في جمهورية ايران الإسلامية الحياة قائمة على الشعارات، فمن يصيح اكثر يعيش افضل، هذا هو المبدأ. فتحت ظل هذا الصياح استطاع نظام طهران أن يبقي الاعتقاد سائدا لدى الكثير أن ايران هي أم القرى كما سماها الخميني يوما "مقارنة بمكة المكرمة" والسبب في ذلك اعتقاد هؤلاء ان الشعارات التي سمعوها في بداية قيام نظام الجمهورية الإسلامية ما تزال هي هي غير مدركين حجم المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها ايران خلال الستة والعشرون عاما الماضية والتي جعلتها تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المدمنين على المخدرات. فمن بين 220 مليون مدمن في العالم بينهم تسعة إلى اثني عشر مليون مدمن على الأفيون والهروئين، مليونا شخص منهم في ايران وحدها، حسب التقرير الأخير للأمم المتحدة. كما أن ايران هي الأولى من بين الدول التي تمتلك العديد من الأجهزة الاستخباراتية و الشرطة السرية و المليشيات القمعية التي لا تخضع لقانون المحاسبة والرقابة الحكومية. وما مازال المدافعون عن النظام الإيراني يجهلون أن عدد الأطفال الذين يعشون بدون مأوى في شوارع طهران وحدها يعادل عدد أطفال الشوارع في دول أمريكا اللاتينية الأشد فقرا. ويجهلون أيضا أن اكبر عدد من الصحفيين السجناء في العالم هم في ايران. وهناك العديد من الحقائق الأخرى غابت عن أذهان هؤلاء المطبلين السذج بسبب الشعارات الصياحة.
الكثير من المدافعين عن ايران بدعوى أنها جمهورية إسلامية لا علم لهم بوقائع الحياة السياسة و الاجتماعية في هذا البلد. تلك الوقائع المخزية التي تحدثت عنها شخصيات دينية و وثقتها مراكز دراسات إيرانية عديدة خلال السنوات العشر الأخيرة ومن بينها أوضاع المساجد التي أصبحت مهجورة في ظل نظام الجمهورية الإسلامية بعد ما كانت أبان الثورة عبارة عن مراكز ومنتديات تدور فيها حلقات النقاش و فيها توضع الخطط لرسم سياسات الثوار ومنها تنطلق المظاهرات حيث كان المسجد أشبه بخلية نحل لا يخلو من الرواد والعباد ابدأ وكثير منها كانت أبوابها مفتوحة على مدار الساعة و هذه الصورة ما تزال محفورة بذاكرة الجيل الذي عاش تلك المرحلة. غير أنه و بعد ستة وعشرون عاما من قيام نظام الجمهورية الإسلامية فان سبعين بالمئة من مساجد إيران لا تقام فيها صلاة الصبح. وهذا ما أكده يوم الجمعة الماضي الشيخ محسن كديكور أحد ابرز رجال الدين المثقفين و واحد من اشهر المعارضين لسياسات النظام الإيراني خلال خطبة صلاة العيد التي ألقاها في أحد الثانويات الصناعية في طهران بعد أن عجز هو وأنصاره من تيار الوطني – الإسلامي في الحصول على مسجدا واحد يتفتح أبوابه لإقامة صلاة العديد الأمر الذي جعل كديور يكرس خطبة العيد عن أوضاع المساجد في ايران وموضوع الشعارات السياسية التي مازال قادة النظام يطلقونها ومنها تلك الداعية إلى "محو إسرائيل" وغيرها، متسائل في الوقت ذاته عما إذا كان الفلسطينيون موافقون على هذه الشعارات الإيرانية أم لا؟
وقد تحدث الشيخ محسن كديور وهو المجتهد والمثقف الإصلاحي البارز بحرقة عن هذه الحالة حيث أكد أن الأرقام الرسمية أظهرت أن سبعين في المئة من المساجد لا تفتح أبوابها لصلاة الصبح، و ان الكثير من المساجد أيضاء لاتقام فيها الصلوات الأخرى بشكل منتظم. مضيفا ان المساجد تحولت إلى شعب وفروع لمكتب مرشد الثورة علي خامنئي بحيث اصبح من العسير على من هو ليس في الخط الرسمي لتوجهات هذا المكتب أن يحصل على مسجد لإقامة صلاة الجماعة او العيد. و أكد الشيخ كديور قائلا، أن في مرحلة ما قبل الثورة وعلى الرغم من الاضطهاد والاختناق الديني والسياسي الذي كان سائدا فقد كان من السهل الحصول على جامع مستقل عن سياسة وهيمنة الحكومة. أما اليوم فأن ذلك من المستحيل حيث لا يمكن العثور على مسجد واحد يقع خارج هيمنة السلطات الحكومية؟. ومضى مستائلا هل زادت الحرية الدينية في عهد الجمهورية الإسلامية أم نقصت عما كانت عليه؟. و أضاف قائلا : لكوننا لا نفكر مثلكم فهل هذا يحرمونا من حقنا القول بأننا إيرانيون ومسلمون شيعة و واحدة من حقوقنا الدينية أن يكون لنا مسجد بعيد عن هيمنة الحكومة؟. أليس من شريعة حقوق الإنسان حرية العبادة والتي تستلزم حرية المعبد بمعنى ان يكون المسجد خارجا عن سلطة مكتب مرشد الثورة. فهل الصلاة توجب الإخلال في نظام الدولة حتى تغلق الجوامع بوجه المصلين و لا يتم فتحها إلا بأمر من مكتب المرشد؟.
وفي تعليقه على الشعارات الأخيرة التي أطلقها الرئيس الإيراني محمود احمد نجاد والتي دعا فيها إلى " محو إسرائيل " قال الشيخ كديور، أننا بالإضافة إلى إدانة الإرهاب وعلى رأسه إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل ، فإننا من جانب آخر نتسائل هل باستطاعتنا من خلال الشعارات الراديكالية و التصريحات المتطرفة وحدها الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني؟. ان هذا الأمر يحتاج إلى الحنكة الدبلوماسية والعمل الثقافي فلو كانت صحافتنا حرة و إمكانية النقد للمواقف الراديكالية متوفرة لتبين لنا أن كانت هذه الشعارات في صالح الشعب الفلسطيني أم بضرره. كما انه علينا عندما نقول كلاما أن يكون متوافقا مع مطالب الشعب الفلسطيني والمنظمات الفلسطينية.
كلام هذا الشيخ لا يشكل كامل حقيقة الحالة التي عليها ايران اليوم،على الأقل من الناحية الاجتماعية والدينية، فإيران في عهد الجمهورية الإسلامية بلغت مرحلة من الانحطاط لدرجة باتت اغلب مراكز الدراسات مهتمة بالحالة الاجتماعية واضعة جملة من الحقائق بين يدي القراء والمشاهدين من خلال الأفلام والدراسات الوثائقية التي تقدمها.
آخر هذه الدراسات فيلم وثائقي بعنوان " كرگدن " المتعة أم اللواط أيهما يسبق الآخر في ايران؟. هذا الفيلم مدته 107 دقائق وهو من إخراج " هوتن شيرازی " ويتحدث عن حالة الأطفال المشردين في ايران وكيف يتم استغلالهم البشع من قبل عصابات المافيا التي يديرها كبار ملالي طهران. وقد تقرر عرض هذا الفيلم في مهرجان يقام في مدينة غوتبرغ السويدية وهو واحد من عشرات او ربما مئات الدراسات الوثائقية التي تتحدث عن عمق المأساة الاجتماعية في ايران. هذه المأساة التي يحاول قادة نظام الجمهورية الإسلامية التغطية عليها بشعارات الموت لأمريكا و الموت لإسرائيل ! فهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/...5/11/104292.htm