اشارات لأجندة أجنبية وراء حرب الأضرحة والمساجد
مبادرة من الشيعة العرب للتحالف مع السنة في العراق
دبي - فراج اسماعيل
كشفت مصادر عربية أن الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر طلب من سورية في زيارته الأخيرة لها دعم مبادرة لانشاء تحالف بين الشيعة العرب والسنة في العراق، وأنه التقى بالفعل بوفد سني عراقي كان في زيارة سرية لدمشق.
وقالت هذه المصادر إن الصدر عرض في لقاء جمعه بمسؤولين سوريين قلقه الشديد من تنامي المحاصصة الطائفية وصعود الشيعة غير العرب المدعومين من قوى اقليمية مجاورة، وإنه طلب من سورية التوسط لدى ايران للحد من تدخلاتها في الشأن العراقي الداخلي.
وأوضحت أنه تحدث عن صراع متصاعد بين الشيعة العرب والشيعة غير العرب، والمخاوف أن يؤدي ذلك لتمرير أجندة بعض القوى الاقليمية الراغبة في تقسيم العراق الي ثلاثة دول شيعية وسنية وكردية.
وأشارت هذه المصادر إلى أن المخاوف تطرقت أيضا إلى ادخال شيعة غير عرب في الشهور الأخيرة الى العراق ومنحهم الجنسية العراقية للمساعدة في تمرير الأجندة المدعومة من بعض القوى الاقليمية.
بعض السنة العراقيين مترددون
وفي اتصال أجرته "العربية.نت" مع أمين عام التيار الوطني العراقي، والمقرب من تيار الصدر عبد الأمير الركابي المقيم في باريس، أكد أن مقتدى الصدر عرض بالفعل على سنة العراق التحالف معهم، قائلا " يبدو لي انه ما يزال بعض الاخوة السنة مترددين ولم يحكموا موقفهم من هذه المسألة بعد".
واستطرد " التفجير الذي حدث لمرقد الامام علي الهادي والامام حسن العسكري سوف يزيد من اهمية وجود هذا التحالف. هناك حاجة ملحة لتحالف عربي شيعي سني، فلا يمكن من دون وجودهما في اطار موحد ان يبنى العراق أو يعاد بناؤه. الحادث الأخير اظهر قيمة ان يكون هناك نداء او دعوة لهذا التحالف".
مسئولية المحاصصة الطائفية
وأشار الركابي إلى أن "هناك قوى من مصلحتها أن يتفجر الوضع بين المكونات الرئيسية في المجتمع العراقي، واعتقد انه لا يمكن تبرئة مسئولية الاحتلال عما يجري، فقد وضع قاعدة جديدة للواقع السياسي العراقي، يرسخ مسألة المحاصصة الطائفية، واصبحت هذه المسألة مرجعية في كل الحياة السياسية في البلاد، وسببها بالدرجة الاولى رغبة الاحتلال في توطيد وجوده".
وقال عبد الأمير الركابي "علينا ان نقول بصراحة ان التيار الصدري هو القوة الرئيسية بين الشيعة في العراق، لكن هناك متغيرات طرأت على الوضع السياسي منذ فترة، وهو تصعيد الاتجاه الشيعي الذي يكرس الطائفية، والمدعوم من بعض القوى الاقليمية ومن الاحتلال، وهو اتجاه ليس له جذور عميقة في المجتمع العراقي".
وأوضح أن "رغبة التيار الصدري في التحالف مع السنة نابعة من ايمانه بوحدة البلاد ولفظ الطائفية واخراج القوات المحتلة ، وبناء عراق لكل العراقيين، وهذا التيار يعمل حاليا مع كل الوطنيين العرب في الجنوب والوسط وهو قوة تنمو يوما بعد يوم".
الأوضاع قابلة للسيطرة واستبعاد حرب طائفية
وأكد الركابي أن "الوضع في العراق حاليا قابل للسيطرة، واعتقد أن مسألة الحرب الطائفية بعيدة جدا جدا، وعوامل الوحدة داخل العراق اقوى بكثير من عوامل الفرقة او التصادم. كل القوى الآن اجتمعت على ادانة ان ما حدث يوم الاربعاء 22/2/2006 في مرقد الامام علي الهادي وحسن العسكري، وتتجه للملمة الامور ليكون درسا للجميع وسوف نخرج من هذه موحدين اكثر واقوياء اكثر".
وقال الركابي ان "الشيعة غير العرب اصبحوا محرجين في الوقت الحالي، فما حدث اضعف موقفهم داخل البلاد لأنه وضعهم امام تهديد كبير، وهم الآن في مأزق من كل الوجوه واعتقد ان من سينتصر هو وحدة العراق".
