روزا لوكسمبرج
عضو رائد
    
المشاركات: 825
الانضمام: May 2003
|
حفل عيد الميلاد الأول لإمرأة في الثلاثين
كنت قد قررت أن أبدأ عامي الثلاثين بحفل صاخب, ولكني كالمعتاد قضيت ذلك اليوم في مطعم كلاسيكي محافظ بصحبة أهلي بعد أن أجبروني على شراء ملابس بنية اللون, متحفظة, وأهدوني معها بعض كريمات البشرة بهدف تأخير ظهور النجاعيد- ربما أقلقتهم تعبيرات وجهي في الفترة الأخيرة- وبعض أدوات الماكياج التي يعرفون جيداً أنني لن أستعمل أي منها. لا أشك في دوافع أهلي الطيبة نحوي, ولكني أتساءل بحق عن سر قناعتهم الساذجة بأنني وعند عبوري عتبة الثلاثين سأصبح شخصاً كلاسيكياً بطيئ الحركة, يرتدي الملابس البنية ولا ينسى أن يلتهم كريمات التجميل كل مساء خوفاً من التجاعيد.
لم أحتفل حتى اليوم مساءاً عندما وجهت لي صديقتي الخمسينية دعوة للإحتفال بأكلة "كسكس" طبختها لنا صديقتها التونسية التي أحببتها بمجرد أن سمعت لهجتها التي لم أفهم منها شيئاً في بدايات حديثي معها. أحب جداً أن أجتمع بأصدقائي في سهرة حميمية لا نمل من تكرارها, يدفئها نور المصباح الخافت والقابع بجوار الصوفة الواسعة زيتية اللون. منزل صديقتي مطابق لمنزلي من حيث الحجم والتقسيم, فنحن نسكن على بعد بنايات قليلة في هذا المجمع السكني الصغير والهادئ. برغم ذلك, فمنزلها دافئ جداً –عند مقارنته بمنزلي- برغم كلاسيكيته الملحوظه. أعتقد أنه يعبر عنها هي المناضلة "الفيمينستية" التي حرصت منذ أسابيع أن تريني إحدى صورها عندما كانت في مثل سني لتثبت لي بشكل طفولي يدهشني منها أحياناً, أنها ليست بهذه المحافظة التي تستشعر إتهامي لها بها في جلساتنا الطويلة. اليوم, سألتني صديقتي عندما لاحظت أنني رحلت بعيدا: ماهي خططك للعام القادم؟
لا أحب هذا السؤال, لا أحب قفزاته على اللحظة ولا أحب أيضاً مسؤلية التخطيط التي يلقيها علي بدون أي داع. بصراحه, أراه سؤالاً سطحياً يفترض مقدماً سير أحداث فسحة طويلة من الوقت ويتوقع مني أفعال و ردود أفعال أنا نفسي لا أعرف عنها شيئاً.
لا أنكر أنني وبعد أن لملمت أوراق أعوامي الثلاثين, بت أصدق فكرة أنني قد إكتسبت شعوراً مختلفاً بجسدي ومعه هاجساً مؤرق بالبحث عن عمق الأشياء. ذلك الهاجس الذي علمني أن أسمع كثيراً لنفسي وأن أخرج عنها في بعض الأحيان الأخرى لأستطيع مراقبتها من بعد كاف لمحاولة إكتشافها من جديد. قلت لها –بجدية- أن مشروعي الأساسي الأن هو محاولة إكتشاف تلك العلاقة الشفافة بين الجنس الجيد والرقص. أتحدث عن المتعة اللانهائية عند مداعبة ذلك الإيقاع الأرجواني الغامض والذي أراه في حد ذاته تفسيراً –يبدو لي- منطقياً لذلك الرابط المقدس بين متعة الجنس وعمق الإحساس بالموسيقى. عندما جاوبت صديقتي, كنت أرد على تساؤلها الحقيقي والمختبئ خلف سؤالها السطحي. وهو في ماذا أفكر الأن. وهذا بكل صراحة ما كنت أفكر فيه, أو بلأصح, هناك كنت قد رحلت وقت طرحت هي ذلك السؤال.
حلم يقظة طويل أخذني معه بعد أن إختطفتني نغمات الراي التي تلاعب خفوتها بهواء الغرفة والذي كان قد أصبح ضبابياً بفعل دخان السجائر. حالة, هي أشبه بنشوة ناعمة, عميقة البطء, تسكن في خلفية الصورة المرئية لأصدقاء يبتلعون "الجين" ويتناولوا ال "التشوكلت كيك" في نفس الوقت, وربما يفكرون هم أيضاً في سر نعومة سائل الشوكولاته المخلوط بتراب القرفة الإيروتيكي, والذي يبدو تلذذهم بإضافته لقطع الكيك واضحاً بالنسبة لي.
لم أتذوق كيكة الشوكولاته اليوم, إستمتعت فقط بمذاق التبغ المقدس المخلوط بمذاق الجين.
الجين مشروب أنثوى, بل هي إمرأة ثلاثينية حادة الأنوثة والمزاج.. هكذا فكرت وأنا أطلب من صديقتي الإحتفاظ بهذه الزجاجة التي لم أهتم بإخفاءها أثناء طريقي للمنزل.
أكتب الأن وقد عدت من منزل صديقتي سيراً على الأقدام لأكتشف متعة - أستغرب لها- بلفحات الهواء الشتائية التي إعتدت أن أختبئ منها بغضب طفولي تحت أغطيتي الثقيلة.. مازلت أرتدي بنطالي الداكن والذي أجده مريحاً أيضاً على غير المعتاد.. أستمع للموسيقى وأدخن ما تبقى من سجائر أقلق جداً من أن تنتهي الأن فلا أجدها بجوار سريري المستغرق في وحدته عند إستيقاظي من النوم.
سأخلع عني كل هذا الأن, أفكاري الثلاثينية.. إيقاع الراي.. بنطالي الذي أصبح مريحاً فجأة.. وأنام.. لأدعو أصدقائي غداً لحضور الحفل -الثاني- الراقص لعيد ميلادي الثلاثين.
|
|
01-06-2006, 07:59 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}