[CENTER]
[/CENTER]
بينما كان يهم بالركوب في سيارته متوجهاً الى استوديو التسجيل اوقفه (ديفيد شابمان) وطلب منه توقيع احدى مجموعاته الغنائية, ثم امضى طريقه ليلتحق بزوجته ويحتضن (الجيتار) لآخر مرة في حياته.
عقارب الساعة في طريقها لتعلن انتصاف ليل مدينة نيويورك و(جون لينون) مع زوجته (يوكو اونو) على ابواب شقته... (ديفيد شابمان) يقترب هذه المرة ليس لاخذ توقيع (لينون) بل حياته, مودعاً ست رصاصات في جسده وزوجته تنتحب ويداها ملطخة بالدماء الساخنة.
وكما كانت شخصية (جون لينون) عضو فريق البيتلز البريطاني اشد الشخصيات جدلاً في القرن الماضي كذلك هي حادثة اغتياله في الثامن من ديسمبر عام 1980.
وظلت الاسئلة معلقة حتى الآن والملفات القضائية تفتح من حين لآخر واوشك قاتل (لينون) على الخروج من سجنه وتبقى تلك الاسئلة ـ من قتل ولماذا قُتل (لينون) ــ اسيرة مريديه.
سنثير في عرض موجز بعض المحطات الرئيسة في تجربة (لينون) والتي تمثل فكره الراديكالي. ولد (لينون) في عام 1940 في مدينة ليفربول الانجليزية, بعد ان هجر والده زوجته, وتشرب الحياة في اوساط الطبقة العاملة, فقد والدته في صباه, اتسمت شخصيته بالتمرد والقيادية وكان يعرف كيف يستحوذ على اهتمام الآخرين, التقارير المدرسية كانت تؤكد انه يتمتع بنباهة فائقة ينقصها الاهتمام والتركيز, التحق بكلية الفنون الجميلة وغادرها طرداً لعزفه (الجيتار) في اروقة الكلية دون الالتزام بالمحاضرات لم يستغرق الامر طويلاً واسس لينون عدة فرق موسيقية ومن ثم ليكتمل رباعي البيتلز (بول مكارتني) (جورج هاريسون) (رينغو ستار) و(جون لينون) ويؤسس هؤلاء الفتية نهجاً جديداً في الموسيقى الحداثية واسلوب كتابة الاغاني, لم يكن (لينون) و(مكارتني) عندما كانا يجتمعان في حجرة مكارتني الضيقة لعزف الموسيقى ووضع كلمات الاغاني يعيان انهما يؤسسان لتاريخ الفن الغربي عموماً, وان الفكر العفوي الذي كان يكظمه الفتية الاربعة هو امتداد لموجة الحداثة التي اجتاحت التشكيل والادب الغربي.
ولن نخوض في تفاصيل تجربة (البيتلز) التي تناولها النقاد من عدة رؤى وضعت الفريق كقاعدة رئيسة لتطور ونهوض الموسيقى في عقدي الستينيات والسبعينيات وكذلك تفعيل التوجهات الفكرية الليبرالية في شتى المجالات. ونقفز الى مرحلة انحلال فريق البيتلز في عام 1969 وانفراد كل عضو من الفريق بتجربة شخصية كانت ابرزها تجربة (لينون) الذي تأثر كثيراً بزوجته الثانية اليابانية الاصل (يوكو اونو) وظهرت ميولة اليسارية جلية في تلك الحقبة فقدم عمله الغنائي (بطل الطبقة العاملة) الى الزعيم التشيلي (سلفادور اليندي)
وتبقى جدلية اغتيال (لينون) مبهمة من دون سرد الوقائع التالية:
في عام 1966 صرح (لينون) بأن فريق البيتلز اكبر من المسيح واثارت هذه التصريحات جدلا وسخطاً وانقسم الرأي العام الغربي حيال هذا التصريح, لكن سرعان ما تراجع (لينون) عن تصريحه مبرراً انه قصد ان اثر فريق البيتلز في نفوس الناس اكثر من اثر المسيح.
