغداء برفقة خادمه "لامبيه" الذي يحمل مظلة دائما خوفا من سقوط المطر حتى في "عز دين الصيف",أعتقد أن فلسفة "كانت" إنعكاسا لميكانيك نيوتن تصورات الزمان و المكان التي عرفها "كانت" تغلف مفاهيم السرعة و الحركة عند نوتن.على ضريح "كانت" كتبت عبارته التي ختم بها كتابه "نقد العقل المحض","السماء المرصعة بالنجوم فوقي,و الأخلاق في ذاتي",أفضل التعبير المنطقي الذي أورده "كانت" و الذي يقول " كل العزاب غير متزوجين", ذلك لأنه استنتاج حصيف فعلا.
لم يكن لدى "أودلف هس" خيار في أتباع "عادات" صارمة لأنه كان سجينا لدى عدة دول "أمريكا,بريطانيا,فرنسا,الأتحاد السوفيتي", فقد كان يجبره حراسه على الإستيقاظ في ساعة محدده و تناول وجبات بعينها,مات جميع نزلاء السجن الذي كان فيه وبقي وحيدا ,"هس" من أغرب شخصيات الحرب العالمية الثانية فقد كان نائبا "للفوهرر" في أوج العز النازي عندما كانت جيوش هتلر تكتسح أوربا,ركب "هس" طائرة صغيرة في ليلة ضبابية و أجتاز بحر الشمال و هبط بالمظلة في أسكوتلندا في مزرعة دوق هاملتون,قبض عليه و أودع سجن "برج لندن" نفس المكان الذي شهد قطع رأس الأميرة آن زوجة الملك هنري الثامن.كانت محكمة نورمبرغ رحيمة به و لم تشنقه كما فعلت بزملاءه رفاق هتلر. حكمت عليه أن يعيش بقية حياته مرهون "لعادات" أقرها سجانية و ذكر "هس" مرة أن اقساهم و أجلفهم السوفيت الذين كانوا يصرون على تطبيق البرنامج اليومي بحذافيره.لم تفصح الوثائق البريطانيه حتى اللحظة عن ملابسات رحلة "هيس" الغامضة و قد إزدادت غوضا بعد العثور عليه في زنزانته معلقا من رقبته بسلك كهربائي.
زميل دراستي "رزق سلوم", و هو ايضا اسم أحد شهداء ايار الذين أعدمهم جمال باشا المعروف بالسفاح,كان يلف رأسه الى جهة اليسار بأقصى ما يستطيع و يصيح بصوت عال "عه..عه" مرتين, كنا نعتقد في البدايه أنه يسخر منا,حاولنا تنبيه "رزق" الى عادته المضحكة و المحرجة و لكن المسكين لم يستطع منها فكاكا ثم تبين أنها مرض عصبي يسمى "الصرع الصغير",فعندما تختلط "الموجات الكهربائية" داخل جملته العصبيه يصيح بشكل لا إرادي "عه..عه".أما "وهيب كحل" استاذ العلوم الطبيعية فلا يمل من قوله "عرفتوا عليي كيف",اصبح الأستاذ "وهيب" يعرف ب "عرفتوا عليي كيف",هذه الجملة لازمة و حاضره في كل دروسه و أحيانا يبدأ درسه بقوله "عرفتوا عليي كيف", حتى ظننا أن الأستاذ "وهيب كحل" لديه "صرع صغير".
لعل العادة مرض "كالصرع الصغير",و قد خبرت بنفسي بعض العادات التي كلبشت في,كنت أردد بمناسبة و بدون مناسبة أغنية "هقلق راحتك",أدندن بها و أنا أسير في الشارع أو وأنا منصت بخشوع الى تعليمات مديري, تنطلق مني بشكل لا إرادي, و لم أستطع التخلي عنها إلا بعد أن حفظت "يا طبطب,يا دلع..",جدي "ابو اسماعيل" و هو لم يرزق بأولاد ذكور قط كان يدحش في حديثه كلمة "أفندينا",و لعلها عادة قديمة من زمن الأفندية و الأقطاع,زميلي عمر قهوجي يصر على إطالة ظفر بنصره الأيسر و لا يقبل لعادته تبديلا ينكش فيه أذنه أو أنفه أو يسلك اسنانه و له به مآرب أخرى,صديق آخر يضع الساعة بيده اليمين و هو لا يعرف لماذا يبرر فعلته بقوله "هيك".
العادة قد تتحول الى قانون .فإذا كنت معتادا على شراء الخضار من بقال معين سيتحول هذا البقال الى أفضل بائع, و الطريق الذي أعتدت على سلكة أقصر طريق و قد ينظر الكثير من الأزواج الى أنهم لا يحصلون على مضاجعة ممتعه إلا مع زوجاتهم,و لعل العادة تتحول الى أيمان راسخ و ربما مسلمة لا تقبل تغييرا ,فقد أعتدنا على ملاحظة أحداث محددة تعقبها أحداث محددة,الليل يتبعه نهار,إطلاق الرصاص على شخص يؤدي الى موته,كل البشر سيموتون..الخ,تعودنا على تلاحق هذه الأحداث خلف بعضها البعض فأعتدقنا أن ظهور الحدث الأول سيتبع ظهور الحدث الثاني كالسبب و النتيجة و الحقيقة أن الأمر مجرد عادة لا غير, فلا تتعجب إذا استيقظت يوما و لم تجد النهار, و لا تأخذك الحيرة إذا أصيب شخص برصاصة في رأسة و تناثر دماغه و لم يمت,الكلام السابق حول العادات و السبب و النتيجة قال به شخص يهودي يدعى ديفيد هيوم و لست أنا.
|