والمعروف أن مقتدى الصدر قطع زيارته لبيروت بعد تفجير مرقد الامام علي الهادي والامام حسن العسكري، واصدر اوامره لحيش المهدي بحماية مساجد السنة في البصرة بالجنوب العراقي.
وثائق سرية عن مفاوضات الجماعات المسلحة
وحول قراءة له لوثائق حصل عليها لمفاوضات بين الجماعات المسلحة والقوات الامريكية علق عبد الأمير الركابي " لقد نشرنا هذه الوثائق على موقعنا على الانترنت وقراءتنا لها، وتعاملنا معها بحذر شديد، وقلنا ان هذه الوثائق قد تكون صحيحة او غير صحيحة".
وحول طبيعة هذه الوثائق قال "إنها مكتوبة باليد ووصلت لنا من طرف موثوق له علاقة (بالمقاومة)، فقررنا نشرها، وقد تكون (المقاومة) ارادت ان توصل هذه المعلومة بدون ان تتبناها ونحن قلنا ذلك في تحليلنا لها، وطرحناها اعلاميا، وننتظر ان يصلنا شيء من الطرف الذي اوصل لنا الوثائق يؤكد ان ينفي اويضيف عليها".
وفي قراءته لهذه الوثائق قال الركابي "كل مايتعلق بهذه القضية يحيط به الغموض، ويثير القلق والتكهنات، ويستجلب الحذر القريب من الشك ، وآخرالفصول المثيرة، لهذا المناخ غير المريح، تلك التي احاطت بوصول هذه الوثائق إلينا، فمع أن مثل هذه الخطوة، لا يمكن إلا أن تثير لدى أي طرف، أو جهة اعلامية وسياسية، احساسا بالتقصد، تقصد الجهة وتعيينها هي بالذات ، من دون سواها، وتقصد الاشهار والابلاغ عن طريقها، دون سواها".
غموض بشأن الجهة التي ارسلت الوثائق
وأضاف: "مع هذا، وبسبب هذا، وغيره من الاسباب، قررنا التعامل مع المسألة بروية، وباقصى قدر من التحفظ، خاصة وان الجهة التي بعثت بالوثائق، قد اصرت هي نفسها على زيادة درجة التحفظ والشك، فلقد تعمدواان يقدموا تلك الوثائق بيد ، ويثيرون حولها الريبه باليد الاخرى ، قالوا : ( انها قد تكون صادرة عن "المقاومة المزورة" ، وهو تعبير مفهوم ، لكننا لم نسمع به من قبل، ولانظن ان احدا سمع به مستعملا للدلالة على جهة او جماعة بعينها) .
وقال الركابي في قراءته للوثائق التي حصل عليها "منذ أن تشكلت حكومة الجعفري، بعد الانتخابات الاولى ، دخل الجهد الامريكي في العراق ، حقبة استكمال العملية السياسيه ، بجلب "السنة " اليها، ولم يكن من الصعب تلمس درجة الاحباط التي شاعت في المناطق الغربية من العراق ، بعد ان جرت الانتخابات ، وتشكلت الحكومة. وفي ذلك المناخ ، تهيأت الفرصة لشخصيات طامحة الى السلطه والبروز، لكي تشيع اجواء من الاعتراض على سياسة المقاطعة، التي اتبعت وقتها ، متهمة اطرافا معينة ، بانها حرمت ابناء المناطق الغربية من العراق ، من المشاركة، وافقدتهم فرصة سانحة ومهمة ، لاظهار وزنهم ، ومايستحقونه في المعادلة السياسية ، عبر صناديق الاقتراع ، ولم يتوقف الامر على تلك الاوساط لوحدها ، فلقد جرى استعمال ادوات متعددة ، لهذا الغرض، وكان واقع المنطقة الغربية ، وضعف التبلور السياسي فيها ، قد فرض اللجوء الى استعمال هذا العدد من القوى والهيئات ، سواء منها تلك التي ظهرت فجاة ، وبدأت الحديث باسم (المقاومة) ، من امثال "ايهم السامرائي" بالاضافة لقوى اقدم ، كانت تبدو اكثر ثقلا وكياسة ، مثل "هيئة علماء المسلمين" وماسمي ب "المؤتمر التاسيسي ".
