عراق صدام وعراق اليوم
كارين طربيه
بي بي سي ـ لندن
تستحوذ الساحة العراقية التي لا تزال تحت وقع فضيحتين مستجدتين بداية الأسبوع الجاري على الاهتمام الأبرز وشبه الوحيد في تغطية الصحف البريطانية الصادرة اليوم لشؤون الشرق الأوسط.
وبالرغم من أن لا رابط يجمع بين اكتشاف فظائع التعذيب الممارس في أحد السجون العراقية وإستخدام القوات الأمريكية لمادة الفوسفور الأبيض في الفلوجة، فإن معظم الصحف اعتبرت أن الشأنين يصبان في استنتاج واحد يتعلّق بمصداقية الأمريكيين في الدرجة الأولى والحكومة العراقية في الدرجة الثانية.
الفوسفور الحارق
"الكذبة البيضاء الكبيرة". هكذا عنونت صحيفة الانديبندنت صفحتها الأولى في إيحاء واضح للفسفور الأبيض الذي اعترفت الولايات المتحدة بأنها استخدمته في الفلوجة.
وكان هذا الموضوع قد ظهر إلى العلن بعد أن اتهمت محطة تلفزيونية ايطالية القوات الأمريكية الأسبوع الماضي باستخدام الفوسفور الأبيض ضد المدنيين في الفلوجة.
وقد خصّصت الانديبندنت ملفا حول الفوسفور الأبيض الذي يشكّل مادة قوية الاشتعال لدى اختلاطها بالأوكسيجين وتؤدي إلى حرق البشرة حتى نفاد الأوكسيجين منها. وقد وصف أحد الأطباء الذين عاينوا ضحايا العملية العسكرية الأمريكية في الفلوجة بأن "بشرة المصابين كانت منحلّة أو ذائبة".
وتُطلق هذه المادة عندما تُرشق بواسطة المدافع، شُعلات نارية صفراء ودخانا أبيض كثيفا، غالبا ما تستخدمها القوات العسكرية لإضاءة ساحة المعركة وكساتر دخاني يخفي تحركات الجنود.
وللفوسفور الأبيض خصائص حرارية تتسبب بحروق قوية ولكنه لا يعتبر سلاحا كيماويا وبالتالي ليس مشمولا في معاهدة الأسلحة الكيماوية الموقعة في عام 1993، بحسب ما ذكرت الاندينبدنت.
غير أن هذه المادة مذكورة في البروتوكول الثالث لمعاهدة الأسلحة التقليدية التي يحظر استعمالها كسلاح ضد المدنيين. إلا أن الولايات المتحدةة لم توقع على هذه الاتفاقية.
سجن سري واحد؟
وبعيدا عن التفاصيل التقنية والقانونية، انتقدت الانديبندنت بشدة التصرف الأمريكي واعتبرت في مقالها الرئيسي أن "الرئيس بوش يخون القيم التأسيسية لدولته".
وقال كاتب المقال: "الكذب بشأن أسلحة محظورة. مساجين مخفيون وغرف تعذيب. أناس في أقفاص. هذا كان عراق صدام حسين وهذا ما شكّل مبرر الحرب عليه. بعد عامين ونصف العام على غزو العراق، يبدو أن الصورة نفسها تتكرّر".
وفي إشارة إلى السجن السري الذي اكتُشف في بغداد وفيه حوالي 200 سجين تعرّضوا لأبشع أنواع التعذيب، اعتبر المقال أنه بالرغم من عدم تحديد الجهة المسؤولة عن السجن المذكور حتى الآن، فإن المسؤولية تقع في ذلك على الولايات المتحدة التي "تغض الطرف عن انتهاكات معروفة"، بحسب ما جاء في الاندينبدت.
وتابعت الصحيفة هجومها على الإدارة الأمريكية معتبرة أنها "إدارة منحطة تعتبر أن التعذيب والأسلحة القاتلة يشكلان صلب المناورات العالمية".
كما نبّهت الصحيفة من أن اكتشاف هذا السجن السري يطرح أسئلة جدية بشأن وجود سجون مماثلة في أماكن أخرى.
الرياء الفوسفوري
وفي السياق ذاته، اعتبرت صحيفة التايمز أن فضيحة الفوسفور الأبيض أساءت بشكل كبير لصورة الولايات المتحدة في العالم.
وكتبت برنوين مادوكس: "عبر استعمال سلاح مشهور في فييتنام ومعروف لتأثيراته على الجسم البشري، أعطت الولايات المتحدة هدية لأعدائها. فهي اليوم متهمة بالرياء والنفاق: كيف تفسّر أنها غزت العراق بحجة استعمال صدام حسين للأسلحة الكيماوية ثم تستعمل هي أسلحة مؤذية جدا ضد مدنيين؟"
أما في ما يتعلّق بفضيحة السجن السري، فقد دعت التايمز إلى إشراك منظمة الصليب الأحمر في التحقيقات التي وعدت الحكومة بإجرائها في هذا الإطار.
واعتبرت الصحيفة أنه يجب نشر تقارير عامة وإصدار توقيفات علنية إذ أن "تكريس الثقة بأن المسؤولين السياسيين سيبسطون حكم القانون أساسي في صراع العراق للانعتاق من سنوات الترهيب".
وقد شكّل مقال صحيفة الغارديان صدى لانتقادات وتحاليل الانديبندنت والتايمز.
وكتبت الصحيفة تحت عنوان "وحشية بغداد": "أحداث الأسبوع الجاري تسببت بضرر مضاعف: أساءت إلى حجة الولايات المتحدة بأنها أقالت ديكتاتورا واستبدلته بما هو أفضل، وأساءت أيضا إلى الآمال المعقودة على مشاركة العرب السنة في انتخابات الشهر القادم والتي تعتبر محورية لبزوغ الديموقراطية في العراق".
يُذكر أن المساجين الذين عثر عليهم في "السجن السري" في بغداد ينتمون إلى العرب السنة، وهو ما تخوّفت معظم الصحف بشأنه وحذّرت منه.
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/press/news...000/4444546.stm