الموت الأبيض

كريس فلويد
قدم فيلم وثائقي عُرض الاسبوع الماضي تأكيداً جديداً لجريمة حرب بشعة تحدثت عنها هذه الصحيفة “موسكو تايمز” قبل تسعة أشهر وهي جريمة استخدام القوات الأمريكية أسلحة كيميائية خلال اجتياحها المسعور لمدينة الفلوجة العراقية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004.
وباستخدام أدلة مصورة وأخرى فوتوغرافية وروايات شهود عيان وإفادات مباشرة أدلى بها جنود امريكيون شاركوا في الهجمات على الفلوجة يصوّر الفيلم الوثائقي: “الفلوجة: المجزرة المتستر عليها”، استخدام القوات الأمريكية قذائف الفوسفور الأبيض وشكلاً جديداً “محسّناً” من النابالم أحالت البشر إلى مستحاثات وأذابت جلودهم، وقد انتجت راي (RAI) وهي شبكة تلفزيون حكومية ايطالية تديرها حكومة ساندت غزو العراق.
وتظهر صور حية مدنيين، من بينهم نساء وأطفال، وقد احترقوا داخل منازلهم وعلى أسرّة نومهم.
وقد أكد جنود امريكيون سابقون خلال مقابلات أجريت معهم هذا الاستخدام غير القانوني للأسلحة الكيماوية بأوامر من كبار قادة قوات بوش المسلحة وقتل المدنيين. وقال جندي امريكي نقلت حديثه صحيفة “الاندبندنت”: “لقد سمعت الأمر الصادر بالانتباه لأنهم كانوا على وشك استخدام الفوسفور الابيض في الفلوجة، ويعرف الفوسفور الابيض في اللغة العسكرية ب “ويلي بيت”. ويحرق هذا الفوسفور الابيض الأجسام تماماً، وفي الواقع انه يذيب اللحم ويصل إلى العظم، وقد شاهدت اجسام النساء والأطفال المحترقة، وينفجر الفوسفور الابيض ويشكّل سحابة، وكل شخص موجود في دائرة نصف قطرها 150 متراً محكوم عليه بالموت”.
ويعتبر عرض هذا الفيلم حدثاً مهماً نظراً إلى أنه فيلم مخز ومقزز ومقنع ولكن لا ينبغي النظر إلى عرضه باعتباره نبأ مثيراً، وفي وقت سابق من العام الحالي وكما نشرت هذه الصحيفة في 18 مارس/آذار الماضي اعلن فريق طبي ارسلته الى الفلوجة الحكومة الانتقالية العراقية المدعومة من ادارة بوش، نتائج زيارته للمدينة في مؤتمر صحافي عقده في بغداد، وقد حضر الايجاز الصحافي الذي قدمه محقق وزارة الصحة الدكتور خالد الشيخلي اكثر من 20 شبكة اخبارية من اكبر شبكات الاخبار الأمريكية والدولية، ولم تتحدث أي واحدة من تلك الشبكات عما ورد خلال الايجاز الصحافي على الرغم من ادعاء تلك الشبكات انها تدعم الصحافة الحرة والنشطة، ولكن منابر قليلة، مثل اتحاد اتصالات العمل الدولي، نقلت جزءاً من المعلومات الاستثنائية حول الحدث للناطقين باللغة الانجليزية من المشاهدين والمستمعين.
وقد أكد الدكتور الشيخلي وهو مسؤول في حكومة موالية للاحتلال من خلال فحوص طبية وشهادات شهود عيان من الناجين من اجتياح الفلوجة ومن بينهم مدنيون كانوا يعارضون وجود رجال المقاومة في المدينة، أن “كيماويات حارقة” تم استخدامها في الهجوم على الفلوجة في انتهاك مباشر للقانون الدولي والأمريكي. وقال الشيخلي إن جميع الكائنات الحية أبيدت بسبب المواد التي استخدمتها القوات الأمريكية، خلال اجتياح المدينة وان الغازات والنيران الكيميائية اسهمت في قتل البشر والحيوانات والنباتات، ولكن يبدو ان هذا النوع من الأشياء لم يعد يعتبر ضمن الأخبار المهمة من قبل حراس “حقيقة” الاعلام.
وكما ذكرنا هنا في مارس/آذار الماضي، فقد تعززت نتائج الشيخلي بإفادات مباشرة قدمها جنود من مشاة البحرية على مواقع في شبكة الانترنت، وتحدث جنود خرجوا للتو من تلك المعركة بصراحة عن الاستخدام الروتيني لمادة ويلي بيت، أو الفوسفور الأبيض، وقنابل البروبين والنابالم، خلال هجمات تكتيكية في الفلوجة.