في عام 1966 دعي فريق البيتلز الى احياء حفل موسيقى في دولة الكيان الصهيوني, كتاب (اسرائيليون) عزوا عدم اقامة الحفل الى ان الفريق قد طلب مبلغاً مالياً لم تستطع ميزانية الدولة العبرية تلبيته لشح العملة الصعبة, وهذا التبرير لا يتوافق مع سياسة دولة اقيمت على قاعدة اعلامية, وهي في امس الحاجة في تلك الحقبة بالذات للتمتع بوجود البيتلز في كيانها ليحمل تأيدا واعترافاً ضمنياً من التيارات الليبرالية في الغرب التي يعد الفريق واجهة لها... ويمكننا استخلاص نتيجة واحدة ان الفريق رفض العزف في اسرائيل وان كان رفضاً ضمنياً.
ويمكننا استخلاص كذلك بعض النقاط الحساسة التي وردت في مقابلة مطولة اجراها الصحفي المتمرس ديفيد شيف مع لينون وزوجته قبل عدة اسابيع من اغتياله, فقد ورد في احدى اجاباته حول امكانية اجتماع الفريق لتقديم حفل موسيقي لجمع التبرعات لاجل الفقراء, وبعد ان استفزه الصحفي اثر محاولة (لينون) من التهرب من الاجابة, رد (لينون) بعفوية: هذا الكلام مكتوب بلغة الاستجداء والدموع اليهودية!!
وورد على لسان (لينون) في تلك المقابلة (حين زرنا أي (البيتلز) الولايات المتحدة لاول مرة في عام 1964 طلب منا مراراً وتكراراً عدم التطرق الى السياسة الامريكية وتحديداً في فيتنام واضاف لينون (بالطبع لم نستجيب لهذه الطلبات)
وفي سؤال استفزازي وجهه ديفيد حول علاقة (لينون) بالمخدرات, نفى (لينون) ادمانه واكد ان المخدرات ما هي الا تجربة عابرة ولم تكن ابداً وراء ابداعه الفني, وامام إلحاح الصحافي حول هذه القضية دعى (لينون) الى الاجابة التالية (يجب ان نعترف ان الـ CIA وراء رواج المخدرات, في السابق كان الجندي يمنح زجاجة خمر لامتصاص اضطرابه النفسي في الحرب. في فيتنام كان الامر مختلفاً. فقد استخدمت المخدرات لامتصاص اضطراب المحاربين ونقل هؤلاء الجنود ثقافة المخدرات للولايات المتحدة.
ونكتفي بهذه النقاط التي اثيرت في المقابلة التي اجراها (ديفيد شيف) ونعود الى بعض الوثائق التي كشفت عنها الـ FBI حول ازمة حصول (لينون) على تصريح اقامة دائمة في الولايات المتحدة والذي اقتضى منه عدة جلسات قضائية لسنوات عديدة, فقد كشفت تلك الوثائق ان الرئيس الامريكي (ريتشارد نيكسون) لم يرق له اقامة (لينون) المعارض لحرب فيتنام في امريكا, ونعرج هنا على الوثائق التي كشفت عنها مؤخراً الاستخبارات البريطانية والتي قدمتها للاستخبارات الامريكية ومفادها ان (لينون) قدم مساعدات مالية للجيش الجمهوري الايرلندي والالوية الحمراء الايطالية, ويمكننا في هذا السياق ذكر تصريحات نجل لينون (سين) من زوجته الثانية قبل قرابة ثلاثة سنوات ومفادها ان الاستخبارات الامريكية هي وراء مقتل والده نظراً لنشاطاته في مجالات لم تكن محببة بالنسبة لهم.
وبعيداً عن عقلية المؤامرة التي فطرنا عليها, فان نظرية قاتل لينون هو شخص مخبول غير مقبولة.
ورغم ان القاتل يحمل اسماً يهودياً والنقاط التي سلطنا عليها الضوء تشير وتكاد ان تؤكد ان فكر ونشاط (لينون) لم يرق لبعض القوى في الغرب, يمكننا الجزم ان الرصاص الذي اطلق على لينون هو ذاك الرصاص الذي اطلق على كثير من المبدعين والمناضلين, فالتصفية الجسدية كانت الخيار الوحيد لصد المد الابداعي الثوري لهؤلاء الذين عمدوا على تأسيس وعيٍ انساني مغاير عن السائد, ويبقى التساؤل لماذا لم يستثمر المثقف العربي اغتيال (لينون) او يحاول التواصل مع مفكرين ومبدعين غربيين يتقاطعون مع تطلعاتنا
أستمع إلى أغنية
http://students.concord.edu/vishal/songs/j...non-imagine.mp3
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــول