يطل علينا عيد الاستقلال بعدما تكرّم اركان السلطة باحياء «احتفالاته» فقط، مجتمعين، فيما هو منقسمون على بعضهم في مفهوم كل منهم للاستقلال.
وحدها الصورة التذكارية التي ستلتقط لهم ستبيّن انهم يعيشون فرحة الاستقلال، ووحده اجتماعهم في قصر بعبدا لتلقي التهاني بهذا العيد سيصوّر تكاتفهم وتضامنهم، فيما الشعب كله يدرك ان لا الحجر ولا البشر في لبنان مستقلون. والاهم ان القرار السياسي فيه بعيد عن كل معاني الاستقلال، وهو ما يؤدي الى حالة تنافر وسجال وانقسام بين اهل الحكم.
وفي قراءة للوقائع عشية عيد الاستقلال، ترى مصادر سياسية ان اجهزة استخبارات دولية متنوعة منتشرة على الاراضي اللبنانية، وان انتهاكات اسرائيلية يومية للمياه والاجواء والاراضي اللبنانية، فضلا عن ان ارضا لبنانية لاتزال تحت الاحتلال الاسرائيلي. في حين ان القرار السياسي مصادر من سفراء الدول الكبرى، الذين يقررون عن الحكومة اللبنانية نوع الاستقلال الحقيقي والآخر المزيف، والديموقراطية الصحيحة والاخرى المموهة، وكذلك طريقة الاصلاح، ونوع الحرية المسموح به والنوع الآخر الممنوع، وصولا الى تحديد شرعية الانتفاضات الشعبية. فتحوّل مفهوم الاستقلال الى وجهة نظر لدى كل فريق سياسي، ولم يعد له معيار واحد في التوصيف.
وتعطي هذه المصادر امثلة على توصيفات هؤلاء السفراء ومن يستحسن آراءهم، فتقول: «على سبيل المثال لا الحصر، تتميز تظاهرة 14 آذار عن تظاهرة 8 آذار، فالاولى مشروعة وتعبر عن الاستقلال والثانية غير مشروعة وتعبر عن الارتهان للخارج. التظاهر لاقالة رئيس الجمهورية تعبير ديموقراطي، حرية وسائل الاعلام الكويتية مقدسة ولا يجوز انتقادها مهما تضمنت من شائعات وسموم، ان يتعرض احد رؤساء الدول الشقيقة لرئيس الحكومة اللبناني بكلام انتقادي هو خط احمر، ان يرضخ القضاء اللبناني لتوصيات ميليس بتوقيف كبار القادة الامنيين في لبنان من دون ادلة دامغة، امر تبرره اتفاقية التعاون الموقعة بين وزارة العدل اللبنانية ولجنة التحقيق الدولية، ولا يمس حقوق المواطنية ولا يخالف مبدأ العدالة ولا يتعارض مع استقلالية القضاء وهيبته. ان يتم توسيع مهام بيدرسون (ممثل الامم المتحدة في الجنوب) لتشمل كل لبنان والصعد كافة من الاقتصاد الى الامن هو امر اجرائي وحضاري لا يجوز التوقف عنده او تفسير دلالاته، ولا يمس السيادة والاستقلال. ان تفرض الدول الخارجية على الحكومة اللبنانية اجراءات اصلاحية لوقف الهدر والفساد الداخلي، لا ينتهك استقلالية القرار اللبناني، ان نوزع الاتهامات ونخوّن ابناء وطننا لاجترار رضى اطراف اجنبية لا يندرج في خانة المحرمات بل في اطار التباين في الرأي، . ان نرضخ للقرارات الدولية ولا سيما تلك المتصلة بجوهر الصراع اللبناني - الاسرائيلي، وان نتسبب بازمة بين اللبنانيين على خلفية الاملاءات الاجنبية بنزع سلاح المقاومة اللبنانية هو امر لا ينتهك الاستقلال اللبناني.
ان نتنصل من تعهدات مع لبنانيين شاركوا في استقلال لبنان من الاحتلال الاسرائيلي امر جائز، اما ان نعلن تنصلنا مما ورد في تقارير الموفدين الدوليين عن تعهدات متناقضة للتعهدات التي سمعها هؤلاء اللبنانيون هو امر غير جائز».
وهكذا دواليك... لتخلص المصادر الى ان مفهوم الاستقلال تحوّل في لبنان ليصبح وجهة نظر ترتكز على النسبية في قراءة المعايير، وليس حقيقة مطلقة لها معاييرها وثوابتها الدامغة والموحدة. وما دام كل فريق لبناني له تفسيره الخاص لمعنى الاستقلال فعبثا يحاول المسؤولون اقناع الشعب اللبناني بان يعيشوا فرحة الاستقلال. والى ان يفهم الجميع ان الاستقلال هو تربية، والتربية هي كتاب موحد، والكتاب هو تاريخ ودستور وذاكرة وعبرة وحقيقة جامدة، فإنه يخشى على البلاد والعباد من صراع «مفاهيم الاستقلال».