دخول السنة في العملية السياسية
ووصفهما الركابي بأنهما "جهتان مدارتان، وممولتان عربيا من اوساط خليجية، وهيئت لهما كل اسباب البروز الاعلامي، والسياسي، والمالي، على أمل ايجاد معادل تمثيلي طائفي لـ"السنة" ، بمواجهة غيرهم من الطوائف الاخرى والقوميات. وكما لعبت قوى طائفية شيعية ، دورها المعروف في سرقة تمثيل جماهير العراقيين الشيعة ، وجيرتها بقوة حراب المحتل، لصالح مشروع الغزو والاحتلال، لعبت "هيئة العلماء المسلمين ، " و"المؤتمر التاسيسي" في ظروف وحيثيات مختلفة ، نفس الدور في "الساحة السنية" ، الى ان جاء يومها الموعود ، وحلت لحظة الحصاد الاخير ، في القاهرة، تحت غطاء الجامعة العربية ، يومها شرعت "هيئة العلماء " دخول السنة في "العملية السياسية الامريكية " بوهم وخديعة الانسحاب الامريكي من العراق ، وتحديدا "جدولته " ، ثم غابت ، فلا صوت ، ولااثر اليوم للضاري او الخالصي ، بعد الذي فعلاه ، وقدماه من خدمة لمشروع الاحتلال ، لايضاهيها حتى ماقدمه عبدالعزيز الحكيم ، واياد علاوي ، وموفق الربيعي ، وغيرهم من القائمة المعروفة".
ويقول عبد الامير الركابي في قراءة الوثائق التي يتعرض لها "لكن قضية ادخال السنة في "العملية السياسية الامريكية" على مايبدو، اعقد من ان تحل على مرحلة واحدة ، ومع ان مؤتمر القاهرة ادى المطلوب منه جزئيا، الا انه لم يكن كافيا ، ويبدو ان ماتحقق على هذا الصعيد ، كان مقدرا ومحسوبا من قبل الامريكيين ، فمن دخل الى العملية السياسية ، هم بعض "السياسيين" من المدنيين السنة ، وهؤلاء لايحظون بتاييد (المقاومة المسلحة) ، التي تعتقد بانها هي الاحق بعقد الاتفاقات المتعلقة بالدخول في العملية السياسية ، ومن الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي ، بدأ هؤلاء يطالبون على الاقل ، بحقهم كممثلين وحيدين لـ"السنة".
المناطق الغربية لا تملك قيادات تاريخية
واستطرد "يمكن أن يقارن هذا الوضع الى حد ما ، في المناطق الجنوبية ، بالحالة الناشئة بين (تيار الصدر الثاني وتنظيم المجلس الاعلي) مع فارق هام ، هو ان المناطق الغربية لاتملك قيادات تاريخية ، واهمها اي "هيئة العلماء المسلمين " ، وليدة ، وحديثة العهد ، وتعتبر بالمقاييس السياسية طارئة ومفبركة ، وهاهي قد تهاوت بعد ان دفعت نحو موقف سياسي قاتل".
وأضاف: "الولايات المتحدة يهمها ان تضمن دخول الطرف السني في المعادلة التي وضعتها ، وهي تفضل بالتأكيد ، من يؤمن لها المزيد من الهدوء ، والاستقرار الامني ، وقد تظل تتمسك بالمدنيين وتبقيهم في السلطة ، وتواصل ضغطها على (المقاومة) الى وقت طويل ، ولحين أن تتاكد من ان من يرفعون السلاح ، قد قرروا التخلي عن سلاحهم نهائيا ، مقابل الاشتراك بالحكم. ويعلق"ان قراءة الوثائق لاتقول لنا اكثر من ذلك".
وفي تحليله لطبيعة الوثائق نفسها قال "نوجه الانتباه الى ماهي عليه من البدائية، وعدم الدقة ، ومن السهل غير ذلك ، اكتشاف غياب الطرف الآخر(الامريكي) ، فنحن لانتعرف عبر النصوص التي بين ايدينا ، على مواقفه ، ويكاد القاريء يعتقد بانه امام رسالة توجيهات، أو مجرد تلخيص للابلاغ لجهة ما، كاتبها شخص لايتمتع بسوية عالية من الناحية التفاوضية، ومن ناحية صياغة وترابط الافكار، عدا ذلك فان الروية مفقودة في النصوص، وهو مالايتناسب ودرجة خطورة القضايا الامنية ، وغيرها من القضايا الحساسة التي وضعت الوثائق لمعالجتها، ثمة قضايا تركت بلا تناول ، ولم تتابع اطلاقا ، من قبيل (اللاءات الامريكيه الثلاث) فقد وضعها كاتب الوثائق ، دون ان يحدد اي موقف او اشارة لموقف أولى منها" .
وشرح ذلك بقوله "هنالك غياب كلي لأية مطالب أو موضوعات وطنية وتأكيد على المطالب الفئوية والطائفية" .