وفي هذا الاسبوع، كما حدث في مارس الماضي، زعمت وزارة الدفاع الأمريكية أنها استخدمت قذائف الفوسفور الأبيض فقط في الفلوجة “لأغراض الاضاءة”، ولكن الأدلة التي عرضها الفيلم الوثائقي تكذّب ادعاءات البنتاجون، وعلى الرغم من وجود قنابل بيضاء فعلاً تنفجر في الجو لتغرق المدينة في ضوء غير طبيعي إلا أن الفيلم يعرض بوضوح قذائف فوسفورية أخرى وهي تنهمر على المدينة وتنفجر وسط مناطق سكنية وتنتشر سحبها الفتاكة، وكما يقول عالم الاحياء الفلوجي محمد طارق في الفيلم: “انهمر على المدينة مطر ناري أحرق كل الأشخاص الذين تعرضوا له. وقد عثرنا على أناس ماتوا متأثرين بجراح غريبة، ووجدناهم وقد احترقت أجسادهم وبقيت ملابسهم سليمة”.
وقد كانت مذبحة الفلوجة صورة مصغرة لكل المشروع غير الشرعي الذي شنّه رجلا الدولة المسيحيان البارزان، الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وهو عقوبة جماعية وحشية بسبب تحدي الإرادة الامبريالية وعدوان تكنولوجي بأسلحة فتاكة أهلكت اعداداً هائلة من المدنيين وخطأ استراتيجي غبي فاقم من العنف والكراهية اللذين سعى إلى القضاء عليهما، وقد أدى الافراط الشرير في القتل خلال اجتياح الفلوجة حيث لقي حوالي 1200 مدني مصرعهم، بينما تمكن افراد المقاومة الذين استهدفهم الهجوم من التسلل من المدينة قبل الاجتياح إلى استعداء مجموعات كبيرة من العراقيين الذين كانوا يتخذون موقفاً محايداً قبل المجزرة ودفعتهم إلى الانضمام للمقاومة، وأدى الهجوم إلى تعميق تورط الولايات المتحدة وبريطانيا في مستنقع آسن من جرائم الحرب وإرهاب الدولة والوحشية وجعل قادة الدولتين يتفوقون في درجة الإجرام على المتطرفين الذين ينتقدهم بوش وبلير علانية.
لندع الكلمة الأخيرة للسيد جيف انجلهارت، وهو جندي سابق ظهر في الفيلم الوثائقي وقد اصدر مؤخراً نداء لزملائه من الجنود الأمريكيين في موقع “فايت تو سيرفايف” أو “قاتلوا من أجل البقاء على قيد الحياة” وهو موقع جديد معارض للحرب يديره قدامى الحرب العراقية من الأمريكيين: “إنني آمل ان تجدوا في يوم ما العزاء والسلوى عن الأوامر التي يتعين عليكم تنفيذها وعن الخراب الذي شاركتم في حدوثه، وعن مساندتكم لسفك الدماء هذا، وحتى ذلك الوقت، ليس أمامكم إلا أن تأملوا في ظهور شيء يبرز على أنه غير أخلاقي تماماً ويقنعكم بلاانسانية هذه الحرب، ولا أعرف كم من الأدلة الأخرى تريدون، ففضيحة التعذيب في ابوغريب ومذبحة الفلوجة والطلقات عيار 50 مليمتراً أو القنابل اليدوية عيار 40 مليمتراً أو قذائف الدبابات التي تطلقونها على مناطق سكنية مكتظة بالمدنيين والقنابل زنة 500 رطل التي تُلقى على مساكن الأبرياء واستخدام اليورانيوم المستنفد والاستخدام اللاانساني للفوسفور الأبيض والكره والدماء وسوء الفهم ... كل هذه العناصر تمثل الحرب والنظام الذي تؤيدونه”.
* كاتب ومحلل سياسي والنص منشور
في موقع “انفورميشن كليرنج هاوس”

قبل حوالي شهر عرض برنامج وثائقي مع التحليل عن هذه القضية

والله مناظر تدمي القلب



بحثت عن الموضوع على موقع العربية فلم اجد البرنامج

http://www.alarabiya.net/Articles/2005/11/17/18701.htm

لو كان البرنامج على قناة الجزيره لأستطعت ان آتي لكم بالبرنامج لتستطيعون رؤيته ( إعلان لقناة الجزيره :emb: )