ويلاحظ أنه "لامجال طبعا لاي دخول في الحكومة، الا بجانب اعضائها الحاليين ، اي اعضاء الاحزاب الكردية والمجلس الاعلى ، والتيار الصدري، الذي التحق مؤخرا ب"العملية السياسية " وليست هنالك اية اشارة رفض لموضوع المحاصصة الطائفية ، وهو مايعني بلا ادنى لبس الموافقة عليها ، كما يعني ايضا أن حصة المقاومة التي يجري التفاوض عليها ستؤخذ من "المدنيين السنة" ، أي من المطلك وعدنان الدليمي، لا من حصة أي طرف اخر. والأغرب هو الموقف من موضوع الدستور والمطالبة المعلنة بتعديله، فالوثائق تقول بان هذا الامر سيؤجل لسنة من دون ان نعرف لماذا وعلى أي اساس".
ميليشيا طائفية باحثة عن السلطة
وفسر الركابي ذلك بقوله "هذا يعني من دون اي التباس اننا امام ممثلي طائفة ، مليشيا طائفية، لامقاومة وطنية ، واننا عمليا ازاء نقاش يجري داخل سقف مشروع الاحتلال".
ويضيف: "اذا كانت الوثائق التي ننشرها صحيحة، فاننا نكون امام جماعة لاتستحق ان تعامل سوى كقوة طائفية ، "مليشيا" ، وانها تستحق بالفعل ماكان يردده اعداؤها بحقها ، من انها قوة باحثة عن السلطة ، وعن موقع في التركيبة الجديدة ، صحيح انها اضرت بمشروع الاحتلال ، وقاتلته بقوة، ولكن الاشياء لايحكم عليها بيومياتها المعزولة ، ولاتستحق هذه الظاهرة ، صفة "المقاومة الوطنية".
تصادم مع التكفيريين والتهديد بحرب أهلية
ويضيف "من حيث الوقائع الحالية ، فان هذه القوى تواجه اليوم مأزقا، وثمة خشية ، يجب ان تراودنا من حصول ماهو اسوأ ، كأن تدخل المناطق الغربية من العراق ، دوامة عنف تبدو نذرها غير بعيدة ، والظاهر انه لامهرب من حدوث تصادم اكيد مع تيار التكفيريين ، من جهة، ومع المتصدين من "السياسيين " لتمثيل السنة ،من جهة اخرى، مع أن هؤلاء الأخيرين اضعف ، واصبحوا يعلمون تماما حدود ماهو متاح لهم ، في التركيب السياسي "الطائفي " الجاري ارساؤه من هنا فصاعدا ، ولهذا وافقوا قبل غيرهم على الدخول في (العملية السياسية الامريكية ) وذهبوا الى حد القبول بحظهم ، وحظ من يمثلون كما يقسمه لهم صندوق الاقتراع ، ويبدو انهم صدقوا ، او ارادوا ان يصدقوا كذبة "ال 40 % " وحين لم تتحقق ، هددوا بالحرب الاهلية ، وبجريان الدم".
وقال الركابي "ثمة مأزق ، يخيم اليوم على المناطق الغربية من العراق ، والحرب بين حاملي السلاح ، تترافق دائما مع اقتراب ساعة اقتسام الحصص ، فمن يطلب كل شيء او لاشيء كما هو حال الزرقاوي ، افترقت به السبل مع من قبل بان يكون جزءا حيويا من الحكومة القادمة ، وسيصطدمان".
حرب طائفية من أجل التقسيم
ويعلق المحلل السياسي الهامي المليجي أن ما يحدث حاليا في العراق جزء من مخطط لبننة العراق واشعال حرب طائفية فيه تنتهي الى التقسيم، وبالطبع فان اشتعال مثل هذه الحرب في ذلك البلد الكبير سيكون أمرا فظيعا للمنطقة ككل، لأنه سيكون من الصعب اخمادها".
ويعتقد المليجي أن عناصر محلية قامت بوعي أو بدون وعي بشد فتيل الحرب الطائفية عندما أقدمت على تفجير قبة مرقد الامام علي الهادي وحسن العسكري اللذين يتمتعان باحترام الشيعة والسنة على السواء " لا اعتقد ان شخصا يملك ذرة من الوعي يمكنه القيام بهذا العمل الذي هز قلب كل مسلم بغض النظر عن مذهبه بدون أن تكون هناك أجندة خارجية تدعمه".
ويضيف:
"لا اتخيل أن عناصر سنية قامت بذلك، فالضريح موجود منذ قديم الزمن في منطقة سنية هي سامراء، والسنة كانوا يحمونه ومنهم خدامه وسدنته. اذن المسألة يستحيل أن تخرج من عراقيين بشكل عام، وانما بتوجيه خارجي له مصلحة في ذلك".
ويرى الهامي المليجي أن السيطرة على الأوضاع حاليا ليست سهلة خاصة بعد ان دخل رد الفعل الى مرحلة الاعمال الانتقامية والقتل على أساس المذهب وتدمير مساجد السنة، وهو ما كان يقصده المخططون".
http://www.alarabiya.net/Articles/2006/02/23/21410.htm